5 أسرار لإبقاء الدماغ شاباً رغم التقدم في السن

مثل معظم الناس ممن هم في الستينيات من عمرهم، أنسى أين وضعتُ مفاتيحي وأسماء أفلامي المفضلة، وحينها: هل هذه بداية التدهور المعرفي بالنسبة إليَّ؟ أم أنَّ قَدَري أن أسير على خطا أمي التي توفيت نتيجة إصابتها بداء جسيمات ليوي في العقد الثامن من عمرها؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب والمحرر "جيل سوتي" (Jill Suttie) والذي يحدثنا فيه عن تجربته مع ضعف الذاكرة.

وفقاً لـ "سانجاي جوبتا" (Sanjay Gupta) جراح الأعصاب والمراسل الطبي لشبكة "سي إن إن" (CNN) ومؤلف كتاب "ابق لماحاً: كيف تبني عقلاً أفضل في أيَّة مرحلة عمرية" "Keep Sharp: Build a Better Brain at Any Age"، فإنَّ الإجابة عن تساؤلي هي "لا". النسيان أمر طبيعي في جميع الأعمار، والخرف ليس مرضاً وراثياً، وتقول نظريته بأنَّ الهام هو الاعتناء بالدماغ بأفضل طريقة ممكنة.

يقول في كتابه: "يمكنك التأثير في طريقة تفكير دماغك وذاكرتك أكثر بكثير مما تتخيل أو تقدِّر؛ ولكنَّ الأغلبية الساحقة من الناس لا يكلفون أنفسهم عناء المحاولة".

نقَّح "غوبتا" مئات الدراسات لمساعدة القراء على فهم ما يُعرَف (وما لا يُعرَف) عن كيفية الحفاظ على صحة عقلك، وقد نجح في أثناء ذلك في دحض خرافات عدة شائعة (كتلك التي تقول بأنَّ حل لعبة الألغاز يساعد على درء خطر الخرف على سبيل المثال) واستبدلها بنصائح مستندة إلى العلم عن كيفية العيش حياة أطول، وأكثر صحة بدماغ أكثر فاعلية.

كما أنَّه فرَّق بين ضعف الذاكرة المألوف وبين تلك الأعراض الأكثر إشكالاً، مثل عدم تذكُّر الطريق إلى المنزل من مسافة مألوفة؛ وهو تفريق قد أثلج صدري.

مع أنَّه قد سارع إلى الإشادة بالمقدرات المعرفية لكبار السن؛ إذ إنَّهم أفضل من حيث المفردات اللغوية على سبيل المثال، فقد أشار إلى أنَّ مقدرات المرء المعرفية يمكن أن تبدأ بالانحدار بوقتٍ أبكر مما نعتقد، حتى في مرحلة البلوغ المبكرة؛ ولهذا يوصي بتغيير في نمط الحياة الآن لتعزير القدرة الدماغية في كل سن، لا الانتظار حتى تبلغَ الـ 60.

يتضمَّن كتابه كذلك استبياناً لتقدير مخاطر التدهور المعرفي، مع بعض الأسئلة المفاجئة مثل: "هل تقضي أغلب يومك وأنت جالس؟"، أو "هل أُصِبتَ بالاكتئاب من قبل؟"، فإنَّ إدراك المخاطر المحدقة بك يساعدك على اتخاذ إجراءات للتصدي لها؛ لذا فإليك الأسرار الخمسة التي ذكرها "غوبتا" من أجل دماغ أفضل:

1. الحركة:

يقول في كتابه: "عندما يسألني الناس عن أهمِّ ما يمكنهم فعله من أجل تنشيط أدمغتهم، ومقاومتهم للأمراض، فإنَّ إجابتي هي على الدوام: التمرينات"، فإنَّ الخمول هو أهم عامل في زيادة خطورة الإصابة بالخرف؛ ولكنَّ اللياقة البدنية يمكن أن تساعد على الحد منه. ولحسن الحظ، لا يتطلب الأمر كثيراً من الحركة كي تُحدث فارقاً، فيمكن حتى للمشي لمدة دقيقتين يومياً أن يكون ذا أثرٍ.

يمكن للتمرينات أن تحدث فوائد على أصعدة عدة بما فيها تعزيز الإرادة، والقوة، والتعامل مع التوتر، والمناعة؛ لكنَّ السبب الرئيس في فائدة الرياضة للدماغ هي أنَّها تقلل من الالتهابات بينما تعزز عوامل النمو التي تساهم في عمل ونمو الخلايا العصبية؛ لهذا فإنَّ تمرينات الأيروبيك أفضل من الناحية المعرفية من التمرينات الثابتة كرفع الأثقال، مع أنَّ رفع الأثقال مفيد في بناء العضلات.

2. النوم الجيد:

يقول "غوبتا": "إنَّ النوم جيداً هو إحدى أسهل الطرائق وأكثرها فاعلية لتحسين الوظائف الدماغية، وقابليتك للتعلم وتذكُّر ما تعلمتَه مؤخراً، ولهذا السبب فإنَّ النوم يصفي الذهن من الشوائب التي يمكن أن تتراكم وتسبب المشكلات".

يذكر "غوبتا" في كتابه مبادئ النوم الصحية من أجل الذين يعانون من اضطرابات في النوم، ويشير إلى أهمية الراحة عموماً، ويقترح استبدال القيلولة النهارية بالخروج للمشي في الطبيعة أو التأمل.

يوصي "غوبتا" من أجل الحد من التوتر واجترار الأفكار السلبية (تلك الأفكار المزعجة التي تصيبنا بالأرق ليلاً) بالنظر إلى اليوم نظرةً مليئة بالامتنان، والتي تُعَدُّ حسب تعبيره: "عصا سحرية للراحة"، ويمكنك كذلك التفكير في خدمة المجتمع، وبأخذ راحة من البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، وبتجنب القيام بمهمات عدة في آنٍ واحد.

شاهد: 7 نصائح مضمونة للحصول على نوم أفضل ليلاً

3. التعلُّم، والاكتشاف، والبحث عن هدف:

يقول "غوبتا" مع عدم كون الأحاجي الحل الناجع للتدهور المعرفي، فإنَّنا بحاجة إلى التعلم والاكتشاف من أجل تنشيط أذهاننا؛ إذ يخلق التعلم مسارات عصبية جديدة ويحفز مرونة الدماغ، وهو أمر يساعد على الحد من الأعراض الظاهرة للخرف، كفقدان الذاكرة، حتى لو ظهرَت في دماغك صفيحات مرتبطة بالزهايمر، يقول: "عُدَّه نظاماً داعماً في الدماغ ناتجاً من تجارب حياتية غنية كالتعليم والعمل".

ينبه "غوبتا" إلى أنَّ بناء احتياطي معرفي لا ينشأ بين ليلة وضحاها؛ وإنَّما ينتج من وضع دماغك بظروف تعليمية وعملية، وعلاقات اجتماعية، ونشاطات أخرى خلال حياتك بأكملها، ولكن إن لم تكن جامعياً، فهذا لا يعني ازدياد خطورة إصابتك بالتدهور المعرفي، فإنَّ ما يوفر الحماية لدماغك هو أن تتحداه باستمرار لا أن تحصل على شهادة رسمية.

ونبَّه كذلك إلى أنَّ غالبية "ألعاب العقل" التجارية غير فعالة في درء الخرف (مع أنَّها يمكن أن تحسن الذاكرة)؛ لأنَّها لا تمرِّن الدماغ على حل المشكلات أو التفكير المنطقي، الضروريين للاحتياطي المعرفي، فالأفضل هو أخذ دروس تقليدية أو تعلُّم لغة جديدة لأنَّ هذه النشاطات تقدم تحديات صعبة وتواصلاً اجتماعياً؛ الأمر الضروري لصحة الدماغ.

إنَّ البحث عن هدف في الحياة يمكن أن يعود بالنفع على الدماغ، وبالأخص إن كان الأمر يتضمن تواصلاً مع أناس من أجيال مختلفة أو تحديات شخصية، ويقترح البحث أنَّ الناس ذوي الأهداف قد انخفضت لديهم احتمالية المعاناة من آثار الخرف الضارة (حتى لو كان دماغك يحوي صفيحات من الزهايمر؛ وربما يعود السبب إلى أنَّ وجود هدف يحفز الإنسان على الاعتناء جيداً بنفسه).

إقرأ أيضاً: العمل حتى عمر متقدم يمنع الخرف

4. التغذية السليمة:

يقول "غوبتا": "كل ما يفيد القلب يفيد الدماغ أيضاً"، ومع هذا، توجد الكثير من المعلومات المتضاربة بخصوص الحميات الغذائية والمكملات الغذائية؛ إذ أصبح من الصعب تمييز الصحيح من السقيم.

لقد عانى "غوبتا" في مسألة دحض الخرافات بخصوص الغلوتين وما يسمى بالأغذية فائقة الجودة، كالكرنب وزيت السمك، ويقول إنَّه لا دليل على صحة تأثير الغلوتين في وظائف الدماغ، ومع أنَّ الكايل وزيت السمك مفيدان لصحتك، إلا أنَّهما لن يوقفا التدهور المعرفي.

يشير "غوبتا" إلى أنَّه على الرغم من صعوبة أن يوصي بحمية غذائية مثالية للدماغ بناءً على بحث ما؛ لكنَّه ذكر عمل "مارثا كلير موريس" (Martha Clare Morris)، وهي اختصاصية أوبئة وعضو مؤسس لـ "المجلس العالمي لصحة الدماغ" (Global Council on Brain Health)؛ إذ توصي "موريس" باتباع حمية على طريقة البحر المتوسط وهي حمية غنية بالخضراوات، والتوت، والحبوب الكاملة، والسمك، والدواجن، وزيت الزيتون.

يمكن لهذه الحمية ألا تكون واضحة ومتوفرة للجميع؛ لذا يقدم "غوبتا" نصائح إضافية:

  • تجنَّب السكر المصنع.
  • أكثِر من السوائل.
  • تناوَل الأحماض الدهنية مثل أوميغا 3 من مصادر طبيعية، وليس من حبوب الدواء.
  • قلل من وجباتك؛ جرب الصيام المتقطع.
  • خطط لوجباتك السريعة بشكل مسبق؛ بمعنى اجعل أطعمة خفيفة صحية في متناول اليد كي لا تلجأ إلى الأطعمة الجاهزة عندما تجوع.

5. التواصل مع الآخرين:

إنَّ بناء علاقات قوية مع الآخرين ممن يمكنك الاعتماد عليهم والوثوق بهم هو شرط ضروري لحياة صحية وسعيدة، ويساهم في العمر المديد، وكما يقترح البحث، فهو عامل ضروري في صحة الدماغ؛ لأنَّ الوحدة يمكن أن تكون عاملاً في تطوير مرض الزهايمر.

يقترح "غوبتا" الجمع بين المناسبات الاجتماعية ونشاطات أخرى مصممة للحركة أو التعلم، على سبيل المثال: المشي أو حضور درس مع الأصدقاء، أو الانضمام إلى فريق رياضي، أو التطوع، كما أنَّ الاجتماع بأناس من خلفيات متعددة أو أجيال مختلفة يمكن أن يكون ذا فائدة إضافية، ويمكن للتواصل بشكل افتراضي أن يكون مساعداً، مع أنَّه أقل فائدة، عندما يعيش المرء في أماكن بعيدة دون الكثير من الدعم الاجتماعي.

مع أنَّ كل أنماط الحياة المذكورة آنفاً فعَّالة في درء التدهور المعرفي، فإنَّ "غوبتا" قد خصص جزءاً من كتابه للناس الذين يمرُّون بتناقص معرفي لكي يحددوا أين هم من المرض ويعلموا كيف يبدؤون

أما لبقيتنا، فإنَّ كتابه مفيد وسهل القراءة من أجل صقل دماغك في أيَّة مرحلة عمرية، وليس من أجل درء الخرف وحسب، ولكن للاستمتاع بالحياة ككل.

يقول في كتابه: "يمكن إغناء الدماغ بشكل مستمر ودائم خلال حياتنا مهما كانت المرحلة العمرية التي نمرُّ بها، ومهما كانت الموارد التي تستطيع الوصول إليها"، إن غيرتَ من أسلوب حياتك، ولو قليلاً، "فإنَّ دماغك؛ بل جسمك بأكمله، سيكون ممتناً لك".

المصدر: 1




مقالات مرتبطة