بعد دقائق من التفكير، أدركتُ أنَّني لست غاضباً من أولئك الذين يؤذونني؛ لذا بدلاً من ذلك، لن ألوم نفسي على ما حدث، ولم يكن هذا خطئي؛ لذا سامحتُ نفسي واخترتُ أن أسامحهم.
الغفران لا يعني التغاضي أو النسيان:
وفقاً لتعريف علماء النفس، فإنَّ التسامح هو الخيار الواعي والمتعمد للتخلي عن مشاعر الغضب أو الاستياء تجاه شخص أو مجموعة سبَّبَت لنا الأذى، بصرف النظر عما إذا كان مستحقاً أم لا.
الغفران لا يعني إخفاء أو إنكار خطورة الإساءة التي ارتكبها شخص ضدنا، وبالمثل، فإنَّ المسامحة لا تعني النسيان أو اختلاق الأعذار أو التغاضي عن أفعال شخص ما.
صحيح أنَّ التسامح مفيد لمساعدتك على إصلاح علاقة تالفة، لكنَّه ليس التزاماً بالتصالح مع شخص تسبَّب لك في ضرر كبير؛ ولا يعني أنَّك تعفيهم من أي نوع من المساءلة القانونية.
يعتقد كثيرون منَّا أنَّ المغفرة هي عمل كريم ولطيف ورحمة تجاه شخص يعاملنا معاملة سيئة؛ هذا صحيح، كما أنَّه يجلب لنا العديد من الفوائد العظيمة، حتى لو لم نشعر بها في البداية.
كيف يمكن للغفران أن يكون مفيداً لنا؟
يمنحك التسامح التحرر من الغضب الداخلي وراحة البال، وعلى الرغم من وجود جدل فيما إذا كانت المسامحة الحقيقية تتطلب وجود مشاعر إيجابية تجاه الجاني، فإنَّ معظم الخبراء يعتقدون أنَّ التسامح ينطوي على إطلاق المشاعر السلبية العميقة، ويتيح لك القيام بذلك ملاحظة الألم الذي مررت به دون السماح له بتغييرك؛ لذا بدلاً من ذلك، يمكنك الشفاء منه والمضي قدماً في حياتك.
لقد أظهرت عقود من البحث فوائدَ شخصيةً هائلةً يمكن جنيها من خلال تقديم العفو لشخص ما، وفيما يأتي بعض الطرائق الأكثر إقناعاً التي تؤكد أنَّ التسامح مفيد لنا، ولعلاقاتنا مع الآخرين شخصياً، ولوظائفنا، ولمجتمعاتنا:
1. المسامحة تجعلنا أكثر سعادة:
تُظهِر الأبحاث أنَّ الأشخاص السعداء يميلون أكثر إلى مسامحة الآخرين، كما أنَّ مسامحة الآخرين يمكن أن تجعل الناس يشعرون بالسعادة، خاصة عندما تسامح شخصاً كنت قريباً منه في مرحلة ما من حياتك.
2. التسامح والصحة النفسية:
يؤدي التسامح دوراً هاماً في حماية الصحة النفسية، حتى الأشخاص الذين يتسامحون مع محيطهم وماضيهم يلاحظون تحسناً كبيراً في القلق والاكتئاب ومشاعر الأمل، ويقال أنَّ المسامحة يمكن أن تساعد أيضاً على منع الانتحار.
3. التسامح والصحة الجسدية:
يساعد التسامح على تحسين صحتنا الجسدية، فيرتفع معدل ضربات القلب وضغط الدم لدينا عندما نحمل الأحقاد ونفكر فيها، فآثار الإجهاد هذه تدمِّر أجسادنا، وعندما نتسامح، تنخفض مستويات التوتر لدينا، وهذا يحمينا من الآثار الجانبية الصحية الضارة للأحقاد، إضافة إلى ذلك، فإنَّ الأحقاد تجعل نظام المناعة لدينا معرضاً للخطر، ما يجعل أجسامنا أقل قدرة على محاربة الأمراض عندما نرفض التسامح.
4. التسامح في العلاقات الزوجية:
في الزواج، فإنَّ مسامحة زوجك أو زوجتك يمكن أن تجعل العلاقة أقوى وأكثر رضى، فإنَّ الأزواج الأقل انتقاماً والأكثر تسامحاً هم الأفضل في حل النزاعات بشكل فعال داخل الزواج، ولكن عندما يتعرض الطرف الأكثر تسامحاً في الزواج للمعاملة السيئة باستمرار من قبل الزوج أو الزوجة، فإنَّ ذلك قد يؤدي إلى انفجار العلاقة.
شاهد بالفيديو: 15 قول عن التسامح والغفران
5. التسامح والأعمال الخيرية:
يساعدك التسامح على الشعور بمزيد من الإيجابية تجاه الشخص الذي جرحك، ويعزز مشاعر الترابط واللطف، فأولئك الذين هم أكثر تسامحاً هم أيضاً أكثر مبادرة للتبرع بالمال للأعمال الخيرية أو التطوع، فيجعلك التسامح تشعر بأنَّك أكثر ارتباطاً بالناس.
6. التسامح عند الأطفال:
المسامحة عند الأطفال والمراهقين تجعلهم يتمتعون برفاهية أعلى، على سبيل المثال، الأطفال الذين يتعرضون للتنمر ولكنَّهم يمارسون التسامح رغم ما يعانون من العدوانية والغضب، لكن يبدون تحسُّناً كبيراً في درجاتهم والتعاطف مع الآخرين، وهذا لا يعني أبداً التهاون في موضوع التنمر أو عده ظاهرة عادية.
7. التسامح في مكان العمل:
الموظفون الذين يمارسون التسامح يخففون التوتر في علاقات العمل، وهذا يجعلهم أكثر إنتاجية في العمل ويأخذون أيام إجازة أقل؛ لذلك يمكنك القول إنَّ التسامح أمر ممتاز في مكان العمل، خاصة لأنَّك تقضي معظم ساعات حياتك فيه.
مسامحة الذات شيء يجب أن نتعلمه لممارسته، فإضافة إلى تحسين علاقاتنا مع الآخرين، فإنَّه يساعد أيضاً على تحسين صحتنا العقلية والجسدية.
كيف تسامح من أساء إليك؟
1. اعلم أنَّه لا بأس في الشعور بالغضب أو الانزعاج:
يحب معظمنا الشعور بأنَّنا نتحكَّم بعواطفنا، ويقال إنَّنا نمنح الآخرين سلطة علينا عندما نشعر بالإحباط أو الانزعاج من تصرفاتهم، لكنَّ جزءاً من القدرة على التسامح يكمن في عدم تحويل اللوم من الآخرين إلى أنفسنا.
بدلاً من ذلك، يجب أن نعرف أنَّنا من الطبيعي أن نشعر بما نشعر به، فإذا أساء شخص ما معاملتنا، سيكون لذلك تأثير سلبي فينا عاطفياً، ويساعدنا اختيار التسامح على المضي قدماً والكف عن التحكم بعواطفنا بعد الآن.
2. اسأل نفسك عما إذا كان التمسك بالغضب ضاراً أم مفيداً:
إنَّ الغضب مما فعله شخص ما بنا هو شيء طبيعي وضروري، لكن يجب أن نسأل أنفسنا ما إذا كان التمسك بهذا الغضب على الأمد الطويل يساعدنا أو يضرنا، فيؤدي حمل الضغائن إلى إلحاق ضرر أكبر من نفعه بكثير، حتى لو كان شعوراً جيداً في الوقت الحالي.
لذا فإنَّ التخلي عن هذه المشاعر السلبية وعدم التمسك بها هو الخطوة الأولى في تمكيننا من المضي قدماً، فيوجد الكثير من الأمور الإيجابية التي تنتظرنا في المستقبل؛ ولذا يجب أن نحرر أيدينا من ثقل آلام الماضي حتى نتقبلها بالكامل.
شاهد بالفيديو: أسباب كره وحقد الزملاء فيما بينهم
3. قرِّر أن تسامح مَن ظلمك:
في بعض الأحيان يكون الأمر سهلاً؛ لذا لا تفكر كثيراً وحاول أن تسامح، لقد سئمنا من تلك المشاعر والعواطف والأفكار السلبية لما حدث؛ لذلك قبل أن تؤدي إلى الحزن أو الاكتئاب أو إلى أفكار انتقامية، يجب أن نقرر المسامحة سريعاً.
بالنسبة إلى معظم الناس، يحدث قرار التسامح عندما ندرك أنَّنا سمحنا لما حدث لنا بالتأثير في مزاجنا ومنطق اتخاذ القرار، فإنَّها طريقة للسيطرة على الوضع وعدم السماح له بالسيطرة علينا.
4. أدرك أنَّك لا تبرر السلوك السيئ لشخص ما تجاهك:
يتمسك معظمنا بالأحقاد لأنَّنا نشعر أنَّنا نترك المسيء "يفلت بفعلته"، ومع ذلك، فإنَّ التسامح لا يعفيك من التصدي للسلوك العدواني الذي يظهره لك شخص ما، إنَّه اختيار أن تسامح نفسك وليس الآخرين.
5. ذكِّر نفسك لماذا تريد علاقة مع الشخص الذي تسامحه:
اعتماداً على مدى قربك من الشخص وتاريخكما معاً، قد ترغب في التفكير بجدية في سبب رغبتك في إقامة علاقة مع هذا الشخص، والطريقة الوحيدة للمضي قدماً والحصول على علاقة ذات مغزى هي المسامحة.
قد نكون في كثير من الأحيان عنيدين ونشعر بالحق في التمسك بمواقفنا الغاضبة، ومع ذلك، من المفيد جداً لصحتنا العقلية والجسدية أن نغفر، على سبيل المثال، مرت رهام بفترة اكتئاب عندما فقدت والدها فجأة في حادث مأساوي، وخلال أحلك أيامها، أصبحت مؤذية عاطفياً، فحاول زوجها حازم فعل كل شيء لتهدئتها، لكنَّها صبت عليه غضبها وإحباطها.
أدى هذا إلى شرخ كبير في علاقتهما، ومع ذلك، اختار حازم أن يغفر، وسعى الاثنان إلى إصلاح العلاقة، فكان حازم يحب رهام ويقدر الزواج، ويريد أن يتخذ خطوات جدية لإنجاح الأمور وتجاوز العقبات.
إقرأ أيضاً: الحقد: تعريفه، وأضراره، وعلاجه، وحكمه في الإسلام
6. ضع حدوداً صحية:
لقد تعاملنا جميعاً مع الأقارب أو الأصدقاء الذين يقومون بأشياء مسيئة لنا، فبعضهم يتحدثون بما يدور في أذهانهم ولا يعتذرون، لكن يجب علينا أيضاً أن ندرك أنَّنا لا نستطيع أن نجعل الجميع سعداء، ولا يجب أن نحاول فعل ذلك؛ لذا من الأفضل وضع حدود صحية، وعندما نحرس قلوبنا، فإنَّنا نسير في المغفرة بينما لا نمنح الشخص إمكانية إيذائنا.
على سبيل المثال، اصطحبت ابن خالك إلى منزلك لتناول العشاء، وفي أثناء وجوده في بيتك، تسلل إلى غرفة نومك وسرق بعض مجوهراتك، إنَّه ابن خالك، لقد نشأتما معاً، واخترت أن تسامحه، لكن تذكَّر، لم تعد مضطراً أبداً إلى دعوته إلى منزلك مرة أخرى.
7. سامِح نفسك:
من أصعب الأشياء التي يمكننا القيام بها هو أن نتعلم كيف نغفر لأنفسنا، إنَّه شكل قوي وفعال من أشكال الرعاية الذاتية، فنحن في كثير من الأحيان، نجلد أنفسنا عقلياً وعاطفياً بسبب الخطأ الذي ارتكبه شخص آخر في حقنا، نحن ببساطة لا نفهم كيف كان بإمكاننا ترك هذا يحدث لنا، ولماذا لم نر علامات التحذير، أو لماذا لم نستمع عندما حاول الآخرون تحذيرنا.
في الختام:
تذكَّر أنَّك تسامِح لأنَّك تريد المضي قدماً وليس لأنَّ الشخص يستحق ذلك، فأنت تعلم أنَّ ما فعلوه بك كان غير لائق وسيئاً في بعض الحالات، لكنَّك اخترت تطهير قلبك، ومرة أخرى، أنت لا تبرر الأفعال التي حدثت لك، لكنَّك تقبلها وتتصالح معها، وهذا مختلف جداً.
أضف تعليقاً