ما هي الأنا أو (Ego)؟
تشير الأنا إلى إحساس الفرد بذاته، فقد كان "سيغموند فرويد" عالم النفس التحليلي يعتقد أنَّ البشر يتفاعلون مع العالم من حولهم من خلال هياكل سمَّاها الهوية، والأنا، والأنا العليا؛ إذ تشير الهوية إلى العناصر اللاواعية والبرية للذات، بينما الأنا العليا هي إحساس الشخص بالضمير نتيجة لتعامله مع العالم الخارجي.
الأنا هي الوسيط بين القطبين المتناقضين للهوية والأنا العليا، وتمنح الفرد إحساسه الفطري بالذات، وفي علم الأعصاب، قد تسمع الناس يشيرون إلى نفس الفكرة باسم شبكة الوضع الافتراضي في الدماغ.
ما هو موت الأنا (Ego Death)؟
موت الأنا هو تجربة تفقد فيها إحساسك بالذات من خلال تنمية وعي عميق، ومع تعمُّقك في حالة التأمل أو الحالة النفسية، قد تشعر بأنَّك تصبح واحداً مع كل شيء من حولك، وبينما يصف بعضهم هذه التجربة بمواجهة ذاتهم الحقيقية، يعتقد آخرون أنَّها تشير إلى عدم وجود الذات بالطريقة التقليدية التي يصف بها الأشخاص ذاتهم.
تعود فكرة موت الأنا إلى رحلات الباحثين الروحيين في البوذية، والصوفية، والمسيحية، والتاوية، وديانات أخرى، وقد جاءت العبارة نفسها من كتاب "الخبرة النفسية"؛ وهو كُتيِّب مبني على كتاب "الأموات التبتي" للرحالة وعالم النفس "تيموثي ليري" الذي كان من رواد استخدام الأدوية النفسية في الستينيات.
ما هي أسباب موت الأنا؟
لفقدان الإحساس بالذات، يتخذ الناس إجراءات قد يجدها الآخرون متطرفة أو حتى خطيرة، وفيما يأتي بعض الأسباب الرئيسة لموت الأنا:
1. تجارب الاقتراب من الموت:
غالباً ما يترافق الاقتراب من الموت الجسدي مع تجربة لموت الأنا، وبعد تعرض شخص ما لصدمة مؤلمة كهذه، قد يدعي أنَّه شعر بإحساس عميق بالوحدة والسلام مع الكون، ويعتقد عالم النفس "ستانيسلاف جروف" أنَّ موت الأنا يُعَدُّ إعادة عيش لتجربة الولادة أو معاينة للموت الفعلي.
2. الأدوية النفسية:
تستطيع المخدرات مثل "الأياهواسكا"، و"دي إم تي"، و"إل إس دي"، و"الكيتامين"، و"السيلوسايبين" أو الفطر المهلوس، وغيرها من المخدرات النفسية، أن تثير كلها موت الأنا إذا تناولها الشخص بجرعة عالية، ويأتي ذلك دائماً مع خطر تحفيز آثار جانبية سلبية كبيرة.
شاهد بالفيديو: العلاج بالفن مستقبل واعد لمواجهة الأمراض النفسية
الاضطراب النفسي الدائم والجنون هي مخاطر قد يتحملها المستخدمون عند تعاطي هذه المواد، ومع ذلك، تشير أبحاث واعدة إلى أنَّ تجارب مراقبة هذه المخدرات بجرعات محدودة قد يكون لها تأثير إيجابي في علاج الاكتئاب والقلق وأمراض الصحة العقلية الأخرى.
3. الممارسة الروحية:
في البوذية، يُعرَف موت الأنا بـ "ساتوري"، وفي الإسلام الصوفي، يُسمى فَنَاء، وفي المسيحية الصوفية، يأتي بعد الليلة المظلمة للروح ويُعرَف بالوحدة مع الله، وبصرف النظر عن التقليد، يترادف موت الأنا مع الصحوة الروحية.
من خلال شهور من الصلاة والتأمل والممارسة الروحية، سعى روحانيون من مختلف التقاليد الدينية - ويزعمون أنَّهم حققوا - إلى موت الأنا من خلال الجهد الشخصي دون استخدام أدوية نفسية.
كيف يعمل موت الأنا؟
لتجربة موت الأنا للمرة الأولى، يتجه بعض الأشخاص إلى استخدام المخدرات النفسية، فقد يحقق الناس أيضاً التحول الروحي من خلال الممارسة الروحية، وفي كلتا الحالتين، يعمل موت الأنا عن طريق تشويش جوانب شبكة وضع الدماغ الافتراضي من خلال تجارب مكثفة؛ إذ تشير بعض الدراسات إلى أنَّ المواد الكيميائية مثل "الغلوتامات" و"دي ميثيل تريبتامين" (دي إم تي) تؤثر أيضاً في هذه العملية.
مراحل موت الأنا:
ستكون كل تجربة تسمى موت الأنا مختلفة، لكن توجد بعض الجوانب المشترَكة التي تستحق الاهتمام، وفيما يأتي أكثر المراحل شيوعاً لتجربة موت الأنا:
1. الانحلال:
قبل موت الأنا نفسه، يدخل الشخص إلى حالة وعي مختلفة، سواء من خلال التأمل المستدام أم استخدام المخدرات النفسية، ونظراً لأنَّ عدداً من هذه المواد تعمل بوصفها مهلوسات، قد ترى رموزاً هندسية مقدسة وصوراً خيالية لا يراها الآخرون خلال هذه المرحلة، ويكون انحلال الأنا صادماً بحد ذاته؛ إذ تشعر في هذا الوقت بفقدان تحكُّمك في الواقع التقليدي.
2. فقدان الأنا:
بمجرد انتهاء عملية الانحلال، يشعر الشخص بفقدان تام للهوية الشخصية، وبالنسبة إلى هذه المسألة، لن يوجد وجود ذاتي قادر على الشعور بها بالمعنى التقليدي، وبدلاً من ذلك، سيوجد شعور بالوحدة مع الواقع الواسع، وقد يشعر الشخص بهذا بوصفها تجربة صوفية للنيرفانا أو التنوير، وعلى النقيض، قد يكون ذلك مزعجاً لمن ليسوا مستعدين له.
3. العودة إلى الحياة اليومية:
بعد هذه التجربة، يعود الشخص إلى واقعه الروتيني كما يعرفه، على الرغم من أنَّه قد يُنظَر إليه الآن بنظرة جديدة، ويبقى فقدان الأنا أو موت الأنا مع الشخص لفترة طويلة جداً.
قد يكون لذلك آثار إيجابية أو سلبية، وذلك حسب الشخص، فدائماً ما يكون الاختيار الأمثل هو العلاج بالمواد النفسية لتجربة المراقبة أو الممارسة الروحية المستمرة بدلاً من تجربة المهلوسات القوية من تلقاء النفس.
ما الذي يحفز موت الأنا؟
على الرغم من أنَّه غالباً ما يرتبط موت الأنا بتعاطي المخدرات النفسية، لكن قد تسبب أمور أخرى موت الأنا؛ فقد يكون موت الأنا ناتجاً عن استخدام المخدرات النفسية أو دخول حالة تأمل عميقة، وقد تم ربط التجارب المغيرة للحياة، مثل تجارب الاقتراب من الموت وعمليات الولادة أيضاً بتجارب تشبه موت الأنا.
يعتقد الأشخاص الروحانيون أنَّه قد يكون موت الأنا ناتجاً عن العقل وحده عند دخوله إلى حالة تأمل عميقة، أما بالنسبة إلى البوذيين، توصف هذه الظاهرة بالتنوير، وبالنسبة إلى المسلمين الصوفيين، تسمى "الفَناء" الذي يُعرَف بـ "زوال الذات"، وبالنسبة إلى الصوفيين، يُحقَّق الفناء من خلال التفكير المستمر في صفات الله.
في جوهره، يُعَدُّ موت الأنا هلاك إحساسك بالذات كما تعرفه؛ إذ يؤدي موت الأنا إلى تقليل كبير في الوعي الذاتي، وهذا يشكل اضطراباً في كيفية رؤيتك لنفسك في العالم، وفي بعض الأحيان يشجع على الشعور بالتوحد مع الآخرين والعالم عموماً.
الفوائد الإيجابية لموت الأنا:
محاولة تحقيق موت الأنا غالباً ما تعني التورط في استخدام المخدرات النفسية للترفيه، وهو أمر يثير استياء عدد من مقدمي الرعاية الصحية، ومع ذلك توجد أبحاث واعدة عن فوائد استخدام المخدرات النفسية التي تؤدي إلى موت الأنا على الصحة العقلية والعافية.
1. تحسين الصحة العقلية:
في دراسة نُشِرت سابقاً عن استخدام المخدرات النفسية ودور موت الأنا والتواصل في الصحة العقلية، وجد الباحثون آثار علاجية محتملة، ومن ذلك تحسين الصحة النفسية، ويتعلق هذا خاصة بحالات صحية عقلية عدة، ومن ذلك الاكتئاب والقلق واضطراب تعاطي المواد، كما أظهرت الأبحاث أيضاً أنَّ الانعزال والتركيز المفرط على الذات - وهما على طرفي مقياس موت الأنا والتواصل - قد يكونان مرتبطين بالمعاناة العقلية.
2. شبكة الوضع الافتراضي في الدماغ (DMN):
تُظهِر الأبحاث رابطاً بين الأنا والهوية الشخصية مع شبكة الوضع الافتراضي الخاصة بك (DMN)، ويُعتقَد أنَّ الـ (DMN) مسؤولة عن عدد من الأشياء، ومن ذلك الأنا، والعاطفة، والأخلاق، والتعاطف؛ إذ إنَّ كيفية رؤيتك لنفسك وكم تقدِّر قيمة ذاتك وهويتك تتلاحم في تشكيل الأنا.
يرى بعض الأشخاص الأنا بوصفها عدسة يرون من خلالها العالم؛ إذ يقول أولئك الذين يؤيدون فوائد موت الأنا إنَّ هذه العدسة غالباً ما تكون معتمة؛ لذا يعتقدون بدورهم أنَّ موت الأنا يخدم لإزالة هذه العتامة؛ إذ يتم تثبيط نشاط الـ (DMN) عند حدوث موت الأنا بفعل استخدام المخدرات النفسية، ويُعتَقَد أنَّه قد يشجع على موتها.
المشكلات المحتملة لموت الأنا:
بينما قد يكون موت الأنا تجربة محتملة للسعادة، يمكن أيضاً أن يكون تجربة مرعبة؛ إذ يتفاعل الأفراد بطرائق فريدة مع المخدرات النفسية، وتدخل عوامل مثل تاريخ استخدام المخدرات، والجنس، والعمر، وعوامل بيئية أخرى جميعها في تحديد تجربتك مع المخدرات النفسية.
من الممكن أن تحدث ردود فعل سلبية نتيجة لاستخدام المخدرات النفسية، على سبيل المثال، قد تواجه الأمور الآتية "الغثيان، ومشكلات النوم، وجفاف الفم، والتعرق، والهلع، والوسواس، وجنون الارتياب".
الآثار طويلة الأمد لتجربة موت الأنا من تعاطي المخدرات النفسية غير معروفة، ويمكن أن تكشف البيانات يوماً ما عن آثار جانبية غير متوقعة، ونظراً لأنَّ العلم المادي الحديث يَعُدُّ تصوراتنا مجرد ظواهر حيوية، فإنَّه يفتقر إلى القدرة على أخذ التأثيرات الدينية أو الروحية "غير العلمية" في الحسبان، لكن قد تكون ذات أهمية، وقد تحدث مع موت الأنا نتيجة لتعاطي المخدرات النفسية.
في الختام:
موت الأنا هو بالتأكيد تجربة ديناميكية، ومع ذلك إن كانت هذه التجربة جيدة أم ضارة بالنسبة إليك، فقد كانت موضوعاً للمناقشة الطويلة بين خبراء المخدرات النفسية وعشاقها، ومن الهام أن نلاحظ أنَّ الاستخدام الترفيهي لمواد مثل المخدرات النفسية قد يترافق مع عدد من الآثار الجانبية غير المريحة التي قد تكون خطيرة حتى.
أضف تعليقاً