لمحة عن تاريخ الانطوائية
الانطوائية هي صفة شخصية تمتد جذورها عبر التاريخ، حيث تغيرت مفاهيمها وفهمها عبر العصور المختلفة. فيما يلي نورد أهم المحطات التي مرت بها تاريخيا:
تصنيفات "كارل يونغ" (Carl Jung) لأنماط الشخصية
ربما تكون الخطوة الأولى للإجابة عن سؤال "من هو الانطوائي؟" هي أن نفهم جذور الكلمة ومفهومها، وكيف أصبحت ما هي عليه اليوم؛ فعند النظر إلى تاريخ العلم، ستجد أنَّ نظرية الانطواء هي نظرية حديثة العهد، لم يمضِ عليها أكثر من قرن تقريباً؛ إذ طرحها عالم النفس السويسري "كارل يونغ" (Carl Jung)، الذي درس خصائص الأفراد وكيفية تفاعلهم مع العالم، ويظنُّ "يونغ" أنَّ نمط الشخصية يستند إلى تفضيلات الفرد في أربع نواحٍ:
- العالم (داخليَّاً كان أم خارجيَّاً).
- معالجة المعلومات.
- اتخاذ القرار.
- الهيكل.
إذ يُنظَر إلى الانطوائية غالباً على أنَّها تفضيل لنوع البيئة الاجتماعية، لكنَّ "يونغ" عرَّفها على أنَّها ميل الفرد الطبيعي لتركيز طاقته على عالمه الداخلي؛ وهذا يعني أنَّ الانطوائيين يميلون إلى قضاء كثير من الوقت في التفكير، والقيام بنشاطات فردية؛ وذلك لأنَّ هذا هو ما ينشِّطهم.
لقد نشر "يونغ" في عام 1921 كتابه "الأنواع النفسية" (Psychological Types)، الذي يحتوي على وصف تفصيلي لنظرية الشخصية التي طرحها، والتي أصبحت الأساس لعديد من اختبارات الشخصية التي تجدها على الإنترنت اليوم.
ملاحظة: في الستينيات، ابتكر عالم النفس "هانز آيسنك" (Hans Eysenck) نظرية مماثلة عن الشخصية الانطوائية والاجتماعية، تقوم على أساس الاعتقاد بأنَّ البيئة التي تحفِّز الانطوائيين جداً لا تحفِّز الاجتماعيين بما يكفي، وتشرح هذه النظرية لماذا يميل الانطوائيون إلى الشعور بالارتباك بسهولة في بيئة مزدحمة، في حين يشعر الاجتماعيون بالملل في بيئة هادئة.
اختبار "مايرز بريجز" (The Myers-Briggs Test)
بعد اكتشاف الأنواع النفسية، تأثرت "إيزابيل مايرز" (Isabel Myers) بنظرية الشخصية لـ "يونغ"، وقررت متابعة عمله، وبعد سنوات من الدراسة وأخذ الملاحظات طوَّرت "نوع الشخصية" (Myers-Briggs Personality Type Indicator)، لكي يتمكن الناس من فهم خصائصهم الشخصية، ومن ذلك الانطوائية والاجتماعية، وتحديداً للنساء اللواتي دخلن سوق العمل لأول مرة خلال الحرب العالمية الثانية.
بعد ذلك، أصبح اختبار "مايرز بريجز" متاحاً على نطاق أوسع للجمهور، ومنذ ذلك الحين أجراه الملايين لفهم شخصياتهم بطريقة أفضل.
كتاب "هدوء" (Quiet)
على الرَّغم من كون اختبار "مايرز بريجز" متاحاً للعامة، كان الناس يسيئون فهم الانطوائية إلى حد كبير، ونادراً ما تطرَّقوا إلى بعض جوانب هذه الشخصية لعقود من الزمن؛ أي كانت المفاهيم الخاطئة عن الانطوائيين شائعة، وتفاقم ذلك بسبب كون المجتمع الأمريكي اجتماعياً جداً.
إلى أن بدأ مفهوم الانطوائيين يتغيَّر يعد أن نشرت "سوزان كاين" (Susan Cain) - في سعيها إلى نشر الوعي بالانطوائية - كتابها "هدوء" (Quiet)، الذي حقق ثورة في تقبُّل وفهم الانطوائية؛ إذ يُعَدُّ الكتاب وموقعه الإلكتروني "ثورة هادئة" (Quiet Revolution) من بين عديدٍ من الأعمال عن الانطوائية في السنوات الأخيرة التي ساعدت المجتمع على فهم نمط الشخصية الذي لطالما كان محطَّ سوء فهم هذا.
شاهد بالفديو: صفات الشخصية الانطوائية وكيفية التعامل معها
أهم المفاهيم الخاطئة عن الشخصية الانطوائية
أصبح المجتمع اليوم أكثر وعياً بالانطوائية من أي وقت مضى، ولكنَّنا نستمر في إساءة فهم الانطوائيين بسبب الاعتقادات الخاطئة عنهم، مثل: أنَّهم خجولون، أو غير اجتماعيين إلى حدٍّ ما
إليك أهم اعتقادين خاطئين عن الانطوائيين:
1. الشخص الانطوائي خجول
عندما يفكِّر الناس في الانطوائيين، غالباً ما يتخيَّلون أفراداً خجولين جداً؛ إذ إنَّهم يخشون مقابلة أشخاص جدد، ويواجهون صعوبة في إجراء المحادثات، ولكنَّ هذا المفهوم الخاطئ هو أحد الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى النظر إلى الانطواء أحياناً على أنَّه عيب في الشخصية، وليس نمطاً طبيعياً للشخصية، فلا أحد يريد أن يوصف بأنَّه خجول أو غير اجتماعي.
- أساس الاعتقاد هو أنَّ احتمال كون الانطوائيين خجولين أكبر من احتمال كون الاجتماعيين كذلك، ولكنَّ هذين الأمرين ليسا مترابطين. فالخجل نوع من الرهاب الاجتماعي.
- وَفقاً لـ "سوزان كاين": "الخجل هو الخوف من أن يحكم عليك الناس حكماً سلبياً، في حين الانطواء هو بسهولة تفضيل التعرض لمحفزات أقل".
لتوضيح ذلك:
- تخيَّل أنَّك تعمل مبكِّراً وأنت جالس وحدك في مكتبك، الجو هادئ ولا شيء يشتِّت انتباهك، فهذه بيئة منخفضة التحفيز.
- على العكس، تخيَّل أنَّك وصلت للتو إلى مؤتمر يضم مئات الأشخاص، وأنت محاط بالعشرات من المحادثات، وثمَّة مَن يتكلَّم عبر مكبر الصوت، فهذه بيئة عالية التحفيز؛ إذ تتطلب منك كثيراً من الطاقة الذهنية للتركيز.
الانطوائيون يفضلون البيئات الهادئة:
- يشعرون براحةٍ أكبر في مكتبٍ هادئ.
- البيئات المزدحمة لا تتوافق مع تفضيلهم الطبيعي، لكنها ليست مكروهة لديهم.
بهذا الشكل، نفهم طبيعة الشخص الانطوائي بشكل أفضل ونفرق بين الخجل والانطواء، ما يساعد في تقدير التنوع البشري.
2. الانطوائيون معادون للمجتمع
الانطوائيون غالبًا ما يُعتبرون معادين للمجتمع، وتصوّرهم السلبي يشمل:
- يُعَدُّهم البعض وقحين أو متعجرفين لعدم قيامهم في المشاركة في النشاطات الاجتماعية.
- يعتقد كل من الاجتماعيين والانطوائيين أنفسهم أحيانًا أن هناك خَطْب ما في الانطوائيين بسبب رغبتهم في قضاء الوقت وحدهم.
مثال على هذا التصور الخاطئ تقدمه الممثلة "إيما واتسون"، حيث قالت في مقابلة لها: "لا بدَّ من أنَّ لدي خطباً ما؛ لأنَّني لا أريد الخروج والقيام بما يريد جميع أصدقائي القيام به".
الحقيقة أن الانطوائيين ليسوا معادين للمجتمع، حتى مع رغبتهم بالوحدة:
- ليست شيئاً يستدعي الخجل.
- تأتي لأن المواقف الاجتماعية تستهلك طاقتهم، ويحتاجون لاستعادة طاقتهم بعدها.
لفهم ذلك يمكن القول أن:
- الطاقة الاجتماعية للانطوائيين محدودة مثل الطاقة البدنية.
- بعد يوم طويل من التفاعل الاجتماعي، يحتاج الانطوائيون لقضاء وقت وحدهم لإعادة شحن طاقتهم.
اختلافات بين الشخصية الانطوائية والاجتماعية
أصبح لدينا فكرة عمَّا لا يعنيه الانطواء، لنستكشف ما يعنيه الآن؛ إذ تُظهِر عقود من البحث أنَّ الانطواء هو أكثر من مجرد تفضيل اجتماعي أو سِمة شخصية؛ فتوجد اختلافات جسدية بين العقول والأنظمة العصبية للأشخاص الانطوائيين والاجتماعيين، تفسِّر سبب تفضيل الانطوائيين قضاء الوقت في قراءة كتاب، أو مشاهدة فيلم في العطلة، في حين يرغب الاجتماعيون في حضور حفلة.
الاجتماعيون والدوبامين
نستمتع نحن البشر بالمكافآت، سواء كانت على شكل طعام أم مال أم كأس في مسابقة. هذه المكافآت تحفزنا بفضل ناقل عصبي يسمى "الدوبامين". إليك بعض النقاط حول تأثير الدوبامين:
- الدوبامين يشجع على الخروج والاحتفال كل عطلة، مكافئًا بفيض من المشاعر الممتعة.
- كل شخص لديه نفس الكمية من الدوبامين، لكن الاستجابة تختلف.
وَفقاً للدكتور "سكوت باري كوفمان"، الاستجابة للدوبامين تختلف بين الاجتماعيين والانطوائيين، حسب ما يلي:
الاجتماعيون:
- يستجيبون بشكل أقوى للدوبامين.
- تنشط لديهم أجزاء الدماغ المحتوية على الدوبامين عند توقع المكافأة.
- ترتفع طاقتهم ويتحمسون عند الحصول على مكافأة.
الانطوائيون:
- يستجيبون بشكل أقل إيجابية للدوبامين.
- حساسيتهم العالية تجعل القليل من الدوبامين يسبب فرط تحفيز.
- يشعرون بالقلق في المواقف الاجتماعية التي يجدها الاجتماعيون ممتعة.
ملاحظة: أظهرت دراسة أن اللوزة والنواة المتكئة في أدمغة الاجتماعيين تنشط أكثر عند المراهنة، مما يجعلهم أكثر استعدادًا لمواجهة التحديات المحفوفة بالمخاطر.
الانطوائيون والأسيتيل كولين
عند تعرُّض أدمغة الانطوائيين للتحفيز العالي، تفرز الدوبامين، الذي لا يناسبهم. بينما المادة الكيميائية التي تناسبهم هي الأسيتيل كولين.
الأسيتيل كولين:
- يمنح شعوراً ممتعاً عند التركيز على الداخل.
- هذا يجعل الانطوائيين يستمتعون بأحلام اليقظة.
- السعادة التي يشعرون بها من التفكير تشبه السعادة التي يشعر بها الاجتماعيون في غرفة مزدحمة.
دماغ الاجتماعيين ينشط استجابةً للدوبامين:
- يتحمَّسون للمواقف الاجتماعية المحفِّزة مثل الحفلات.
- مكافأتهم هي مقابلة أشخاص جدد.
- كلما زاد عدد الاجتماعيين، زادت قوة استجابتهم الممتعة.
نصيحة:
من الطرائق التي يمكن للانطوائيين من خلالها تحفيز إفراز الأسيتيل كولين في أدمغتهم في الفعاليات الاجتماعية، هي محادثات هادفة مع شخص واحد أو شخصين فقط؛ إذ تحثهم المناقشات العميقة والحميمة مع الناس على التركيز على أفكارهم والتوصل إلى ردود ذكية.
ملاحظة:
الأسيتيل كولين ينشط الجهاز العصبي السمبتاوي، ما يؤدي إلى دخول الجسم في حالة من الهدوء وحفظ الطاقة في المواقف العصيبة، هذا يفسر ميل الانطوائيين للتعامل مع النزاعات بهدوء أكثر.
الاختلافات الجسدية
هذه الاختلافات تفسر سبب تفضيل الانطوائيين للأنشطة الداخلية والتركيز على الذات مقارنةً بالاجتماعيين الذين يستمتعون بالتفاعل الاجتماعي والحوافز الخارجية. فالناقلات العصبية ليست وحدها التي تفسِّر الاختلافات بين الانطوائيين والاجتماعيين؛ إذ اكتشف العلماء اختلافات في بنية الدماغ، قد تكون مسؤولة عن بعض الصفات الرئيسة للانطوائيين.
استجابة الدماغ للمحفزات:
- الاجتماعيون: أظهروا استجابات أقوى بكثير لصور الوجه مقارنة بصور الزهور.
- الانطوائيون: كانت استجابتهم متماثلة القوة لكل من الزهور والوجوه البشرية، مما يشير إلى أن الوجوه البشرية ليست مثيرة للاهتمام بشكل خاص لهم مقارنة بالاجتماعيين
كمية المادة الرمادية في الدماغ:
- الاجتماعيون: لم يلاحظ تغير كبير في كمية المادة الرمادية في قشرة الفص الجبهي.
- الانطوائيون: لديهم كمية أكبر من المادة الرمادية في قشرة الفص الجبهي المسؤول عن اتخاذ القرار، مما يفسر تفكيرهم العميق واتخاذ القرارات بتروٍ.
شاهد بالفديو: 8 أمور يقوم بها الأشخاص الاجتماعيون على نحو مختلف
صفات الشخص الانطوائي
بعد أن فهمت الانطوائية، إليك بعض الخصائص الأساسية التي يجب البحث عنها، لتحديد ما إذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه انطوائياً:
1. الاستمتاع بالعمل الفردي
لأنَّ الوجود حول الناس يستنزف طاقة الانطوائيين، فلا عجب أنَّ الانطوائيين في مكان العمل يستمتعون بالعمل وحدهم. فالعمل وحدهم ليس مجرد تفضيل بل ضرورة ليكونوا منتجين. ففي مقابلة مع "جينيفر كانوايلر" (Jennifer Kahnweiler) مؤلِّفة ثلاثة كتب عن الانطوائيين، قالت: من أعظم نقاط قوة الانطوائيين في العمل هي قدرتهم على قضاء وقت هادئ. وحول هذا الموضوع إليك نقاط رئيسية:
الإبداع والتفكير بتمعن:
- التفكير بتمعن سهل بالنسبة لهم لأنهم يقضون وقتًا طويلًا في التفكير.
- تفضيلهم للعمل وحدهم يساعدهم على الوصول إلى حلول إبداعية وإنتاج عالي الجودة.
آراء "جينيفر كانوايلر":
- تؤكد أن القدرة على الإبداع تحدث عندما نقضي وقتًا في التفكير بتمعن.
كتب "ستيف وزنياك" (Steve Wozniak) المؤسِّس المشارك لشركة "آبل" (Apple) في سيرته الذاتية "آيووز" (iWoz): "معظم المخترعين والمهندسين والقادة الذين قابلتهم يشبهونني؛ خجولون ويعيشون في عوالمهم الداخلية، ويعملون عملاً أفضل عندما يكونون وحدهم".
أهمية الهدوء للشخص الانطوائي:
- الانطوائيون يقدمون أفضل النتائج في بيئات هادئة وخالية من التحفيز المُشتت.
- يشحنون طاقتهم عند الجلوس وحدهم وينسحبون إلى عالمهم الداخلي.
تؤكد "كانفايلر" أنَّك إذا كنت تفكِّر في الأشخاص على أنَّهم بطاريات، فإنَّ الانطوائيين يشحنون طاقتهم عند جلوسهم وحدهم، وينسحبون إلى عالمهم الداخلي في جوٍّ من الهدوء؛ أي يفضِّل الانطوائيون قضاء الوقت وحدهم في العمل؛ لأنَّ ذلك ينشطهم.
النجاح في بيئات المجموعات:
- لا يعني تفضيلهم العمل وحدهم أنهم لا ينجحون في بيئات المجموعات.
- يميلون إلى التفكير بعناية في أفكارهم قبل مشاركتها، مما يمكن أن يكون أعظم نقاط قوتهم..
تقول "كانفايلر": "سيكون لك تأثير أكبر عندما تكون هادئاً وتطرح وجهات نظرك بطريقة مختلفة"، وقد تظنُّ أنَّ مفتاح التحدث بفاعلية هو التحضير، فإذا أعدَّ الانطوائيون أجزاءً ممَّا يتعيَّن عليهم قوله مسبقاً، فسيشعرون بأنَّهم جاهزون عندما يحين وقت التحدث، وسيثيرون إعجاب الآخرين بأفكارهم.
2. التركيز على الأفكار
هل تساءلت يوماً لماذا يواجه الانطوائيون صعوبة في الدردشات، لكن ليس لديهم مشكلة في خوض نقاش عن القضايا العميقة أو المثيرة للجدل؟ أو لماذا يفضِّلون الانخراط في نشاطات فردية، بدلاً من النشاطات الاجتماعية؟ إليك الأسباب:
الاهتمام بالأفكار:
- الانطوائيون يهتمون بالأفكار أكثر من الأشخاص.
- يستجيبون للوجوه البشرية مثلما يستجيبون للزهور أو الأشياء الأخرى.
موضوع المحادثة:
- يحدد الانطوائيون موضوع المحادثة وفقاً لمدى إثارتها للاهتمام.
- الدردشات السطحية لا تثير اهتمامهم.
- يبحثون عن المحادثات العميقة، مما يساعدهم على بناء روابط أعمق.
إيلون ماسك كمثال:
- رائد الأعمال "إيلون ماسك" (Elon Musk) هو مثال عن الانطوائي الذي يستثمر دائماً في الأفكار العميقة؛
- يدير شركات ثورية ويركز على أحلامه الأيديولوجية بدلاً من المكافآت الخارجية.
الحياة الاعتيادية:
- الانطوائي قد يكون الطالب الهادئ الذي يتنشط في فصله المفضَّل.
- قد يكون الصديق الذي يعاني في الدردشات السطحية ولكنه متحدث رائع في موضوعات أعمق.
بالمجمل، يستطيع الاجتماعيون أن يلتزموا بأهدافهم الأيديولوجية مثل أي انطوائي، لكنَّ تفضيلاتهم تختلف، فإذا أخبرت شخصاً انطوائياً، وشخصاً منفتحاً أنَّ عليهما الدردشة مع الناس أو التفكير، فيمكنك تخمين مَن سيتطوع لكل مهمة.
3. تفضيل امتلاك أصدقاء مقربين وليس الكثير من الأصدقاء
متى كانت آخر مرة ذهبت فيها إلى حفلة؟ الأسبوع الماضي؟ الشهر الماضي؟ منذ وقت أطول؟ ربما تعتمد إجابتك على ما إذا كنت انطوائياً أم لا؛ فبالنسبة إلى أن الانطوائيين يفضِّلون العزلة. فقد يتعب الانطوائيون من التفاعلات الاجتماعية، وينهكون أنفسهم إذا كانت حياتهم تدور عن الناس، ولكنَّهم يُقدِّرون العلاقات، ولا يريدون أن يكونوا وحدهم طوال الوقت؛ ولهذا، يستثمر معظمهم طاقتهم الثمينة في علاقاتهم مع الأصدقاء المقربين والعائلة.
مثلما يُقدِّر الانطوائيون الوقت الذي يقضونه في عالمهم الداخلي، يستمتعون أيضاً بالتواصل مع الناس على نحو هادف؛ أي يفضِّل الانطوائيون استثمار وقتهم في بناء علاقات وثيقة وتقويتها، للتواصل الاجتماعي بطرائق تتناسب مع قوَّتهم الطبيعية المتمثلة في الإصغاء والتفكير العميق دون ضغوطات الدردشة مع مجموعة كبيرة من الناس، فهم يستمتعون في بعض الأحيان بالتفاعلات في المجموعات الكبيرة، ولكنَّهم عموماً يفضِّلون المجموعات الصغيرة.
المُتَّزنين: مزيج من الشخصية الانطوائية والاجتماعية
تحدَّثنا حتى الآن عن الانطوائيين والاجتماعيين على أنَّهما نقيضان، إذا لم تكن أحدهما، فأنت الآخر، لكن ربما تفكِّر أنَّك لا تناسب أيَّاً منهما تماماً، وحتى "كارل يونج"، مبتكر نظرية الانطواء والانبساط، يعتقد أنَّه لا يوجد شخص انطوائي تماماً أو اجتماعي تماماً.
فإذا كانت شخصيتك مزيجاً من الاثنين، فربما تكون ما يُعرَف اليوم باسم "المُتَّزن" (Ambivert)، وهو الشخص الذي يتمتع بصفات من نمطي الشخصية؛ إذ يشعر بطريقة ما في يوم من الأيام، وبطريقة أخرى في اليوم التالي؛ على سبيل المثال، قد تحب حضور الحفلات والتواصل الاجتماعي حضوراً منتظماً، وهي من صفات الاجتماعيين، ولكنَّك تفضِّل أيضاً العمل وحدك في بيئة هادئة، وهي من صفات الانطوائيين.
هل الاتزان اختيار أم طبيعة؟
قد يكون من المريح أن تُطلِق على نفسك اسم مُتَّزن، لكنَّ في ذلك إفراطاً في التسهيل وَفقاً لموقع "16بيرسوناليتيز" (16Personalities) الشهير، مع أنَّ من الصحيح أنَّه لا يوجد شخص اجتماعي تماماً أو انطوائي تماماً، لكنَّ معظم الناس يميلون إلى التصرف وَفق نمط أو آخر في معظم المواقف، ومن الهام إدراك ذلك.
يوجد أمرٌ محيِّرٌ آخر، هو أنَّ معظم الناس، وخاصة الانطوائيين، يتعلَّمون التصرُّف بطريقة لا تتَّفق مع شخصيتهم لتحقيق أهدافهم، فمع أنَّهم يفضِّلون العزلة، فإنَّ الانطوئيين شغوفون تجاه أهدافهم، وتحقيق هذه الأهداف قد يتطلَّب الحصول على مساعدة أشخاص آخرين، وهذا يدفعهم إلى تنمية عادات تصف الاجتماعيين عادة، مثل العمل في مجموعات والذهاب إلى الفعاليات إذا كان ذلك مطلوباً لتحقيق النجاح.
قال المخرج الشهير "ستيفن سبيلبرغ" (Steven Spielberg) ذات مرة: "أبذل جهداً إضافياً لإقناع الناس بأنَّني لست خجولاً"، فعلى الرغم من كونه انطوائياً، تعلَّم "سبيلبرغ" تنمية صفات اجتماعية، كي يتمكَّن من متابعة أحلامه السينمائية، فالتصرف بصفته اجتماعياً في العمل لا يجعل "سبيلبرغ" أقل انطوائية، أو يغيِّر شخصيته الأساسية، لكنَّ النتيجة تستحق المقايضة.
اختبارات أنماط الشخصية الانطوائية
توجد عشرات من اختبارات الشخصية لمساعدتك على تحديد نمط شخصيتك، لكنَّ الاختبارات الثلاثة الآتية هي من أفضلها للإجابة عن السؤال، "هل أنا انطوائي؟":
- إذا كنت تريد أن تعرف بسرعة ما إذا كنت انطوائياً أم لا، فسيخبرك بذلك اختبار "كويت رفلوشن" (Quiet Revolution) المكوَّن من عشرة أسئلة.
- إذا كنت تصدق "نظرية الطيف" (spectrum theory) فإنَّ اختبار "لونروولف" (LonerWolf) سيخبرك بمستواك.
- إذا كنت مهتماً في اكتشاف الذات، يقدِّم موقع "16بيرسوناليتيز" (16Personalities) اختباراً شاملاً للشخصية، يجمع بين أنواع الشخصية من "اختبار مايرز بريجز" (Myers-Briggs test) وبعض نظريات الشخصية الأكثر حداثة.
في الختام
نأمل أن يكون هذا المقال قد أضاء لك جوانب جديدة ومثيرة للاهتمام حول عالم الانطوائيين، حيث أن فهم السمات المعقدة والرائعة للشخص الانطوائي يساعدنا جميعًا على تقدير التنوع البشري والتفاعل بوعي أكثر مع من حولنا.
سواءً كنت انطوائيًا أو تعرف شخصًا انطوائيًا، فإنَّ هذه المعرفة يمكن أن تعزز من جودة العلاقات والتواصل الاجتماعي. اكتشاف هذه الأعماق في الشخصية يساعد في بناء جسور من الفهم والتفاهم، مما يجعل حياتنا اليومية أكثر إثراءً وعمقًا.
أضف تعليقاً