في مرحلةٍ ما، قرَّرَتْ تجربة الأمر مرةً أخرى، وتمكَّنت من ترتيب سريرها أربعة أيامٍ متتالية، وهو عملٌ قد يبدو تافهاً؛ ومع ذلك، في صباح ذلك اليوم الرابع، وعندما أنهت إعداد السرير، التقطت جورباً من الأرض ووضعته مكانه وطوت بعض الملابس الملقاة في غرفة النوم. بعد ذلك، وجدت نفسها في المطبخ، وسحبت الأطباق المتسخة من الحوض ووضعتها في غسَّالة الصحون، ثمَّ أعادت تنظيم الصحون في الخزانة ووضعت تحفةً للزينة وسط المنضدة.
أوضحت السَّيدة لاحقاً: "إنَّ ترتيبي السرير أدَّى إلى سلسلةٍ من المهام المنزليَّة الصَّغيرة المتتابعة. شعرت وكأنَّني شخصٌ بالغٌ وسعيد، فالسَّرير مرتَّب، والمغسلة نظيفة، والخزانة مرتَّبة. شعرت وكأنني امرأةٌ سحبت نفسها بأعجوبةٍ من مثلث برمودا الممتصِّ للطَّاقة في خضم فوضى منزلية".
لقد اختبرت جنيفير ما يدعى "تأثير الدومينو - Domino Effect".
ما هو تأثير الدومينو؟
يحدث تأثير الدومينو عند إجراء تغيير على سلوكٍ واحد، لتنشط سلسلةٌ من السُّلوكات وتسبِّب تحوُّلاً في السلوكات ذات الصلة.
على سبيل المثال: وجدت دراسةٌ أُجرِيت عام 2012 من قبل باحثين في جامعة "نورث وسترن" أنَّه عندما يقلِّل الأشخاص من وقت فراغهم كلَّ يوم، فإنَّهم يقلِّلون أيضاً من استهلاكهم اليومي من الدهون. لم يُطلَب من المشاركين أبداً تناول كمياتٍ أقل من الدهون، ولكنَّ عاداتهم الغذائية تحسَّنت كأثرٍ جانبيٍّ طبيعي؛ لأنَّهم قضوا وقتاً أقلَّ على الأريكة يشاهدون التلفزيون ويأكلون بشراهة. أدَّت عادةٌ ما إلى عادةٍ أخرى، تماماً مثلما طرقَ واحدٌ من أحجار الدومينو الحجر الذي يليه، وهكذا.
قد تلاحظ أنماطاً مماثلةً في حياتك الخاصَّة. فمثلاً: إذا التزمت بالذَّهاب إلى صالة الألعاب الرياضيَّة، فإنَّك بطبيعة الحال ستجد نفسك أكثر تركيزاً في العمل، وقادراً على النوم بعمقٍ في الليل؛ على الرغم من أنَّك لم تخطط أبداً لتحسين أيٍّ من السلوكين السَّابقين.
يحصل تأثير الدومينو في حالة العادات السلبية أيضاً؛ فقد تجد أنَّ عادة تفقُّد هاتفك تؤدِّي إلى فتح إشعارات وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تؤدِّي بدورها إلى عادة تصفح الوسائط الاجتماعية دون انتباه؛ ما يؤدِّي إلى ضياع ما يقارب 20 دقيقةً أخرى من وقت العمل. وعلى حدِّ قول "ب ج فوغ" (BJ Fogg) الأستاذ في جامعة ستانفورد: "لا يمكنك أبداً تغيير سلوكٍ واحدٍ فقط، فسلوكاتنا مترابطة؛ لذلك عندما تغيِّر سلوكاً واحداً، تتغيَّر حتماً عاداتٌ أخرى".
تفسير تأثير الدومينو:
أفضل ما يمكن قوله هنا هو أنَّ تأثير الدومينو يحدث لسببين:
- ترتبط العديد من العادات والروتين في حياتنا اليومية ببعضها، حيث أنَّ هناك ترابطٌ مذهل بين أنظمة الحياة والسُّلوك البشري. يعدُّ الارتباط القوي للأشياء سبباً أساسياً يجعل الاختيارات في مجالٍ من مجالات الحياة تؤدِّي إلى نتائج مفاجئةٍ في مجالاتٍ أخرى، بغض النَّظر عن الخطط التي تضعها.
- يتماشى تأثير الدومينو مع أحد المبادئ الأساسية للسلوك البشري: الالتزام والانتظام. شُرِحت هذه الظَّاهرة في الكتاب الكلاسيكي عن السُّلوك البشري تحت عنوان "تأثير روبرت سيالديني". الفكرة الأساسيَّة هي أنَّه إذا التزم الناس بفكرةٍ أو هدف، ولو بنسبةٍ صغيرة، فمن المرجَّح أن يحترموا هذا الالتزام؛ لأنَّهم يرون الآن أنَّ الفكرة أو الهدف يعبِّر عن صورتهم الذاتيَّة.
بالعودة إلى القصَّة في بداية المقال، بمجرد أن بدأت جينيفر بترتيب فراشها كلَّ يومٍ كانت تلتزم بفكرةٍ مفادها: "أنا من النَّوع الذي يحافظ على منزلٍ نظيفٍ ومنظَّم"، وبعد بضع أيَّامٍ بدأت تلتزم بهذه الصُّورة الذاتيِّة الجديدة في مناطق أخرى من منزلها. هذه نتيجةٌ ثانويةٌ مثيرة للاهتمام لتأثير الدومينو، حيث أنَّه لا يخلق سلسلةً من السلوكات الجديدة فحسب، بل غالباً ما يُحدِث تحوُّلاً في المعتقدات الشخصيَّة أيضاً.
مع سقوط كلِّ حجر دومينو جديد، تبدأ بتصديق أشياء جديدةٍ عنك، وبناء عاداتٍ قائمةٍ على الشخصيَّة.
قواعد تأثير الدومينو:
إنَّ تأثير الدومينو ليس مجرَّد ظاهرةٍ تتعرَّض إليها، بل إنَّه شيئٌ يمكنك خلقه. فبإرادتك تثير ردَّ فعلٍ متسلسلٍ للعادات الجيدة من خلال بناء سلوكاتٍ جديدةٍ تؤدِّي بطبيعة الحال إلى السُّلوك الناجح التالي.
هناك ثلاثة وسائل لتطبيق هذا الأمر في الحياة الواقعية:
- ابدأ بالشيء الأكثر حماساً للقيام به. ابدأ بسلوكٍ صغير، وقم بذلك باستمرار. لن يشعرك هذا بالرضا فحسب، بل سيجعلك ترى أيضاً أيَّ نوعٍ من الأشخاص يمكنك أن تصبح. لا يهمُّ أيُّ حجر دومينو يسقط أولاً، طالما أنَّه سيُسقِط بقية الأحجار في النَّهاية.
- حافظ على استمراريتك، وانتقل فوراً إلى المهمَّة التالية التي تحفِّزك على الانتهاء منها؛ ودع حماس الانتهاء من مهمَّةٍ واحدةٍ ينقلك مباشرةً إلى العمل التَّالي. ومع كلِّ تكرار، ستصبح أكثر التزاماً بصورتك الذاتيَّة الجديدة.
- عندما يراودك الشَّك، قم بتقسيم العمل إلى مهمَّاتٍ أصغر، وركِّز على إبقائها صغيرةً وتحت السيطرة. إنَّ تأثير الدومينو يتعلَّق بالتَّقدُّم وليس بالنتائج. ببساطةٍ حافظ على الاستمرار، ودع العمليَّة تتكرَّر؛ لأنَّ حجر الدومينو يدفع تلقائياً الحجر التَّالي.
عندما تفشل إحدى العادات في إيصالك إلى السُّلوك التَّالي، فغالباً ما يكون ذلك بسبب عدم التزامك بهذه القواعد الثلاث.
هناك العديد من الطَّرائق للحصول على تأثير قطع الدومينو، وعليك أن تركِّز على السُّلوك الذي تتحمَّس له، ودعه يتسلسل طوال حياتك.
أضف تعليقاً