"في الولايات المتَّحدة، يقضي الشَّخص العادي ما مجموعه 1.6 عاماً متواصلاً في التَّعلم، مقابل 9.3 عاماً في مشاهدة التِّلفاز".
إنَّ هذا الأمرَ كان صادماً جدَّاً بالنِّسبة لي. لذا بحثت قليلاً عن هذا الموضوع وقمت ببعض الحسابات. فإذا قُمتَ باعتبار الوقت الإجمالي التي يقضيه الطُّلاب في المدرسة على أنَّه تعلُّم، واستعنتَ بالدِّراسات الحكومية التي وجدت أنَّنا نقضي 2.8 ساعة يوميَّاً في مشاهدة التلفاز، سَتَجِدُ أنَّ ذلك صحيحٌ تماماً!!!
المدرسة: 6 ساعات × 180 يوم × 13 عام = 14040 ساعة = 1.6 سنة.
التِّلفاز: 2.8 ساعة × 365 يوم × 80 عام = 81.760 ساعة = 9.3 سنوات.
على الرَّغم من أنَّني وجدت حقيقةَ أنَّ معظم الأميركيين سيقضون أكثر من 10٪ من حياتهم في مشاهدة التِّلفاز أمراً مأساويَّاً، إلا أنَّها وفي المقابل، أثارت حماسي أيضاً. فجميعنا مشغولٌ للغاية، ودائماً ما نشتكي من قلَّة الوقت. ولكن مع ذلك، إذا اخترنا عدم مشاهدة التلفاز، فسيكون لدينا ما مقداره 9.3 سنوات إضافية من وقت الفراغ، والذي هو -بحسب الإحصاءات الرسميَّة- يعادل تقريباً الوقت الذي يعملُ فيه المواطن الأمريكي طوال حياته (10.3 سنة)!
ما الذي سيحدث لو قررنا استغلال ذلك الوقت على نحوٍ مثمر؟ ماذا لو اخترنا أن نتعلَّم ونَنخرط في مشاريع رائعة بدلاً من مشاهدة التِّلفاز لما يقارب الثَّلاث ساعات يوميَّاً؟
فكّر في مقدار الوقت الذي تعلمنا فيه، بدءاً من رياض الأطفال مروراً بمرحلة التعليم الثانوي... إنَّ هذه الآلاف المؤلَّفَة من السَّاعات التي قضيناها في صفوفنا الدِّراسيَّة، لا تُمثِّل إلَّا جزءاً صغيراً من الوقت الذي نقضيه في التَّحديق إلى شاشة التِّلفاز. في تلك الفترة التي تزيد عن التِّسع سنوات من مشاهدة التلفاز، باستطاعتنا أن نُتقن التَّحدث بلغتين إضافيتين، ونتعلم رياضة الجوجيتسو البرازيليَّة، ونحصل على درجة الدكتوراه في أيِّ مجالٍ كان، ونتعلم برمجة أجمل المواقع الالكترونيَّة، وأن نصبح عدَّائين رائعين في الماراثون، ونُطوِّرَ مهاراتنا في بعض الهوايات الأخرى لنصل بها إلى مستوىً عالمي. وكل ذلك، يضافُ إلى ما نحن نقوم به بالفعل!!!
بعبارةٍ أُخرى؛ يمكننا أن نُقايِضَ الوقت الذي نقضيه أمام التِّلفاز، بالحصول على مجموعةٍ من المهارات التي تجعلنا فعليَّاً مثل "جيمس بوند"، أو مثل أسطورة موسيقى الروك والمغنِّي الرَّئيسي لفرقة أيرون مايدن: بروس ديكنسون. والذي هو أيضاً -ولنقم بالعدِّ معاً- خريجٌ جامعي، ودي جي، ومؤلف، وكاتب سيناريو، ومُمَثِّل، ومبارز بالسّيف على مستوىً أوليمبي، وطيَّارٌ تجاري، وصاحب شركة طيران!!!
لو قمنا باستغلال تلك 2.8 ساعة في اليوم من أجلِ أن نُصبح بشراً أفضلَ وأكثرَ موهبة، فسنكونُ قادرينَ على عمل أي شيء نصبو إليه تقريباً. ولكنَنا مع الأسف، نختار وباستمرار، إهدار ذلك القدر الهائل من الوقت في التَّحديق في شاشة التِّلفاز، لا على أن نُصبح مثل جيمس بوند أو إحدى النُّسَخ الحقيقيَّة منه؛ بروس ديكنسون.
لمَ نقضِ أكثر من 10٪ من حياتنا أمام شاشة التِّلفاز؟
أعتقد أنَّ الأمرَ متعلِّقٌ بالرَّاحة والسُّهولة. فعند الاختيار بين عمليَّة التَّعلم الصَّعبة، ومشاهدة أحدث مسلسلات شبكة نتفليكس؛ يصبح من الأسهل علينا وبكثير، أن نحدقَ بسلبية إلى تلك الشَّخصيات التي تظهر على الشاشة وهي تختبر الحياة نيابة عنا. إذ ليس من المريح على أرض الواقع أن نصبح مثل جيمس بوند أو بروس ديكينسون. لذا وبدلاً من ذلك، نُشاهد تلك الشَّخصيات وهي تعيش حياةً شيَّقة.
على الرَّغم من أنَّنا قد نشعر برغبة في مشاهدة نتفليكس أو قضاء يوم الجمعة في مشاهدة مباراةٍ في كرة القدم، إلا أنَّه يتعيَّن علينا اختيار مسار التَّعلم الأكثر صعوبة، وأن نخطو خارج مناطق راحتنا، وأن نتجاوز الصِّعاب بأنفسنا، بدلاً من السَّماح لأولئك الذين يظهرون على الشَّاشة بتجربة ذلك نيابة عنَّا. فلكي نكون مثل جيمس بوند أو بروس ديكينسون، يجب أن نخوض وبشكلٍ مستمر هذا الطريق الوعر: مراراً وتكراراً. وأقولها بكل صدقٍ وأمانة، من الصَّعب القيام بذلك. إذ -ومع بالغ أسفي- كُلُّ شيءٍ في هذه الحياة تقريباً، أصعبُ من مشاهدة التِّلفاز.
ومعَ ذلك، من المهم أيضاً ملاحظة وجود درجاتٍ متفاوتة من الصُّعوبة والجهد، في أيِّ التزامٍ يتعيَّنُ علينا القيامُ به. فَفي حين أنَّ العملَ والتَّفكير المدروس هما أكثر الطُّرُق فاعلية للعيش والتَّعلم، إلا أنَّ التَّوقعَ بأن نحصل على مثل هذه الطَّاقة والحافز طوال الوقت، هو أمرٌ غير واقعيٍّ إلى حدٍّ ما. إذ يكون في بعض الأحيان كل ما نحتاج إليه هو "النَّشاط السَّلبي - passive activity" (تحقيق النَّتائج بأدنى جُهدٍ ممكن).
دائماً ما يكونُ التِّلفاز أكثرَ جاذبيَّةً في المساء، وذلك عندما نكون متعبين من عملِ يوم شاق. لذا من أجل البدء باختيار التَّعلم أو العمل الحقيقي بدلاً من التلفاز، من الأفضل أن تبدأ بشيء أقلَّ تطلُّباً لجعل القرار أكثر سهولةً في البداية. فمثلاً؛ بدلاً من مشاهدة التِّلفاز، قد يكون حضور محاضرةٍ جامعيَّة عبر الإنترنت بعد نوبةِ عملٍ مدتها عشر ساعات، أمراً أكثرَ يُسراً من الالتحاق بصفٍّ لتعليم رياضة الجوجيتسو. لذا، إليك بعض البدائل السَّهلة لمشاهدة التِّلفاز:
أولاً: الدُّروس عبر الإنترنت
يمكنك أن تأخذ دروساً مجانية عبر الإنترنت، في أيِّ مادَّةٍ وتخصُّصٍ تريد، ومن أفضل وأرقى الجامعات التي توجد على سطح الأرض!! وهو ما أراه أمراً غايةً في الرَّوعة. ولكن تمهَّل قليلاً، إذ مع وجود مجموعةٍ كبيرةٍ من المواقع الالكترونية التي تُقدِّمُ آلاف الدورات التَّعليمية، يصبح في كثيرٍ من الأحيانِ من الصَّعب اختيارُ إحداها. لذا ابدأ بهذه القائمة المذهلة من أكثر 50 دورة تدريبية مجانية شعبيةً على الإطلاق (هذه الدورات باللغة الانكليزيَّة).
ثانياً: المدوَّنات الصَّوتيَّة (البودكاست)
إنَّ البرنامج الذي يُقدِّمُه تيم فيريس، أقل ما يمكن أن يُقال عنه أنَّه برنامجٌ تنويريٌّ ثقافي. إذ يقوم تيم بإجراءِ مقابلاتٍ مع أفضل الشَّخصيَّات من مجموعة واسعةٍ من مجالات الحياة (رجال الأعمال والرياضيين والفلاسفة والأطباء والممثلين... إلخ). ويحاول كشف النِّقاب عن الأفكار والأساليب التي تجعلهم الأفضلَ فيما يقومون به. هذا البرنامج محفِّزٌ للغاية، ويمكن إسقاطه على جميع نواحي حياتنا.
ثالثاً: الكُتُب الالكترونيَّة
هناك مجموعة واسعة لا تصدق من المعرفة والمعلومات المفيدة المُكدَّسة في الكتب، ولكن مع وجود كتب لا حصر لها، قد يكون من الصَّعب معرفة من أين يجب عليكَ أن تبدأ بالاختيار من بينها. لذا اسمحوا لي أنْ أُساعدكم في تضييق هذه القائمة. كنت أودُّ وبشدَّة تحويلكم إلى قائمة الكتب خاصَّتي، لكنَّها غايةٌ في التَّخلُّف مقارنةً مع هذه القائمة المفيدة للغاية.
رابعاً: تبادل المهارات
لقد عثرت على هذا الموقع قبل بضعةِ أسابيع، وهو غايةٌ في الرَّوعة. إنَّ موقع "Skillshare" عبارةٌ عن مجموعةٍ من آلاف الفصول الدِّراسية القصيرة، والتي يمكن أن تعلِّمكَ أيَّ شيء بدءاً من التَّصوير الفوتوغرافي، مروراً بالتَّسويق عبر الفيسبوك، إلى تعلُّمِ مبادئ الحلاقة للرجال. لديهم عدَّةُ مئاتٍ من الحصَص المجانية تماماً، وآلاف الدُّروس "المميزة" التي يمكن الحصول عليها مقابل رسوم شهرية تبلغ 10 دولارات.
أعتقد أنَّه يجب علينا أن نحاول خفض المدة التي نشاهد فيها التلفاز إلى أقل من ساعةٍ في اليوم، على الأكثر. إذ إنَّ ذلك الأمر لا يفيدنا كثيراً، وإنفاق 9.3 سنوات من حياتنا بهذه الطَّريقة هو أمرٌ مُبالغٌ فيه للغاية. لذا فكِّر في الأمور المذهلة التي يمكنك فعلها مع تلك السَّاعات الإضافية البالغة 81،760 ساعة!!!
بمجرد أن نكسر عادة الطقوس المتمثِّلة في التَّحديق المبالغ فيه في التلفاز، يمكننا الانتقال إلى أشياء أكبر؛ مثل مساعينا للحصول على جسمٍ رياضي، ومشاريعَ يمكن تطبيقها على أرض الواقع، وهواياتٍ تتطلب مجهوداً شاقَّاً، أو حتى المشاريع التجارية، ولكن من المهم أن نبدأ على نطاقٍ ضيِّق ريثما نبتعد عن تلك التَّبعيَّة التي اعتدنا عليها تجاه شاشة التِّلفاز. لا تكن مثل ذلك المواطن الأمريكي الذي يضيعُ وبكُلِّ سلبيَّة، 9.3 سنوات من حياته وهو يُشاهد التلفاز. بل جرِّب الحياةَ بنفسك، واجعل من نفسك مثلاً يحتذي به أمثالُ بروس ديكنسون حتَّى.
تنويه: المقال الأصلي للمدوِّن ايثان موريس.
أضف تعليقاً