ملاحظة: هذا المقال مأخود عن الكاتب والمدوّن مايكل بيترزاك (Michael Pietrzak) والذي يحدثنا فيه عن طريقة تطوير عقلية النموّ.
لقد كذب المدرب فقط، فهو رفع بالفعل 500.5 باوند. وعلى مدار السَّنوات السَّبع التالية، واصل تحطيم الأرقام القياسية، حيث وصل إلى رفع وزن 564 باوند (256 كغ) قبل الاعتزال. ونظراً لأنَّ النَّاس يصدِّقون ما يرونه، فقد بدأ كثيرون برفع أكثر من 500 باوند بعد فترةٍ وجيزة.
هل تعرف روجر بانستر؟ حتَّى عام 1954، اعتقد الجميع أنَّه كان من المستحيل على الإنسان أن يركض لمسافة ميلٍ في أقلِّ من أربع دقائق، ثمَّ قام روجر بذلك، وسُجِّل هذا كرقمٍ قياسيٍّ لمدة 46 يوماً فقط. وفي السَّنوات الخمسين التالية، فاز أكثر من ألف عدَّاءٍ بمسافة ميلٍ في أربع دقائق. ما الذي تغير إذاً؟ إنَّه فقط الإيمان بما هو ممكن.
الأفكار الأقوى:
هل تستطيع أن تذكر لي أكثر الأفكار قوَّة في التاريخ:
- قد تقول الديمقراطية؟ نعم، هذا جيدٌ جداً، فقد صمدت جيداً لأكثر من 2000 عام.
- أو الفائدة المركبة مثلاً؟ حسناً، إنَّها أقلُّ إثارةً لكنَّها بالتأكيد جيدة.
- ماذا عن: "ماذا تريد أن تصبح؟" فكِّر في هذا السؤال لمدة دقيقة.
عادةً ما يتبنَّى البشر أفكاراً جيدة، وهذا هو السبب في أنَّنا نقوم بتنظيف أسناننا جميعاً. لكن فكرة أنَّ أفكارنا ستصبح حقيقةً واقعةً لدينا شيءٌ نميل إلى نسيانه، حتَّى لو علمنا أنَّه صحيح.
نحن نفضِّل تغيير عالمنا الخارجي، فنغيِّر نظامنا الغذائي، والوظائف التي نشغلها، ونجرِّب حياةً جديدة. في الواقع، إنَّ هذه الأشياء قد تساعدك في التَّحرك نحو حياةٍ أفضل، وإنَّ أنجح النَّاس في التاريخ يعرفون ذلك، حيث أنَّ أفكارك ستخلق واقعك.
حكمةٌ قديمة:
"راقب أفكارك؛ لأنَّها ستصبح كلماتك، وراقب كلماتك؛ لأنَّها ستصبح أفعالك، وراقب أفعالك؛ لأنَّها ستصبح عاداتك، وراقب عاداتك؛ لأنَّها ستكوِّن شخصيتك، وراقب شخصيتك؛ لأنَّها ستصبح مصيرك" - [لاو تزو].
في عام 600 قبل الميلاد جال المعلِّم الروحي (لاو تزو) الأرض، وأصبحت تعاليمه مدوَّنةً في كتاب، ولا يزال رؤساء الدَّول والمديرون التَّنفيذيون يتَّبعون تعاليمه في مهامهم، حيث قال أنَّ الأفكار تصبح حقيقةً واقعة. لقد علَّم النَّاس أنَّ أفكارنا ستصنعنا، وأنَّنا سنصبح ما نفكِّر فيه.
ماذا يقول الانجيل المقدَّس؟ حسناً، يقول كما يقول الإسلام: الثَّروات ليست من وفرة الخير الدنيويَّ ولكنَّها تنبع من القناعة؛ هذا يعني أنَّ التَّعاليم الرُّوحية الرئيسة في العالم تتفِّق على أنَّ العقل يحدِّد كلَّ الأمور.
لطالما تجنَّبت هذه الحكمة وتحمَّلت النتائج بنفسي؛ لكن من وجهة نظرٍ علمانيَّة، لاحظ الفيلسوف الروماني (سينيكا) أنَّ قوَّة العقل لا تُهزَم، وقد أيَّد الإمبراطور (ماركوس أوريليوس) هذا الكلام قائلاً: "تعتمد سعادتك في الحياة على جودة أفكارك".
عندما تتطوَّر فكرةٌ مستقلة، وتنتشر في جميع أنحاء العالم، وتستمر لأكثر من ألفي عام؛ فالأمر إذاً يستحق الاهتمام.
معلمو أجدادنا:
جاءت العصور المظلمة بكلِّ ما تحمله من فشل، ولكن في مطلع القرن الماضي، عادت فكرة القوَّة المتساوية إلى الأفكار بقوَّة.
كانت فكرة قانون الجاذبيَّة تجد رواجاً عندما كتب (جيمس ألين) في عام 1903 كتاباً سمَّاه "كما يفكِّر المرء"، والذي ناقش فيه أنَّ الأفعال ناتجةٌ عن الأفكار؛ ثمَّ تابع نابليون هيل المسيرة، وفي عام 1937 أصدر كتاباً بِيع منه 100 مليون نسخة، يقول فيه للقرَّاء: "إنَّ كلَّ ما يستطيع العقل تصوُّرَه والايمان به، يمكننا تحقيقه".
قد يكون من الإنصاف أن نقول أنَّ فكرةَ "تمتلك الأفكار قوَّة" هي أساس صناعة تطوير الذات البالغة 10 مليارات دولار، وهي السبب وراء قراءتك لمقالات موقع النَّجاح في الوقت الحالي.
العلوم الحديثة:
لقد أكَّد العلم أخيراً ما عَرَفَتْهُ أذهاننا منذ ثلاثة آلاف عام: إنَّ عقولنا تخلق ما يظهر في واقعنا.
إليكَ بعض الأفكار الرَّائعة حول قوَّة التفكير:
- تخلق الأفكار السَّعادة: في دراسةٍ نُشِرت في مجلة يونسي الطَّبية، وجد الباحثون علاقةً قويَّةً بين التَّفكير الإيجابي والرَّضا العام عن الحياة.
- يخلق التَّخيل مستقبلنا: لقد أظهر العلماء في معهد علم الأعصاب في لندن أنَّ أولئك الذين يتصوَّرون مستقبلاً أفضل هم أكثر عرضةً إلى تحقيق ذلك المستقبل.
- تجلب التَّأكيدات النَّتائج: وجد الباحثون في جامعة إكستر أنَّ الأشخاص الذين يستخدمون التأكيدات لتحديد الأهداف هم أكثر عرضةً إلى تحقيقها.
- نحن نقول لعقولنا ما الذي يجب عليها البحث عنه: إنَّ نظام التَّنشيط الشبكي في جذع الدماغ يتيح فقط للمعلومات الهامَّة بالتَّسرب إلى الوعي. تشير الدراسات إلى أنَّنا نستطيع أن نبرمجها بعقليةٍ إيجابيَّة، وسوف تظهر الأشياء الجيَّدة في حياتنا.
- تسرق السلبيَّة قوَّتنا: عندما نشعر بالقلق أو الخوف، تفرز الغدة الكظريَّة لدينا هرمون الكورتيزول. وتُظهِر الأبحاث أنَّ المستويات العالية منه تؤذي إنتاجيَّتنا وتؤدِّي إلى الإرهاق.
- تؤثِّر عقليات الآخرين في عقولنا: اكتشف علماء الأعصاب مؤخراً "العصبونات العاكسة" في الدماغ، والتي تعكس الأفعال التي نراها في الآخرين. أحِط نفسك بالمفكرين الإيجابيين وستصبح واحداً منهم.
إذا علمنا أنَّ أفكارنا تخلق واقعنا، وأنَّ العقليَّة السلبيَّة تمنعنا مما نريد، فإذاً كيف نخلق الحياة التي نريدها؟
عقليَّة النمو:
مرض (لي أياكوكا) المدير التنفيذي لشركة كرايسلر، فقام رئيس (كرايسلر موتورز) لأوّل مرة بإدارة الشَّركة، وخلال فترة قيادته، أصدرت الشَّركة طرازاً من السيارات مختلفاً قليلاً عن العام الماضي، فلم يشترها أحد؛ وهزمتهم الشَّركات اليابانيَّة.
كان أسلوب إياكوكا في العمل هو الابتكار، وبدلاً من ذلك قام الرَّئيس الجديد بإحاطة نفسه بالمتمَّلقين وطرد النقَّاد، فتوقَّف هو والشركة عن التَّطور. هذا السلوك هو مثالٌ على ما تسميِّه أستاذة جامعة ستانفورد (كارول دويك) "العقليَّة الثَّابتة".
بصفتها باحثةً شابّةً، كانت الدكتورة كارول مهووسةً بمعرفة سبب تعرُّض بعض النَّاس إلى الفشل أكثر من غيرهم؛ ومثل أيِّ باحثةٍ جيدة، قامت باختبار الأطفال في سنِّ العاشرة، وأعطتهم تحديَّاتٍ صعبة لحلها. حافظ معظمهم على ثباته، لكنَّ جزءاً منهم نفد صبره، قائلاً: "أنا أحبُّ التَّحديات الجيَّدة". ما المشكلة إذاً مع هؤلاء الأطفال غريبي الأطوار؟ إنَّ ما قام به الأطفال الغريبون هو ما افتقر إليه اياكوكا. بعبارةٍ مختصرة: لقد انتهجوا "عقليَّة التَّطور".
قصَّة نوعين من العقليَّات:
يوجد أشخاصٌ لديهم عقليَّةٌ ثابتة، وإنهم ينزعجون من الأشياء الجيَّدة، ويتستَّرون على أخطائهم، ويهتمون بمكانتهم بالدرجة الأولى، فهم يعتقدون أنَّنا وُلِدنا بقدرٍ معينٍ من المواهب، وهذا يحدِّد مسارنا في الحياة، ويشعرون أنَّهم بحاجةٍ إلى إثبات أنفسهم والسَّعي بشدة إلى الحصول على موافقة المعلمين والزملاء والرؤساء والمجتمع، فهدفهم الأساسي أن يظهروا بمظهر الأذكياء.
بينما أولئك الذين لديهم عقلية النمو فيعتقدون أنَّ المواهب ليست سوى جزءٍ من وصفة النَّجاح، وأنَّه مع العمل الشَّاق والدراسة لا وجود للمستحيل؛ إنَّهم يتوقون إلى التَّحدي، ولا يخشون الفشل، ويرون أنَّه محطةٌ ضروريةٌ في طريقهم إلى الانتصار، ولا يهتمُّون بكيفيَّة الحكم عليهم.
لقد وُلِدنا بعقلية النمو، إذ أنَّك لن ترى طفلاً يخاف من المحاولة والفشل؛ لكنَّ التَّقاليد الاجتماعيَّة ونظام التَّعليم القديم يعلِّمنا أن نخاف الخطأ.
نحن نعرف أن طريقة تفكيرنا تَخلُق واقعنا.
الآن، أنت تعرف أنَّ لديك الخيار بين عقليَّة الثَّبات وعقليَّة النُّمو، وأعتقد أنَّ خيارنا واضح. ولكن كيف يمكنك تطوير عقليَّة النُّمو؟ هناك بعض الأدوات التي يمكننا استخدامها.
طوِّر عقليَّة النُّمو السَّريع:
إنَّ معظم الشركات الناشئة لا تستطيع تحمُّل تكلفة الإعلانات التقليدية؛ لذلك ابتكرت طريقةً ذكيَّةً ومجانيَّةً لتسويق خدماتها والعثور على العملاء: وهي عقليَّة النُّمو السريع. إذا كنت على درايةٍ بمنهجية الشركات النَّاشئة، فإنَّ هذه فكرة قد تبدو مألوفة، فهي تعتمد على التَّجربة السَّريعة لتقنيات التسويق، وقياس النَّتائج عن كثب، وتحديد ما ينجح؛ ثمَّ تعديل تجربتك مراراً وتكراراً من أجل السَّعي إلى تحقيق نموٍ سريع.
السَّرقة من وادي السيليكون:
إذا كانت الأفكار تخلق حقيقةً واقعة، ونحن نعلم أنَّ تبنِّي عقليَّة النمو يدفعنا نحو النَّجاح، ونعلم أنَّ التَّجربة السَّريعة يمكن أن تساعدنا في اكتشاف أفضل استراتيجيات التطوُّر؛ إذاً لماذا لا يمكننا تطبيق عمليَّة النُّمو السَّريع على عقلية التطوَّر؟ إليك خمس تقنياتٍ يمكنك استخدامها للقيام بذلك بالضبط:
1. استهدف معتقداً صغيراً أولاً:
اجلس وفكِّر: ما هي العادة التي اكتسبتها وتشعر أنَّها تؤثِّر في نموك كثيراً؟
بالنسبة إلى بعض الناس، تجدهم يحكمون على الناس بتسرُّعٍ مثل طريقة قيادتهم، ويفقدون صوابهم عندما يرون شخصاً فوضوياً. إنَّ هذا الميول إلى الحكم على النَّاس لا يخدم في العمل، ويسلب الطاقة العقليَّة.
2. العمل باختبار (التَّفكير) A / B:
اختبار A / B هو اختبارٌ ناشئ، وهو عبارةٌ عن تشغيل إعلانين مختلفين على فيسبوك واختبار أيُّهما أفضل أداءً، والاحتفاظ بالإعلان الفائز، ثمَّ اختباره بجانب إعلانٍ جديد؛ وهكذا.
يمكننا أن نفعل الشيء نفسه مع أنفسنا. مثلاً: استهدف اعتقاداً واحداً لديك مثل "عملي ممل" لمدة أسبوعٍ واحد، واحتفظ بسجلٍ مكتوبٍ كلَّ يوم عن شعورك وتجربتك. في الأسبوع الثَّاني، قرِّر تجربة الاعتقاد المعاكس.
قد تقول: "هناك دائماً شيءٌ مثيرٌ للاهتمام يحدث في العمل إذا نظرت عن كثب"، لذا سجِّل نتائجك، وتمسَّك بالاعتقاد الذي يجلب أفضل النتائج، وكرِّر ذلك مع نواحٍ أخرى من تفكيرك.
إذا كنت تعتقد أنَّك لا تستطيع تغيير أفكارك، فاسأل نفسك: إذا لم أكن قادراً على التَّحكُّم بأفكاري، فمن يقدر إذاً؟
3. تطبيق بعض التَّحليلات:
يعرف روَّاد الأعمال الناشئة أنَّهم إذا أرادوا تطوير أعمالهم، فيجب عليهم معرفة ما يفعله مستخدموهم.
يستطيع معظمنا استخدام مزيدٍ من التَّحليلات في حياتنا، وهذا يعني الحفاظ على قائمةٍ من أفكارك وحالاتك المزاجيَّة.
اسأل نفسك كلّ ليلة قبل النوم:
- ما هي الأفكار التي سيطرت على يومي؟
- كيف أثَّر هذا في مزاجي؟
- ما هو تأثيره في الإنتاجيَّة؟
عندما تعرف ما يجري في عقلك، يمكنك ضبط عقلك بما يخدم نموَّك على أفضل وجه.
4. تشجيع العقل على التَّفكير بطريقةٍ صحيحة:
اكتشف المسوِّقون المحترفون أنَّه عندما تشجِّع المستخدمين على مشاركة المحتوى الخاص بك، ستقوم بتحويلهم إلى ما يشبه أجهزة ارتباطٍ داخليّة. استخدم نهجاً مشابهاً لإنشاء حلقة تفكيرٍ إيجابيَّةٍ تحيط بك.
لنقل أنَّك اليوم واعٍ بشكلٍ استثنائي للأوقات التي يجب فيها أن تحكم على شخصٍ ما. كافئ نفسك على ذلك بطريقةٍ ما، سواءً كان ذلك مكافأةً عن طريق تشجيع نفسك بالكلمات، أم بأن تترك العمل في الوقت المحدد مثلاً. وبهذه الطريقة، يمكنك تعزيز الأفكار الصَّحيحة، وسيطالب عقلك الباطن بالمزيد.
5. الاستفادة من طرفٍ ثالث:
أصحاب عقلية النمو السَّريع هم أسيادٌ في الاستفادة من نجاحات الآخرين. هل تحتاج إلى تنميَّة قائمة البريد الإلكتروني الخاص بك؟ اكتب منشوراً على شكل مدوَّنةٍ لجمهور كبير.
يمكننا أن نفعل الشيء نفسه لبناء عقلية النمو: أحِط نفسك بأشخاصٍ عظماء، فكما يقول خبير التنمية البشرية "جيم رون": "أنت متوسط الأشخاص الخمسة الذين تخالطهم معظم الوقت"، واستفد من ذلك. وأيضاً: من خلال قراءة كتب جيِّدة، فإنَّنا ندرِّب أنفسنا على التَّفكير الصِّحي والإيجابيّ الذي يمكننا تبنِّيه كنهجٍ خاصٍ بنا.
إذا لم تكن في المكان الذي تريد أن تكون فيه، فقد حان الوقت لتحويل تركيزك إلى نفسك.
أضف تعليقاً