عندما أصدر دانييل جولمان (Daniel Goleman) كتاب "الذكاء العاطفي" (Emotional Intelligence) في عام 1995، لم يعتقد أحد أنَّ هذا الكتاب -الأكثر مبيعاً- سيغيِّر دور القيادة، وقد لقَّبته مجلة هارفارد بيزنس ريفيو (Harvard Business Review) بعد بيع أكثر من خمسة ملايين نسخة منه، بـ "فكرة ثورية"، إذ لاقى ما أشار إليه (جولمان) استحسان قادة الأعمال.
ولكن، هل من الممكن إنشاء فرق ذكية عاطفياً؟
تؤكد الأبحاث أنَّ الذكاء العاطفي يستند إلى العمليات الفعَّالة للفرق الناجحة، وأنَّ مثل هذه العمليات الناتجة لا يمكن تقليدها أو محاكاتها؛ ذلك لأنَّها يجب أن تنشأ من الذكاء العاطفي الحقيقي الذي يتمتع به الفريق.
إليك مثالاً لتوضيح الأمر أكثر: "يمكن أن يتعلم طالب البيانو العزف على نغمة صول؛ لكنَّه لن يصبح "موزارت عصره" دون دراسة ومعرفة نظريات الموسيقى التي تمكِّنه من القدرة على العزف بجدارة".
رغم أنَّ إنشاء فرق ناجحة ليست ببساطة محاكاة عمليات مجموعات الأشخاص الذين يتمتَّعون بالذكاء العاطفي، إلَّا أنَّ ما يمكنك فعله هو تهيئة الظروف التي يمكن لأعضاء الفريق تطوير ذكائهم العاطفي من خلالها؛ وهذه الشروط الثلاثة هي: الثقة بين الأعضاء، والشعور بهويَّة المجموعة، والشعور بفعاليَّة المجموعة.
إليك الخطوات السبع التي يمكنك القيام بها من أجل تعزيز هذه الشروط الثلاثة التي تشكل فرقاً ذكية عاطفياً:
1. كن قائداً يُقتدَى به:
هناك مثلٌ يقول: "إذا أردت تغيير العالم، فابدأ بنفسك أولاً"، وينطبق الشيء نفسه على فريقك؛ إذ عليك أن تعمل على نفسك أولاً قبل أن تشرع في تحسين الذكاء العاطفي لفريقك، وذلك عن طريق تنمية الآتي:
- الوعي الذاتي: القادة ليسوا فقط مدركين للذات؛ بل إنَّهم يعرفون أيضاً كيفية التعرف على مشاعرهم.
- الإدارة العاطفية: يستطيع القادة إدارة مشاعرهم والبقاء هادئين حتَّى في المواقف الصعبة.
- التواصل الفعَّال: يستطيع القادة التعبير عن أفكارهم بوضوح.
- الوعي الاجتماعي: يستطيع القادة إدراك ما يحدث، وتقديم ملاحظات قيَّمة بناءً عليه.
- حل النزاعات: يمكن للقادة التعامل مع النزاعات بفعالية، وتقديم حل لها.
بالإضافة إلى سمات الذكاء العاطفي هذه، يجب أيضاً أن يحترم أعضاء الفريق قادتهم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال العمل على هذه الصفات الخمس:
- أن تكون التصرفات مهذبة ومحترمة: يعامل القادة الجميع بلطف مشترك.
- إظهار استعدادٍ للتغيير: يتعلم القادة من أخطائهم وإخفاقاتهم حتى يستطيعون التقدم.
- الإصغاء: لا يصغي القادة فحسب، بل يسألون موظفيهم عمَّا يجري؛ وعادةً ما يطلبون ملاحظاتهم أيضاً.
- تجنُّب اختلاق الأعذار: يعترف القادة بأخطائهم ويتحمَّلون مسؤوليتها.
- مساعدة الآخرين: القادة مستعدون دائماً لتقديم العون متى ما احتاجه شخص ما.
تذكَّر، إذا أردت أن يصبح فريقك أكثر ذكاءً عاطفياً، فعليك أولاً العمل على بناء ذكائك العاطفي، وأن تصبح قائداً يمكن للفريق احترامه والاقتداء به.
2. حدِّد نقاط القوة والضعف لأعضاء الفريق:
يتعيَّن عليك كقائدٍ إدراك حقيقة أنَّ أعضاء فريقك أكثر من مجرد موظفين، وأنَّهم أفراد فريدون لديهم قصص يروونها؛ ومراعاة أنَّهم يملكون مهارات ومواهب ومعارف متنوِّعة قد تكون مفيدة لأهدافك العامة.
إذا كنت ترغب في تحقيق أقصى استفادة من كلِّ عضو في الفريق، فتقرب منهم وتعرف عليهم بشكلٍ أفضل؛ إذ يجب أن تتعلَّم معرفة المزيد عنهم خارج نطاق العمل، حتى تتمكَّن من معرفة ما يمكنهم القيام به خارج مُسمَّاهم الوظيفي التقليدي.
هكذا تفعل شركة هيوليت باكرد (Hewlett-Packard)، التي تُحبِّذ عمل كلِّ موظف من موظفيها في التدريب المتبادل؛ أي يرى أعضاء الفريق إذا كان بإمكان كلِّ عضو أن يعمل على وظيفة أيِّ شخص آخر.
فضلاً عن وجوب تجاوز الانطباعات الأولى، وتشجيع الابتكار، والسماح لأعضاء فريقك بالتدريس، وتقديم المكافآت ومنح التقدير؛ فعندما يرتكب أحد أعضاء الفريق خطأً ما، قدِّم تعليقات مفيدة حتى يعرف الشخص أنَّ هذه التعليقات أكثر أهمية من التوبيخ.
شاهد بالفديو: 6 نصائح لإدارة فرق العمل بشكل فعال
3. أثِر الشغف:
يجب عليك كقائد الحرص على تعيين أعضاء الفريق المناسبين أولاً، وليس المقصود هنا الأشخاص ذوي المهارات أو الخبرة، بل أشخاصاً يتناسبون مع ثقافة شركتك، ويتحمَّسون لعملهم وعملك.
لا يعني توظيفك للأشخاص المناسبين أنَّهم سيظلُّون في حالة حماس دائمة، دون أن ينفد منهم الشغف من وقتٍ إلى آخر؛ بل من المُرجَّح أن يحدث ذلك، ولكن يمكنك إثارة الشغف لتقليل حدوثه عن طريق القيام بما يأتي:
- الاعتراف بالإنجازات والعمل الجاد لأعضاء فريقك.
- توفير بيئة عمل مرنة وجذَّابة وتقدِّر العمل الجماعي.
- الحرص على أنَّ يكون لشركتك مَهمَّة تعمل على تحقيقها، بحيث يشعر كلُّ شخص بالهدف، وبأنَّ هناك مغزى من وجوده.
4. ضع قواعد للفريق:
يتعلَّق الذكاء العاطفي الجماعي بالأفعال الصغيرة التي تُحدِث فارقاً كبيراً؛ أي لا يتعلق الأمر بعضو في الفريق يعمل طوال الليل للالتزام بالموعد النهائي، بل بقول: "شكراً لك على القيام بذلك"؛ ولا بمناقشة متعمقة للأفكار، بل بسؤال عضو هادئ عن أفكاره؛ ولا بالاتفاق وقلَّة التعارض ومحبة جميع الأعضاء لبعضهم بعضاً، بل بالاعتراف عندما يكون الاتفاق خاطئاً، مع معاملة الآخرين باحترام".
لابدَّ أن تحرص على أن تتوافق القواعد التي تضعها للفريق مع قيمك؛ فعندما تدعم هذه الإرشادات معتقدات عملك وأعضاء فريقك، ستكون أكثر ميلاً إلى دعمها.
5. طوِّر طرائق مبتكرة لإدارة الضغوطات:
قد يؤدي الإجهاد إلى إصابة موظفيك بالخمول ونفاد الشغف، بالإضافة إلى الإضرار بصحتهم العامة؛ لذلك، يجب أن يكون فريقك قادراً على التعامل مع المواقف الضاغطة -مثل: المواعيد النهائية، وشكاوى زملاء العمل الآخرين- بطريقةٍ صحية.
للمساعدة في اعتدال مستويات الضغط لدى موظفوك، جرِّب بعض الأساليب الآتية:
- التزِم بالجداول الزمنية: قد يتسبَّب تسريع سير العمل وتوسيع المشروعات في التأثير في عادات ومهارات فريقك، وطريقة إدارته العمل؛ لذلك يتعيَّن عليك الالتزام بالجدول والمُخطَّط الموضوع، كيلا يشعرون بالضغظ.
- شجِّع أعضاء الفريق على أخذ قسط من الراحة: امنح الجميع فرصة لتجديد طاقتهم، وذلك من خلال منحهم بعض الوقت للتركيز على الأنشطة التي قد تساعدهم في الاسترخاء.
- تجنَّب تعدُّد المهام: لا تعمل بتقنية تعدد المهام، إذ إنَّها قد تضاعف مقدار الوقت الذي يستغرقه إكمال المَهمَّة؛ لذلك، شجِّع الموظفين على التركيز على مَهمَّة واحدة في وقت واحد.
- حُلَّ النزاعات: لن يتَّفِق كلُّ الموظفين مع بعضهم بعضاً؛ ورغم ذلك، فقد تساعد معالجة المشكلات قبل تسبُّبها بعرقلة العمل في تقليل الضغط والتوتُّر بشكلٍ كبير.
- كن متعاطفاً: يجب أن تكون على دراية بما يحفِّز فريقك، وبالتحديات التي قد يواجهها. على سبيل المثال: إذا فقد أحد أفراد الفريق أحد أفراد أسرته، فعليك أن تكون عطوفاً، وتتساءل كيف يمكنك دعمه.
6. اسمح لأعضاء الفريق بالتعبير عمَّا يريدونه:
إنَّ امتلاك فريقك لمهارات تواصل ممتازة أمر لابدَّ منه، ويمكنك من هنا مساعدة أعضاء فريقك على تطوير مهارات التواصل بشكلٍ أقوى، من خلال جعلهم يعملون على الإصغاء الفعَّال واكتساب فهم أفضل للغة الجسد، ومنحهم مساحة للتنفيس عن إحباطهم أو مخاوفهم؛ ولكن، لا تدع هذه المشاعر السلبية تعيق الفريق بأكمله، بل استخدمها بشكلٍ بنَّاءٍ حتى يتمكَّن فريقك من حلِّ مشكلةٍ ما، أو اكتشاف طريقة معالجتها.
كما يجب أيضاً منح أعضاء فريقك الفرصة لمشاركة أفكارهم، فمثلاً: تستخدم مجموعة هاي جروب (Hay Group) -شركة استشارية- تقنية "القصة المُصوَّرة"، حيث ينشئ أعضاء الفريق ملصقاً صغيراً يمثل أفكارهم؛ لذا احرص على سؤال وتشجيع أعضاء فريقك الهادئين على التعبير عمَّا يفكرون فيه.
7. شجِّع الموظفين على العمل والمرح مع بعضهم بعضاً:
في حين أنَّ هناك عيوبٌ في قضاء الموظفين كلَّ وقتهم معاً، إلَّا أنَّ قضاء الموظفين لبعض الوقت مع بعضهم خارج مكان العمل، يمكن أن يكون مفيداً.
يقول ستيفن أفورد (Stephen Ufford): "يجب على أعضاء الفريق التقابل خارج العمل بالتأكيد؛ ذلك لأنَّ القيام بذلك مع بعضهم بعضاً ممتع للغاية، ويساعدهم في الحفاظ على تحفيزهم في أثناء أوقات الأزمات، ويعزِّز من علاقات التواصل المفتوح وأخلاقيات العمل الجيدة والمرونة، ويخلق فهماً أفضل لدور كلِّ شخصٍ وتوقعاته. إذا وظَّفت المحترفين المناسبين، ستقلُّ المشكلات في مقرِّ العمل، وتحدث في أضيق الحدود".
كما يقول جرانت جوردون (Grant Gordon) من مجموعة سولومون (Solomon) للاستشارات: "سواءٌ كنت تقيم حفلة شاي بعد ظهر يوم الجمعة مع زملائك في العمل، أم تصطحب الفريق بأكمله لمشاهدة أحد المباريات لعدة مراتٍ في الموسم، أم تتمرنون معاً؛ فالنتيجة واحدة، وهي: يعمل الزملاء الذين يتواصلون مع بعضهم بعضاً بتعاونٍ وجهدٍ أكبر؛ ذلك لأنَّهم لم يعودوا مجموعةً من الأفراد الذين يجتمعون في مكتب، بل صاروا بمثابة مجتمع حقيقي ينجح بتحقيق نجاح جماعي".
ويقول راؤول ديفيس (Raoul Davis)، مدير مجموعة آسيندانت (Ascendant): "لا ينحصر النجاح داخل الجدران الأربعة لمقرِّ العمل، بل قد يساعد أيضاً وجود موظفين يستمتعون بقضاء الوقت معاً لجعلِ العمل أكثر إمتاعاً في النجاح، ويؤدِّي إلى زيادة رغبتهم في العمل اليومي الذي يقومون به للشركة".
أضف تعليقاً