عندما نفكر بالتعددية في مكان العمل، يخطر في بالنا وجود أشخاص من خلفيات عرقية وثقافية وفئات عمرية ومناطق جغرافية وتقاليد دينية مختلفة؛ إضافةً إلى مجموعة من القدرات الجسدية والذهنية وفلسفات الحياة المتنوعة والمتناقضة أحياناً.
تشير التعددية فقط إلى قوام القوى العاملة، وليس إلى سياسات مكان العمل التي تلبي الاحتياجات والرغبات المختلفة لتلك القوى؛ وهنا يأتي دور الانخراط في العمل.
عندما نتحدث عن الانخراط في مكان العمل، فإنَّنا نتناول الطرائق التي تُشعر المؤسسة موظفيها بالقبول من خلالها.
تندرج تحت مفهوم "الانخراط" الكلمات والممارسات في مكان العمل، وخاصةً من قبل المديرين التنفيذيين والرؤساء؛ كما يتضمن الأساليب التي تحتفل بها المؤسسة بالأعياد، أو الطريقة التي تنظم بها الاجتماعات أو تُديرها، أو أنواع التسهيلات المتاحة في مكان العمل، بالإضافة إلى الإشارات -الواضحة أحياناً والخفية في أحانٍ أخرى- التي ترسلها المؤسسة إلى موظفيها، مما يُشعرهم بقيمتهم أو عدمها.
تفخر المؤسسات كثيراً بتطبيق سياسات التوظيف التي تعزز التعددية، لكن لن تلقَ مبادرتها هذه صدىً ما لم تتناول الثقافة التنظيمية فيها؛ فإن كانت مؤسستك توظف مجموعات متنوعة من الأشخاص، لكنَّها وفي الوقت عينه ترسل إشارات عدائية إلى الموظفين المختلفين؛ فستخسرهم عاجلاً أم آجلاً، ولن تمتلك القدرة على التطور مطلقاً.
أما في حال كانت جادةً في خلق بيئة ترحب فعلاً بالتعددية في القوة العاملة، فعليك إلقاء نظرة فاحصة على هذه النطاقات الثلاث:
النطاق الأول"المناصب الإدارية":
يشير تكوين فريقك التنفيذي بقدر كبير إلى التزام مؤسستك بالتعددية والانخراط، فإن لم يعكس أصحاب السلطة مبدأ التعددية كركيزة أساسية في مؤسستك؛ فلا يحق لهم ادعاء أنَّ مؤسستهم تدعم التعددية والانخراط في العمل.
ومع ذلك، فلا تطبَّق التعددية من تلقاء نفسها ما لم يعززها أصحاب المناصب الإدارية؛ إذ يعد توفير فرص التدريب والتقدم -بحيث تُضمَّن الإمكانات العالية المتنوعة ضمن إطار تنمية المواهب- عاملاً حاسماً لتحقيق هذه النتيجة.
وما لم يتطلع من هم في المناصب الأدنى إلى مَن يرون فيهم الصورة التي رسموها لأنفسهم في القمة، سيتعرضون إلى ضغوطات شديدة ليستطيعوا الشعور بالانتماء أو الإلهام ليرتقوا سلم الشركة الوظيفي.
النطاق الثاني"الترقية المستندة إلى التحيُّز":
تكشف عملية التقييم والترقية في شركتك عن فلسفتك وأولوياتك؛ حيثُ يطبق مديرون كثر معايير متباينةً على هواهم، أو يتبعون ممارسات تمييزية تزيد الطين بلة.
تعد الترقيات إحدى أهم الوسائل لإشعار الموظفين بقيمتهم وتنمية مواهبهم؛ لذا يجب عليك أن تفعل كل ما في وسعك لإبعاد التحيز عن هذه العملية، مما يعني تدريب المديرين على معرفة تحيزاتهم ومواجهتها - ضمنيةً كانت أم صريحةً - وتغيير شروط الترقية، بحيث تكون مكافآت العمل متاحةً على نطاق أوسع.
النطاق الثالث"محاورة الفريق":
إن كانت مؤسستك قد اتخذت فعلاً خطوات حقيقيةً لتطبيق التعددية في مكان العمل، فهذا يعني أنَّك قد تمتلك فعلاً آليةً ذاتيةً لقياس مَواطن القوة والضعف في إجراءاتك لضمان انخراط أعضاء الفريق في المؤسسة.
ومع ذلك، من الهام أن تطلب من موظفيك تقديم تغذية راجعة حول تجاربهم دون أن يفصحوا عن هوياتهم، وذلك للحفاظ على المصداقية والإفادة، ولا سيما تجاربهم من ناحية ثقافة العمل، وبذلك سيكون بمقدورك توظيف هذه التقييمات لإجراء تغييرات ملموسة في مكان العمل.
قد يطلب منك موظفوك بعض التسهيلات ذات الصلة بالعمل، فلا تتردد في منحهم ما يريدون، إذ ستحقق لك هذه الاستثمارات مكاسب على الأمد الطويل، وتساعد الموظفين على الشعور براحة أكبر في أثناء عملهم وتقديم أفضل ما لديهم.
لا تفيد التعددية والانخراط في مكان العمل أخلاقيات المنظمة فحسب، بل يلعب هذان الثنائيان دوراً فعالاً في المحصلة النهائية؛ حيثُ يضمن الانخراط سعادة الموظفين فتزداد إنتاجيتهم.
وفقاً لتقرير شركة ماكينزي آند كومباني (McKinsey & Company) المختصة بالاستشارات الإدارية، فإنَّه من المرجح أن تكسب الشركات التي تحتضن التنوع العرقي والجندري عائدات مالية أعلى بنسبة 25% من نظيرتها الأقل تنوعاً.
بعبارة أخرى، لا تؤدي التعددية إلى تعزيز المحافظ الاستثمارية للشركات فحسب، بل إلى زيادة في خزينتها أيضاً. فإذا كنت ترغب في ارتقاء العمل في شركتك على الأمد الطويل، فتبنَّ التعددية وعزِّز انخراط الأفراد في مكان العمل، لتحقق نجاحاً منقطع النظير.
أضف تعليقاً