4 استراتيجيات لتعزيز الإحساس بالمعنى والهدف لدى فِرق المبيعات

إنَّ الإحساس القوي بالهدف يجعل للحياة معنى أكبر، ويحسِّن الصحة ويؤدي إلى مزيدٍ من الرضى عن العمل، ومع ذلك، هناك مشكلة في العديد من المؤسسات؛ إذ تظل وظيفة المبيعات صومعة معزولة وخالية من أي هدف أعلى.



يفترض كثيرٌ من الناس أنَّ الحافز الذي يدفع فرق المبيعات هو المال وحده، ومن ثمَّ فإنَّ الصدى اليومي في معظم مؤسسات المبيعات يركز الجهود الداخلية على الحصص والأهداف، ومن المؤكد أنَّه عندما تحتاج المؤسسات إلى زيادة الإيرادات، فإنَّ الإجراء الغريزي هو زيادة التركيز على أهداف الإيرادات والتلويح بالحوافز المالية.

ومع ذلك، تُخبرنا الأدلة المتزايدة أنَّ النهج التقليدي لتحفيز المبيعات هو نهج رجعي، وأنَّ فريق المبيعات الذي لا يملك هدفاً مقنعاً - عدا تحقيق الأرقام المطلوبة - هو أقل ميلاً لأن يكون مُشارِكاً، ومن ثمَّ أقل جاذبيةً للعملاء.

لقد أظهرت الأبحاث التي أجرتها عالِمة النفس الاجتماعية "جينيفر آكر" (Jennifer Aaker)، والتي تتبَّعت أكثر من 12000 موظفاً من مجموعة واسعة من الفئات، أنَّ 50% من العمال يفتقرون إلى الإحساس بالمعنى في العمل، وهم أكثر عرضة للتراخي أو الشعور بعدم الرضى عن أرباب العمل؛ بينما أولئك الذين يستمدون المعنى من عملهم هم أكثر احتمالاً بثلاث مرات للبقاء مع شركاتهم، ويتمتعون برضى وظيفي أعلى بمقدار 1.7 مرة، وهم أكثر تفاعلاً في العمل بمقدار 1.4 مرة.

وجد البحث أيضاً أنَّ الشعور بالمعنى يزداد عندما يشعر الناس بالارتباط بالآخرين وبشيء أكبر من أنفسهم؛ أي بهدف ما، وإذا كان الناس يعملون فقط من أجل المال، لعقد صفقة، أو لبيع منتج أو خدمة، فمن المحتمل أن يكونوا أقل فاعلية وأقل رضى، ولكن إذا كان عملهم يتضمن إحساساً بالهدف، فسيبدو أكثر أهمية.

شاهد: 5 خطوات عملية لبناء ثقافة مبيعات ذات ذكاء عاطفي

الكيمياء العصبية وراء المبيعات:

في المبيعات، غالباً ما يُعلَّم الناس التفاعل السريع مع الأحداث، كالرد على الهاتف الجوال من الرنة الأولى، وإغلاق الصفقات بسرعة، وحتى تقديم جائزة للموظف الأكثر تحقيقاً للربح؛ إذ يسبب ذلك شدةً نفسيةً تؤدي إلى إطلاق الدماغ لدفقة مماثلة سريعة من الناقل العصبي الدوبامين؛ وهو مادة كيميائية مسؤولة عن الشعور بالرضى، ويتمثل دورها التطوري في مكافأة البشر وتحفيزهم على تكرار بعض السلوكات لمساعدتهم على البقاء والازدهار.

لكنَّ إفراز الدوبامين يترافق مع جانبين سلبيين هامين: الأول هو أنَّ تأثيره سريع الزوال؛ لذلك في عالم من عدم اليقين، سيعاني فريق المبيعات الذي يعتمد على تدفقات الدوبامين اليومية والذي يرتبط إحساسه بذاته بأهداف مبيعات قصيرة الأمد، أما الثاني فهو أنَّه مادة مسببة للإدمان بشدة، فبعد اختفائه، يضطر الشخص إلى تكرار السلوك الذي سبَّب إفرازه.

تماماً كما تتسبب الرغبة في الدوبامين في ابتعاد الناس عن أحبائهم والتشتت بهواتفهم، يمكن أن تدفع الموظفين إلى الابتعاد عن العملاء وبعضهم بعضاً سعياً وراء تحقيق مكاسب ذاتية، ومن المرجح أن يعقد الناس صفقات قصيرة النظر، ويدمِّرون علاقاتهم الاجتماعية، ويقللون الهوامش لتحقيق الربح الذاتي.

أما السعي وراء هدف أكثر نبلاً يحقق احتياجات العميل، يتسبب في إطلاق ناقل عصبي مختلف، وأكثر قوة أيضاً، ألا وهو السيروتونين؛ فعلى عكس الدوبامين، الذي يركز على مكافأة الإنجازات الفردية، فإنَّ الدور التطوري للسيروتونين هو تعزيز الروابط البشرية، بين القائد والفريق، وبين مندوب المبيعات والعميل، والمدرب واللاعب، والمعلم والطالب، والوالد والطفل، وغيرهم؛ إذ يُفرَز السيروتونين عندما يتواصل الناس مع بعضهم أو يضفون المعنى إلى علاقاتهم، تماماً مثل تقديم القيمة للعملاء.

وفَهم السيروتونين له آثار استراتيجية في المبيعات؛ إذ يتمتع مندوبو المبيعات الذين يبيعون بهدف نابع من خدمة العملاء - المتمثل في الاتصال وتشكيل روابط أقوى مع العملاء، وإضافة قيمة إلى العلاقة مع العملاء - بمستويات أعلى من السيروتونين ويعيشون علاقات أعمق وأكثر جدوى وأطول أمداً مع العملاء، كما أنَّهم أكثر مرونة في مواجهة التحديات؛ فليس من المستغرب أن يُنتِج ذلك مزيداً من الإيرادات والأرباح مع مرور الوقت مقارنة بالسلوكات قصيرة الأمد المستوحاة من الدوبامين.

4 استراتيجيات لتعزيز الإحساس بالمعنى والهدف لدى فرق المبيعات:

فيما يأتي أربع طرائق لتنشيط الإحساس بالمعنى والهدف النبيل في فريق المبيعات في شركتك، التي ستؤدي في الوقت نفسه إلى تمايز تنافسي أكبر وإنشاء مزيدٍ من مناصري العملاء:

1. رواية قصص عن قيمة العميل وتأثيره:

إنَّ توضيح التأثير والقيمة اللذين تتمتع بهما مؤسستك في الأشخاص والشركات التي تخدمها، يقدِّم دافعاً عاطفياً لنجاح المبيعات في المستقبل، كما أنَّه يحفِّز إطلاق السيروتونين للمساعدة على الحفاظ على التحول السلوكي المرغوب.

وتؤدي مشاركة الأمثلة عن كيفية قيام شركتك بإحداث فرق عند العملاء إلى تحويل النهج من التركيز الداخلي التقليدي على أهداف المبيعات إلى التركيز الخارجي على المجموعة التي تقود الإيرادات؛ أي عملاؤك، في حين أنَّ هذا التحول قد يكون غير مريح للقادة الذين يحتاجون إلى أن يصل فريق المبيعات إلى رقم محدد هذا الشهر، فمن الجدير بالذكر أنَّه سيحوِّل المحادثة الداخلية إلى محادثة خارجية.

لقد أثبتت دراسة مركز الاتصال الشهيرة التي أجراها الكاتب "آدم جرانت" (Adam Grant)، أنَّه حتى مجرد سرد قصة قصيرة عن التأثير العاطفي ستحسِّن التفاعل في المبيعات والأداء؛ فعندما تفاعل موظفو مركز الاتصال الذين يعملون في طلب التبرعات لمدة خمس دقائق مع طلاب المنح الدراسية لمساعدتهم على فهم تأثير التبرع، أمضى هؤلاء المتصلون أكثر من ضعفي عدد الدقائق في المكالمة وجلبوا أموالاً أكثر بكثير؛ إذ كان المتوسط الأسبوعي يُقدَّر بـ 503.22 دولاراً أمريكياً، ارتفاعاً من الرقم السابق البالغ 185.94 دولاراً أمريكياً.

أن تكون محدَّداً بشأن تأثير العميل، يتطلب تجاوز الفوائد العامة لمقترح القيمة النمطي، كما يجب أن تكون أكثر تحديداً وعاطفية؛ فالتحدث عن العملاء بصفتهم بشراً حقيقيين، باستخدام أسمائهم ووصف مشاعرهم، يحفز الفص الجبهي لأعضاء فريق المبيعات لديك؛ إذ سيتذكرون القصص أكثر من دراسة حالة قياسية، وسيكونون أكثر تفاعلاً عاطفياً عندما يكررون قصص تأثير العميل في المشترين في المستقبل.

شاهد أيضاً: 10 صفات لتكون مندوب مبيعات ناجح

2. تقدير القيمة والتأثير ومكافأتهما:

أن تقول للموظف "عمل جيد" هو أمر لطيف، ومن اللطيف أيضاً منحه شيكاً مالياً، لكن مع ذلك، إذا كنت ترغب في تعزيز جهود فريق المبيعات تعزيزاً مستداماً، فيجب أن تتخذ خطوة إضافية؛ إذ إنَّ البشر يرغبون دوماً ولا إرادياً في إحداث الفَرق، وتُظهِر الأبحاث أنَّه بصرف النظر عن الدور الذي يقوم الإنسان به، فإنَّه يتوق دوماً إلى اعتراف أحدهم بأنَّ عمله قد أثَّر إيجاباً في الآخرين، ويجد الناس أنَّ عملهم مفيد عندما يرون مباشرة مَن يستفيد من جهودهم وعندما يكونون في بيئة داعمة.

يمكنك مساعدة فريقك على الشعور بإحساس أكبر بالهدف والإلحاح، من خلال التحديد الدقيق لكيفية تأثير أفعالهم إيجاباً في العملاء، على سبيل المثال، إذا كان مندوب المبيعات قادراً على التواصل بنجاح مع العملاء الجدد، فقل شيئاً مثل: "إنَّ كونك مستشاراً موثوقاً به لهذه الشركات يزودهم بالرؤى الاستراتيجية، يمكِّنهم من الشعور بأنَّهم متوازنون وقادرون على التقدُّم وتحقيق أهدافهم في مواجهة الظروف الصعبة، لقد كنت صوتاً واضحاً لعملائك".

هذا النوع من التقدير يبني الفخر، ويعزز النوع الصحيح من سلوك المبيعات؛ إذ إنَّ التغذية الراجعة المحدَّدة عن الفَرق الذي تُحدِثه جهود المبيعات عند العملاء، والتي تتجاوز إرضاء رب العمل أو تحقيق رقم معين، تملأ مندوبي المبيعات بالحاجة إلى القيام بذلك مرة أخرى، وتوفِّر المثابرة اللازمة للانتعاش في بيئة مليئة بالتحديات، وعندما تقدِّم أمثلة عن كيفية إحداث فريقك للفَرق، يخبر ذلك جميع الموظفين أنَّ عملهم هام؛ وهذا ما يجب أن تقدِّره شركتك.

3. تطوير نظام بيئي خاص بك:

في أوقات عدم اليقين، تشعر الشركات بالإغراء للنظر بهوس شديد إلى الداخل، والتركيز أكثر على أهداف النشاط والتواصل، ومع أنَّه يمكن تفهُّم ذلك، إلا أنَّه من الأكثر فاعلية توجيه موظفيك إلى الخارج؛ نحو العملاء.

لذا، انظر إلى نظامك البيئي، وراقب ما الذي يتبعه نظام إدارة علاقات العملاء لديك، وكيف تُدار الاجتماعات، وما هو نوع ذكاء العميل الذي تكتشفه، وهل يركز نظامك البيئي على المقاييس الداخلية أم على حث فريقك على التركيز على الخارج؛ أي على التأثير في العملاء؛ إذ إنَّ النظام البيئي المُتعلق بهدف ما، مُنظَّم للإجابة عن هذا السؤال: كيف ستختلف حياة العميل نتيجة للتعامل مع هذه الشركة؟

يجب أن يبقى التعبير عن التأثير الذي تُحدثه في العملاء في مركز مهمة المبيعات؛ إذ يعمل بوصفه موضوعاً رئيساً دائماً في جميع الاجتماعات والأنظمة والعمليات وموضوعات القيادة.

4. تمكين مندوبي المبيعات من اكتشاف هدفهم الشخصي:

وجدت النتائج في "مجلة دراسات السعادة" (Journal of Happiness) أنَّ الالتزام بهدف شخصي في الحياة قد يشجع الأفراد على تطوير بعض الخصائص - كالتصرُّف الجريء - التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم طويلة الأمد، ومع ذلك، ربما تلخِّص "آكر" في بحثها تلخيصاً أفضل أهمية السعي وراء الهدف الشخصي؛ إذ تقول: "عندما نسعى إلى تحقيق هدفنا الشخصي، نشعر بأنَّ حياتنا وعملنا لهما معنى أكبر؛ فالمعنى ليس شيئاً تملكه أو لا تملكه؛ إنَّما يتعلق الأمر أكثر بطريقة تفكيرك؛ فعندما يتبنَّى الأفراد عقلية تتعلق بالمعنى، فإنَّهم يتصرفون بطرائق مختلفة جداً.

في إحدى الدراسات، جعل اثنين من الباحثين، وهما "فيرونيكا هوتا" (Veronika Huta)، و"ريتشارد رايان" (Richard Ryan)، نصف المشاركين في الدراسة يتبنَّون هذه العقلية من خلال مطالبتهم بفعل شيء واحد كل يوم لخلق المعنى، وقد تطلَّبت هذه النشاطات - مثل تقوية الروابط الاجتماعية أو السعي وراء التميُّز أو مساعدة الآخرين - بذلَ جهدٍ حقيقيٍّ؛ ومع ذلك، بعد ثلاثة أشهر، أبلغ هؤلاء الأشخاص عن مزاج سلبي أقل ومشاعر أكثر إيجابية في علاقاتهم الاجتماعية؛ وهذا بدوره يشير إلى أنَّ المعنى يمكن أن يقلل من التوتر ويعزز السعادة على الأمد الطويل".

إقرأ أيضاً: 8 صفات يتمتّع بها فريق العمل الناجح

نقطتا ضعف مُحتملتان:

1. تبقى المقاييس هامة:

تؤدي العديد من فرق المبيعات إلى انقسام خاطئ بين البيع بهدف، ووجود أهداف طموحة، وفي الواقع، ما زال البائعون الذين يدفعهم الهدف يهتمون بالحصص؛ إذ وصف المستشار الإداري الشهير "بيتر دراكر" (Peter Drucker) الرابط بين الربح والهدف من خلال شرحه: "ليس الربح هدفاً للعمل التجاري؛ إنَّما هو اختبار لصحته".

يمكنك أن تذهب خطوة إضافية وتقول إنَّ زيادة الإيرادات ليست هدف فِرق المبيعات، وإنَّما اختبار لفاعليتها؛ فإذا كانت المنظمة جادة في إحداث تأثير جريء في العملاء الذين تخدمهم، فيجب عليها قياس هذا التأثير.

2. الهوامش هامة أيضاً:

هناك خرافة أخرى شائعة عن البيع بهدف خدمة العميل، ألا وهي أنَّ البائعين يجب أن يستسلموا لكل طلب بتقديم تنازلات سعرية؛ فعليك أن تتذكر أنَّ المال والمعنى ليسا متعارضين؛ بل هما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً؛ لذا يتمتع مندوبو المبيعات النبيلون وذوو الهدف بمناقشات أطول وأكثر استراتيجية مع عملائهم؛ فهم يبيعون بهامش مرتفع؛ وذلك لأنَّهم يمكِّنون العميل من رؤية القيمة، ولا يخفضون السعر فطرياً؛ وذلك لأنَّ علاقاتهم قد تطورت إلى ما هو أبعد من سعر معاملة معينة.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لإنشاء فرق ذكية عاطفياً

في الختام:

عندما يلتزم مندوبو المبيعات بصدق بهدف أكبر من أهدافهم ربع السنوية، فإنَّهم يتمتعون بمزيدٍ من الوفاء الشخصي، وعلاقات أقوى مع العملاء، ونمو مهني أكبر؛ وهذا بدوره يجعلهم يتمتعون بتقدير أعمق وعلاقات أكثر ثقة، وفي الوقت نفسه، تشهد المؤسسات القائمة على الهدف تمايزاً وابتكاراً وتأييداً للعملاء ونمواً هائلاً أكبر من منظمات المعاملات التقليدية.

تستخدم المؤسسات البارزة الأهداف بوصفها محفزاً لنمو المبيعات؛ إذ يمكن للمعنى أن يبثَّ حياة جديدة في فريق المبيعات؛ فهو مصدر قوي للتحفيز والتميز يمكن لقادة اليوم الاستفادة منه لمواجهة اضطرابات سوق العمل والخروج بتمايز وتفاعل جديد.

المصدر




مقالات مرتبطة