لا شك في أهمية الأدوية الحديثة في علاج الاكتئاب، ولكن في الحقيقة يُشكل التغيير الاجتماعي والشخصي والسلوكي والمعرفي علاجاً هاماً وضرورياً لمشكلة الاكتئاب، وبيَّنت الدراسات الحديثة أنَّ معدل نكس الاكتئاب كان أقل عند مَن تلقوا العلاج السلوكي المعرفي، مقارنة بالمرضى الذين تلقوا العلاج الدوائي.
1. ما هي خطوات العلاج المعرفي السلوكي؟
- في البداية يَطلُب منك المعالج النفسي أن تحدد المواقف أو الأشياء التي تسبب الإزعاج مثل الطلاق أو المرض.
- يساعدك المعالج على إدراك أو فهم المشاعر والعواطف المرافقة للأفكار والمعتقدات الموجودة لديك، والانتباه إلى ردود أفعالك الجسدية والنفسية تجاه هذه الأفكار.
- ثم يطلب منك أن تُحدِّد الأفكار السلبية أو المغلوطة؛ مما يسعدك على تحديد نماذج السلوك أو التفكير التي تسبب لك المشكلة.
- محاولة تعديل أو تصحيح الأفكار السلبية أو المغلوطة؛ وذلك من خلال أن تسأل نفسك فيما إذا كانت هذه الأفكار أو السلوكات منطقية أم لا، فقد تكون هذه الخطوة هي الأصعب في العلاج المعرفي السلوكي، وتتطلب جهداً كبيراً في البداية، ولكن فيما بعد ستصبح من الأمور التلقائية وتعود عليك بالفائدة طوال حياتك.
2. ما هي أنماط التفكير التي تسبب الاكتئاب من وجهة نظر العلاج السلوكي المعرفي؟
- مبدأ الكل أو لا شيء: وهو أن ينظر مريض الاكتئاب إلى الحياة نظرة متطرفة، إما بيضاء بشكل كامل أو سوداوية بشكل كامل؛ حيث يغيب الاعتدال وهنا تبرز مشكلة المريض في التعامل مع مواقف الحياة؛ وذلك لأنَّ الأخيرة خليط من الاثنين.
- حذف الإيجابيات: بيَّنت الدراسات أنَّ الأشخاص المكتئبين لديهم آلية ذهنية غريبة، تتمثل برفض المواقف الإيجابية؛ حيث يعدُّونها صدفة أو غير محسوبة.
- إعطاء الأمور أكبر من حجمها: من خلال المبالغة في ردات الفعل تجاه أمر معيَّن.
- التعميم الزائد عن حده: والذي يتمثل بتطبيق نتائج حدث واحد على جميع الأمور في الحياة.
- الفلتر الذهني: والذي يتمثل باختيار المواقف السلبية أو التقييمات السيئة أو المواقف المؤلمة حتى تصبح الرؤية سوداوية بشكل كامل.
3. لماذا يُصاب بعض الأشخاص بالاكتئاب في حين أنَّ بعضهم الآخر لا يُصاب؟
إنَّ جميع الأشخاص يمرون بحوادث سيئة في مرحلة ما من حياتهم أو بمرض أو فقد أو غيرها، ولكن ليس الجميع يصاب بالاكتئاب عند تعرُّضه إلى الحوادث، فقد وجد الباحثون أنَّ الأشخاص المكتئبين يعانون مما يسمى بالتحيُّز السلبي؛ حيث إنَّهم ينسبون المشكلات أو الآثار السلبية كلها في حياتهم إلى أنفسهم ويُحمِّلون ذواتهم مسؤولية الخطأ، ولكن يعزون الأشياء الإيجابية إلى الآخرين.
وعلى المقلب الآخر فإنَّ الأشخاص الذين يمرون بالأحداث الصعبة دون أن يصابوا بالاكتئاب، يتمتعون بما يُسمَّى بالتحيز الإيجابي للذات؛ حيث إنَّهم يُرجِعون الأمور الإيجابية إلى أنفسهم، ويعزون الحوادث السلبية إلى الآخرين.
من هنا نستطيع أن نستنتج بأنَّ الاكتئاب ليس ناجماً عن الحوادث أو الكوارث أو المصائب، فالإنسان عاجز عن التحكم بالظواهر الطبيعية أو الموت أو المرض، ولكنَّه قادر على التحكم باستجابته لهذه المواقف، ومن هنا يأتي أحد أهم مبادِئ العلاج السلوكي المعرفي؛ وهو تعديل استجابتنا إزاء المواقف المختلفة.
شاهد بالفديو: 7 علامات تدل على إصابتك بالاكتئاب
4. استراتيجية تعديل الانتباه في العلاج المعرفي السلوكي:
أغلب مرضى الاكتئاب يكون لديهم تمركز مبالغ به حول الذات، ومراقبة لصيقة أو دقيقة لكل ما تقوم بها مترافقة مع محاسبة متشددة، وتتطوَّر الحالة فيما بعد إلى جَلدٍ متكرر للذات، ومن هنا يؤكد العلاج السلوكي المعرفي على أهمية تعديل انتباه المريض أو تحويله باتجاه الأشياء الإيجابية في حياته، وهنا نستطيع أن نطلب من المريض أن يسأل نفسه عن الأشياء الجميلة أو الإيجابية في شخصيته وأن يناقش نفسه بها ليتذكرها على الدوام، ويمدح نفسه خلال حديثه الذاتي.
كما أنَّه من المفيد أن يُدوِّن المريض الأحداث السعيدة على مفكرة خاصة به ويقرأها من حين إلى آخر، وكذلك من الهام تشجيعه على مرافقة الأشخاص الإيجابيين في الحياة، والذين يُدخِلون السعادة والفرح إلى قلبه؛ حيث يمكن بهذه الخطوات أن تكون بديلاً أو تأخذ مكان مضادات الاكتئاب.
5. استراتيجية إعادة البناء النفسي المعرفي التربوي في العلاج المعرفي السلوكي:
يستند هذا العلاج إلى أنَّ مرضى الاكتئاب لديهم نظرة سلبية حول أنفسهم والمستقبل والأحداث التي تمرُّ في حياتهم، وهذه النظرة السلبية تؤدي إلى تشكُّل معارف آلية لا تكيُّفية، وهنا يكون دور العلاج المعرفي السلوكي بإعادة البناء النفسي المعرفي التربوي من أجل معرفة النظرة السلبية التي أدت إلى تلك المعارف، وتصحيح الأولى؛ أي النظرة السلبية كونها السبب، وليس المعارف اللاتكيُّفية كونها مجرد نتيجة أو تحصيل حاصل.
وكمثال على ذلك، تعاني "سوزانا" من اكتئاب، وأكثر ما يثيره هو برود زوجها وعدم اهتمامه بها وبأُسرته وانشغاله بالعمل، ومن خلال استعمال مبادئ العلاج المعرفي السلوكي، والقيام بإعادة البناء النفسي المعرفي من قِبل المعالج النفسي، تم التوصُّل إلى أنَّ "سوزانا" تشعر في قرارة نفسها بأنَّ لا أحد يحبها، والأهم من ذلك أنَّها تعتقد بأنَّها لا تمتلك ما يستحق الحب؛ ولهذه الأسباب هي تعتقد أنَّ زوجها لا يحبها ويتهرب منها، وهذا ما سيدفعها بشكل أو بآخر إلى تفسير كل تصرفات زوجها الحيادية أو حتى الإيجابية بطريقة سلبية، وهنا يكون العلاج هو تغيير نظرتها إلى ذاتها.
6. استراتيجية التأمُّل بحب ومودة في العلاج المعرفي السلوكي:
بالتأكيد إنَّ الاكتئاب حالة صعبة ينشغل فيها المريض بالتفكير في الأحداث التي جرت في الماضي، ويداوم المريض على التفكير فيها طوال الوقت واسترجاعها واجترارها وإلقاء اللوم على نفسه، ومن ثم يُسقِط ذلك على مستقبله والخوف منه والتوتر مما قد يحمله؛ وذلك يسبِّب له الانقطاع عن العالم الخارجي والسقوط في هاوية العزلة؛ مما يؤدي إلى تفاقم الدورة الاكتئابية.
هنا يجب تشجيع المريض على التَّأمُّل في اللحظة الراهنة والابتعاد عن إطلاق الأحكام؛ وذلك من خلال طرائق عدة، منها التركيز في حركات التنفس أو التدقيق بتفاصيل الأشياء مثل فروع الشجرة وأغصانها وأوراقها وعروق هذه الأوراق وغيرها من تمرينات التأمل.
من تمرينات التأمل الهامة والمفيدة: التأمل بحب ومودة؛ ويكون ذلك من خلال التركيز في الذات ومن ثم التفكير في شخص طيب دون مشاعر جنسية، ثم التفكير بشخص حيادي لا نشعر بأي شيء تجاهه ولكن نصادفه في حياتنا اليومية، وبعد ذلك التفكير في شخص يبعث فينا المشاعر السلبية، ومن ثم التفكير في كل ما سبق، وبعدها التفكير في الكون من حولنا؛ حيث يستغرق هذا التمرين ساعة كاملة، ومن خلال المداومة على هذا التمرين يستطيع الإنسان التخلُّص من المعاناة النفسية والمشاعر السلبية، وتعزيز حب الذات وتقبُّل النفس والفرح بها وتخفيف المعاناة الجسدية.
توجد فوائد كبيرة للتأمُّل؛ فهو يُخرِج الشخص من التمركز حول الذات ويمنحه المرونة الانفعالية ويكسر عزلته الاجتماعية، كما أنَّه يشجعه على أن ينطلق في حياته وعمله وينفتح على الآخرين.
7. استراتيجية التنشيط السلوكي في العلاج المعرفي السلوكي:
تتَّصف حياة المكتئب غالباً بالبلادة والخمول وقلة الحركة وانعدام الطاقة، وتغيب المعززات أو المحفزات في حياته مثل المتعة والرضى والإنجاز وغيرها، ومن ثم يدخل في دورة من الإحباط وهنا يبرز بشكل هام دور التنشيط السلوكي في تشجيع المريض على ممارسة النشاطات المختلفة من المشي السريع والسباحة ولعب الكرة والخروج في نزهة في الغابة والذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، ويُنصَح بممارسة هذه الأمور بشكلٍ رئيسٍ في بداية العلاج من أجل رفع طاقة المريض.
8. هل يملك العلاج السلوكي المعرفي لمرض الاكتئاب آثاراً سلبية؟
في حقيقة الأمر يرافق العلاج السلوكي المعرفي بعض المضار العاطفية طويلة الأمد؛ حيث إنَّ إعادة استكشاف المواقف أو المشاعر المؤلمة هو أمر صعب ومُتعب؛ بل هو موضوع شاق؛ وذلك لأنَّ هذه الأمور قد تزيد الاكتئاب وقد تكون هي السبب في ظهور الاكتئاب.
والعلاج السلوكي المعرفي قد يكون غير مريحٍ؛ لأنَّ المعالج النفسي قد يطلب منك مواجهة الأمور التي تخاف منها، فعلى سبيل المثال: قد يطلب المعالج من المريض الذي يعاني من رهاب الساح أن يذهب إلى الحديقة العامة بشكل متكرر، وقد يقوم المعالج النفسي بإعادة المريض إلى أحد المشاهد المؤلمة مثل وفاة أحد المقربين، ليعيشها ذهنياً مرة أخرى ويُدرِّبه على تغيير سلوكه أو استجابته أو ردة فعله تجاه الموقف، في العموم إنَّ الهدف من العلاج المعرفي السلوكي هو تدريب المريض على التعامل مع الشدة والضغط والقلق بطريقة صحيحة وعلميَّة وآمنة.
في الختام:
وجد خبراء علم النفس أنَّ هناك الكثير من الأدلة والإثباتات التي تؤكد نجاعة وفاعلية العلاج المعرفي السلوكي في حل الكثير من المشكلات التي تترافق مع الاكتئاب، ولكنَّ هذا لا يعني الاستغناء عن العلاج الدوائي أو التحليل النفسي وغيرها من العلاجات؛ حيث يمكن أن يكون العلاج المعرفي السلوكي جزءاً من خطة متكاملة لمعالجة المريض.
المراجع: كتاب العلاج المعرفي السلوكي المعاصر، هوفمان إس جي.
أضف تعليقاً