ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "لي دوغلاس" (Lee Douglas)، والذي يحدثنا فيه عن تجربته الشخصية في تربية أطفاله.
بالطبع ليس الأمر هكذا، فلا تعني البساطة السهولة، ويبدو الأمر في ظل الوضع الراهن لجائحة كورونا وكأنَّه أصبح أكثر صعوبة مما سبق، حيث يحتاج العالم منَّا أن نكون في أفضل حالاتنا الآن؛ فإذا لم نربِّ أطفالنا ليكونوا أفضل نسخة من أنفسهم، فإنَّ السلبية والقلق والإحباط لدى هذا الجيل ستعيدهم إلى نقطة البداية ويصبحوا أقل إبداعاً ورغبةً في مواجهة التحديات.
إذاً من أين تبدأ؟ يقول ستيفن كوفي (Stephen Covey)، مؤلف كتاب العادات السبع للناس الأكثر فاعلية (The 7 Habits of Highly Effective People): "إنَّه لمن الجيد أن تضع النهاية نُصبَ عينيك حينما تبدأ"؛ لذا فلنبدأ من هنا:
1. التفكير في النتيجة النهائية من البداية:
تخيل أنَّها مراسم جنازتك، وأنَّ أطفالك يقفون حول قبرك ويتحدثون عن الأوقات الجيدة والسيئة التي قضوها معك؛ ماذا تريد منهم أن يقولوا عنك كوالد؟
تعد هذه اللحظة صعبة على الكثير من الأشخاص، بعيداً عن أولئك الذين يُظهرون مدى حبهم لك؛ ومع ذلك، فكر في أكثر شيء يحبه الأطفال فيك.
بالنسبة إلي، أفضِّل أن يقول أطفالي أنَّني كنت أشاركهم جميع لحظاتهم، وأنَّهم كانوا يشعرون بالطاقة الإيجابية بوجودي بجانبهم، ويشعرون أنَّهم أهم شيء في العالم في تلك اللحظة؛ فإذا كنت أُقدِّرُ المشاركة الكاملة معهم، يمكنني أن أجهِّزَ تلك الطقوس عندما يحتاجونها.
عندما أقضي وقتي مع أطفالي، أكون في أوج طاقتي ونشاطي؛ فحياتنا عبارة عن مزيج من الأشياء التي تستنزف طاقاتنا، لذلك يجب أن نكون مسؤولين عن ضمان أنَّنا يجب أن نشعر بالسعادة عندما نكون مع الأطفال؛ فافعل ذلك عندما تدرك أنَّك تشعر بالضعف، وضَع خطة لمساعدتهم.
تستطيع القيام بذلك بكل بساطة من خلال وضع أغانيك المفضلة في قائمة تشغيل يساعدك الاستماع إليها على استعادة مزيدٍ من التركيز، أو من خلال القيام بعملٍ أكثر تنظيماً مثل قضاء أيام العطلة في كتابة اليوميات واستعادة النشاط؛ فإذا كان بإمكانك تخصيص دقيقتين لكتابة ما تريد أن يتحدث عنه أطفالك عندما يزورونك عند قبرك، فستمتلك خطة تشير إلى نوع الوالد الذي تطمح أن تكونه؛ وعندما تكون واضحاً في هذا الأمر، يمكنك صياغة العادات اللازمة لمساعدتك على الظهور بأفضل مظهرٍ ممكن.
2. مشاركة أطفالك في اللعب:
كانت طفولتي مختلفة تماماً، لم أنشأ في بيئة عائلة نموذجية، وإنَّما في فندق في بلدة ساحلية، حيث يعمل والديَّ لساعات أطول مما ينبغي. لقد كانا متعبين ومشغولين وغاضبين أكثر من معظم الآباء لأنَّهما يكافحان كل يوم للحفاظ على استمرارية العمل، فهما يقضيان وقتاً عصيباً ويواجهان عملاء أكثر صرامة؛ لكن أسعد ذكرياتي مع والديَّ عندما كانا يلعبان معي، ورغم أنَّ هذا الأمر لم يحدث كثيراً، ولكن كان لدينا طاولة ألعاب كمبيوتر في الصالة، وكنَّا نلعب لعبة بلياردو إلكترونية، وكنت أحب أن أتحداهم، وكان أبي يحضر لي البيبسي، ولم نكن نتحدث بل كنا نلعب فقط.
توجد الكثير من الأخبار السيئة في وسائل الإعلام حول الألعاب الإلكترونية وقضاء الوقت أمام الشاشة؛ لكن يمكنك جعلها تجربة إيجابية إذا كان بإمكانك مشاركة أطفالك هذه اللحظات.
عاد والدي في أحد الأيام إلى المنزل وهو يحمل سلة سوداء كبيرة مليئة بقطع الليغو (Legos)، ولم أكن قد شاهدت هذه اللعبة من قبل لكونها لم تكن موجودة في إعلانات التلفاز، وكانت المدرسة آنذاك للدراسة وليست للعب. لقد أفرغ أبي الحقيبة على الأرض ولعبنا، حيث لا توجد قواعد للعبة، ولم يجرِ بيننا أي حديث صغير، ولم يشرح أحد للآخر ما يجب فعله، فأنت ستفهم طريقة اللعب من تلقاء نفسك.
ربما كان هذا اليوم أفضل يوم في حياتي، ولن تفارقني ذكريات الألعاب والليغو أبداً؛ لذا، خصص وقتاً لتلعب مع أطفالك، فهذه الخطوة هامة للتربية الإيجابية التي تناسب الأطفال.
3. عدم الإكثار من الأوامر والنواهي:
عندما تكثر من نهي أطفالك أو تمنعهم من القيام بشيء يريدونه، سيكون الأمر بمثابة تحدٍّ لهم، سواءً كنت تحاول حمايتهم أم إظهار اهتمامك بهم؛ فبدلاً من ذلك، ابحث عن حل يناسب الجميع.
يوجد توازن بين التربية الإيجابية وإعداد الأطفال لمواجهة العالم الحقيقي، ولكن قد تكون أصعب تقنيات التربية الإيجابية هي "تجنب توجيه الأوامر والنواهي عن بعض التصرفات".
لنوضح الأمر قليلاً، تتكون هذه التقنية من جزأين هما: تجنُّب توجيه الأوامر، واستخدام اللغة الإيجابية؛ ولا يعني ذلك عدم الرفض مطلقاً، ولكن أن تكون في بعض الحالات النادرة التي يتوجب عليك فيها الرفض أكثر تحكماً، ويكون الأطفال أكثر قدرة على تقبل ذلك؛ فمثلاً: هل سبق وأن كنت تتحدث على الهاتف وأراد أحد أطفالك الحديث معك؟
عندما يكون لديك طفل يطرح عليك الكثير من الأسئلة ويحاول جذب انتباهك، فمن السهل أن تستخدم الرفض معه مباشرة، لكن يمكنك إعادة صياغة هذا إلى: "سنتحدث عندما أُنهي المكالمة"، وهي طريقة ترضي الجميع؛ فعندما نشعر بالتعب، يكون ذلك بسبب تعرضنا إلى موقف لا يُرضي أحداً منا.
توجد عبارة صغيرة كان لها تأثير كبير في تربيتي، لا سيما في الأيام التي شعرت فيها بالإرهاق: "لقد استُنزِفت طاقتي، هل يمكنك مساعدتي في استعادتها؟"؛ إذ يمكن أن أحصل على مقاومة أقل إذا كنت بحاجة إلى القليل من الوقت أو سأصل إلى طريقة تساعد أطفالي؛ ويتحول ذلك مع تقدم الأطفال في العمر إلى عادة عظيمة تتمثل في جعلهم يساعدونني مقابل قضاء بعض الوقت معهم، وهو وضع جميل ويرضي الجميع.
4. التعاطف:
بصفتي أمتلك الحزام الأسود في فنون الدفاع عن النفس ونشأت مع أبوين مشغولين، لم أعرف ما هو الذكاء العاطفي؛ ذلك لأنَّني لم أختبر التعاطف في أثناء نشأتي، وربما لم تكن توجد فرص لذلك، فالحياة عملية ويجب عليك أن تستجمع قواك إذا فشلت، وتتجاوز ذلك وتمضي قدماً؛ لكن كمدرب فنون قتالية مسؤول عن عدد كبير من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 إلى 6 سنوات، فأنا لن أتمكن من مساعدة طلابي إذا لم يكن لدي تعاطف، حيث يفهم الأطفال الصغار الكلمات أكثر من استخدام أساليب التواصل معهم، وتختلف نظرتهم إلى العالم كثيراً عنا كبالغين، ويمكنهم أن يعلِّمونا الكثير إذا كنا مستعدين للإصغاء إليهم.
عندما يتحدث طالبك وطفلك البالغ من العمر 4 سنوات عن الديناصورات الأليفة، ليس من الضروري أن يكون ذلك مزعجاً بالنسبة إليك، فقد تكون هذه طريقته في التواصل معك.
يعود تخصيص قليل من الوقت للتواصل بالفائدة على علاقاتك، وينطبق ذلك على تربية الأطفال؛ فعلى سبيل المثال: عندما يقع طفلك ويُصاب بجروح، يبدأ البكاء والنحيب، ونحن كآباء نحب كل ما هو قوي؛ لذلك أول ما نخبرهم به هو أن ينضجوا ويتوقفوا عن الشكوى والبكاء، لكنَّها ليست طريقة بنَّاءة أبداً، ولن تساعدهم على الهدوء.
تذكر أنَّ قدرة الأطفال الصغار على الفهم والاستيعاب أكبر من قدرتهم على التعبير، وعندما تؤكد لهم بأنَّهم شُجعان وقادرون على النهوض، ستُظهِر لهم التعاطف والتفهم لمرحلة نموهم؛ فالتعاطف جانب أساسي من جوانب الرعاية الأبوية الإيجابية.
5. الامتنان:
ما الذي فعلته مع أطفالك من أجل الآخرين؟ عندما كان أطفالي صغاراً، جمعنا الأموال لدور الأطفال الميؤوس من شفائهم، ولم يفهموا في ذلك الوقت معنى ذلك حقاً، لكنَّهم أدركوا أنَّهم كانوا يساعدون الأطفال الآخرين.
كنادٍ للفنون القتالية، كان لدينا العديد من الأطفال المتطوعين وأولياء الأمور الذين يقضون فترة ما بعد الظهيرة في السوق لتوضيب حقائب الناس، حيث يتبرع الكثير من الناس بهذه الحالة ببعض المال للجمعيات الخيرية.
لقد كانت تجربة رائعة للأطفال تمكنوا خلالها من تقديم المساعدة، واستمتعوا بها أكثر مما اعتقدت؛ فهي طريقة لطيفة لبناء عادات مع الأطفال للتفكير في مساعدة الآخرين ورد الجميل؛ بالإضافة إلى ذلك، ساعدني هذا المثال في التفكير كم أنَّني محظوظ لكوني أباً؛ فأن تعلم أطفالك الامتنان هو مفتاح التربية الإيجابية.
6. المغامرة:
يُحب معظم الأطفال أن يكونوا نشيطين ويخوضوا المغامرات، فمعظم الأشياء التي نقوم بها أو نعدُّها من المُسلَّمات يمكن أن تكون مغامرة بالنسبة إليهم، مثل مقابلة بعض الأصدقاء والتسوق لشراء سيارة وإصلاح أجهزة الكمبيوتر وما إلى ذلك.
تعدُّ مشاركة أطفالك في هذه الأنشطة بمثابة تغيير في روتينهم ومرحهم، فقد تأثَّرَ طفلي بفكرة البحث عن سيارة لدرجة أنَّه كان يبحث في المجلات ويزور صالات العرض ويجلس في مقعد الراكب ليؤكد لي فيما إذا كان مريحاً، لقد كان لطيفاً جداً وعادة ما كان يحصل على بعض الهدايا من فرق المبيعات لطرحه بعض الأسئلة الجيدة؛ ويذكرني ابني حتى يومنا هذا بالوقت الذي قدم فيه المساعدة حين علقت في مقعد سيارة لوتس إليز (Lotus Elise)، كما أنَّه يقود سيارة رياضية الآن بعد أن كَبُرَ، وكان فخوراً جداً عندما ذهبت معه لشرائها؛ ممَّا يؤكد أنَّ التربية الإيجابية الفعالة يجب أن تتضمن بعض المغامرات.
شاهد بالفيديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء
7. ليس كل الغرباء سيئين:
تختلف الآراء حول هذه الفكرة، لكنَّني أُفضِّل أن يتحدث أطفالي مع الغرباء، حيث يساعدهم ذلك على أن يصبحوا أقوياء في الحياة ويجمون أنفسهم.
يعتقد العديد من الأطفال أنَّه لا ينبغي لهم التحدث إلى الغرباء لأنَّهم أشخاص سيئون وخطيرون، لكنَّني علَّمت أطفالي دائماً أنَّه يمكنهم التحدث إلى الغرباء إذا أرادوا ذلك، وكَبُرَوا وهم يشاهدونني أتحدث إلى الغرباء طوال الوقت، وتعلموا من خلال مراقبتهم لهذا الأمر طريقة تكوين الصداقات، والأسئلة الجيدة التي يجب طرحها، فقد شاهدوني أصغي وأبتسم وأستخدم لغة الجسد لمساعدتي في التواصل الصحيح.
إنَّ تعليم الأطفال أنَّ هناك صفات جيدة في معظم الناس هو طريقة إيجابية لبناء ثقتهم وتعليمهم طريقة أفضل للعيش، وبالتأكيد أنا لا أقترح السماح للأطفال بالتجول دون مراقبتهم ومنحهم الثقة الكاملة وإمكانية الدردشة مع الجميع، إذ توجد مخاطر حقيقية في العالم.
إنَّني أرى خطراً في كل شخص أقابله، لكنَّني لا أريد أن يرى أطفالي العالم بهذه الطريقة، وأعتقد أنَّ الأطفال سيكبرون وهم يشعرون بسعادة أكبر ويصدرون أحكاماً أقل بخصوص ما يجري حولهم إذا بدأنا تعليمهم ألَّا يخافوا مما لا يفهمونه شرط أن يتعاملوا معه بفضول، كما يجب عليهم أن يثقوا بغرائزهم، ويتبعوا حدسهم على الفور إذا كان هناك شيء غير طبيعي أو غير صحيح.
لقد حاول بعض الغرباء إلحاق الأذى بي، لكن ساعدني بعضهم الآخر عندما تهت في كثير من الأحيان، أو عندما كنت بحاجة إلى اللطف أو إلى من أتحدث إليه؛ لهذا السبب أعتقد أنَّنا يجب أن نواجه مخاوفنا كآباء كل يوم ونترك أطفالنا يتحدثون إلى الغرباء إذا أردنا أن يكبروا وهم سعيدون.
أفكار أخيرة:
يتعلق الأمر بالقوة التي يحققها وجودك مع أطفالك وكونك أباً عظيماً، فهي طريقة خالية من الدراما لتقضوا الوقت معاً؛ فليس من السهل أن تكون والداً في هذا العالم الصعب، ولكن إذا بدأت بأخذ النهاية في عين الاعتبار، يمكنك صياغة ذلك في روتينك اليومي حتى تصبح تربية أطفال سعيدين عادة بالنسبة إليك، وهذا هو كل ما يتعلق بالتربية الإيجابية.
شاهد: كيف تسعد طفلك؟
أضف تعليقاً