وهنا يُطرَح تساؤل عن سبب سرعة انفعالنا وتوبيخ أنفسنا بشدة بعد ارتكاب أخطاءٍ وعند كل حدثٍ نواجهه على المستوى الشخصي، وربما نشعر أنَّنا أكبر من أن نرتكب مثل هذه الأخطاء في حياتنا الشخصية والمهنية، أو نجد صعوبةً في الوقوع بالأخطاء نفسها التي ننصح الآخرين بتجنبها، وأياً كان السبب، فلم يفت الأوان أبداً لتذكير نفسك بأنَّه عندما يُغلَق بابٌ، يُفتَح بابٌ آخر، حتى لو اجتهدنا بأنفسنا لفتح بابٍ جديد، وستتعلم من ارتكاب الأخطاء أكثر مما تعلَّمتَه من أيِّ كتاب مدرسي؛ وذلك لأنَّك ستختبر ما تعلَّمتَه في كثير من الأحيان لاكتشاف القيمة الحقيقية.
على سبيل المثال: ربما تكون قد أمضيتَ شهوراً في دراسة التسويق الإلكتروني في إحدى الدورات، وعند الحصول على أول مهمة تسويقية تدرك أنَّك لا تملك أيَّة فكرةٍ عما تفعله؛ إذ لا تكفي متابعة مدربٍ يشرح لك كيفية القيام بتنظيم حملة تسويقية عبر البريد الإلكتروني - أو ما يسمى "التسويق بالتقطير" - لاستهداف جمهورك الخاص، واكتساب الخبرة الكافية لحل أيَّة أزمة قد تمرُّ بها في العمل، فأنت ملزم بارتكاب أخطاء في حياتك المهنية تماماً كما في حياتك الشخصية، فهو جزء من طبيعتنا البشرية، وبدلاً من أخذ الأمور بشكل شخصي والإحباط من النقد المستمر لأخطائك، ما عليك إلا تحويل تلك الأخطاء إلى فرص للتعلم والمضيِّ قدماً، من خلال الخطوات الأربع الآتية:
1. الاعتراف والقبول بالخطأ:
إذا واجهتَ مديراً أو زميلاً لك في العمل وقد رفض الاعتراف بخطئه، واختار بدلاً من ذلك إلقاء اللوم على غيره، فسوف تعرف شعور الإحباط عندما لا يستطيع الناس الاعتراف بأخطائهم ببساطة، فلا تكن ذلك الشخص، ليس فقط لكونك ترفض أيَّ نموٍ محتمل قد يُحدِثُه ارتكاب الأخطاء والتعلم منها في شخصيتك، ولكنَّك تُضِرُّ بالمحيطين بك أيضاً ويمكن أن تَخلقَ بيئةً سامة.
قبل أن تتمكن من التعلم من خطئك، سواء على الصعيد المهني أم الشخصي، عليك أن تعترف به وتتقبله، وعندما كنتَ أصغر سناً، من المؤكد أنَّك قد ارتكبتَ بعض الأخطاء في أثناء تلقِّي أي دروسٍ في الموسيقى، أو لعب أيَّة رياضة أو ممارسة أيَّة هواية، فقد تكون أفسدتَ مفتاح آلة موسيقية ذات مرة، أو فوتَّ تسجيل هدفٍ أو اثنين في رياضة ما؛ حيث تمثِّل تلك الأخطاء ضرباتٍ موجعة لغرورك، لكنَّها لا تعني أنَّك لن تتحسن مع الممارسة والانسجام فيما تفعله، وفي الواقع، فقد اكتشفتَ من خلال أخطائك بأنَّ هذه الطرائق لا تنفع واستغرق منك الأمر وقتاً لتعي بأنَّها لا تنجح، وتفكر بطرائق أخرى، وبمجرد أن تتمكن من الاعتراف بالأخطاء وقبولها، يمكنك البدء من جديد والمضي قدماً.
شاهد بالفديو: 7 خطوات تساعدك على التعلم من أخطاء الماضي
2. تحديد الخطأ الذي ارتكبتَه:
إنَّ الاعتراف بالهزيمة أمرٌ صعب، ولكن لتسهيل الاعتراف بالخطأ يمكن الإجابة عن أسئلة محوريَّة حول ما حدث مثل: ما الخطأ الذي ارتكبتُه بالضبط؟ ولماذا حدث هذا الخطأ؟ وماذا تعلمتُ منه؟ وأخيراً، كيف يمكنني تجنُّب حدوث ذلك مع الوقت؟ أخرِج قلماً وورقة ودوِّن كل شيء، فليس المطلوب منك كتابة بحث علمي حول سبب فشل حملتك التسويقية الأخيرة أو معاملتك العقارية التي بلغَت قيمتها ملايين الدولارات في اللحظة الأخيرة، ولكن ببساطة، كتابة إجابات عن هذه الأسئلة ستكون ككتابة قائمة مهام حتى نتمكن من رؤية ما أضفناه إلى رصيد أعمالنا في ذلك اليوم؛ لذا من الضروري التمرُّن على ذلك؛ حيث سيعمل هذا التمرين في كثيرٍ من الأحيان على توضيح الأمور؛ مما يساعدنا على معالجة وفهم ما حدث، وقد تساعدك الكتابة على تجنُّب ارتكاب الخطأ نفسه مرة أخرى، خاصةً إذا كان ارتكاب الأخطاء أمراً معقداً وبالغ الخطورة في مجال عملك.
سواء دوَّنتَ الأسئلة والإجابات عليها واحدةً تلو الأخرى، أم اخترتَ رسم خريطة ذهنية تساعدك على فهمٍ أفضل لأي نقاط ضعف محتملة، فكن دقيقاً؛ حيث سيقلل ذلك من إمكان تكرار هذا الخطأ مراراً وتكراراً، كما أنَّ كتابتها قد تساعد شخصاً آخر قد يكون بموقفك نفسه في المستقبل، خاصةً إذا ارتبط الأمر بالعمل.
3. تقييم البيئة الخاصة بك:
هل تعمل في بيئة آمنة تسمح بإجراء مناقشات مفتوحة حول الإخفاقات؟ إذا كنتَ في منصب قيادي، فسوف تحتاج إلى تقييم البيئة التي تعمل فيها أنت وأعضاء فريقك، وتحديد الأمور المثيرة للقلق، وإذا لم يتمكن موظفوك من إجراء هذه المحادثات الحاسمة حول أوجه القصور الموجودة ضمن بيئة العمل معك، فسوف يسود بالفعل جوٌّ من الاستياء والخوف، أما إذا لم تكن في منصب قيادي، فقد تحتاج إلى عقد اجتماعٍ مع المديرين لمناقشة مخاوفك، فسواء كنتَ القائد أم شخصاً آخر، لا يمكنك مواجهة الخطأ وحدك؛ بل يجب أن تتأكد أنَّ الجميع يوافقك الرأي، وذلك عبر عقد جلسات عصف ذهني لتوضيح التفاصيل كافةً وتحديد الخطوة القادمة، كما يمكنك تقييم الحقائق وجمع البيانات الهامة مع زملائك، فابذل قصارى جهدك لتبقى منصِفاً ومحايداً حتى لو كنتَ لا تزال تعاني مما ارتُكِب من أخطاء في سرك، فكي لا تُكرِّر أخطاء الماضي، عليك أن تكون موضوعياً.
4. تطوير خطتك:
لن تمنعك قوة الإرادة وحدها من اتخاذ طرق مختصرة آمنة بأقل قدر ممكن من الأخطاء للوصول لهدفك في المستقبل؛ لذا تأكَّد من وضع خطة تناسبك استناداً إلى ما تعلَّمتَه؛ حيث سيؤدي وضع خطة مبنية على ما تعلَّمتَه من أخطائك إلى صعوبة تكرار الأخطاء التي يمكن أن تؤدي إلى كارثة أخرى، كما سيساعدك وجود خطة على البقاء على المسار الصحيح قدر الإمكان، أضف المزيد من التفاصيل لخطتك عن المكان والزمان والمهام المطلوبة، ولكن تأكَّد من مرونتها؛ وذلك لأنَّه من غير المرجح أن تبقى العوامل كما هي في المستقبل، سواء طلبتَ من زميل أن يتابع معك تنفيذ خطتك أم اخترتَ تحمُّل المسؤولية بنفسك، فمن الهام أن تلتزم بخطتك وأن تظلَّ منتبهاً.
الفكرة هنا ليست أن تجلد ذاتك بقسوة شديدة عندما ترتكب خطأً؛ بل عليك العمل على أن تكون مرناً وقابلاً للتكيف، كلُّ خطأ هو فرصة للتعلم، مهما كان كبيراً أو صغيراً، وحتى المديرين التنفيذيين الأكثر نجاحاً واجهوا حواجز ومخاوف ونكسات؛ لذا تعلَّم من نفسك ومن الآخرين، وواصل المضي قدماً لاكتساب المعرفة والخبرة.
أضف تعليقاً