إلا أنَّ أخذ هذه الوظائف الثلاث في الحسبان يؤدي إلى فائدة كبيرة على صعيد تحقيق الكفاءة، وليست هذه الوظائف بسيطة كما تبدو، وهي:
كيف تحقق التوازن بين الأفكار والمشاعر والسلوك؟
يمكنك تحقيق التوازن في حياتك من خلال 3 وظائف يتميز بها الإنسان وهي:
1. الأفكار:
يتطلب عيش حياة جيدة استخداماً فعالاً للأفكار، وبصرف النظر عن مصدر الأفكار - وهذا ليس مقام مناقشة العوامل البيولوجية أو السيكولوجية - من المفيد أن تعلم أنَّك تسيطر على أفكارك ولا تسيطر عليها في الوقت نفسه، وبصرف النظر عن مستوى الفطنة والحكمة اللذين قد تبلغهما، إلا أنَّك ستواجه دائماً أفكاراً سلبية يجب التعامل معها، وأفكاراً إيجابية يجب أن تتمسك بها، وتنميها وتستفيد منها.
2. المشاعر:
مع أنَّ المشاعر قد تبدو أو تكون رد فعل على العوامل الخارجية، فهي في الغالب تلي الأفكار؛ إذ يُمكِّننا الاستثمار الفعال للمشاعر، بوصفها المصدر الوجداني الأساسي لطاقتنا من تعزيز احترامنا لذاتنا وثقتنا بأنفسنا وعيش حياة رائعة؛ إذ تُعَدُّ المشاعر على اختلاف أنواعها مصادر رائعة للطاقة، حتى بالنسبة إلى المشاعر السلبية، فإنَّها كلما زادت سلبيتها والألم الذي تسببه، كانت تحتوي على طاقة كامنة تنتظر منك الاستفادة منها.
لكنَّ المشاعر ليست ثابتة؛ بل تظهر وتزول، ويجب أن تسمح لنفسك باختبارها جميعاً، وفهم الرسالة الكامنة فيها، ومن ثمَّ سواء كانت المشاعر سلبية أم إيجابية، فلا تقاومها، واشعر بها، وانتظرها لتزول حتى تستفيد من طاقتها.
3. السلوك:
تعتمد جودة حياتنا في نهاية المطاف على سلوكنا، ومع ذلك، تعتمد خياراتنا فيما يتعلق بسلوكنا على وعينا، واختيار أفكارنا وطريقة تعاملنا وتكيفنا مع المشاعر التي تسببها الأحداث الخارجية، وفي جميع الحالات، يعتمد الأمر بشدة على شعورنا الداخلي بالأمان والذي ينبع من حالات ليست تحت سيطرتنا بشكل مطلق، مثل وظائف الأعضاء، والأحداث في العالم الخارجي، والأهم من هذا وذاك هو طبيعة تجاربنا المبكَّرة (تجارب الطفولة مثلاً)، ولكنَّ الأهم من كل ما سبق أنَّه يمكننا تغيير طبيعة التجارب التي نعيشها الآن.
قد يبدو كل ما سبق واضحاً أو بسيطاً، ولكنَّه ليس كذلك، فبينما تحاول تحقيق التوازن في حياتك، يجب أن تبقى مدركاً لحقيقة أنَّ التناقض بين أي وظيفتين من هذه الوظائف هو مصدر غالباً ما تشعر به من ضيق، ويؤدي هذا التناقض إلى مقاومة شديدة تمنعك من اكتساب مزيد من الوعي، والاستخدام الأمثل للوظيفة الثالثة.
لا بدَّ أنَّك تعرف شخصاً واحداً على الأقل يوصف بأنَّه مرتبك، وغالباً ما يكون سبب هذا الارتباك هو التناقض بين وظيفتين أو أكثر من هذه الوظائف، أو ربما بالمصطلح المعروف بمصطلحات علم النفس الكلاسيكي بـ"عقدة أوديب"؛ إذ يتنافس الطفل مع أحد الوالدين، أو يكون مصدراً للخلاف بينهما، أو عندما يتواطأ أحد الوالدين بوعي أو دون وعي مع الطفل على حساب شريكه، أو عندما يستغل طفل صعب المراس عواطف أحد والديه ليشعر بأنَّه أهم من الوالد الآخر.
على سبيل المثال، لنفترض أنَّك تشعر بأنَّ الأفق أمامك مسدود، ولا تتمكن من القيام أو التصرف بما يلزم لتعيش حياةً تجعلك تشعر بالرضى، مثل كسب مزيد من المال، فستعيش حالة من التناقض بين أفكارك ومشاعرك، وستشعر بأنَّه ينبغي عليك القيام بعمل شاق حتى تتجاوز هذا الوضع المعقد وتقوم بالسلوك الفعال، وقد تصبح كسولاً للغاية، وعلى النقيض من ذلك، قد يؤدي ذلك إلى سعي حثيث، أو أحد أشكال اضطرابات السلوك القهرية، كالاكتناز القهري.
عندما تتضارب أفكارك مع سلوكك ولا يبقى من المشاعر سوى الرغبة الشديدة، فإنَّ إغراء الاستمرار في سلوك معيَّن، مثل عدم القيام بأي شيء، بحيث تصبح أشبه بآلة أكثر من كونك إنساناً، يمثل تحدياً يصعب التحكم به، ومن ذلك مثلاً أن تفكر في تنفيذ آخر خطة وضعتها، بينما تعمل على مهام مختلفة دون أن تنجز أياً منها، وهنا يكمن الإدمان.
أخيراً، عندما تتضارب مشاعرك مع سلوكك، فإنَّ قوة المشاعر تدفعك للتصرف بطريقة غير فعالة، أو بطريقة محمومة، وهذا يجعلك تشعر وكأنَّك عاجز عن التفكير فيما تقوم به، وبنفس الطريقة، فإنَّ سلوكك غير المنضبط، واللاعقلاني يسبب لك الذعر، كما أنَّه يرهقك بسيلٍ من المشاعر، وهكذا تكون قد اكتملت الحلقة (اضطراب في السلوك، وشعور بالعجز عن التفكير، ومشاعر سلبية)، لذلك غالباً ما يُعبَّر عن هذه الحالة بالقول عن شخص ما إنَّه فقد عقله.
شاهد بالفديو: أقوال وحكم رائعة عن التفاؤل في الحياة
العلاقة بين الوظائف الثلاث:
لتعزيز وعيك بهذه الوظائف الثلاث، يجب أن تعرف أياً منها تمثل شخصيتك وتحتاج إليها، وأياً منها ورثته من والديك أو أيَّة شخصية كان لها سلطة عليك وتحتاج إلى التخلص منها، وفي الواقع، هذا الأمر ليس سهلاً على الإطلاق بسبب التعقيد بين الأفكار والمشاعر والسلوك.
مثال عن الوظائف (الأفكار والمشاعر والسلوكات) التي لا تمثل الإنسان:
يموت والداك أو يتخليان عنك، وتعتقد بسبب ذلك أنَّ الجميع أوغاد وسيتخلون عنك، فتصبح عاجزاً عن الوثوق بأي شخص، فأنت خائف طوال الوقت، ولذلك تقطع علاقتك بأصدقائك قبل أن تتأذى بسببهم، حتى وإن كان صديقك شخصاً محباً وعقلانياً، إلا أنَّك تشعر بأنَّك تفتقد حتماً لشيء ما في علاقتك معه، ولذلك ترغب بالتخلي عنه، وتشعر بأنَّه يفرض نفسه عليك.
عندها تشعر بأنَّك تخسر نفسك، ولكنَّك لا تريد أن تكون الطرف المسيء، لذلك تقوم بترتيب الأمور بحيث يبدو أنَّ صديقك هو من تخلى عنك؛ وذلك لأنَّك تعلم مسبقاً أنَّ ذلك سيحدث على أي حال.
لا يوجد أحد يحبك فعلاً، وأنت مجرد شخص غير هام في حياة الآخرين، وتشعر بأنَّ الجميع قوي وصاحب نفوذ، وأنت مجرد شخص ضعيف وضئيل، والجميع واسع المعرفة والاطلاع، وأنت الوحيد الغبي من بين الجميع، ومع ذلك، تجد أنَّك تبحث عن هؤلاء الأشخاص على الدوام، ومن ثمَّ تجد نفسك منجذباً تلقائياً إلى الأشخاص الأكبر سناً أو الأصغر سناً منك، وما إلى ذلك.
النقطة الهامة هنا هي أن تفهم كيف أنَّ هذه الأفكار والمشاعر والسلوكات التي تعتقد خطأً أنَّها تمثِّل شخصيتك الحقيقية هي في الواقع حلقات تستند إلى التكرار وتحاول من خلالها حسم قضايا من ماضيك لم تُحسم بعد.
ما دمت لا تعمل بشكل يومي على الأقل لمحاولة معرفة مصدر هذه الأنماط من التفكير والمشاعر والسلوك، فستتبنى معتقدات خاطئة، وستشعر بأنَّه من المستحيل أن تمتلك الشخصية التي ترغب بها التي من شأنها منحك الشعور بالأمان الداخلي، لتصبح قادراً على اتخاذ خياراتك الوظيفية الفعالة في علاقاتك، وبنفس القدر من الأهمية، اهتماماتك (حتى وإن كان يتم تجاهل هذا الجانب الأخير غالباً).
مثال عن الوظائف (الأفكار والمشاعر والسلوكات) التي تمثل الإنسان:
يحدث معك بشكل يومي أحداث إيجابية، وأخرى سلبية، وتلتقي بأشخاص إيجابيين وسلبيين، وأنت نفسك تقوم يومياً بما من شأنَّه أن يساعدك أو يؤذيك من خلال سلوكاتك، وتعي بوضوح الأفكار التي تخطر في ذهنك بدءاً من النقد، والحكم على الذات، وعدم التسامح، والشغف، والجشع، والتكبُّر، والدونية، وصدمات الماضي، والفقدان، والمواقف التي تبدو خارجة عن السيطرة، وكل شيء تصادفه مهما كان صغيراً ويؤدي إلى شعورك بالإحباط، وتعي كل ما تشعر به من عنف وحزن وغضب، وتسمح لهذه الأفكار بالزوال.
تراقب بعناية، وتلاحظ أفكارك وتختار منها ما يدعمك ويعزز معنوياتك، وتعزز من خلال هذه الأفكار ثقتك بنفسك بشكل دائم، وهذا يساعدك على تنمية الشعور بالأمان الداخلي وهو شعور ضروري لعيش حياة رائعة.
تختبر كثيراً من المشاعر التي تؤثر في عقلك وجسدك، وتشعر تارةً بالحزن العميق، وتارةً أخرى بالذعر، ومن ثمَّ قد تشعر بالسلام لفترة طويلة من الوقت، وتذكِّر نفسك باستمرار أنَّه سواء كان مصدر هذه المشاعر هو أفكارك فقط، أم بسبب مواقف خارجية، فإنَّ المشاعر تظهر وتزول، ولا بأس بأن تختبر أي شعور سواء كان إيجابياً أم سلبياً، إن كان سيزول.
كما تذكِّر نفسك دائماً بكل شيء تقوم به ويعبِّر عن ذاتك الحقيقية، وتعرف أنَّ قرارك هو ما يحدد سلوكاتك بصرف النظر عما تعتقده أو تشعر به أنت أو الآخرون، وتبقى مصرِّاً على أن تتصرف بفاعلية وبطريقتك الخاصة وبما يحقق الفائدة لك وللآخرين قدر الإمكان، وعندما ترتكب أنت أو الآخرون الأخطاء، فسوف تسامح نفسك وتسامح الآخرين، وتبدأ من جديد، وتذكِّر نفسك دائماً بأنَّ الأخطاء ضرورية لتطوير ذاتك وتعزيز شخصيتك الحقيقية.
في الختام:
يتطلب عيش حياة سعيدة درجة جيدة من التوازن النفسي، ولدى كل شخص منا كثير من التناقضات بحكم طبيعتنا البشرية، وبحكم ما تعرَّضنا له من صدمات وأحداث مؤلمة، لكن يبقى الوعي بأفكارك، وما تختبره من مشاعر، وما تنتهجه من سلوك هو الضمان للإحساس بالأمان وعيش حياة سعيدة.
أضف تعليقاً