تبدأ بعد ذلك الكثير من الأسئلة بالظهور، سواء عن الأسباب التي تؤدي إلى هذا الهروب أم عن الحلول الممكنة للحد من هذه الظاهرة وتبعاتها بالغة السوء على الطالب نفسه وعلى الأسرة والمدرسة ومن ثمَّ على المجتمع ككل.
مشكلة الهروب من المدرسة:
أولاً يجب التفريق بين الهروب من المدرسة والتهرب منها، على الرغم من أنَّ الحالتين تؤديان إلى النتيجة نفسها مع فارق جوهري لصالح التهرب، وهو أنَّ الطلاب في حالة التهرب من الذهاب للمدرسة بذريعة المرض أو تغيُّب الأستاذ أو غيرها من الحجج يقضون وقتهم في المنزل، أما في حالة الهروب من المدرسة فهم يقضون أوقاتهم في مكان مجهول بالنسبة إلى الأهل.
الهروب من المدرسة قد يكون كليَّاً؛ ويعني أنَّ الطالب لا يدخل في الصباح نهائياً إلى المدرسة وبعد انتهاء وقت المدرسة يعود إلى المنزل، وقد يكون جزئياً؛ حيث يغادر المدرسة في وقت من أوقات الدوام ويعود إليها، أو من الممكن ألا يعود ويذهب إلى المنزل بعد انتهاء الدوام، وقد يكون هروباً من حصة دراسية بعينها فيتحجج الطالب بعذر ما ليخرج من الصف فيقضي وقته متجولاً بين الصفوف أو في دورات المياه حتى انتهاء الحصة المذكورة ليعود بعدها ويتابع الدوام المدرسي.
أسباب الهروب من المدرسة:
هناك العديد من الأسباب التي تدفع الطالب للهروب من المدرسة، منها ما يتلق بالطالب ومنها ما يتعلق بالمدرية بحد ذاتها:
- وجود فجوة كبيرة في الاتصال والتواصل بين الأهل والمدرسة، وهذا ما يجعل التلاميذ قادرين على القيام بأفعال وتصرفات سيئة وتكرارها مراتٍ عدَّة دون الخوف من وصول الخبر إلى أهاليهم، ولا تقع المسؤولية هنا فقط على عاتق إدارة المدرسة، فمردُّ هذا أيضاً إلى قلة اهتمام الأهل بأولادهم وعدم متابعتهم لهم.
- يكون أحياناً واقع المدرسة وطبيعتها وطبيعة مناهجها والأساليب المستخدمة في التدريس فيها من الأسباب التي تجعل الطلاب يشعرون بالملل والنفور منها، وهذا سيكون سبباً يدفعهم إلى الهرب.
- التعامل مع التلاميذ معاملة سيئة وعدائية وعدم احترامهم وتطبيق عقوبات جسدية عليهم، ويمكن القول إنَّ هذا السبب من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى شعور التلاميذ بالخوف من الذهاب للمدرسة، فتراهم ينتهزون أيَّة فرصة للهروب منها.
- عدم استمتاع الطلاب بوقتهم في أثناء الدوام المدرسي وحتى في أثناء الحصص الترفيهية بسبب تكليف معلمين غير جادين بالتعامل مع هذه الحصص ومُهملين بشكل كبير لكلِّ ما يخصُّ حصصهم وأدواتها وأساليبها، وهذا يُشعِر الطلاب بالإحباط والملل ويزيد عبء المواد الدراسية الأخرى عليهم.
- المشكلات التي تحدث بين الطلاب أنفسهم والتنمر الذي يمارسونه على بعضهم بعضاً.
- التحريض الخارجي الذي يتعرض له التلميذ سواء من داخل المدرسة من قِبل أقرانه، أم من خارجها من قِبل رفاق السوء.
- إما أن تكون القوانين في المدرسة صارمةً جداً؛ مما يُشعِر التلاميذ بالضغط والتعب فيكون هذا سبباً لهروبهم، أو أن تكون غير صارمة فيكون أمر الهروب سهلاً لا خوف من عواقبه.
- عدم تفعيل دور المرشد النفسي في المدارس وعدم قيامه بواجبه بشكل جيد، وغياب الحصص الإرشادية داخل المدارس التي توعي التلاميذ وتساعدهم على الفهم الصحيح للأمور، ومن ثمَّ على اتخاذ القرارات المناسبة دون الانسياق وراء دوافع ورغبات الآخرين.
- الكثير من الأسباب فرضَتها ظروف الحياة العصرية اليوم، كانشغال عقول التلاميذ بأشياء أخرى لا علاقة لها بالدراسة والعلم، كمواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية وصالات الكمبيوتر، فيشعرون أنَّ الدراسة هي عمل مجبرون عليه ويقومون به دون هدف أو طموح أو رغبة.
- الظروف الاقتصادية الصعبة والسيئة التي قد تجعل بعض الطلاب بحاجة إلى العمل لمجاراة أصدقائهم؛ مما يضطرهم للهروب من المدرسة.
- عدم المرونة في التعامل مع التلاميذ داخل المدرسة وعدم الاستماع لهم والوقوف على مشكلاتهم، فالكثير من المشكلات داخل الأسرة قد تنعكس آثارها على المدرسة، وهنا يجب على المدرسة أن تكون عاملاً مساعداً للطلاب للتخلص من هذه المشكلات، لا أن تكون عامل ضغطٍ آخر وسبباً لتفاقم المشكلات أكثر وأكثر.
- تراجُع أداء الطالب المدرسي قد يدفعه إلى الهروب خوفاً من عقوبة المعلم التي قد تكون شديدةً، أو بسبب صعوبة بعض المواد الدراسية وعدم قدرته على فهمها واستيعابها.
- تعرُّض الطالب لظروف صعبة أو موقف سيئ ومخجل أمام الطلاب الآخرين، أو تعرُّضه لاعتداء جنسي في المدرسة.
- اهتمامات خارج المدرسة تدفع الطالب إلى الهروب للقيام بها لعجزه عن فعل ذلك في أوقات أخرى.
- الرسوب المتكرر الذي يؤدي إلى وصول التلاميذ إلى عمر أكبر من زملائه فينعزل ويهرب منهم بسبب عدم قدرته على الانسجام والاختلاط معهم.
علاج مشكلة هروب الطلاب من المدرسة:
حل مشكلة الهروب من المدرسة يتطلب التعاون بين الأهل والمدرسة، على الرغم من أنَّ المسؤولية بدايةً تقع على عاتق المدرسة كونها المسؤول الأول عن اكتشاف الأمر وعن إبلاغ الأهل بالغيابات المتكررة والهروب المستمر، وبعد ذلك يجب اتخاذ الإجراءات المناسبة.
وقبل خوض الحديث عن أي إجراء أو نصيحة يجب قبل كل شيء الجلوس مع الطالب وفهم الأسباب التي تدفعه إلى الهروب وتجعله يكره المدرسة؛ وذلك لأنَّ في هذا توفير للكثير من الوقت، كما أنَّه يوجِّه إلى معالجة السبب مباشرةً، ومن الحلول التي يمكن اتباعها لمواجهة هذه المشكلة:
- يجب أن تشمل الخطة الدراسية في المدرسة الاهتمام بالحصص الترفيهية للتخفيف من الضغط على التلاميذ، ولتخليصهم من الطاقة السلبية، فالمدارس بحاجة إلى ملاعب كرة قدم وغرف موسيقى ومراسم وغيرها.
- الابتعاد عن القسوة في التعامل مع التلاميذ ومنع العقوبات الجسدية منعاً باتاً، وجعل الاحترام هو الأساس في التعامل مع الطلاب مهما كانت الظروف.
- التربية التي تقدِّمها الأسرة في المنزل هي حجر الأساس لبناء تلميذٍ واعٍ ومدركٍ لمصلحته فإذا اختلَّت هذه التربية، كانت العواقب وخيمةً، لذلك لا بُدَّ من تقديم الأهل الإرشادات لأبنائهم دائماً ورفع مستوى وعيهم بأهمية العلم والدراسة ليكونوا مقبلين عليه من ذاتهم ومن دافع داخلي دون أي إجبار، ويجب على المدرسة إكمال دور الأهل واتباع أساليب التحفيز المناسبة مع الطلاب.
- ضبط المدرسة بقوانين حازمة وعدم التهاون بما يتعلق بتجاوزها وانتهاكها وخاصةً إذا ما تعلَّق الأمر بالهروب من المدرسة، ليشعر التلميذ بالخوف ولا يكرر الأمر بسهولة.
- الابتعاد عن الأجواء الروتينية التي تُكرِّه التلاميذ بالمدرسة، وتنفيذ النشاطات والرحلات دائماً ليشعر الطلاب بالحماسة للذهاب إلى المدرسة.
- يجب على الأهل أيضاً أن يكونوا قريبين بما يكفي من أبنائهم وعلى تواصل دائم معهم ليعرفوا مَن هم أصدقاؤهم وكيف هي تربيتهم وسلوكاتهم، وهذا يسمح لهم التدخل في الوقت المناسب وإبعاد رفاق السوء عنهم.
- عدم إهمال الجوانب النفسية والشخصية المتعلقة بالطلاب والتعامل مع كل طالب كحالة متفردة، كما يجب تفعيل دور المرشد النفسي وتخصيص عدد من الحصص له بالأسبوع ليكون قريباً من التلاميذ ومطَّلِعاً على كل مشكلاتهم وظروفهم ومخاوفهم، وهذا الدور ليس إلا إكمالاً لدور الأهل من هذه الناحية، خاصةً أنَّ الطلاب في هذا العمر هم أكثر حساسيةً وقابليةً للتأثر بغيرهم بسبب عدم نضجهم، وتُعَدُّ الأعمار من 11 إلى 18 سنة أكثر الأعمار التي تنتشر بينها هذه الظاهرة.
- لا يجب الوقوع في فخ التعامل مع النتائج وليس مع الأسباب فإذا ما تكرَّرَ هروب الطلاب من المدرسة، فالحل الجذري لن يكون بتنفيذ العقوبات الصارمة؛ لأنَّ هذا لن يكون إلا بمنزلة صب الزيت على النار، والحل الحقيقي يكون بالبحث الجدي عن الأسباب التي دفعَت الطلاب لهذه التصرفات والقضاء عليها.
شاهد بالفديو: 8 نصائح تساعد الأطفال والآباء على الاستعداد للعودة إلى المدرسة
الأخطار الناتجة عن الهروب من المدرسة:
- يكتسب الطفل في الفترة التي يقضيها خارج المدرسة صداقات سيئة وغالباً ما تكون مع أشخاص أكبر منه سناً، وبعض هذه الصداقات قد تدفع الطالب إلى ارتكاب تصرفات غير أخلاقية أو قد يقومون باستغلاله مادياً وجنسياً.
- يتعلم الطفل الكثير من السلوكات والعادات السيئة مثل التدخين وقد تصل الأمور إلى السرقة وتعاطي المخدرات.
- تراجع أداء الطالب المدرسي وانخفاض تحصيله كنتيجة حتمية لتغيُّبه الدائم.
- قد يصبح الهروب عادةً عند الطالب فيصبح أمر إعادته إلى المدرسة أمراً صعباً، كما أنَّ الطفل سيتعلَّم الغش والكذب والخداع لتبرير غيابه ولخلق الحجج المقنعة.
في الختام:
ظاهرة الهروب من المدرسة ظاهرة سيئة لا تتوقف آثارها ونتائجها على المرحلة ذاتها؛ بل تتطور لتصبح في المستقبل هروباً من العمل والوظيفة والمسؤوليات، لذلك لا بُدَّ من السيطرة عليها ليس من الناحية الشكلية فقط، فكما ذكرنا آنفاً، تعود هذه الظاهرة إلى الكثير من الأسباب النفسية والبيئية والاجتماعية والعائلية والمدرسية وحتى المادية، لذلك يجب أن يكون العمل على الحل من الجذور حتى يتخلص الطالب نهائياً من هذا السلوك الخاطئ.
يجب أن نتذكَّر دائماً أنَّ ثروة البلاد الأساسية هي عقول أبنائها، لذلك يجب على الدولة بذل كلِّ الجهود الممكنة سواء المادية أم المعنوية للارتقاء بالعملية التربوية والتعليمية والرفع من سويَّتها وشأنها؛ وذلك لأنَّ هؤلاء الطلاب هم عماد الوطن وإعدادهم الإعداد المطلوب من شأنه تطوير المجتمع وتحسينه.
أضف تعليقاً