والسؤال هنا: "كيف ستتعامل مع الإساءة أو الإهانة؟ هل ستفقد السيطرة على أعصابك، سامحاً للشخص المُهِين أن يشوِّه ثقتك بذاتك ويدمِّر تفاصيل يومك وجماله؛ أم أنَّك ستحافظ على صلابتك النفسية، وتعي أهمية الثبات أمام قيمك الأخلاقية، وتمنع ذاتك من الانجراف إلى المستوى المتدني للشخص المُهِين؟".
إن كنتَ من أنصار "قابل الإهانة بإهانة"، فأنت من الخاسرين لا محالة؛ إذ لا ينجر القوي وراء الإنسان السفيه، بل يسعى جاهداً إلى التعامل معه بذكاء وحكمة ورقي، بحيث يُعِيد ترتيب الموقف وفقاً لما يريده ويضمن له المحافظة على مبادئه وإنسانيته.
اسأل نفسك: "لماذا تنزعج وتغضب إذا أهانك شخص؟"، "أليس من الممكن أن تكون كيفية استجابتك للإهانة سبباً لحزنك؟".
الكلمة الطيبة صدقة؛ لذلك كن حليماً، واعلم أنَّ تحدِّيك الأكبر يكمن في أن تشعر بالحياد تجاه الإهانة وتغير القضية بالاتجاه الذي تريده، ولا تنسَ أنَّ المُهِين شخصٌ يعاني من تشوه في الرضا عن الذَّات وإحساس كبير بالدونية؛ لذلك عليك أن تساعده على رؤية الجمال الذي بداخله، فهو لا يرى إلَّا القبح.
ما هي الإساءة؟
هي كل ما يقوم به الشخص على الصعيد الجسدي أوالنفسي، ويراد به تحقير الطرف الآخر والنيل من كرامته، وقد تكون بالكلام أو الحركات الجسدية أو نظرات الأعين.
ما هي أسباب الإساءة أو الإهانة؟
1. سوء التفسير:
يلجأ الكثير من الأشخاص إلى الإساءة والتهور في الانفعال نتيجة سوء تفسيرهم للموضوع، حيث يفسِّر كل إنسان الأمر من وجهة نظرته وخلفيته النفسية وهرم قيمه ومبادئه.
2. عدم احترام اختلاف الآخر:
لا يَعِي الكثير من الأشخاص أهمية احترام اختلاف الآخر، فينغمسون في آرائهم ويتشبثون بها، ويطالبون الآخر بالتفكير مثلهم، ويُعادون ويهينون مَن يفكرون بطرائق مختلفة عنهم.
في حين أنَّ اختلاف الآراء يخلق الإبداع والأفكار والتجدد، يُحرَم مَن يتشبث بآرائه من الكثير من المزايا والفرص والاحتمالات المثمرة، إذ يصنع الانفتاح على الآخر واحترامه شخصاً متوازناً ومنطقياً وعقلانياً وسليماً نفسياً.
3. عدم اكتساب مهارة التحكم بالانفعال:
يكون معظم الأشخاص متسرِّعي الحكم، وانفعاليين، ومتهورين إزاء أي ظرف سلبي يتعرضون إليه؛ فيسمحون للظروف أن تتحكم بهم، ويخسرون الكثير من الفرص والعلاقات نتيجة تسرُّعهم ذاك؛ لذا كان لزاماً عليهم أن يتعلموا مهارة ضبط النفس ومنحها القيادة، ومحاولة التحكم بحياتهم.
من جهة أخرى، يؤدي إطلاق الأحكام إلى نتائج كارثية في حياة الشخص، حيث لا يجوز لإنسان أن يقيِّم أو يحكم على إنسان آخر، فهو لا يملك المعلومات الكافية عن ميزان حسناته وسيئاته، فعلى أي أساس يحكم عليه؟
يعدُّ إطلاق الأحكام خاطئاً حتى في حال امتلاك الطرف الآخر الصفة التي أُطلِق الحكم على أساسها؛ ذلك لأنَّه من المرجح أن يكون الشخص قد تاب وأقلع عن هذه الصفة، فيصبح حكمنا في هذه الحالة افتراءً وبهتاناً؛ كما يؤدي تبني ثقافة إطلاق الأحكام إلى إثارة الفتنة والحقد بين الناس، ويمنع العلاقات من التطور.
لذا عوضاً عن إطلاق الأحكام، علينا التماس الأعذار لإخواننا البشر، ومن ثم العمل على فصل الفعل عن الشخص؛ بحيث نذكر سلوكات الشخص دون التطرق إلى شخصه، كأن نقول له: "أنت شخص صادق ومحترم، ولكنَّك قمت بفعل سلبي فيما يخص الموضوع الفلاني".
4. عدم الأمان النفسي:
يعاني الكثير من الأشخاص من فقدان عاطفي وخلفية بيئية قاسية، إضافة إلى ضغوطات الحياة؛ الأمر الذي يُصيبهم بحالة من التخبط وعدم الاستقرار؛ فيصبحون عدوانيين، ويميلون إلى إهانة الآخر كنوع من تفريغ الطاقة السلبية المتراكمة.
5. الغيرة:
يغار الكثيرون من نجاح غيرهم، فهم محترفون في مقارنة أنفسهم بغيرهم؛ فبدلاً من الانشغال بذواتهم وتطويرها وتزكيتها، ينشغلون بغيرهم، ويحسدونهم على إنجازاتهم دون التفكير بحجم التعب والجهد الذي بذله هؤلاء لكي يصلوا إلى ما هم عليه؛ الأمر الذي يجعلهم دائمي الانتقاد الجارح، ودائمي السعي إلى إهانة الناجحين لكي يكسروهم ويحطموهم.
شاهد بالفيديو: 10 نصائح لتتعلم فن قيادة الذات
كيفية التعامل مع الإهانة أو الإساءة:
- عليك بداية التسليم بأنَّ مقولة "قابل الإهانة بالإهانة" خاطئة تماماً، حيث لا ينجرُّ الشخص الراقي وراء السلوكات الدونية، بل يترفع عن مثل هذه التفاصيل.
- لا بدَّ أن تسأل نفسك لماذا أنت منزعج من الإهانة، هل لأنَّها لامست جانباً من شخصيتك ما تزال غير متصالح معه؟ على سبيل المثال: إن أهانك شخص ما ووصفك بالبدين والبشع، هل ستضطرب شخصيتك؟ إذا اضطربت حقاً، فعليك أن تكتشف أنَّ هنالك جانباً في أعماقك بحاجة إلى أن تتصالح معه، وتكون الإهانة قد قدمت لك عندها فرصة للتطور والارتقاء.
- اسأل نفسك هل من الممكن ألَّا تكون هذه الإهانة مقصودة، وأنَّك من أصحاب الشخصيات الحساسة أو المتشككة وقد بالغت في تضخيم الأمر؛ واسأل نفسك عن طبيعة الشخص المُهين، فقد يكون شخصاً طيب القلب لكنَّه متسرع في الحكم ومتهور ويتعامل بتقنية ردة الفعل دون ضبط الأعصاب أو محاكمة الأمور منطقياً، فقد يكون قد سمع أخباراً سلبية تخصك وأهانك فور سماعه لها، دون التبين منها والتأكد من صحتها، ودون أن يدرك أنَّ الإهانة ليست أسلوباً راقياً أو إنسانياً للتعاطي مع أي مسألة في الحياة.
- اعلم أنَّك المسؤول عن أي أمر يدخل إلى دائرة تأثيرك، في حين أنَّك غير مسؤول عن دوائر الآخرين وما يصدر عنها من سلوكات؛ واعلم أنَّ كيفية استجابتك للإهانة الواردة إلى دائرتك تعكس مشاعرك وسلوكك نحوها، وأنَّك مَن يُقرِّر شكل الموقف ونتيجته من خلال تفسيرك له؛ فاحرص على تفسير الأمر بعقلانية وهدوء، وانشغل بالمحافظة على ذاتك وقيمتك لا بالآخر وسلوكه.
- في حال أهانك شخص ما؛ عليك بالصمت والنظر إلى عينيه مباشرة، والسماح له بالحديث وقول ما لديه؛ حيث تمنحك فترة الصمت فرصة لكي تتنفس بعمق وتحافظ على رباطة جأشك وهدوء أعصابك، وتعطيك فرصة للتفكير في الأسباب الكامنة وراء إهانة الشخص لك، بحيث تسأل نفسك عن دافعه للإهانة، والذي من شأنه أن يجعلك منطقياً وعقلانياً في التعاطي مع الأمر.
- أكِّد له على الإهانة بعد ذلك؛ كأن تقول له: "هل أنت مدرك ما تقوله لي؟"؛ حيث تعُطِي هذه الخطوة الآخر فرصة لكي يفكّر في كلامه ويتراجع عن الإهانة.
- على الشَّخص في هذه الخطوة التكلّم عن الأمور المشتركة فيما بينهما، وكيف أنَّ مُرسِل الإهانة قد نَسِي ما يجمعهما سوياً من مواقف جميلة وذكريات رائعة، ويبادر بعدها الشخص بمسامحته على أسلوبه الجارح بنتيجة ما يجمعهما من مودة ومحبة، ويُعلِن له استعداده لنقاش الموضوع مرة أخرى ولكن عندما يهدأ ويستعيد المنطق.
- اعلم أنَّ الإناء ينضح بما فيه، فالشخص المُهِين شخص يُشفَق عليه، ويجب أن يكون مشروعك هو تمكينه من اكتشاف الجمال في داخله عوضاً عن القبح الذي يتعامل فيه.
- افصل الفعل عن ذات الشخص، ولا تُشخصِن الأمور وتعقدها، ولا تطلق أحكاماً سلبية على الشخص المُهِين تخص ذاته مباشرة، بل قُل أنَّ سلوكه في هذه الجزئية كان خاطئاً، أو لأنَّ أسلوب تعاطيه مع الأمر كان غير عقلاني؛ فمن شأن ذلك أن يجعلك متماسكاً ومتيناً وقادراً على إدارة الإساءة.
- انشغل مع ذاتك ولا تفكِّر في سلوكات الآخر، ولا تُتعِب أعصابك وصحتك لمجرد أنَّ شخصاً ما قد صب اضطراباته النفسية عليك، واعلم أنَّ أعصابك وصحتك ثمينين وهامين جداً، فلا تهدرهما مقابل أمر لا يستحق.
الخلاصة:
اعلم أنَّ الإساءة اختبار حقيقي لتقدمك الإنساني والأخلاقي، ولمهاراتك في إدارة غضبك؛ فلا تجعلها نهاية العالم، ولا تُضخِّمها وتجعلها معضلة حياتك، بل تمتع بسعة أفق، وتَقبَّل اختلاف الآخر عنك بالقيم والأخلاق والتعاطي مع الأمور، وتمسَّك برقيك وتميزك؛ وستغدو الحياة عندها ممتعة بالنسبة إليك، وتكتشف أنَّ تفسيرك لأي أمر في الحياة هو مَن يخلق مشاعرك وسلوكاتك.
أضف تعليقاً