5 علامات تشير إلى أنك تعمل في بيئة سامة

ربما مازلت تذكر أكثرَ عملٍ استنزف قواك وسبَّب لك بؤساً شديداً؛ وكيف كان يطالبك الموظف المسؤول عنك بأمور تعجيزية تفوق طاقتك، أو ربما مازلت تذكر مديرك الذي كان يغضب منك ويتنمَّر عليك دائماً؛ إنَّ هذه الأمور ما هي إلا دلائل على بيئة عمل سامة.



رغم ذلك، هناك احتمالات أنَّ تجربتك الوظيفية الرهيبة تلك لم تكن بسبب شخصٍ محدد، بل حالة عامة نظراً للتفشي السريع للسُّميَّة في العمل وتحولها إلى ثقافة كاملة، فقد أظهرت الأبحاث في كثير من الأحيان إمكانية تفشي سلوك القادة المسيء في المؤسسة بأكملها.

لكن للأسف، لا ينحصر التأثير السلبي للعمل في بيئة سامَّة ضمن مكان العمل فحسب، فقد يكون لهذا النوع من الثقافة آثاراً سلبية دائمة، مما يضر بالصحة النفسية والبدنية، بل ويؤثر في حياة العمال الشخصية وعلاقاتهم.

على الرغم من أنَّ الثقافة السامَّة غالباً ما تكون شاملة، إلا أنَّها لا تتجلى دائماً في مواقف صريحة أو واضحة مثل الإساءة، فبعضها يكون مستتراً؛ ومع ذلك فهي تستدعي القلق والعلاج.

هل تشعر أنَّ مكان عملك يمثل بيئة سامة؟ إليك إذاً خمس علامات مُؤكَّدة تدل على ذلك.

1. تهرُّب الأشخاص من مساعدتك والتلميح إلى أنَّ مهام معينة ليست من اختصاصهم:

قد تكون جزءاً من فريق صغير يلتزم جميع أعضائه بارتداء زي موحد، ويعملون بكد لتطوير منتجات شركتك ومعرفة عيوبها والتسويق لها، دون كلل أو ملل قدر ما أُوتوا من طاقة؛ فعلى جميع أعضاء الفريق أن يدركوا أنَّهم معنيون بالعمل لخير الشركة وإعلاء اسمها دون الاكتراث للمناصب، لكن وياللأسف، لا يؤمن الجميع بهذه العقلية.

يلتزم الأشخاص في بعض أماكن العمل بأداء المهام المنصوص عليها في المسمى الوظيفي ولا يؤدون أيَّة مهام غيرها، ظناً منهم أنَّهم غير معنين بتقديم العون إلى زملائهم في مجال لا يتضمَّن عملهم، أو تقديم المساعدة الشخصية لهم، وقد يبعثون بهم إلى زميل آخر من أجل أن يَحُلَّ لهم مشكلة بسيطة.

طالما أنَّ لكل مِنَّا ميزاته ومهاراته الخاصة، ونُقدِّر أهمية استثمار الوقت عالياً؛ علينا إدراك أنَّ التعاون هو الركيزة الأهم في أي مكان عمل.

إنَّ تهربك من أداء عمل لا يندرج ضمن مسماك الوظيفي، أو الامتناع عن تقديم المساعدة، يُنِم عن أنانية وبيئة عمل سامَّة، ويدل على أنَّك لا تأبه إلا لنفسك وعملك، دون الاكتراث لغيرك؛ وبالتالي سيكف الأشخاص عن تكريس أنفسهم للمصلحة العامة للشركة.

لا تضرُّ هذه الثقافة بالمجهود الذي يبذله الفرد وحسب، بل وتؤثر في الروح المعنوية والإنتاجية.

إقرأ أيضاً: التنمر في العمل: أسبابه، أعراضه، وطرق مواجهته

2. الافتقار إلى التعددية:

التعددية مُكوِّن هام في بيئة العمل الصحية، فنحن بحاجة للتعرف إلى آراء وأفكار مختلف الأشخاص من حولنا؛ لذلك عندما لا يضمن القادة ثقافة التعددية في الشركة أو يتحاشونها، فهذا دليل على شخصياتهم المهزوزة وانحدار قيمهم.

يجب ألا تقتصر القوة العاملة لديك على نموذج واحد من البشر، وإلا ستُعيق النمو الصحي لمؤسستك. وبالرغم من أنَّ هناك مؤسسات تضمن ثقافة التعددية لكنَّها تحرم الأفراد المختلفين من الارتقاء إلى مناصب قيادية، فتصبح التعددية ضمن بيئة العمل دون جدوى.

إن كانت شركتك تولي القيادة لأشخاص مُعينين، وتخصُّهم أكثر من غيرهم بالترقيات والمكافآت، فهذا دليل على أنَّ بيئة العمل فيها سامَّة.

اعلم أنَّ الافتقار إلى التعددية -أياً كانت الطريقة التي يتجلى بها ذلك- ما هي إلا علامة واضحة على انتشار التحيُّز ومنح التقدير لمن لا يستحقُّه.

3. عدم السماح بتقديم تغذية راجعة:

إن كان النمو الفردي يعتمد على تقبُّل النقد، فإنَّ سلامة المؤسسة تعتمد على قدرة العمال على التعبير عن هواجسهم وأفكارهم؛ لكن إن أطبقت الإدارة الخناق على الموظفين دون تقديم تغذية راجعة، فمن المحتمل أنَّ بيئة العمل هذه سامة؛ ولا يعني هذا بالضرورة أنَّ أحداً لن يعبِّر عن مشاعره، حيث يُعَد التنفيس خفيةً بعيداً عن مسمع الإدارة إحدى العلامات الواضحة على أنَّ القيادة سامة. وعندما تعمل في بيئة سامة، سيشتكي الموظفون غالباً من أصحاب المناصب العليا وسياسات الشركة أثناء العمل أو في المحادثات الخاصة أو خارج ساعات العمل.

من الطبيعي أن تشعر بالإحباط في العمل، ولا تخلو وظيفة من ذلك؛ لكنَّ غير الطبيعي هو عندما لا يُقبل العمل بالرأي الآخر، أو يُقابل رأيك بالرفض. لن يُكتب النجاة لثقافة مكان العمل التي تشجع على قمع التغذية الراجعة البناءة على المدى الطويل، فهي علامة تدل على أنَّ القيادة ليست منفتحة على الأفكار الجديدة، وأنَّ القادة يهتمون لمصلحتهم الشخصية على حساب مصلحة المؤسسة وكأنَّها ليست جزءاً لا يتجزأ عنهم.

4. منح الأولوية للتدابير القابلة للقياس:

إنَّ قيمة المبيعات والجداول الزمنية والنتائج وغيرها من المقاييس، علامات هامة على كيفية سير الأمور في أي عمل تجاري؛ لكن يدرك القادة العظماء أنَّ النجاح الحقيقي لا يُقاس دائماً أو يُقدَّر. تُساهم العوامل البناءة في مكان العمل مثل الرضا والعمل الجماعي والنمو الشخصي في تعزيز هذه المقاييس والحفاظ عليها.

لا يعتمد ازدهار الشركات على إيراداتها فحسب، ولا ينبغي أن تكون الشغل الشاغل الوحيد، بل يجب تحييد المقاييس عن مصلحة العمل الجماعي، للمساهمة في الوصول إلى رؤية هادفة إلى تحسين حياة الآخرين.

في حال اعتمد مكان عملك على مقاييس النجاح الكمِّي، فمن المحتمل ألا يعطي الأولوية للأمور الهامة بالفعل، وأن يبث مشاعر الخوف من الفشل بين الموظفين، مما يُعيقهم بدلاً من تحفيزهم.

5. تعارُض السياسات والقواعد:

تمتلك كل مؤسسة مجموعة خاصة بها من السياسات والإجراءات المميزة؛ ولكن في كثير من الأحيان تحتوي أماكن العمل غير الصحية على "قواعد" متعارضة وغير معلنة، ولا تُطبَّق تطبيقاً عادلاً على الجميع.

عندما يمارس شخصان السلوك نفسه، فيُعتبر الأول مذنباً في حين يُهلَّل للآخر، سيشعر الموظفون في هذا الحال أنَّ إدارتهم مُتحيزة. لا يدل هذا التصرف عن مشكلة أخلاقية فحسب؛ ولكنَّه يستنزف إيضاً الروح المعنوية، ويزيد من حدة التوتر في مكان العمل، مما يدل على ضعف القيادة وأنَّ مكان العمل سامٌّ.

فعلى سبيل المثال: قد يُفرض عليك التواجد في تمام الساعة الثامنة صباحاً بالرغم من عدم وجود قاعدة محددة بشأن ساعات العمل، لكن يفلت من العقاب آخرون يحضرون في التاسعة أو العاشرة. إن كانت هذه طبيعة الحال، فمن المحتمل أنَّ تركيز قيادة مؤسستك هو إحكام السيطرة على الأشخاص وممارسة السُّلطة، دون أن تلقي بالاً لمصلحة موظفيها العامة.

شاهد بالفيديو: 5 علامات تشير إلى أن الأجواء في مكان العمل سامّة

كيفية التصرف في بيئة عمل سامَّة:

عليك أن تعي أولاً أنَّ بإمكانك التحرر من بيئة العمل السامَّة، في حين يقع على عاتق الشركة في النهاية مسؤولية إحداث تغييرات إيجابية للحد من الإجراءات المجحفة بحق الموظفين، كما بإمكانك التعبير عن هواجسك، أو الاستقالة إن لزم الأمر.

إن اعتقدت أنَّك تعمل في بيئة سامَّة، فكر في كيفية الدفاع عن نفسك. ابدأ بتقديم شكواك عن البيئة السامَّة في مكان مناسب؛ مثل طلب عَقد اجتماع خاص بينك وبين مشرفك.

وإن لم ترغب في التحدث مع مشرفك عن هذه المشكلات، اطلب مساعدة الزملاء الذين يشاركونك نفس العقلية، حيث يمنحك الفريق الذي يُشاركك وجهات نظرك الدعم الذي تحتاج إليه للتواصل مع الإدارة.

ليس من الضروري أن تُفضي صراحة بكل ما لديك للمشرف، ابذل فحسب قصارى جهدك لإضفاء الإيجابية على مخاوفك، عبر إخبار مشرفك  عن رغبتك بزيادة إنتاجيتك في العمل؛ لكنّّ هذا لا يمنع أن  تعترض بعض المشكلات طريقك أحياناً.

إقرأ أيضاً: التعامل مع صعوبات بيئة العمل وأشهر أنواع مدراء العمل

الخلاصة:

إذا كان مشرفك يريد مصلحة المؤسسة، فسوف يأخذ مخاوفك على محمل الجد، ويعمل جاهداً على تغيير بيئة العمل السامَّة إلى مكان أكثر ملاءمة للإنتاجية.

أمَّا إن لم يتحقق هذا الأمر، فعليك أن تجد أي الكفتين سترجح، سلامتك وحياتك الشخصية أم الوظيفة، واسأل نفسك هل تستحق سيرتك الذاتية هذا العناء؟ أو هل بإمكانك إيجاد عمل مؤقت يمنحك الراحة النفسية، حتى لو لم يدفعك للأمام كما خططت؟

ربما ليس هذا ما خططت له؛ لكنَّ صحتك العقلية وسلامتك أهم من أن تتجاهلهما. وعندما تتاح لك الفرصة لإعادة شحن طاقتك، ستزداد قيمتك في سوق العمل في نهاية المطاف.

 

المصدر




مقالات مرتبطة