يتطلَّب التخلُّص من العادات السيئة كثيراً من ضبط النفس، وتُظهِر الأبحاث أنَّ النتائج التي نحصل عليها من ممارسة ضبط النفس تستحق المجهود الذي نبذله بسبب آثاره الرائعة في تحقيق النجاح.
لقد أجرى كل من عالمي النفس في "جامعة بنسلفانيا" (University Of Pennsylvania) "آنجيلا داكويرث" (Angela Duckworth)، و"مارتن سليجمان" (Martin Seligman)، دراسة على مجموعة من طلاب الجامعة واستخدما فيها قياسات معامل الذكاء (IQ)، مع تسجيلهم لمستويات ضبط النفس في بداية انتساب الطلاب إلى الجامعة، وبعد أربع سنوات قارن العالمان متوسط درجات الطلاب، ووجدوا أنَّ ضبط النفس له ضعف أهمية درجات معامل الذكاء في حصول الطالب على معدل تراكمي مرتفع.
الغرض من ضبط النفس هو تطوير العادات الإيجابية والتخلُّص من العادات السلبية، كما أنَّه مفيد بصفته أساساً لأخلاقيات العمل القوية ومستويات الإنتاجية المرتفعة؛ إذ يشبه ضبط النفس العضلات التي تصبح أقوى بالتمرين، ومن خلال التخلُّص من هذه العادات السيئة، ستكون قادراً على تحسين مهارة ضبط النفس. هذه العادات هي:
1. استخدام الهاتف أو الجهاز اللوحي أو الحاسوب الشخصي في الفراش:
هذه إحدى أسوأ العادات التي يجهل معظم الناس مدى آثارها السلبية في جودة نومهم وإنتاجيتهم، فالضوء الأزرق ذو الموجة القصيرة المنبعث من الشاشات، يؤثِّر تأثيراً كبيراً في المزاج ومستوى الطاقة وجودة النوم.
إذ يحتوي ضوء الشمس في فترة الصباح على تركيز عالٍ من هذا الضوء الأزرق، وعندما تتعرَّض أعيننا لأشعة الشمس يتثبَّط إنتاج الميلاتونين المعروف باسم هرمون النوم، وهذا ما يجعلنا نشعر باليقظة.
في فترة ما بعد الظهر، تفقد أشعة الشمس ضوءها الأزرق، ممَّا يساعد الجسم على إنتاج الميلاتونين، وتبدأ تدريجياً في الشعور بالنعاس، وبحلول المساء، لا يتوقع الدماغ أن نتعرَّض لأي مصدر من مصادر الضوء الأزرق، ولذلك يكون حساساً جداً تجاهه.
إذ تبثُّ معظم الأجهزة من هواتف، وأجهزة لوحية، وحواسيب محمولة، الضوء الأزرق ذا الموجة القصيرة بثَّاً ساطعاً ومباشراً نحو الأعين، فيضعف هذا التعرض إنتاج الميلاتونين، ويتسبَّب بعدم القدرة على النوم، وفي حال تمكَّن الشخص من النوم فإنَّ تأثير هذا الضوء يستمر بحيث يؤثِّر سلباً في جودة النوم.
كما نعرف جميعاً، فإنَّ قِلَّة النوم في الليل لها آثار وخيمة في مزاجنا وإنتاجيتنا في الصباح التالي، لذلك النصيحة التي يجب أن تعمل بها، هي تجنُّب استخدام هذه الأجهزة بعد العشاء، ولا بأس بمشاهدة التلفاز طالما أنَّك تجلس بعيداً عنه بما يكفي.
2. الإدمان على الإنترنت:
يتطلَّب الأمر 15 دقيقة متواصلة من التركيز قبل أن تندمج تماماً في إنجاز مهمةٍ ما، وبمجرد أن تندمج فإنَّك تختبر حالة من السعادة والإنتاجية تُسمَّى في علم النفس باسم التدفُّق؛ إذ وجدت الأبحاث أنَّ إنتاجية الشخص في حالة التدفق تتضاعف خمس مرات مقارنةً بإنتاجيته في الحالة العادية.
فما يحدث أنَّك عندما تتوقف فجأةً عن العمل من أجل إلقاء نظرة سريعة على الأخبار أو تصفح تطبيق "فيسبوك" (Facebook) أو غير ذلك، فإنَّك تخرج من حالة التدفق، ما يعني أنَّك تستغرق من جديد 15 دقيقةً أخرى حتى تندمج تماماً في المهمة مجدداً وتدخل في حالة التدفق.
لذلك، توقف عن مقاطعة تركيزك في أثناء العمل بتصفح مواقع التواصل، أو متابعة الأخبار وغير ذلك، لأنَّه قد يترتب على هذه العادة أن يمضي يومك بأكمله دون أن تدخل في حالة تدفق.
3. تفقُّد الهاتف في أثناء محادثة الآخرين:
لا شيء يثير حنق الآخرين في أثناء محادثتهم أكثر من إخراج هاتفك لكتابة رسالة نصية أو مجرد نظرة خاطفة على الهاتف، فعندما تجري محادثة مع شخص آخر يجب أن يكون تركيزك كله منصبَّاً على المحادثة، وستجد أنَّ المحادثات مع الآخرين أكثر متعة وفائدة عندما تشارك فيها بكل تركيزك وطاقتك.
4. الانشغال بالرد على إشعارات الهاتف دون تنظيم:
ما من شيء يضعف الإنتاجية أكثر من الانشغال المتكرِّر بإشعارات الهاتف، فقد أظهرت الدراسات أنَّ تصفُّح الهاتف في كل مرة تتلقَّى فيها إشعاراً، يؤدي إلى انخفاض إنتاجيتك.
في حين قد تشعر بأنَّ إنتاجيتك تزداد عندما تنشغل مراراً وتكراراً بالرد على رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية وإشعارات فيسبوك وغيرها، فإنَّ هذا الشعور كاذب، فبدلاً من تشتيت تركيزك ومقاطعة نفسك مرات عدة في أثناء العمل للرد على الرسائل، خصِّص وقتاً للقيام بذلك، مثلاً يمكنك الرد على رسائل البريد الإلكتروني دفعةً واحدة في كل ساعة، وهذه الطريقة مضمونة وذات فاعلية كبيرة في العمل.
5. عدم التعبير عن الرفض عندما يُطلب منك شيء فوق طاقتك:
أظهر بحث أُجري في "جامعة كاليفورنيا" (University of California)، أنَّ قدرتنا على الرفض تتناسب عكساً مع شعورنا بالتوتر؛ أي كلما انخفضت قدرتنا على رفض ما لا نرغب فيه، ازداد شعورنا بالتوتر، والاحتراق الوظيفي، وحتى الاكتئاب، وهذه المشاعر السلبية تقوِّض قدرتنا على ضبط النفس.
فلا شك أنَّ التعبير عن الرفض بالنسبة إلى معظمنا يُعَدُّ أمراً صعباً، وسيبقى كذلك ما لم يتعلَّم الشخص أنَّ الرفض هو أداة هامة للصحة النفسية، ولا يجب أن نخشى من التعبير عنه، فما يميِّز الأشخاص الأذكياء عاطفياً هو أنَّهم يقولون "لا" مباشرةً ودون مواربة، ويتجنَّبون عبارات مثل: "لا أعرف إذا كان في إمكاني"، أو "لست واثقاً من قدرتي على فعل ذلك".
فإنَّ رفض القيام بشيء فوق طاقتك يعزِّز من قدرتك على الوفاء بالتزاماتك الحالية، ويمنحك الفرصة لإنجاز ما وعدت نفسك أو الآخرين به، وتذكَّر دائماً، أنَّ التعبير عن الرفض هو شكل من أشكال ضبط النفس، لأنَّه سيعزِّز أيضاً قدرتك على ضبط نفسك في المستقبل من خلال منع الآثار السلبية للالتزامات التي تفوق طاقتك.
شاهد بالفديو: 6 طرق مثبتة علميَّاً للتخلص من العادات السيئة
6. التفكير في الأشخاص السامِّين:
يوجد الأشخاص السامون في كل مكان، ومن المؤكَّد أنَّك ستلتقي بهم دوماً وسيزعجونك، ففي كل مرة تجد نفسك فيها تفكِّر في زميل أو أي شخص يجعلك تستشيط غضباً، حوِّل تفكيرك نحو شخص تشعر بالامتنان لوجوده في حياتك؛ إذ يوجد في حياة كل منَّا كثير من الأشخاص الذين يستحقون اهتمامنا، لذلك لا تضيِّع وقتك وطاقتك في التفكير بأشخاص سلبيين وأنتَ تستطيع التفكير في الأشخاص الإيجابيين في حياتك.
7. الانشغال بأشياء أخرى في أثناء اجتماع العمل:
لا يجب أن تهمل أي شيء مهما بدا سهلاً، وخاصةً الاجتماعات، فإذا لم يكن الاجتماع يستحق اهتمامك فما من شيء آخر يستحق ذلك إذن، أمَّا إذا سلَّمت بأنَّ الاجتماعات على غاية من الأهمية، وتتطلَّب منك درجة كبيرة من الاهتمام، فيجب أن تحرص على تحقيق أكبر فائدة منها، وما يتعارض مع هذه القاعدة هو الانشغال بشيء آخر في أثناء الاجتماع، لأنَّ هذه العادة السيئة تعطي انطباعاً للآخرين بأنَّك تعتقد أنَّك أعلى منهم شأناً.
8. النميمة:
يستمدُّ النمَّامون المتعة من الشماتة في الآخرين، وفي حين أنَّ تناول أخطاء الآخرين الشخصية والمهنية قد يبدو ممتعاً في البداية، فإنَّه يصبح أمراً مُرهقاً مع مرور الوقت، ويجعلك تشعر بعدم الرضى عن النفس، ويُلحق الأذى بالآخرين.
يوجد كثير من الإيجابيات، ولديك الكثير لتتعلَّمه من الأشخاص المثيرين للاهتمام، بدلاً من تضييع الوقت في الحديث عن مصائب الآخرين.
9. الانتظار حتى تصبح الظروف مثالية لتحقيق النجاح:
يقضي معظم الكتَّاب ساعات طويلة في العصف الذهني في محاولة تخيُّل شخصيات رواياتهم والحبكة التي تجمع بين الشخصيات، ويكتبون الكثير والكثير مع علمهم بأنَّ كثيراً ممَّا يكتبونه لن يكون جزءاً من الكتاب النهائي، فهم يفعلون ذلك لأنَّهم يعرفون أنَّ الفكرة تحتاج إلى وقت حتى تتبلور.
لكن بالنسبة إلينا، فإنَّنا ننتظر حتى تكتمل الفكرة خشية ألا تلقى فكرتنا أي استحسان، والحقيقة لا يمكنك أبداً إنتاج فكرة عظيمة ما لم تبدأ وتجرِّب وتعطي أفكارك الوقت حتى تتبلور.
10. مقارنة نفسك بالآخرين:
عندما يكون إحساسك بالمتعة والسعادة مستمداً من مقارنة نفسك بالآخرين، فهذا يعني أنَّ سعادتك مرهونة بالآخرين، فعندما تشعر بالرضى حيال شيء فعلته، فلا تسمح لآراء الآخرين بأن تسلبك هذا الشعور، وفي حين يكون من المستحيل ألا تؤثِّر فيك آراء الآخرين، فإنَّك تستطيع أن تتوقف عن مقارنة نفسك بهم وعدم تصديق ما يقولونه عنك.
بهذه الطريقة لا يعود هامَّاً ما يعتقده الآخرون أو يفعلونه، لأنَّ قيمتك الذاتية تنبع من نفسك، بصرف النظر عمَّا يعتقده الآخرون عنك، فهذه الثقة بالنفس تعني أنَّك لست جيداً لأنَّ بعض الأشخاص يرون ذلك، مثلما تعني أنَّك لست سيئاً لأنَّ بعضهم يعتقدون ذلك، فأنت من يحدِّد قيمة نفسك ولا أحد آخر يحق له ذلك.
في الختام:
من خلال المثابرة على ضبط النفس بهدف التخلُّص من هذه العادات التي ذكرناها، فإنَّك ستمتلك قدرةً أكبر على التحكُّم بسلوكك، ومن ثمَّ التخلص من العادات المؤذية التي تضر بحياتك المهنية والشخصية.
أضف تعليقاً