لقد كانت فكرة بدائية، ولكنَّها لا تزال في بعض المؤسسات الفلسفة الكامنة وراء كيفية تحديد الأجور - خاصةً دفع الحوافز - ويوجد في الواقع قدر جيد من الأبحاث التي تقول: إنَّ مثل هذه الدوافع يمكن أن تعمل على زيادة التحفيز؛ وذلك عندما يكون هناك فهم واضح حقاً للمهام التي يجب القيام بها بالضبط لكسب المكافأة، ولكن في اقتصاد العمل المعرفي أو العمل الإبداعي، أصبحَت تلك المهام المتكررة وسهلة الفهم أكثر ندرة.
لحسن الحظ، هناك خيار آخر لزيادة الدافع:
أُجرِيَ البحث الذي بدأ الكشف عن هذا الخيار من قِبل عالمي النفس: "ريتشارد رايان" (Richard Ryan)، و"إدوارد ديسي" (Edward Deci)، واللذين كانا رائدَين لما سيُعرَف باسم نظرية تقرير المصير، والتي ناقشَت بشكل أساسي فكرة أنَّ الناس يملكون الدافع للعمل عندما يمكنهم أن يقرروا بأنفسهم ماذا وكيف يعملون.
بعبارةٍ أخرى، أكَّد "ديسي" و"رايان" وغيرهما من الروَّاد في هذا المجال البحثي أنَّ الحوافز يمكن أن تُقلِّل التحفيز في الواقع؛ وذلك لأنَّ الحوافز يمكن أن تلغي شعور القوة لدى الشخص لتحديد عمله بنفسه، ولكنَّ نظرية تقرير المصير لم تُشِر فقط إلى سبب فشل العديد من خطط الحوافز حسنة النية؛ بل حددَت أيضاً العديد من دوافع التحفيز البشري، والدوافع التي يمكن دمجها في عمل أو ثقافة الفريق لجعل العمل مُحفِّزاً تحفيزاً أكبر وزيادة الدافع.
سأوجزُ أدناه الدوافع الثلاثة الرئيسة للتحفيز وفقاً لنظرية تقرير المصير: الاستقلالية، والخبرة أو الكفاءة، والارتباط، وسأقدِّم طرائق عملية للاستفادة من قوة كل منها.
لا يشعر الأشخاص الذين يتمتعون بالاستقلالية في وظائفهم بأنَّهم خاضعون إلى رقابة الإدارة، وبدلاً من ذلك، يشعرون بأنَّهم مفوضون من قِبل مديريهم لمتابعة الأهداف والمواعيد النهائية وفقاً لشروطهم.
شاهد بالفيديو: 8 شروط يجب توافرها لضمان نجاح الحوافز
1. الاستقلالية:
تُعَدُّ الاستقلالية الدافع التحفيزي الأول؛ حيث تشير إلى مدى شعور الناس بالتحكم بحياتهم الخاصة والقدرة على اتخاذ خياراتهم بأنفسهم، وتعني الاستقلالية - في سياق العمل - أن يشعر الناس بأنَّ لهم رأياً فيما يعملون فيه وكيف يعملون عليه، ولا يشعرون بأنَّهم خاضعون لرقابة إدارية؛ بل بأنَّهم مفوضون من قِبل مديريهم لمتابعة الأهداف والمواعيد النهائية للأعمال وفقاً لشروطهم.
إنَّ خلق شعور الاستقلالية لدى الفرد أو في الفريق يمكن أن يكون بأشكال عدَّة؛ حيث يمكن أن يكون عن طريق تخصيص الأهداف وتحديد المواعيد النهائية، ويمكن أيضاً أن يمنح الأشخاص مزيداً من الحرية في مكان عملهم، أو مشاركة الفريق أو الأفراد في اتخاذ القرارات في كثير من الأحيان، فإحدى الطرائق السهلة للتأكد مما إذا كانت تصرفاتك نابعة عن شعور بالاستقلالية هي الانتباه إلى التغذية الراجعة التي تقدمها لفريقك، أو الكوتشينغ الذي تجريه معهم.
افعل هذا على وجه التحديد؛ انتبه إلى عدد المرات التي تمنحهم فيها النصائح مقابل طرح الأسئلة عليهم، وإذا كنتَ تقدم النصيحة أو تخبر الناس عن كيفية القيام بشيء ما، فقد تقلل من إحساسهم بالاستقلالية، ولكن إذا كنتَ تطرح أسئلة مخصصة لإرشادهم إلى إيجاد حلولهم الخاصة، فأنت بذلك تمنحهم الثقة بالتحكم في مهامهم، وذكِّر الأشخاص بالتقدم الذي أحرزوه بالفعل، وأظهِر لهم أنَّك تحاول مساعدتهم على تحقيق المزيد من التقدم.
2. الكفاءة أو الخبرة:
الدافع الثاني للتحفيز هو الكفاءة؛ حيث تشير إلى رغبتنا في السعي إلى السيطرة، ولكن أيضاً لتجربة الإتقان، وتُحاكي الكفاءة رغبتنا البشرية الطبيعية في أن نكون متعلمين وأن ننمو ونشعر بأنَّنا نحرز تقدماً؛ إذ يمكن أن يكون تقدماً في حياتنا المهنية، أو تقدماً نحو مجموعة من الأهداف أو العمل لفريق أو شركة تحرز تقدماً، وأي شيء يساعد الأفراد على الشعور بأنَّهم يتجهون نحو الإتقان، يرفع الكفاءة كدافع لهم.
إنَّ خلق الشعور بالكفاءة لدى الفرد أو لدى فريق، قد يكون في الواقع أكثر فيما لا تفعله؛ حيث يتمثل جزء كبير من وظيفة قائد الفريق في تقديم التغذية الراجعة أو النقد البنَّاء، ولكن اكتُشِفَ أنَّ النقد البنَّاء أو السلبي في العديد من الدراسات يقلل شعور الشخص بالكفاءة، ومن ثم يقلل الدافع.
لذا، بدلاً من مجرد التركيز في التغذية الراجعة البنَّاءة، تأكَّد من أنَّك تأخذ الوقت الكافي للاحتفاء بالمكاسب الكبيرة والصغيرة، وتأكَّد من أنَّك حتى عندما تقدِّم للناس التغذية البنَّاءة، أن تقرنها بالكثير من التعليقات الإيجابية والثناء أيضاً، وبهذه الطريقة، تذكِّرهم بالتقدم الذي أحرزوه بالفعل، ويَظهر لهم أنَّك تحاول مساعدتهم على تحقيق المزيد من التقدم.
إذا كان في إمكانك التأكُّد من أنَّ أعضاء فريقك يعرفون بالضبط مَن يساعدون من خلال جهودهم، فيمكنك أن تضمن تقريباً أنَّهم سيكونون على استعداد للعمل الجاد لمساعدة هؤلاء الأشخاص.
3. الترابط:
الدافع الثالث والأخير للتحفيز هو الترابط، ويشير الترابط إلى إرادتنا للتواصل مع الآخرين والتفاعل والاهتمام بالآخرين، ومن حيث البحث، لقد بدأنا للتو فهم مدى أهمية الترابط مع الآخرين حقاً، لكنَّنا نعلم أنَّ البشر لديهم دافع أكبر لاتخاذ الإجراءات عندما يُنظَر إليهم على أنَّهم مؤيدون للمجتمع؛ أي عندما يُنظَر إليهم على أنَّهم قادرون على مساعدة الآخرين.
إنَّ خلق شعور بالترابط لدى الفرد أو الفريق يعني التأكد من أنَّ الأشخاص يبنون روابط مع بعضهم بعضاً، والتأكُّد من أنَّ الأشخاص يعرفون أهمية ما يُطلَب منهم فعله، وكيف يرتبط بالفريق بأكمله والأهداف الأكبر للفريق والمؤسسة، والأفضل من ذلك، يمكنك تأطير عمل الفريق بطريقة توضِّح تماماً من الذي يُساعَد من قِبل المنظمة والفريق وحتى تصرفات الفرد.
لا يتعلق الأمر بتكرار رسالة مهمة الشركة؛ وإنَّما يتعلق بإنشاء رابط بين المهمة والأشخاص المحددين الذين يُخدَمون عند إنجاز هذه المهمة، وإذا كان في إمكانك التأكُّد من أنَّ أعضاء فريقك يعرفون بالضبط من يساعدون من خلال جهودهم، فيمكنك أن تضمن تقريباً أنَّهم سيكونون على استعداد للعمل الجاد لمساعدة هؤلاء الأشخاص.
إذا كنتَ تقرأ حتى الآن، فمن المحتمل أنَّك لاحظتَ ما لم يُناقَش بعد؛ إذ إنَّني لم أتحدث عن الرواتب أو عن الامتيازات مثل الطعام أو المشروبات المجانية، كما أنَّني لم أتحدث عن عدد ساعات عمل الأشخاص أو الموضوعات التي تُناقَش عادةً عندما يعمل أرباب العمل على بناء مكان عمل أكثر تفاعلاً وتحفيزاً.
كل هذه الأشياء رائعة، فَهُم لا يفعلون الكثير من أجل التحفيز، على الأقل عند مقارنتهم بخلق شعور بالاستقلالية والكفاءة والارتباط، وعندما يكون لدى الأشخاص القدرة على تحديد كيفية عملهم، ووسائل الحكم على تقدمهم والشعور بأنَّ عملهم يساعد الآخرين، فلا يمكنهم المساعدة، ولكن يكون لديهم الدافع للوصول إلى العمل.
أضف تعليقاً