سنناقش في هذا المقال جُزئيَّةً هامَّةً جداً يستطيع بعض الأهالي التعامل معها بحكمة، بينما يفشل بعضهم الآخر؛ وهي "كيف نُجِيب عن الأسئلة الوجودية الحرجة التي يسألها الطفل"، لذا تابعوا معنا.
لماذا يسأل الطفل؟
يبدأ الطفل السؤال من سنٍّ مبكِّرةٍ جداً -بعمر السنتين تقريباً- ويعدُّ السؤال دليلاً على ذكاء الطفل وسرعة بديهته، وطريقةً للتعبير عن رغبته في الاطلاع واكتشاف العالم من حوله، وهدفاً للوصول إلى الراحة والأمان.
غالباً ما تتَّسم أسئلة الطفل بأنَّها "سرطانيَّة"، أي أنَّ سؤالاً واحداً يُولِّد الكثير من الأسئلة الأخرى، حيث يسأل رغبةً بالحوار واستعراض مقدراته اللغوية المُكتسبة حديثاً.
شاهد بالفيديو: 10 طرق لعلاج صعوبات التعلّم عند الطفل
مَن هو اللَّه؟
يتعرَّض أغلب الآباء إلى أسئلةٍ صعبةٍ وحساسةٍ للغاية من قبل أبنائهم، فبعضهم مَن يستوعب السؤال ويُحسِن الإجابة عنه بأسلوبٍ حكيم، وبعضهم مَن يستشيط غيظاً من أسئلة ابنه، فيبدأ توبيخه والتقليل من قيمة أسئلته والاستخفاف بها. قد يكون سؤال "مَن هو اللَّه؟" سؤالاً أساسياً من بين الأسئلة الحرجة، فكيف نتعامل مع سؤالٍ كهذا؟
يجب أن نُدرِك أنًّ الطفل قبل سنِّ الحادية عشرة لا يستوعب الأمور الغيبيَّة، ولا يستطيع الإحساس بها؛ لذلك إن أجبتَ عن سؤال طفلك بأنَّ "اللَّه موجودٌ في كلِّ مكان، ونستطيع أن نشعر بإبداع خلقه وقدرته العظيمة" فلن يستطيع ابنك فهم هذا الجواب. بدلاً من ذلك، عليك الانتقال من الذَّات الإلهية إلى الصفات الإلهيَّة، مثل أن تقول له "اللَّه رزَّاقٌ وكريم، ألا ترى كيف وهبك عينين وهيئةً جميلة، ومنحنا منزلاً جميلاً؟ وهو رحيمٌ ولطيف، ألا ترى كيف خلق الطيور والأزهار والسماء والأشياء الجميلة في هذا الكون؟"؛ ذلك لأنَّ وعي الطفل في هذه المرحلة يتبنَّى الأشياء الحسيَّة الملموسة، فعندما تدلّه على اللَّه عن طريق بأشياء عينية، يستطيع حينها فهم الحالة أكثر بكثير.
يتبنَّى بعض الأشخاص -مُدرسيِّن كانوا أم آباء- نشر فكرة أنَّ اللَّه شديد العقاب، فيحوِّلون العبادة من طاقة خيرٍ مطلقٍ وتسامحٍ إلى طاقة خوفٍ ورعبٍ لدى الأطفال. إنَّ هدفنا هو زرع حبِّ اللَّه في قلوب أطفالنا، وليس الخوف منه والرُّعب من الشيطان.
قد يسأل الطفل عن الموت؛ لذا من الهامِّ جداً توضيح أنَّ الموت ليس نهاية الأمر، بل هو بداية مرحلةٍ جديدةٍ أجمل وأكثر متعة.
هل يعدُّ الهروب من أسئلة الطفل الحرِجة طريقةً صحيحة؟
يهرب الكثير من الأهالي من أسئلة أولادهم الصعبة مثل: أن يقولوا لهم "ستعرفون الجواب عندما تكبرون"، أو أنَّهم يتأفَّفون من طرح هكذا أسئلةٍ ويصفونها بأنَّها فضوليَّةٌ وغير مفيدة، غير مُدرِكين أنَّ عمليَّة كتم سؤال الابن تُخفِّض مَلكَة خلق الأسئلة لدى الطفل من 100% إلى 10%؛ ممَّا يتسبَّب بضررٍ كبيرٍ في شخصية الطفل، حيث يقلُّ الإبداع والابتكار لديه، وتنخفض ثقته بنفسه وبوالديه؛ لأنَّ حالة الأسئلة هي حالة تفاعلٍ مع المحيط، ومحاولة تحليل الأمور بطريقةٍ إبداعية.
شاهد بالفيديو: 8 وسائل يمكن تطبيقها لتعزيز الفضول عند طفلك
ما هو التعامل السليم مع أسئلة الطفل؟
يجب أن يُدرِك كلٌّ من الأبوين أنَّ التساؤل حالةٌ إيجابيةٌ جداً لدى الطفل تدلُّ على ذكائه، فعليهما بالصبر على أسئلة طفلهما، وتنمية مهاراته التحليلية مثل: أن يُعِيد الأب سؤال طفله إليه، كأن يقول له: "قبل أن أُجيبك، أحبُّ أن أعرف رأيك أنتَ في القضية التي تسأل عنها"؛ وبذلك يُحفِّز ابنه على التفكير أكثر، واستنباط الجواب حسب مستوى إدراكه، ويُقوِّي من شخصيته وخياله، ويُعزِّز لغة الحوار فيما بينهما.
الصدق أولاً وثانياً وثالثاً، فعلى الأبوين التعامل مع طفلهما بمنتهى الصدق والوضوح، وإن كان أحد الأبوين لا يملك جواباً لسؤال طفله، عليه أن يقول له: "عزيزي، في الحقيقة إنَّ سؤالك رائعٌ جداً، لكنَّني لا أملك إجابةً عنه، ما رأيك أن نبحث سويَّاً في هذا المرجع أو ذاك الكتاب أو في الإنترنت، للوصول إلى الإجابة الأكثر منطقيَّة؛ أو أن نسأل شخصاً اختصاصياً في هذا المجال".
بهذه الطريقة يكون قد زرع لدى طفله ثقافة البحث في المراجع والكتب للوصول إلى المعلومة، وساعده في إدراك أنَّ هناك الكثير من المصادر التي يجب الاستعانة بها وتحليل نتائجها واستنباط الإجابة الأكثر منطقيَّةً منها، عوضاً عن التسليم برأي فلانٍ من الناس لوحده؛ بالإضافة إلى أنَّه عزَّز لدى طفله فكرة أنَّ "والديه ليسا كاملين"، فهما يتطوَّران يومياً، ويزداد وعيهما كلَّ يوم؛ لذلك من الطَّبيعي ألَّا يكون لديهما إجابةٌ عن كلِّ شيء، وكما أنَّهما مصدر ثقةٍ وأمان، فهما لا يُزوِّدانه إلَّا بالمعلومة الموثوق بها.
الشك طريق الوصول إلى الإيمان:
تتطوَّر أسئلة الطفل من نمط سؤال "ماذا" خلال بداية المرحلة الابتدائيَّة من حياته، إلى نمط "لماذا" خلال المرحلة الإعدادية، إلى نمط "ماذا لو" في المرحلة الثانوية. ومن الطبيعي أن يمرَّ الطفل بهذه المراحل، وأن يسأل أسئلةً فيها الكثير من الشك، مثل أن يسأل: "لماذا خلقنا اللَّه؟"؛ وهنا على الآباء احتواء أبنائهم، وخوض الحوار معهم للوصول إلى الحقيقة، مع العلم أنَّ زرع المنهج العقائدي والقيم الدينية يتكوَّن بالتدريج ومن الطفولة، مثل أن يتكلَّم الأبوان عن صفات الله باستمرارٍ مع أبنائهم، ويربطان المواقف الإيجابيَّة بالذَّات الإلهيَّة، كأن يقول الأب خلال نزهةٍ عائليَّة: "شكراً للَّه الذي منحنا هذه العائلة وهذا الدفء والقوَّة"، ويُعزِّزان حالة استشعار القرب والطاقة العظيمة للَّه، وذلك عندما يتجاوز الأولاد عمر العاشرة، حيث يستطيعون استيعاب الأمور الغيبية.
كيف جئتُ إلى هذه الحياة؟
- يجب أن يَعِي الأبوان أنَّ حالة "الفضول الجنسي" حالةٌ طبيعيةٌ جداً لدى الطفل، فيجب الإجابة عن أسئلة الطفل الجنسية بمنتهى البساطة، بعيداً عن التعقيد، أو مشاعر الرفض والاستنكار، أو حالة الغضب والصراخ والضرب.
- يبدأ الطفل استكشاف جسده وأعضائه التناسلية بين عمر (3-5) سنوات، ويبدأ بعدها طرح أسئلته الطبيعية، كأن يسأل:
- "لماذا يختلف شكل جسدي عن جسد أختي؟"، وهنا تستطيع الأم إجابته: "لأنَّ اللَّه أراد التمييز فيما بيننا من خلال الجسد، فاختار أن يكون شكل الذكر مثل شكلك، وشكل الأنثى مثل شكل أختك".
- أو قد يسأل: "مِن أين أتيت؟"، فتستطيع الأم أن تُجِيبه: "مِن بطني"، فإن استرسل معها في السؤال وقال لها: "وكيف تشكَّلتُ في بطنك؟"، عندها تُجيبه: "عندما يتزوَّج الرجل والمرأة، يضع اللَّه بذرةً في بطن المرأة، وتكبر هذه البذرة عندما تتغذًّى الأم إلى أن تصبح طفلاً".
- ومن الممكن أن يسأل: "لماذا تنامين بجانب أبي دوماً؟"، فتُجيبه الأم: "لأنَّنا بذلك نتواصل مع بعضنا بشكلٍ أفضل، ونستطيع بالتالي أن نُحسِن تربيتكم أكثر".
- وقد يسأل "لماذا أبي لا يحمل بطفل؟"، فستطيع أن تُجِيبه الأم: "لأنَّ اللَّه وزَّع لنا الأدوار، فأعطى الأم دور الحمل والولادة، وأعطى الأب دور تحقيق الأمان الماديِّ للعائلة؛ بالإضافة إلى دورهما المشترك في التربية، والتعليم، والتنشئة".
- تعدُّ التربية الجنسية من أهمِّ أبواب التربية لكي يصل الطفل إلى علاقةٍ إيحابيةٍ مع جسده، ويحمي نفسه من كلِّ أمرٍ سيء؛ فيجب تربية الطفل على أنَّ "جسده يخصُّه"، أي أنَّه لا يستطيع الكشف عن مناطق معيَّنةٍ من جسده إلَّا في أوقاتٍ محددةٍ فقط، ولأشخاصٍ محدَّدين؛ تماماً كما في حالة الاستحمام، أو حالة المرض حيث سيكشف جسده للطبيب. ويجب اتباع الأسلوب اللطيف في إيصال المعلومة، كيلا يتحوَّل الأمر إلى عقدةٍ نفسيةٍ لدى الطفل، وإلى هاجسٍ يُفكِّر فيه على الدوام، كأن تُوصِل الأم المعلومة باستخدام قصص ما قبل النوم.
- في حال ارتكاب الطفل لتصرُّفٍ جنسيٍّ سلبي، يجب على الأم الابتعاد عن ردِّ الفعل السريع، وعليها أن تحاول فهم منطق ابنها بأن تسأله: "لماذا فعلتَ هذا التصرُّف"، ومن ثمَّ تشرح له لماذا هذا السلوك خاطئ، على أن يكون ذلك بحبٍّ واحتواء لابنها، دون مشاعر سلبيةٍ وأحكامٍ ظالمة، فالفضول الجنسي لدى الطفل حالةٌ طبيعيةٌ جداً. وفي حال أعاد هذا السلوك مرةً أخرى، فتستطيع معاقبته، على أن تُبِيّن له أنَّ العقاب لمصلحته وخوفاً عليه، وليس كرهاً فيه، كأن تقول له: "أنا أحبُّك، لكنِّي سأعاقبك لأنَّك كرَّرت هذا التصرف الخاطئ الذي يُسِيئ لكَ، وعليك تحمُّل نتائج أفعالك".
- قد ينحرف الأطفال إلى سلوكاتٍ خاطئةٍ نتيجة الانفتاح الكبير الحاصل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ومصادر الإنترنت الأخرى؛ لذلك على الأبوين مراقبة أطفالهم في أثناء تصفُّحهم الإنترنت، مثل: أن يُخصِّصوا وقتاً محدداً لهم لتصفُّح الإنترنت، على أن يكون بالمشاركة مع الأهل، بحيث يكون باباً للحوار والنِّقاش فيما بينهم. وعلى الأهل توعية أطفالهم بعد عمرٍ محددةٍ عن الجنس والعلاقة الحميمة بين الزَّوجين بطريقةٍ علميةٍ صحيحة، مع إضفاء حالةٍ من الرقي والأهميَّة إلى هذه العلاقة، والبُعد تماماً عن تشويهها أو الانتقاص منها، بل يجب تبيان إيجابياتها شرط أن تكون ضمن ضوابط وقواعد، مثل: أن يقولوا لهم أنَّ "البشر كائناتٌ راقية؛ لذلك عليهم القيام بعلاقةٍ حميمةٍ بطريقةٍ واعيةٍ ناضجةٍ ومُلتزمةٍ وضمن إطار الزواج".
الخلاصة:
عزيزتي الأم، تأكَّدي أنَّ طاقة المُربِّي هامَّةٌ جداً في التربية؛ لذلك راجعي أفكارك الخاطئة عن التربية، فمن الممكن أن تكوني مُتبنِّيةً لفكرة أنَّ "تربية الأولاد مَهمَّةٌ شاقةٌ ومُتعِبة"؛ ممَّا يجعل طاقتك سلبية، ونتائج تربيتك ليست في المستوى الذي تطمحين إليه.
اعلمي أنَّ التّربية من أمتع المهام والتحديات وأقدسها على الإطلاق، وأنَّ نتائجها تراكميَّةٌ وليست لحظيةً، لكنَّها مُبهِرة؛ وثقي أنَّ السلوكات السلبية لطفلك هي أعراضٌ لعدم إشباع حاجاته النفسية الأساسية، لذلك ابحثي في حاجات ابنك العاطفية واملئيها حبَّاً واحتواءً؛ ولا تقلقي على طفلك من المحيط، لأنَّ القيم الأساسيَّة والهامَّة مصدرها العائلة، فإن كانت مبنيَّة بطريقةٍ صحيحة، فستُعطِي نتائجَ رائعة.
أضف تعليقاً