يقول خبراء العلاقات أنَّ الزوجين عادةً ما يعبِّرون عن الشعور بالفراغ، وهو الإحساس بالوحدة في علاقتهما ويكافحان من أجل فهمه، وعادةً ما يكون هذا صعباً جداً.
يمكن أن تعني الوحدة أشياء مختلفة باختلاف الأشخاص، غير أنَّها تشمل بصورةٍ عامة بعض ما يلي:
- الشعور بأنَّك غير مسموع أو أنَّ شريكك لا يُصغي إليك.
- الشعور بأنَّك غير محبوب وبعدم الاهتمام.
- الشعور بالبعد في العلاقة.
- الشعور بالقلق عند طرح نقاشٍ ما.
- عدم تقاسم الأخبار سواء كانت جيدة أم سيئة مع من تحب.
- التغاضي عن اهتمامات الشريك وتجاهل أهمية اهتماماتك.
- الإحساس بالخوف مِن المستقبل والعلاقة وحتى من نفسك.
- اتخاذ القرارات بنفسك دون مساعدة من شريكك.
- البدء بوضع خطط قصيرة الأمد أو طويلة الأمد لا تتضمن نصفك الآخر.
- الشعور بالحزن أو الفراغ أو اليأس.
قد تتساءل عن سبب شعور الوحدة الذي يغلبك في علاقةٍ ما وكيف تصلحه، والواقع أنَّ الباحثين أقروا بمدى تعقيد فكرة الوحدة، والتي يمكن أن تشمل العوامل الداخلية النابعة منك، فضلاً عن العوامل التي تتقاسمها مع شريكك على حدٍّ سواء، ومن الممكن أن يساعدك فهم هذين العاملَين على معالجتها على نحو أفضل.
1. الشعور الداخلي بالوحدة:
قد تحدِّق في هذا وتتساءل كيف يمكن للعوامل الداخلية، مثل: السمات الشخصية أو المزاج أو السلوكات، أن تُشعِرَك بالوحدة في علاقة بينما أنت مع شخص تحبه؟ لذا اقرأ التالي:
أنماط وعلاقات الارتباط (التعلق):
لقد سمعنا جميعاً عن الارتباط عندما يتعلق الأمر بالأطفال، ولكن ما دوره عند البالغين فيما يخص العلاقات؟ باختصار، يوجد أربعة أساليب للارتباط (التعلق) يبديها البالغون:
- الآمِن: يحتاج البالغون الذين يشعرون داخلياً بالأمان إلى اهتمام أقل من نظرائهم؛ فهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر ارتياحاً في علاقتهم ويثقون بشريكهم على نحوٍ أكبر، ويوازنون بين احتياجهم إلى الدعم واحتياجهم إلى الاستقلالية، مع تقدير الخصال ذاتها في شريكهم، كما أنَّهم لا يشتكون من الشعور بالوحدة في علاقتهم، حيث يكونون أكثر ليناً في التعامل.
- القائم على التجاهل والانعزال: يميل الأزواج المنغلقون على ذواتهم إلى وضع مسافة بينهم وبين أحبائهم، وقد يعزلون نفسهم أو يأخذون دور المدير أو الوالد في العلاقة، ويقنعون أنفسهم بأنَّهم مستقلُّون ولم يعودوا بحاجةٍ إلى التواصل مع الطرف الآخر، غير أنَّ ذلك يؤدي إلى نوعٍ من الانفصال وإقامة الحواجز الدفاعية، فإمَّا أن يتظاهروا باللامبالاة ولكنَّهم يكونون عكس ذلك ضمنياً، أو أن يكونوا قساةً إلى حدٍّ كبيرٍ.
- القائم على الاحتياج الدائم والقلق: يسعى الأزواج الذين لديهم خوف من التخلي إلى طلب الحضور المستمر والشعور بالطمأنينة حتى لو كان الأمرُ مزعجاً لشريكهم. وقد وُصِفت هذه الحالة بالنَّهم العاطفي؛ حيث يكونون دائمي التحدث عن احتياجهم إلى شريكهم ليكمِّلهم أو ينقذهم، والأسوأ من ذلك شعورهم بأنَّهم غير هامين أو أنَّهم "أنصاف ذواتهم" من غير علاقة صادقة. ويصبح هذا الاضطراب خطيراً عند التعلقِ الشديدِ والاحتياجِ الدائم والذي يرفضه الشريك؛ لأنَّه ينهكه، ممَّا يُشعرهم بالوحدة في علاقتهم.
- اضطراب التعلق التجنبي القائم على الخوف (أو ما يسمى بالتعلق الفوضوي): يعيش الشريك ذو نمط التعلق غير المنظم هذا في حالةٍ دائمةٍ من الخوف أو الارتباك في محاولةٍ لموازنة القربِ الشديد من شريكه أو ابتعاده عنه، وهذا تناقضٌ حقيقي فيهم، فمِن جهةٍ يشعرون أنَّهم لن يحصلوا على أي شي بطريقة جيدة، ومن جهةٍ أخرى يشعرون أنَّهم مغمورون بالعواطف الهائجة. ومن المحزن أنَّ البالغين الذين لديهم هذا النمط من التعلق غالباً ما يكون لديهم تاريخ نشأةٍ صعب، ويُترجَم هذا إلى شعورٍ دائم بالألم من قِبَل الشخص الذي يعدُّونه مصدر أمانهم وحتى من ذاتهم في بعض الأحيان، وممَّا يزيد الطين بلَّة أنَّهم يكافحون عموماً في تسوية احتياجاتهم.يمكنك أن ترى كيف يكون لأسلوب ارتباطك علاقة بالشعور بالوحدة في علاقتك، وإذا كنتَ غير مطمئن في علاقتك فلم يفُت الأوان لتغيير هذا، قد تكون البداية الجيدة بأن تُعيدَ كتابة قصتك أو عن طريق كتب المساعدةِ الذاتية أو المعالجةِ النفسية أو بمساعدةِ شريكٍ متفهِّمٍ.
الصحة النفسية والوحدة:
إنَّ للصحة النفسية علاقة وثيقة مع الشعور بالوحدة في العلاقة، فالأفكار تؤثِّر في العواطف ثمَّ السلوكات. تخيَّل شعورَ شخصٍ مكتئِب في علاقةٍ إذا كان يشعر بالسطحية والإحباط وانعدام الأمان، فمن الأرجح أن يشعر بالوحدة؛ لأنَّ الاكتئابَ يولِّد هذا الشعور.
ينطبق الشيءُ ذاتُه على القلق، فإذا شعرنا بالقلق، سيتطور ذلك إلى الخوف ثمَّ تصوُّر أسوأ السيناريوهات، أو ببساطة استيعاب كل هذه العواطف وعرقلة تأثير شريكنا بالمنطق نفسه. وإذا بالغنا في تبنِّي هذه الفكرة، فإنَّ الصدمةَ قد تؤثِّر على الكيفية التي ندير بها العلاقات والثقة بالآخرين وافتراض الأسوأ.
عندما يكون الناس قد عانوا بالفعل من أحداثٍ سلبية خلال حياتهم، فقد يواصلون توقُّعها في أيِّ علاقة يعيشونها، وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى شعورهم بالوحدة الشديدة نتيجةً لتجاربهم المشوَّهة إلى حدٍّ ما.
تتعدى الصحةُ النفسية كونها هامةً فحسب؛ بل هي ضرورة حيوية من أجل علاقةٍ صحية، لأنَّ علاقاتك تهمُّ بقدر سعادتك، وعندما تعلم الطرائق التي تتأثر فيها صحتك النفسية، ستحاول التأثير فيها بنفسك من خلال سماع المدوَّنات التحفيزية، والاقتباسات، والعناية بالذات، والاعتماد على النفس، وغيرها من الطرائق البسيطة كي تتغلَّب على الاكتئاب، وإذا شعرتَ أنَّك لن تستطيع فعل ذلك بنفسك؛ اطلب الدعم الاختصاصي من معالجٍ نفسيٍّ أو طبيب العائلة، فكلَّما تحسَّنت الصحةُ النفسية تحسَّنت العلاقة، لأنَّ المرور بمثل هذه التجربة أمرٌ مريرٌ سواء على الصعيد الفردي أو كشريك.
شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية
2. الشعور بالوحدة في علاقتك:
إذاً، فالشعور بالوحدة ممكنٌ بناءً على ما قد يحدث داخلياً، غير أنَّ هذه الوحدة تَنتُج في كثيرٍ من الحالات عن عوامل متعلقة بالعلاقة منها:
- ضعف التواصل: يُشكِّل التواصل متنَ العلاقات جميعها، فهو يسمح للزوجين بتفهُّم بعضهم وتبادل المعلومات والاستجابة لها إمَّا بطريقةٍ إيجابيةٍ أو سلبيةٍ. ولا بدَّ من الإشارة إلى وجود طرائق صحيحةٍ وأخرى خاطئة فيما يتعلق بالتواصل؛ فالتواصل العدواني أو الرفضي أو الجدالي بين الزوجين من شأنه أن يؤدي إلى شعور أحدهما بأنَّه غير مسموع وغير محبوب وبالتالي الشعور الوحدة في العلاقة.
- المشكلات المتعلقة بالجداول الزمنية: بغضِّ النظر عن الحب الذي قد يكنُّه الأزواج لبعضهم، قد يبدأ الشريكان في قطع حبال التواصل جزئياً إذا ما شعر أحدهما بغياب الرعاية وأولوية رؤيتهما كل للآخر. لأنَّه بحكم العادة، يصبح الوقت روتيناً فردياً يومياً ولا أحد يرغب أن يكون في علاقةٍ مع شخصٍ غير حاضر، ولذلك يُعدُّ تحديد أوقات للتواصل أمراً بالغ الأهمية وخاصةً لمَن يعملون في أماكنَ مختلفةٍ بعيداً عن بعضهم ويتعاملون مع غياب أزواجهم، ويُعدُّ تخصيص جدول لقضاء وقتٍ فرديٍّ مع الشريك من الطرائق الجيدة للتخلص من الشعور بالوحدة في العلاقة.
- نوعية الوقت المستغرق معاً: كما ذُكر أعلاه، من الهامِّ أن نجدَ الوقت لنكون معاً إذا لم نُرِد أن نجد أنفسنا وحيدين في علاقتنا. ولكنَّ المهم هو التأكد من أنَّ الوقت الذي نقضيه مع شركائنا هو بالفعل وقتٌ جيد، لأنَّ قضاء الوقت معاً في إفراغ القمامة لا يمكن أن يكون وقتاً نافعاً لعلاقتكما.لذا فالانتباه لنوعية الوقت معاً وجعله ممتعاً ومتنوعاً والتناوب في تخطيط الأنشطة، يضفي مزيداً من المرح ويُبعِد الشعور بالوحدة.
3. الأهداف والتوقعات:
ما علاقة الأهداف والتوقعات بالشعور بالوحدة في العلاقة؟
كما أوضح أوستن بولينغر (Austin Bollinger) عندما شدَّد على أهمية تحديد الأهداف، فإنَّ الأهداف تشبه خارطةَ الطريق لأي علاقة، فهو يدفعنا في اتجاهٍ محدَّدٍ للوصول إلى شيء نريده ونطمح بتحقيقه مع الشريك؛ فإذا كانت أهدافُ الشريكين مختلفةً ويتوقعون نهجاً ونتائج مختلفة تماماً، فذلك يؤدي إلى فقدان التواصل والشعور بالارتباك والإحباط واليأس أحياناً، ولا حاجة للقول بأنَّ هذا كفيلٌ بأن يَشعُرَ الشريكين بالوحدة ببساطة؛ استناداً إلى حقيقة أنَّ جلَّ اهتمامهم وأهدافهم المنشودة لا تتوافق مع أهداف شركائهم.
4. الاحتياجات والاحتياجات غير المُلباة:
لدى البشر احتياجات جمَّة؛ منها الجسدية والعاطفية والروحية والحميمية -على سبيل المثال لا الحصر- وعندما نكون في علاقةٍ، نأمل أن يُلَبي الشخص الذي نحبُّه بعضَ هذه الاحتياجات إن لم يكن كلها؛ وعندما لا يحدث هذا، نشعر أنَّنا مرفوضون وغير محبوبين ولسنا في قائمة الأولويات.
وللأسف أنَّ ما يحدث حينئذٍ هو أنَّنا نسعى إلى تلبية هذه الاحتياجات بوسائلَ أخرى؛ لأنَّ ذلك من بديهيات طبيعتنا البشرية، ربما من خلال طرفٍ ثالثٍ أو بتمضية الوقت في العمل، أو مع الأصدقاء، أو ممارسة الهوايات، أو ربما خفض سقف توقعاتنا بأنَّ الشريكَ غيرُ قادرٍ أو مستعدٍّ لتلبية احتياجاتنا.
ففي اللحظة التي نشعر فيها بالوحدة، يسعى دماغنا البشري إلى ملء هذا الفراغ بأيَّة وسيلة ممكِنة، وسيمضي بعض الوقت قبل أن ندرك أنَّ التعبير عن احتياجاتنا ليس أنانيةً؛ بل هو تعبيرٌ صحيُّ عند الشعور بعدم الأمان الذي نفتقده ونريده لنا ولشريكنا.
والمغزى من هذا القول أنَّ التوافق في العلاقة هامٌّ للغاية، فالشعور بالوحدة يعني أنَّ هناك بداية تحوُّلٍ قائمٍ وجديدٍ في اتجاهاتكم، فإمَّا أن تعيدوا النظر في أهدافكم وتوجيهها في اتجاه مشترَك أو تقبلوا أنَّ الرحلةَ باتَت في مسارٍ مُغايِرٍ.
5. الأوقات الحميمة:
يختبر الرجال والنساء العلاقةَ الحميمة بشكلٍ مختلفٍ فحينما يتعلق الأمر بوجود تجربةٍ حميمةٍ جيدةٍ يكون كثيرٌ على المحك بما في ذلك الثقة، والاحترام، والتواصل، ومعرفة ما يُعجِب كليهما.
فيما يخصُّ النساء في العلاقات طويلة الأمد، فإنهنَّ يحببن أن يشعرنَ بالارتباط العاطفي ليدخلن في مزاجٍ حميميٍّ، غير أنَّ كثيراً من الرجال يحتاجون إلى التجربة ليشعروا بالارتباط بشريكتهم؛ أي أنَّه عندما يكون الزوجان منفصلين جسدياً، سواءً بسبب مسائلَ متعلقةٍ بالوقت، أو بسبب صعوباتٍ في العلاقة، أو بسبب مهامِ الأبوَّة والتوتر، أو مسائل الصحةِ البدنية أو النفسية؛ فقد يشعران بنوعٍ من الوحدة في علاقتهما.
6. الألم والخيانة:
للوهلة الأولى يبدو هذا منطقياً؛ لذا لن يطول الحديث عنه؛ فمتى تعرَّض الزوجان لمشاعر خيانة موضوعية أو ذاتية، سواء من خلال علاقاتٍ غرامية، أو أكاذيب، أو غيرها من الحوادث المؤذية نفسياً؛ فمن المؤكد أن تنتابَهما مشاعرَ الوحدة.
قد يكون إصلاح الضرر أمراً قابلاً للتنفيذ، إلَّا أنَّه يتطلب صبراً والتزاماً وجهداً كبيراً من كلا الطرفين. ورهناً بماهيَّة المسائل، يمكن للأزواج الاستفادة من خبيرٍ في العلاقات لإرشادهم إلى الاتجاه الصحيح.
في الختام:
قد يبدو الشعورُ بالوحدة في العلاقة شعوراً متناقضاً؛ إلَّا أنَّه يحدث على نحوٍ شائعٍ للغاية، ويعود ذلك إلى أسبابٍ داخلية أو خارجية، وكلها على قدرٍ متساوٍ من الصحة.
ولكن لإنهاء شعور الوحدة، حاول ما يلي:
- اكتب في يومياتك ما أنت ممتنٌّ له.
- توقَّف عن الحديث سلباً مع ذاتك.
- خصِّص وقتاً لقضائه مع من تحب.
- أصغِ إلى شريكك باهتمامٍ.
- عبِّر عن احتياجاتك وراعِ احتياجات شريكك.
- أوجِد أهدافاً مشترَكة واعمَل على تحقيقها.
- اذهبوا في مواعيدَ غراميةٍ واحضنوا بعضكم وكونوا رومنسيين.
وإذا فشلَت كل المحاولات؛ فلا تتردد في طلب المساعدة وستكون شاكراً لذلك لاحقاً.
أضف تعليقاً