طرح كثيرٌ من المنظِّرين تفسيرات محتمَلة تتضمَّن أسباب السلوك الإنساني مُعتمدين في أُطروحاتهم على مفاهيم أو أفكار محددة، وقد ساعدتنا هذه النظريات مجتمعةً على اكتساب فهم أفضل للآليات الكامنة وراء السلوك الإنساني، وإحدى السلوكات الإنسانية التي قُدِّمت نظريات عديدة لتفسيرها هي الدافع.
إذ نرى أنَّ كلَّ نظريةٍ من النظريات لها إطارها المحدَّد، فإنَّ النظر في الأفكار التي تستند إليها هذه النظريات، يمكن أن يساعدنا على اكتساب فهم أكثر شمولاً للدوافع، ووَفقاً لـ "موسوعة علم النفس النقدي" (the Encyclopedia of Critical Psychology)، فإنَّ الحافز هو القوة التي تُطلِق شرارة السلوك، وهي التي توجِّهه وتحافظ عليه نحو تحقيق هدف معيَّن.
فالحافز هو ما يدفعنا إلى اتِّخاذ نوع من الإجراءات، التي يمكن أن تكون مجرد إجراءات بسيطة، مثل: الحصول على وجبةٍ خفيفةٍ لإسكات الجوع، أو إجراءات على درجة من الأهمية، مثل: التنقُّل في جميع أنحاء البلاد، أمَّا عندما نتَّجه نحو اتخاذ الإجراء، فإنَّ ذلك يكون إمَّا بسبب الدافع أو نتيجة انجذابنا نحو تحقيق الهدف.
يمكن أن يساعدك فهم الدافع وراء سلوكك على أن تشعر بمزيدٍ من الرضى في الحياة، وتحسين عملية صنع القرار بحيث تصبح قراراتك فعَّالة جداً؛ وذلك لأنَّك عندما تفهم القوى التي توجِّه أفعالك جيداً - التي هي نتيجة لتأثيرات وظائفك الحيوية وعواطفك والوظائف الإدراكية بالإضافة إلى العوامل الاجتماعية - فستكون قادراً على فهم كيفية تغيير مسارك عندما تشعر بانعدام الرغبة لفعل شيء على الرغم من أهمية القيام به.
لا توجد نظرية واحدة عن الدافع تشرح جوانب السلوك البشري جميعها، لكنَّ التفسيرات القائمة على النظريات التي سنقدَّمها في هذا المقال يمكن أن تساعدك على تطوير أساليب جديدة لزيادة حماستك في المجالات التي تفتقر فيها إلى الدافع.
تفسيرات لأفضل 7 نظريات عن الدافع وراء السلوك البشري في علم النفس:
1. هرم "ماسلو" (Maslow) للاحتياجات:
هرم "ماسلو" للاحتياجات هو نموذج متدرِّج يأخذ شكل هرم، تتوضَّع فيه الاحتياجات البشرية الأساسية بالترتيب بحيث لا يمكن إشباع الحاجة الأعلى إلَّا بعد إشباع الحاجة التي تسبقها في الترتيب، ووَفقاً لهذه النظرية، فإنَّ احتياجاتنا الأساسية هي احتياجات البقاء، وهذه هي الدوافع الأساسية وراء السلوك، وهذا أمرٌ منطقيٌّ، فمن غير المعقول أن تسعى إلى الحصول على مكانة اجتماعية وأنت غير قادر على الحصول على الطعام أو الماء.
إنَّك تحتاج إلى إشباع احتياجاتك البيولوجية قبل أن تشعر بالرغبة في معالجة عوامل أُخرى في الحياة، ويزداد الدافع قوة كلما طال الوقت الذي تُعاني فيه من حاجة غير مُشبعة، فمثلاً كلما أمضيت وقتاً أطول في حالة الاستيقاظ، ازداد إرهاقك، وازدادت حاجتك إلى النوم.
بالعودة إلى سياق ترتيب الاحتياجات، فإنَّه وبمجرد أن تُشبِع الحاجة الأدنى، فإنَّ المستوى التالي من الاحتياجات في الهرم يصبح المصدر وراء الدافع السلوكي، وهكذا حتى تُشبِع احتياجاتك جميعها، وتُحقِّق الدرجة القصوى لإمكاناتك؛ فالاحتياجات الأربع الأولى في هرم "ماسلو" تُسمَّى بـ "احتياجات النقص"؛ بمعنى أنَّه يكون لديك الدافع لتعويض النقص في هذه الاحتياجات، وهذه هي الاحتياجات في هرم "ماسلو":
1. احتياجات فيزيولوجية:
تتضمَّن المتطلَّبات الحيوية للبقاء على قيد الحياة، مثل: الهواء، والطعام، والماء، والنوم، والمأوى؛ إذ تختل وظائفك الحيوية ما لم تُشبَع هذه الاحتياجات، وتبقى الاحتياجات الأُخرى جميعها ثانوية طالما أنَّ هذه الاحتياجات الفيزيولوجية لم تُشبَع بعد.
2. الحاجة إلى الأمن:
بعد أن تُشبَع الاحتياجات الفيزيولوجية، تصبح الحاجة للأمن والأمان حاجة مُلِحَّة؛ إذ يتوق الإنسان إلى الاستقرار والشعور بالثقة والسيطرة، وهذا يشمل الأمان العاطفي، والأمان المالي، مثل: الحصول على وظيفة، والاستقرار الصحي، وتفادي خطر الحوادث والإصابات.
3. الحاجة إلى الحب والشعور بالانتماء:
المستوى الثالث من الاحتياجات البشرية يتضمَّن الحاجة إلى العلاقات الشخصية، وشعور الإنسان بكونه فرداً من الجماعة؛ وهذا يعني وجود أصدقاء، وعلاقات دافئة، وتبادل الحب، والثقة مع الآخرين، وأن يشعر الإنسان بأنَّه مقبولٌ ومحبوبٌ.
4. احتياجات التقدير:
يصنِّف "ماسلو" احتياجات التقدير إلى فئتين: احترام الذات، والشعور بالاحترام من قِبل الآخرين، ووضَّح "ماسلو" أنَّ حاجة الإنسان إلى الشعور بأنَّه موضع احترام الآخرين، تكون محسوسة في عمرٍ مُبكِّر من حياته، وأنَّها تسبق حاجة الإنسان إلى الشعور بتقدير الذات.
يفترض "ماسلو" أنَّه ليس ضرورياً أن يقوم الإنسان بإشباعٍ تامٍّ لإحدى الاحتياجات للانتقال إلى الحاجة التالية، كما يوضِّح أنَّ احتياجات النقص يمكن أن تكون مُشبَعة أكثر بقليل أو أقل بقليل من المطلوب قبل أن يبدأ الإنسان بتوجيه تركيزه وجهوده نحو إشباع الحاجة التالية؛ فمثلاً، أنت لست محتاجاً للحصول على ثماني ساعات من النوم حتى تحوِّل تركيزك نحو القضايا التي تخصُّ سلامتك الجسدية.
يوجد في المستوى الأعلى والأخير من الهرم احتياجات "النمو"، وهذه لا تنتج عن النقص في شيء ما؛ بل تنبع من التطلُّع إلى تطوير الشخصية، وفي حين أنَّه من الناحية النظرية يكون بمقدور الناس جميعهم الوصول إلى أعلى مستوى من تحقيق الذات، إلَّا أنَّ كثيرين لا يصلون إلى ذلك.
السبب أنَّه غالباً ما يتم إعاقة التقدُّم نحو هذا المستوى بسبب عدم إشباع احتياجات المستوى الأدنى بفعل ظروف متنوعة في الحياة، مثل: فقدان الوظيفة، والظروف الصحية المزمنة، والطلاق، وتحوُّل مجرى الحياة تحوُّلاً جذرياً، أو خسارة الأصدقاء، والكوارث الطبيعية، كما تجعل التجارب الحياتية الناس يتقدَّمون تارةً نحو مستوى أعلى من الاحتياجات، ويتراجعون تارةً أُخرى نحو مستوى أدنى، وذلك وَفقاً لاحتياجاتهم في وقتٍ ما.
تختلف عملية تحقيق الذات من شخصٍ لآخر، ولا تعني في نظرية "ماسلو" أن يعيش الإنسان حياةً مثاليةً؛ بل يمكن للناس التركيز على هذه الحاجة؛ أي حاجة تحقيق الذات، بطرائق فردية وشخصية جداً؛ فمثلاً، قد يكون تحقيق الذات بالنسبة إلى شخصٍ لديه أولاد هو أن يكون والداً نموذجياً، بينما قد تتجلَّى هذه الحاجة لدى شخص آخر في تحقيق التفوُّق الرياضي.
لكن في جميع الأحوال، وبصرف النظر عمَّا يعنيه تحقيق الذات بالنسبة إلى شخصٍ ما، إلَّا أنَّه ينطوي على صحة نفسية جيدة، وشعور بالرضى والأمان؛ فالأشخاص الذين يحقِّقون ذواتهم يتَّصفون بما يأتي:
- مبدعون ولديهم روح الدعابة.
- يتقبَّلون أنفسهم، ويتقبَّلون الآخرين كما هم.
- يحافظون على علاقاتٍ عميقةٍ وهادفةٍ.
- يمكن أن يعيشوا دون الاعتماد على الآخرين.
- لديهم تصوُّر دقيق للواقع، ولديهم وعي ذاتي.
- يعيشون حياةً ذات مغزى وهدف.
- يعيشون لحظات من السعادة الحقيقية.
- يشعرون بالتعاطف مع الآخرين.
- يقدِّرون قيمة الحياة، ويمتلكون يقظة ذهنية عالية.
انتهى "ماسلو" إلى أنَّ سلوكنا عادةً ما يكون نابعاً من أكثر من دافعٍ واحدٍ؛ على سبيل المثال، قد تكون متحمِّساً لإنجاز مشروع في العمل في الموعد النهائي لإشباع حاجة كسب احترام زملائك في العمل (احتياجات التقدير)؛ وذلك للحفاظ على شعورك بأنَّك مقبول من الآخرين في الشركة (حاجة الانتماء)، حتى تحافظ على إحساس بالأمن الوظيفي (احتياجات الأمن)؛ وذلك لتأمين الطعام والشراب ومستلزمات العيش لنفسك ولعائلتك (احتياجات فيزيولوجية).
الخلاصة، أنَّ هذه النظرية تُذكِّرنا أنَّ السلوك البشري قائم على تلبية الاحتياجات غير المُشبَعة.
2. نظرية "إي آر جي" (ERG) لـ "كلايتون ألدرفر" (Clayton Alderfer):
كان التركيز على تحسين الأداء الوظيفي للموظفين أحد الاهتمامات الرئيسة للنظريات التي بحثتْ في الدوافع البشرية، ومن هذه النظريات هي نظرية "كلايتون ألدرفر"؛ والسبب في التركيز على هذا الجانب من الحياة الإنسانية هو كون معظم الأشخاص موظفين أو أرباب أعمال، وهذه النُّظُم في العلاقات البشرية هي التي تحافظ على تلبية الاحتياجات اليومية للناس.
فمثلاً، أنت تحتاج إلى أشخاص يعملون في متجر البقالة، وإلى أشخاص يعملون في مجال الصرف والبورصة، كما تحتاج إلى أطباء يفحصونك عندما تكون مريضاً، وقد أعاد "كلايتون" تشكيل التسلسل الهرمي في نظرية "ماسلو"، وأوجد نظرية تقوم على أسس ثلاثة، وهي: "الوجود، والارتباط، والنمو" مع التركيز تركيزاً أساسياً على التقدير والأداء الوظيفي.
إليك الاحتياجات في نظرية "كلايتون":
1. احتياجات وجودية:
تشمل الاحتياجات المادية والفيزيولوجية، وهي تقابل الاحتياجات الموجودة في أول مستويين من هرم "ماسلو".
2. احتياجات الارتباط:
تتضمَّن الاحتياجات الاجتماعية والحاجة إلى إقامة علاقات مع الآخرين، وهي ذاتها الاحتياجات الموجودة في المستويين الثالث والرابع من هرم "ماسلو".
3. احتياجات النمو:
احتياجات النمو هي التي تدفع الإنسان إلى أن يكون مُنتِجاً، ويعيش حياة ذات معنى، وهي الحاجة نفسها إلى تحقيق الذات لدى "ماسلو"، لكن بخلاف نظرية "ماسلو"، لم يفترض "ألدرفر" أنَّه يجب تلبية احتياجات المستوى الأدنى قبل أن يتمكَّن المرء من التركيز على الاحتياجات في المستوى الأعلى؛ وهذا يعني أنَّ أهمية هذه الاحتياجات تتفاوت بالترتيب من شخص لآخر.
افترض "ألدرفر" أنَّه بمجرد تلبية الاحتياجات الدنيا فإنَّها تصبح قليلة الأهمية بالنسبة إلى الشخص، ومع ذلك، فكلما ازداد عدد الأشخاص المُهتمِّين بإشباع حاجة معيَّنة، ازدادت أهمية هذه الحاجة.
على سبيل المثال، بعد أن تُحقِّق علاقات جيدة في العمل، فإنَّ هذه الحاجة تصبح قليلة الأهمية؛ وذلك لأنَّها أُشبِعَت، لكن كلما ارتقيت في مستواك الوظيفي، أصبحت الحاجة إلى النجاح في العمل مُلِحَّة، ويتَّضح في هذه الجزئية الاختلاف بين نظرية "ألدرفر" و"ماسلو"؛ فوَفقاً للتسلسل الهرمي لـ "ماسلو" فإنَّه يجب تلبية الحاجة الدنيا قبل الانتقال إلى المستوى الأعلى، وبذلك فإنَّ الاحتياجات لدى "ماسلو" لا تفقد أهميتها حتى لو أُشبِعَت.
في حين أنَّ الأولوية في الاحتياجات لدى "ألدرفر" تختلف من شخص لآخر، إلَّا أنَّه في نفس الوقت يعالج مقدار ثبات كل فئة من هذه الاحتياجات؛ لذلك، تكون احتياجات الوجود هي الأكثر ثباتاً، ومن ثمَّ هي الاحتياجات الأسهل من حيث الإثبات، أمَّا احتياجات الارتباط التي تعتمد على علاقاتك هي أقل ثباتاً، وتكون احتياجات النمو هي الأقل ثباتاً لكونها تختلف من شخص لآخر.
اقترح "ألدرفر" عملية سمَّاها بالانحدار، وهي ظاهرة لاحظها عندما لا يكون الناس قادرين على تلبية الاحتياجات الأعلى، فإنَّهم يحوِّلون تركيزهم مرةً أُخرى إلى الاحتياجات الأدنى، وهذا أمرٌ أساسي في بيئات العمل، فقد لُوحِظ أنَّه عندما يُمنَح الموظف شعوراً بالاستقلالية، فمن المحتمل أن يتحوَّل تركيزه نحو الشعور بالأمان أو الانتماء الذي تمنحه إيَّاه الوظيفة.
هذه نقطة أساسية يجب على أرباب العمل معرفتها؛ وذلك لأنَّها توضِّح أنَّه في حال لم يُمنَح الموظفون فرصاً للنمو، فمن المحتمل أن يتحوَّل تركيزهم نحو تلبية احتياجاتهم الاجتماعية من خلال قضاء ساعات العمل في التواصل مع الزملاء، وهذا الموظف سيستمر بتقاضي راتبه دون أن يحقق الإنتاجية المطلوبة؛ وذلك يعني إهدار أموال الشركة.
وَفقاً للأشخاص الذين يقدِّمون الكوتشينغ في مجال التوظيف، فإنَّ هذه النظرية لها آثار أخرى في بيئة العمل؛ إذ يحتاج المديرون إلى التعرُّف إلى الاحتياجات المشتركة المتعدِّدة لموظفيهم.
ففي نموذج "ألدرفر"، لن يؤدِّي التركيز على حاجة واحدة فقط في كل مرة إلى تحفيز الموظفين، وإذا كنت ربَّ عملٍ، فيمكنك أن تُدرك في وقت مبكِّر أنَّ احتياجات موظفيك لم تُشبَع إشباعاً كاملاً، ومن ثمَّ فسيكون بمقدورك اتخاذ الخطوات لمعالجة الاحتياجات التي لم يتمكَّن موظفوك من إشباعها، وبذلك تحافظ على الدافع لدى موظفيك.
شاهد بالفديو: 10 قواعد في الحياة للمحافظة على الدافع
3. نظرية "ماكليلاند" (McClelland) عن الدافع البشري "الاحتياجات المُكتسَبة":
اتَّخذ "ديفيد ماكليلاند" (David McClelland) منهجاً مختلفاً للتفكير في الاحتياجات، وذكر أنَّ احتياجات الفرد تتطوَّر مع مرور الوقت، وتُكتسَب من خلال التجارب، ومن ثمَّ لم يركِّز بحثه على الشعور بالرضى، وافترض "ماكليلاند" أنَّ البشر مدفوعون بثلاث احتياجات رئيسة، وهي: الإنجاز، والانتماء، والسلطة، واقترح أنَّ سلوك الناس وإحساسهم بالحماسة يتأثران بهذه العوامل؛ إذ تهيمن إحدى هذه العوامل على العوامل الأخرى، والدافع النهائي الذي يوجِّه سلوك الفرد هو نتيجة لأحداث حياته الخاصة.
استخدم "ماكليلاند" اختبار الإدراك الموضوعي، أو ما يُسمَّى بالاختبار الإسقاطي لتقييم الاحتياجات المُهيمنة لدى الأشخاص، وهذا الاختبار يتمُّ من خلال تقديم صورة غامضة للشخص وهي موضوع البحث، ومن ثمَّ يُطلَب منه أن يتوصَّل إلى قصةٍ بناءً على الصورة، وستتضمَّن القصة إجابات عن هوية الأشخاص في الصورة، وما الذي يفعلونه، وما السبب الذي يدفعهم للقيام بذلك، والقصة التي يرويها الشخص يُحلِّلُها الخبراء حتى يتوصَّلوا إلى الآلية التي يعمل بها عقل الشخص، وما هي مصادر التحفيز بالنسبة إليه.
هذه هي الدوافع الثلاثة الأساسية لدى "ماكليلاند":
1. الإنجاز:
الأشخاص الذين تُحفِّزهم الرغبة بالإنجاز، تدفعهم الفرص لإظهار كفاءتهم للآخرين؛ ولهذا فهم يستمتعون بالعمل في المشاريع الفردية حتى يُنسَب الفضل بالنجاح كله لهم وحدهم.
إنَّهم يتجنَّبون المهام ذات المستوى العالي من الصعوبة مثلما يتجنَّبون المهام البسيطة جداً؛ والسبب أنَّ النوع الأول يُعرِّضهم لخطر الفشل، والنوع الثاني لا ينطوي على أي إظهار لإمكاناتهم في تحقيق النجاح، وهؤلاء الأشخاص مدفوعون أيضاً برغبتهم في تلقِّي تقدير فوري لجهودهم وإنجازاتهم.
يسعى هؤلاء الأشخاص دائماً إلى تحسين أدائهم السابق؛ إذ إنَّهم يركِّزون نحو تحقيق الهدف، وغالباً ما يستمتعون بالعمل لتحقيق أهداف إضافية تمثِّل تحدياً متزايداً، وأفضل مثال عن هؤلاء الأشخاص، هم الأشخاص الذين يعملون في مجال المبيعات؛ إذ توجد أهداف واضحة يتعيَّن عليهم تحقيقها، وفي نفس الوقت، لديهم فرصة الحصول على مديح فوري لقاء جهودهم.
يمكن أن يستفيد أرباب العمل من فهم هذه النظرية؛ إذ يجب عليهم تكليف موظفيهم المدفوعين بتحقيق الإنجازات بمهام صعبة، وقابلة للتحقيق في نفس الوقت، كما يجب عليهم تقديم تغذية راجعة إيجابية باستمرار لهذا النوع من الموظفين، ويجب أن يُؤخذ في الحسبان المآزق التي قد تعترض أرباب العمل، فعند العمل في مستويات وظيفية متدنِّية، فإنَّه غالباً ما يتم ترقية الموظفين الذين تدفعهم الرغبة في تحقيق الإنجاز بسبب أدائهم المتميِّز.
لكن عند تسليمهم منصباً قيادياً، فإنَّ رغبتهم في تحقيق الإنجاز تؤدي إلى مشكلات كبيرة؛ إذ تتطلَّب قيادة الأشخاص الآخرين قضاء وقت في التدريب، وتقديم الكوتشينغ للمرؤوسين، والاجتماع معهم لإنجاز العمل، وهذا على خلاف المهام التي كانوا يستمتعون بالقيام بها بأنفسهم.
بالإضافة إلى ذلك، ونظراً لأنَّ الأشخاص الذين لديهم حاجة كبيرة إلى الإنجاز يفضِّلون القيام بالعمل بأنفسهم، فإنَّهم يجدون صعوبة في تفويض المهام لشخص آخر، وهم يميلون إلى أسلوب الإدارة التفصيلية، ويريدون من الموظفين أن يعملوا بطرائق مُحددة بعناية، ومن ثمَّ قد يصبحون رؤساء متعجرفين بسبب توقعاتهم المرتفعة جداً.
2. الانتماء:
يتقدَّم الأشخاص الذين تحفِّزهم الرغبة في الانتماء من خلال الشعور بأنَّهم مقبولون من قِبل أقرانهم، ويمتثل هؤلاء الأشخاص للأعراف الاجتماعية، ويتواصلون بكثرة مع الآخرين، ولأنَّهم يستمتعون بالتفاعل الشخصي، فإنَّهم يميلون إلى تجنُّب مواقف النزاعات بين الأشخاص بأي ثمن، كما يجب على أرباب العمل الاستفادة من هذا التفسير، فهؤلاء الأشخاص يؤدون عملهم جيداً في بيئات العمل الجماعي.
لكن أيضاً توجد عيوب يجب أخذها في الحسبان، فمن المحتمل أن تكون الحاجة إلى الانتماء من العيوب التي يعاني منها الأشخاص الذين يشغلون مناصب إدارية؛ وذلك لأنَّ هؤلاء الأشخاص غالباً ما يكونون قلقين قلقاً مُفرطاً بشأن تصوُّرات الآخرين عنهم.
قد يجدون صعوبةً في تقديم تغذية راجعة سلبية، أو معاقبة الموظفين في حال الخطأ، أو انخفاض أدائهم الوظيفي؛ لهذا قد يُنشِئون بيئة عمل يترأسها موظفون من المستوى المتوسط من حيث الأداء؛ الأمر الذي قد يتسبَّب في ترك بعض الموظفين من ذوي الأداء العالي للشركة.
3. السلطة:
يُقسِّم "ماكليلاند" السلطة إلى فئتين: السلطة بوصفها سِمة من سِمات الشخصية، والسلطة المؤسَّساتية، ويشعر الأشخاص الذين تحفِّزهم السلطة - التي هي صفة من صفاتهم - بالحاجة إلى السيطرة على الآخرين؛ إذ إنَّهم يفضِّلون أن يكونوا في مناصب مرموقة تمكِّنهم من التأثير في الواقع، ويكون المنصب مثالياً بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص إذا وفَّر لهم امتياز التحكُّم بالآخرين دون أن يتأثر بمستوى أدائهم الوظيفي.
على النقيض من ذلك، يحتاج الأشخاص الذين يبحثون عن السلطة المؤسَّساتية إلى التأثير في الموظفين الآخرين لتلبية احتياجات المؤسسة، والأشخاص الذين تحرِّكهم السلطة المؤسَّساتية يكونون غالباً مديرين أكثر كفاءة من أولئك الذين يبحثون عن السلطة الشخصية، وفي سبيل الفائدة التي يمكن أن يحقِّقها أرباب الأعمال من هذه النظرية، فإنَّه يجب عليهم توفير فرص الوصول إلى مناصب قيادية لهؤلاء الموظفين.
أمَّا بالنسبة إلى العيوب، فإنَّ الرغبة في الحصول على السلطة هي بلا شك سِمة هامَّة يجب أن يمتلكها المديرون الفعَّالون، لكن من الممكن أن تكون هذه الرغبة عاملاً هدَّاماً إذا اتخذت السلطة شكل الامتياز الذي يُحقِّق المنافع لصاحب السلطة فقط، ومن الهام بالنسبة إلى المديرين فهم الاحتياجات الأكثر أهمية بالنسبة إلى موظفيهم لتحفيزهم قدر الإمكان.
على الأرجح يتأثر الموظفون الذين لديهم حاجة كبيرة لتحقيق الإنجازات بوجود أهداف مقبولة، وفي المقابل، نجد أنَّ الموظفين الذين يتوقون للسلطة يحاولون التأثير في الموظفين الآخرين، وهو ما قد يكون إيجابياً أو سلبياً للشركة.
أمَّا بالنسبة إلى الموظفين الذين يبحثون عن إشباع حاجة الانتماء، فهؤلاء يُحفَّزون من خلال شعورهم بأنَّهم مقبولون من قِبل زملائهم، ولزيادة الحماسة لديهم، فيجب عليهم أيضاً أن يكونوا على دراية بالمخاطر الشائعة المرتبطة بمصدر تحفيزهم.
4. نظرية التوقُّع لـ "فكتور فروم" (Victor Vroom):
افترض "فكتور فروم" أنَّ الناس يقرِّرون فعل شيء ما بناءً على النتائج التي يتوقَّعون الحصول عليها من جرَّاء القيام بهذا الفعل؛ ففي بيئة العمل، يمكن القول مثلاً إنَّ شخصاً يعمل لساعات أطول؛ وذلك لأنَّه يتوقَّع زيادة في الراتب، ويقترح "فروم" أنَّ الناس يصلون إلى مستوى عالٍ من الحماسة والإنتاجية إذا ما تحقَّق شرطان، وهما:
- اعتقاد الشخص بأنَّ جهوده ستؤدي إلى النجاح.
- اعتقاد الشخص بأنَّه سيحقِّق مكاسب جرَّاء جهوده.
بمعنى أنَّ الناس يندفعون للعمل الجاد عندما يرون أنَّ هناك علاقةً متبادلةً بين جهودهم وإنجازاتهم والمكاسب التي يحصلون عليها، وتفترض هذه النظرية أنَّ سلوك الناس هو نتيجة اختيارات واعية يكون الهدف منها الوصول إلى أكبر قدر من المُتعة، وتخفيف الألم قدر الإمكان في نفس الوقت، ويستخدم "فروم" ثلاثة متغيِّرات في نظريته، وهي: التوقع، والوسيلة، والتكافؤ.
1. التوقُّع:
يشمل التوقُّع عملية التفكير القائمة على افتراض أنَّ الجهد الذي يبذله الفرد سوف يؤدي إلى تحقيق الأداء المطلوب؛ مثلاً "إذا عملتُ بجدٍّ، فسيكون أدائي أفضل".
وهذا يتأثر بثلاثة عوامل:
- امتلاك الموارد المخصَّصة (مثل: المواد والمعلومات والوقت).
- امتلاك المهارات المطلوبة لإنجاز العمل.
- تلقِّي الدعم في مسعاك إلى إنجاز العمل (تلقِّي الدعم من مديرك في العمل).
2. الوسيلة:
الوسيلة هي عملية التفكير التي تنطوي على توقُّع الفرد بأنَّه سيحصل على مكافأة إذا حقَّق الأداء المطلوب؛ مثلاً "إذا كان أدائي جيداً، فسوف أحصل على مكافأة مناسبة".
وهذا يتأثر بهذه العوامل:
- الحصول على فهم واضح لكيفية ارتباط الأداء بالمكافآت.
- الثقة بأنَّ الآخرين سيتَّخذون القرار السليم فيما يتعلَّق بمنح المكافأة لمن يستحقها؛ مثلاً، أنت تثق بأنَّ مديرك يمنح المكافآت بما يتناسب مع مهارة الموظف ومستوى مسؤوليته ومقدار معرفته.
- الشفافية في عملية تلقِّي النتائج.
3. التكافؤ:
هو تصوُّر الفرد لقيمة المكافأة، ولكي يكون هذا العنصر مُحفِّزاً، يجب أن يرغب الشخص في الحصول على النتيجة أكثر من رغبته بعدم تحقُّقها؛ فمثلاً، إذا كان الحافز بالنسبة إلى شخصٍ ما هو الحصول على مزيدٍ من المال، فقد لا تثير فكرة الحصول على إجازة إضافية في العمل أي نوع من الحماسة لديه؛ إذ تعتمد نظرية التوقُّع لدى "فروم" على تصوُّرات الفرد؛ ما يعني أنَّ ما قد ينجح من أساليب لزيادة الحماسة مع أغلبية الموظفين قد لا ينجح مع بعضهم.
خلاصة النظرية، ما يدفع الناس إلى القيام بأي شيء هو توقُّعهم بأنَّهم سيحصلون على النتيجة المرجوَّة إذا حقَّقوا هدفهم، وبخلاف ذلك تقِلُّ حماستهم إذا لم يروا أنَّ النتيجة تستحق العناء، أو لكونهم لا يظنُّون أنَّ القيام بالعمل سيؤدي في الواقع إلى الحصول على المكافأة؛ لذلك، إذا أراد المديرون الحفاظ على حماسة موظفيهم، فعليهم توفير أهداف قابلة للتحقيق، وتوفير المكافآت التي يرغب فيها الموظفون.
شاهد بالفديو: 8 طرق لمكافأة موظفيك دون أي تكلفة
5. تأثير "هوثورن":
فُسِّرَ تأثير "هوثورن" (Hawthorne Effect) لأول مرة عام 1950، عندما لاحظ الباحثون أنَّ الناس يميلون إلى العمل بجدية أكبر، ومن ثمَّ يتحسَّن أداؤهم عندما يشعرون بأنَّهم محطُّ اهتمام الآخرين، لكنَّ سلسلة الدراسات الأصلية ركَّزت على تغيير الإضاءة في معامل "هوثورن" (Hawthorne) في مدينة "شيكاغو" (Chicago)، ومن ثمَّ تقييم التأثير الناتج عن هذا التغيير في أداء العمال.
لقد أدى تحسين الإضاءة إلى شعور العمال بأنَّهم محطُّ اهتمام؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مؤقَّت في إنتاجيتهم، وذلك دون أي تغيير في ممارسات العمل، ويشير هذا إلى أنَّ شعور الموظف بأنَّ الإدارة تهتمُّ به، يمكن أن يكون عاملاً مُحفِّزاً للأشخاص في جميع أنواع السلوكات، مثل: عادات الأكل، والتمرينات، وممارسات العمل، وعادات التنظيف؛ وذلك لأنَّ هذه المجالات ذات قابلية عالية للتعديل الفوري.
لقد أدت هذه التجارب إلى تغيير كبير في فهم الناس لعلاقة العمل بالإنتاجية، ولمعرفة كيف يمكن تحسين أداء الأشخاص، وُضِعَت هذه الدراسات والنظرية التي نتجت عنها في سياق اجتماعي، وأظهرت أنَّ أداء الموظفين يتأثر ببيئة العمل وبالناس المحيطين بهم بقدر تأثره بقدراتهم الفطرية.
لقد اختُبِرت هذه النظرية في دراساتٍ لاحقةٍ، ومنها دراسة ركَّزت على ممارسات غسل اليدين لدى الموظفين العاملين في المجال الطبي، ووجدت هذه الدراسة أنَّه عندما علم الموظفون أنَّهم يخضعون للمراقبة، فقد امتثلوا لمعايير غسل اليدين بنسبة 55% أكثر ممَّا كانوا عليه عندما لم يكونوا مراقَبين.
فقد غيَّرت هذه النظرية من الطريقة التي يفكِّر فيها معظم المديرين لتحفيز الموظفين، وزيادة إنتاجيتهم، وتحقيق الرضى الوظيفي؛ إذ أظهرت نتائج الدراسات التي اختبرت صحة هذه النظرية أنَّ تحسين أداء الموظف يتأثر بمجموعة معقَّدة من المواقف، وبصرف النظر عن التدقيق المُحتمل الذي قد يمارسه شخصٌ ما على عمل الموظف، إلا أنَّ الاهتمام الخاص الذي يولَى للموظفين، يجعلهم يشعرون بالفخر ويحفِّزهم على العمل بجدية أكبر بسبب شعورهم بأنَّهم محطُّ اهتمام إيجابي من قِبل المشرفين.
المديرون الذين طبَّقوا هذه الآلية، ومنحوا موظفيهم بعض الاستقلالية، أو جعلوهم يشعرون بالتقدير الحقيقي، تمكَّنوا من زيادة حماسة موظفيهم، ولقد اقترحت هذه السلسلة من الدراسات أنَّه عندما يعمل الموظفون في مجموعات، فإنَّهم يشعرون بنوع من الواجب تجاه الجماعة يجعلهم يقومون بأداء جيد، وهذا له تأثير إيجابي في دافعهم للنجاح.
أدت نتائج هذه النظرية إلى تحسين فهم الباحثين لما يحفِّز الناس، وأُضيفَ البحث إلى نظرياتٍ أُخرى؛ وذلك لأنَّها أضافت عامل احتياجات التنشئة الاجتماعية عندما يتعلَّق الأمر بالتأثير في دوافع الناس وسلوكاتهم.
6. نظرية "التكييف الفعَّال" لـ "بورهوس سكينر" (Burrhus Skinner):
على النقيض من النظريات الأُخرى، فإنَّ نظرية التكييف الفعَّال لا تُقيِّم شخصية الفرد؛ بل تقوم على فكرة أنَّ الناس يتصرَّفون وَفقاً لنوع المكافأة التي يعتقدون أنَّهم سيكسبونها نتيجة لأداء العمل.
لقد افترض "سكينر" أنَّ أفضل طريقة لفهم الدافع والسلوك هي تقييم أسباب الفعل وما هي النتائج المترتبة على القيام بالفعل، وتعالج النظرية ثلاثة أنواع من العوامل التي تؤثر في السلوك:
- العوامل المُحايدة: الاستجابات التي لا تزيد ولا تقلِّل من احتمالية تكرار السلوك، فعندما لا توجد مكافأة ولا عقوبة، فإنَّ التعزيز لا يحدث، وهذا يؤدي إلى تثبيط السلوك، وهو ما يُعرَف بانقراض السلوك؛ على سبيل المثال، إذا كان شريكك يرسل إليك رسائل نصية متكررة خلال اليوم، ولم ترد عليها فقد يتوقَّف في النهاية عن إرسال الرسائل.
- المعزِّزات: الاستجابات البيئية التي تزيد من احتمالية تكرار السلوك.
- العقوبات: الاستجابات البيئية التي تقلِّل من احتمالية تكرار السلوك.
إنَّ فكرة التكييف الفعَّال معروفة نسبياً، لكنَّك ربما تجهل الطرائق التي تُمارس من خلالها هذه النظرية في حياتك اليومية، وعلى الأرجح أنَّك تستخدم مبادئ هذه النظرية إمَّا للبدء بعادة جديدة، أو عندما تحاول تعديلها، أو التخلُّص منها، وربما تستخدمها لتحفيز أطفالك للتصرُّف بطريقة معيَّنة أو عدم التصرُّف بهذه الطريقة.
في بيئة العمل، تستخدم هذه النظرية لإنشاء أنظمة الحوافز، فإذا أراد المديرون تعزيز السلوك في شركتهم، فإنَّهم يمنحون المكافآت، وإذا أرادوا الحدَّ من سلوك معيَّن، فإنَّهم يفرضون عقوبات عند القيام بهذا السلوك، لكن حتى تفهم كيف تستخدم التكييف الفعَّال في حياتك اليومية، حاول أن تفكِّر في موقف يتضمَّن حافزاً يؤدي إلى سلوك معيَّن يترتب عليه نتيجة معينة.
من الأمثلة الشائعة، هي عادة ترك ملابسك وحذائك الرياضي بالقرب من سريرك في الليل؛ إذ يمكن أن تساعد هذه العادة على تحفيزك للجري بِوصفه أول نشاط تقوم به منذ الاستيقاظ، وهذا ما يُسمَّى بالتعزيز.
نظراً لأنَّ المعزِّزات - وهي في مثالنا الحذاء واللباس الرياضي - خاصة بحالة محددة، فإنَّ تركها في الخزانة لن يكون له نفس التأثير المُعزِّز، وربما لن تمارس الجري في اليوم الذي تترك فيه ملابسك الرياضية في الخزانة، ومع ذلك، إذا خرجت للركض، فستكافَأ بالشعور بالرضى عن نفسك بسبب بدء يومك بسلوك صحي؛ إذ إنَّ رؤيتك للملابس المخصَّصة للعمل فور استيقاظك لن يكون له التأثير نفسه فيك عندما ترى ملابس وحذاء الركض.
لنأخذ مثالاً ثانياً، لنفترض أنَّك تريد أن يجلس طفلك بهدوء في أثناء إجراء مكالمة هاتفية هامَّة، ويمتثل طفلك للأوامر ويجلس بهدوء؛ فعندما تنتهي مكالمتك قد ترغب في مكافأة طفلك على سلوكه الجيد اعتماداً على الأشياء التي تعرف أنَّ طفلك يستمتع بها؛ لذا قد تعرض عليه قضاء بعض الوقت في لعب لعبة ما، أو قد تعطيه قطعة من الحلوى، وهذا مثال آخر عن التعزيز الإيجابي.
لكن لنفترض أنَّ طفلك يسيء التصرُّف، فتقوم بحرمانه من مشاهدة التلفاز لمدة أسبوع، وسيكون طفلك أقل ميلاً لإساءة التصرُّف في المستقبل عندما يتذكَّر هذه النتيجة التي ترتَّبت على سلوكه غير المرغوب فيه.
يمكنك أيضاً إعطاء كلبك مكافأةً إذا كنت تحاول تدريبه أو دفعه للقيام بشيء معيَّن؛ على سبيل المثال، تعطي كلبك مكافأة عندما يعود إلى المنزل بعد السماح له بالخروج لآخر مرة قبل النوم، أو ربما تقوم بتدريب كلبك على الجلوس؛ لذلك، عندما يمتثل للأمر ويجلس فإنَّك تمنحه مكافأة، ومع مرور الوقت، سيربط الكلب المكافأة بالسلوك المرغوب.
بعد هذا الشرح، فكِّر في الطرائق التي تكافئ نفسك بها عندما تصل إلى أهدافك أو حتى عندما تُنجِز مهمةً صغيرةً، ربما تسمح لنفسك بمشاهدة برنامجك التلفزيوني المفضَّل لمدة عشر دقائق بعد ممارستك للرياضة لمدة عشر دقائق متواصلة.
يُعَدُّ الوقت عنصراً هامَّاً في هذه النظرية؛ إذ لا يجب أن يفصل بين القيام بالسلوك وتقديم المكافأة أو العقوبة وقت طويل، حتى تتعزَّز العلاقة بين العاملين؛ أي السلوك والنتيجة، كما تُعَدُّ هذه النظرية موثوقة في مجموعة متنوعة من الأوضاع وهذا هو سبب شهرتها الكبيرة.
7. نظرية تحديد الأهداف لـ "إدوين لوك" (Edwin Locke)
تشير نظرية تحديد الأهداف لـ "إدوين لوك" إلى تأثيرات تحديد الأهداف في الأداء المستقبلي للفرد، ويفترض "لوك" أنَّ الأهداف هي المحرِّك الأساسي لسلوك الفرد، وتعطي هذه النظرية أهمية كبيرة لخصوصية الهدف لدى الفرد، ومقدار صعوبة تحقيقه، وقبول الفرد لأهدافه.
لا تتوقف النظرية عند هذا الحد؛ بل توفِّر مقاييس لكيفية دمج الأهداف في برامج الحوافز لزيادة الدافع لدى الأشخاص؛ إذ وجد "لوك" في بحثه أنَّ الأشخاص الذين وضعوا أهدافاً محددة وصعبة حصلوا على نتائج أفضل من الأشخاص الذين وضعوا أهدافاً سهلة وعامَّة، وقدَّم "لوك" خمسة مبادئ أساسية لتحديد الأهداف: الوضوح، والتحدي، والالتزام، والتغذية الراجعة، وتعقيد المهام.
يتضمَّن إطار عمل "لوك" للتحديد الفعَّال للأهداف ما يأتي:
- وضع أهداف صعبة، لكن قابلة للتحقيق ومحددة وقابلة للقياس أيضاً، وهو ما يُعرف باسم الهدف الذكي؛ إذ تحفِّزك هذه الأنواع من الأهداف على التركيز على ما تريده بالضبط، وتساعدك على قياس تقدُّمك.
- الالتزام بالهدف، فمن دون الشعور بأنَّه يجب عليك القيام بالنشاط، فمن غير المتوقَّع أن تبذل الجهد الكافي لتحقيق الهدف، حتى لو كانت محدداً وصعباً.
- المشاركة في عملية تحديد الأهداف؛ إذ يزيد ذلك من الشعور بالدوافع الذاتية، ويقلِّل من الشعور بالضغط الناجم عن السعي إلى تحقيق أهداف لستَ متحمِّساً لها.
هذا يجنِّبك انخفاض مستوى الأداء وعدم التفاني في العمل، كما تضمن المشاركة في تحديد أهدافك قدراً معقولاً من التعقيد في المهام، التعقيد الكافي ليجعلك متحمِّساً وفي نفس الوقت لا يجعلك تشعر بالإرباك.
- وجود مصادر دعم؛ مثل: التشجيع من الآخرين، وغيرها من الموارد؛ مثل: الدعم المعنوي.
- معرفة عمليَّة بالنتائج؛ وذلك لأنَّ أهدافك يجب أن تكون قابلة للقياس الكميِّ؛ لذلك، يجب أن تتلقَّى قدراً كافياً من التغذية الراجعة حتى تبقى متحمِّساً.
من أكثر الطرائق فاعليةً للحفاظ على الدافع هو تحديد أهداف عالية الجودة لنفسك، ولنأخذ هذا المثال، ولنفترض أنَّك تريد خسارة 20 كغ من وزنك، فيمكنك أن تقول:
- "أريد أن أفقد هذا الوزن في غضون الاثني عشر شهراً القادمة؛ لذلك، سأتَّبع حمية غذائية"، ومع ذلك، الهدف غامضٌ بعض الشيء، ولم يُحدَّد بما يكفي؛ وذلك لأنَّك لم تُحدِّد الوزن الذي تريد أن تصل إليه، أو لم تحدد طرائق إنقاص الوزن التي ستتَّبعها.
- "أريد أن أخسر 1 كغ كل أسبوع على مدار الاثني عشر شهراً القادمة، وسأتدرَّب لمدة نصف ساعة ولمدة خمسة أيام في الأسبوع، وسأتناول ثلاث حصص من الخضار الطازجة كل يوم بدلاً من الوجبات السريعة"، أصبح الهدف محدَّداً؛ لأنَّه يتضمَّن خطوات ملموسة تُخطِّط لاتِّخاذها.
وَفقاً لهذه النظرية، فإنَّ الفعل البسيط المتمثِّل في تحديد هدف استراتيجي يزيد من فرصك في الوصول إلى هذا الهدف.
في الختام:
نأمل أن يكون هذا المقال قد ساعدك على الحصول على فهم أفضل لآلية التحفيز، وأن يساعدك على انتقاء الوسائل التي تساعدك على تحفيز نفسك عندما ترغب في إجراء تغيير ما في حياتك، لكن تذكَّر، ليس عليك الأخذ بنظرية واحدة من هذه النظريات؛ بل يمكنك أخذ أجزاء من كل منها، وتطبيقها بما يتناسب مع حياتك، لمساعدتك على الشعور بالحماسة لتحقيق النجاح في مساعيك.
أضف تعليقاً