يمكننا أن نتذكر الأوقات التي أصبحنا فيها ضحية لفكرة "انتظار بدء الحياة"، فقد كان من السهل بطريقة ما أن نتخيل الأمور التي أردنا القيام بها في حياتنا بدلاً من اتخاذ قرار للبدء فيها، وكانت تمنحنا شيئاً لنتطلع إليه؛ شيئاً للحديث عنه حين يسألنا الناس عن خططنا المستقبلية أو عن المشاريع الجديدة التي أردنا أن نبدأ بها.
لا نشك في المنطق وراء تأجيل بعض الأمور وتركها تحت سيطرة المستقبل المجهول، فالناس من حولنا يؤجلون بدء حياتهم طوال الوقت؛ لذا ليس غريباً بالنسبة إلينا فعل ذات الشيء.
تؤثر "متلازمة انتظار بدء الحياة" في كثير منا بشكل لا ندركه؛ إذ نعتقد أنَّ لدينا الوقت، وكل الوقت في العالم للجلوس في انتظار مستقبل مثالي قد لا يأتي أبداً، فهل تعتقد أنَّك ستموت؟ لا، ومعظمنا سيجيب نفس الإجابة؛ وذلك لأنَّ معظم الناس يعتقدون أنَّ الآخرين من يموتون فحسب.
قد يظهر الموت بوصفه مفهوماً مجرداً حتى يصل إلينا، فنرى الناس يفقدون حياتهم كل يوم في الأخبار، وأصبحنا مستحدَثين؛ إذ نجرِّد أنفسنا من القدرة على التعاطف مع المصير المماثل الذي قد نواجهه.
قد يمنحنا الاعتراف بأنَّه في يوم من الأيام سنترك منزلنا نظرة أولية وضرورية، فإذا كان من المؤكد أنَّ الحياة ستنتهي في يوم غامض، فلماذا لدينا الجرأة لتضيع حتى دقيقة واحدة؟
"سأنتظر القيام بذلك بعد..." يجب أن يتم محوها من مفرداتنا، فإنَّ التخلي عن هذه العبارة تماماً يُعَدُّ شيئاً ضرورياً؛ وذلك لأنَّه يمنحك القوة لتقرر العيش الآن - ليس غداً أو العام المقبل، لكن الآن - فاليوم هو كل ما لدينا؛ لذا حقق الاستفادة القصوى منه.
ما هي متلازمة انتظار بدء الحياة؟
تشير متلازمة انتظار بدء الحياة - التي تُعرَف أيضاً بمتلازمة تأجيل الحياة - إلى السلوك النفسي الذي يجعل الفرد يؤجل الاستمتاع بالحياة واتخاذ الخطوات الضرورية لتحقيق أهدافه وتحقيق سعادته، وينطوي هذا السلوك على تأجيل القرارات والأفعال الإيجابية بانتظار ظروف أو لحظات أفضل في المستقبل.
قد يعيش الفرد المتأثر بهذه المتلازمة في حالة من التأجيل المستمر، فينظر إلى الحياة بوصفها إطاراً زمنياً مستقبلياً يحمل فيه الفرص الأفضل، وقد يكون هذا التأجيل في جوانب متعددة من الحياة، سواء كان ذلك في المجال المهني، أم العلاقات الشخصية، أم تحقيق الهدف الشخصي.
قد تكون أسباب هذه المتلازمة متنوعة، من بينها الخوف من الفشل، والتوقعات غير الواقعية، وقلة الثقة بالنفس؛ إذ تتسبب هذه العوامل في تأخير اتخاذ الخطوات الضرورية لتحسين الحياة اليومية وتحقيق السعادة.
للتغلب على متلازمة انتظار بدء الحياة، يُشجَّع الأفراد على تحديد أهدافهم واتخاذ الإجراءات الضرورية في الوقت الحالي بدلاً من التأجيل، ويمكن أيضاً أن يكون الدعم النفسي والتفكير الإيجابي وسائل فعالة في التغلب على هذه المتلازمة.
لماذا يبدأ الإنسان بالعيش في المستقبل دون أن يلاحظ ما يحدث له في الحاضر؟
غالباً ما يُشار إلى متلازمة انتظار بدء الحياة بوصفها موقفاً نفسياً يعتقد فيه الشخص أنَّ كل ما هو أفضل سيحدث في المستقبل، واليوم يمكننا فقط أن نحلم ونستلهم من تخيلاتنا وخططنا الشخصية.
ظهرت العبارة نفسها في عام 1997، واليوم تكتسب شعبية أكبر.
تظهر هذه التوجهات في أمور يومية صغيرة:
- يشتري الشخص ملابسَ، ولكنَّه لا يرتديها محتفظاً بها "حتى تحين أوقات أفضل".
- يمتنع الشخص عن اللذائذ البسيطة بشكل متعمَّد؛ وذلك لأنَّه لا يرى أي معنى عملي فيها.
- يعيش الشخص في توقُّع دائم لحياة أفضل؛ عندما يمكنه أخذ استراحة من العمل، ويكرس وقتاً لما يجلب المتعة، ويتخلى عما يستنزف موارده.
تؤثر عوامل عدة في تكوين متلازمة انتظار بدء الحياة، فقد توجد ميول وراثية، والوضع الأسري وسلوك الآباء (خاصة موقفهم تجاه الحياة)، وأساليب التربية، وانخفاض تقدير الذات، ونقص الإيمان بالنفس، فالشخص الذي نشأ في بيئة عاطفية غير مستقرة، يكون أكثر عرضة لهذه المتلازمة.
شاهد بالفيديو: كيف تخطط لمستقبلك بنجاح؟
أسباب متلازمة انتظار بدء الحياة:
عندما يتعلق الأمر بتحمُّل مسؤولية حياتنا بشكل كامل، نلاحظ أنَّ كثيراً من الناس ينتظرون اللحظة المناسبة، فقد توجد مجموعة من الأسباب تجعل الناس ينتظرون بدء حياتهم، ونجد أنَّ هذه الأسباب تشمل:
1. الخوف من الرفض:
قد يكون الخوف من الرفض شيئاً مُشِلَّاً، فقد يحول دون قدرة الأشخاص ورغبتهم في المخاطرة، فالذين يخافون من الرفض قد يخافون من اتخاذ إجراء في اللحظة الحالية خوفاً من الفشل.
2. التمييز:
قد يعني انتظار الوقت "المناسب" للاستمتاع بحياتك أو متابعة أحلامك أنَّك قد لا تشارك فيها على الإطلاق، فإذا كان المتميز يعتقد أنَّ اللحظة الحالية ليست مثالية لتحقيق حلم أو تحقيق هدف، فقد لا يفعل ذلك على الإطلاق، ومع ذلك، قد لا يوجد وقت مناسب لانتظار تلك اللحظة المناسبة الهامة.
3. قلة تقدير الذات:
قد لا يشعر بعضنا بأنَّه يستحق الانتماء إلى الحياة التي نعيشها، أو تلك التي نرغب فيها؛ إذ يرى بعض الأشخاص أنَّه يجب عليهم أن يصلوا إلى مستوى معين للبدء بعيش حياتهم بالطريقة التي يرغبون فيها بالضبط؛ وبمعنى آخر، قد يعتقد بعضنا (بشكل غير صحيح) أنَّه توجد متطلبات للبقاء حاضرين والتمتع بحياتنا.
4. عدم وجود توجيه واضح:
في حين قد لا يشعر بعض الناس بأنَّهم جديرون بالاستمتاع بحياتهم، أو البقاء حاضرين فيها، قد يشعر بعضهم الآخر بأنَّ الحياة غير المخطَّطة هي حياة فوضوية جداً لعيشها، فقد يؤدي ذلك إلى شعور بالارتباك لدى بعضهم "الذين قد لا يكونون واثقين 100% من مسار حياتهم".
إذا كان شخص ما غير متأكد مما يريد حقاً في الحياة، فقد يتأخر في اتخاذ قرار، لذلك قد يشعر بأنَّه يحتاج إلى مزيد من الوضوح وخطة عمل واضحة حتى يتمكن من المضي قدماً.
كيفية التعامل مع متلازمة انتظار بدء الحياة:
الأمر الأهم هو فهم أنَّ هذا التوجه يعوق الحياة حقاً، فإنَّه يحرمك من كل الفرح، ولا يسمح لك بالاستمتاع باللحظة "هنا والآن"، ثم يجب عليك أن تفهم شيئاً بسيطاً، وهو "أفضل وسيلة للتغلب على متلازمة انتظار بدء الحياة هي التحرك"، فليس نوعاً محدداً، ولكنَّ المبدأ نفسه للنشاط والمبادرة، فعندما تتوقف عن انتظار الأوقات الأفضل وتبدأ بالعيش الآن، يضعف هذا التوجه التدميري.
توجد تقنية فعالة وهي إنشاء خطة تتضمن كل الأشياء التي ترغب في القيام بها في المستقبل القريب، فيجب أن يوجد بالتأكيد مكان لـ "النشاطات الممتعة"، وهدفك هو أن تحاول استثمار كامل وقتك بقدر الإمكان، وتسأل نفسك ما هي العواطف والمشاعر التي تنشأ خلال اليوم؟ وبمجرد أن تجد تواصلاً مع نفسك، تبدأ بالعيش.
كيفية التغلب على متلازمة انتظار بدء الحياة:
التأمل: اسأل نفسك هذه الأسئلة
1. ما الذي تخشاه؟
عادةً ما نشعر بأنَّنا لا نستطيع بدء العيش الذي نتصوره عندما يعوقنا الخوف، فالخوف يظهر بأشكال وأحجام مختلفة، وأحياناً يكون تحديده صعباً.
الخطوة الأولى لمواجهة متلازمة "انتظار بدء الحياة" هي الاعتراف بخوفك، فهل هو خوف من المجهول؟ وهل هو خوف من الإحراج إذا لم تنجح الأمور؟ وهل هو خوف من التعرض لنفسك؟ وما الذي منعك حتى الآن من فعل الأشياء التي تريد فعلها وتحقيقها في الحياة؟
مهما كان، كن على علم به، فالوعي يشبه الضوء الذي يساعدنا على رؤية ما يظهر بشكل وحشي في الظلام بوضوح، وبمجرد أن تتمكن من تحديد ما يمنعك بالضبط من متابعة الحياة، يمكنك بدء العمل على مواجهة ذلك الخوف.
2. ما الذي تنتظره بالضبط؟
يعتقد كثيرٌ من الأشخاص أنَّهم بمجرد أن يصلوا إلى هدف معين أو يحصلوا على ممتلكات معينة، سيكونون سعداء فقط في تلك اللحظة؛ إذ تتلاشى هذه الفكرة الباطلة عندما ترى عدداً من الشخصيات الشهيرة تصرِّح عن "الحصول على كل شيء"، ومع ذلك لا تكون سعيدة، وكما قال "جيم كاري" مرة: "أتمنى أن يستطيع الجميع الحصول على الثراء والشهرة وكل ما حلموا به حتى يروا أنَّ هذا ليس حلاً لكل شيء".
يصرُّ "نهات هان" في كتاب "فن العيش" على أن نسأل أنفسنا الأسئلة الآتية إذا شعرنا بالاضطراب في اللحظة الحالية: "ما الذي نتوق إليه؟"، و"ما الذي نبحث عنه؟"، و"ما الذي ننتظره؟"، وبمجرد أن نتأمل ونجيب عن هذه الأسئلة، يجب أن نسأل أنفسنا إن كان تأجيل حياتنا بسببه يستحق.
في الختام:
إنَّ متلازمة انتظار بدء الحياة تعكس واقعاً نفسياً يعاني كثير من الناس منه في حياتهم اليومية، فهذه المتلازمة تحوِّل الأحلام والطموحات إلى مجرد أفكار لا تتحقق؛ إذ يتم تأجيل الحياة إلى غدٍ أفضل قد لا يأتي أبداً.
للتغلب على هذه المتلازمة، يجب على الفرد أن يدرك قيمة اللحظة الحالية وأن يتخذ الخطوات الضرورية نحو تحقيق أهدافه وتحقيق السعادة، فإنَّ تجاوز الخوف من الفشل، وتقبُّل التحديات، وتحديد الأولويات قد تكون خطوات رئيسة نحو تحويل هذا الانتظار إلى حياة نشطة ومليئة بالإنجازات.
لنكن واعين لمدى قيمة اللحظة الحالية، ولنبني حاضرنا بتحقيق الأحلام والتطلعات، فالحياة ليست انتظاراً للحظات عظيمة؛ بل هي فرصة لتشكيلها والاستمتاع بها في كل يوم.
التعليقات
اسلام ميسي
قبل 3 شهركلام أكثر من رائع ومن المهم جداً إدراك هذا الامر في وقت مبكر لتجنب ضياع الوقت في الانتظار دون اتخاذ أي خطوة إيجابية نحو الأمام
أضف تعليقاً