لقد أدت جائحة كوفيد-19 إلى تغييرات هائلة بالنسبة إلى الموظفين في جميع أنحاء العالم، بدءاً من بحثهم عن أفضل الأدوات الرقمية للعمل عن بُعد، مروراً بالطرائق المختلفة لضمان أن يبقى أعضاء فريقك على اتصال ومواصلة التعاون بشكل إبداعي، لكنَّ كيفية عمل الناس ليست وحدها التي تأثرت؛ بل مكان عملهم أيضاً.
انتشر مؤخراً نموذج العمل الهجين أو العمل من المنزل أو العمل المرن - أياً كان المصطلح الذي تُفضل استخدامه - وأصبح المنزل بسرعة مكان عمل الكثيرين منا؛ وفي حين أنَّ هذا التغيير لم يناسب بعض الأشخاص، إِلاَّ أنَّ آخرين أحبوا بيئة العمل الجديدة هذه ووجدوها مفيدةً للإنتاجية.
وبينما تستعد المكاتب والشركات لتفتح مبانيها مجدداً، سيكون بعض الموظفين متحمسين للعودة إلى المكتب، لكن قد لا يرغب بعضهم الآخر في التعجل وقد يرغبون في مواصلة العمل من المنزل، وسيحتاج هؤلاء إلى إقناع رب عملهم بأنَّ العمل من المنزل مفيد لهم وله، فدعونا نلقي نظرةً على كيفية التفاوض على العمل من المنزل.
العمل عن بُعد:
قد تسمع مصطلحات "العمل من المنزل" (working from home) و"العمل عن بُعد" (remote working) تُستخدَم كأنَّها تحمل المعنى نفسه، وفي حين قد تبدو وكأنَّها مفاهيم متشابهة، إِلا أنَّها في الواقع مختلفة تماماً عن بعضها، ومن الهام فهم الاختلاف كي لا تُربك رب عملك في أثناء التفاوض معه.
العمل عن بُعد هو حين تعمل في وظيفة يمكن أداؤها من أي مكان في العالم، ويتطلب مجموعةً مختلفة تماماً من القدرات والمهارات لأدائها بشكل صحيح، وليست بالضرورة أن يكون تطبيقها ممكناً في جميع أنواع الوظائف؛ إذ إنَّ بعض الوظائف أنسب للعمل عن بُعد من غيرها، كما يتطلب العمل عن بُعد وجود مكتب منزلي والتمتع بمهارات تواصل وعمل جماعي ممتازة.
من ناحية أخرى، يشير العمل من المنزل إلى العمل من مكان إقامتك لجزء من وقت عملك أو كامله، على سبيل المثال: قد تعمل من المكتب معظم أيام الأسبوع، وتكمل عملك في المنزل في آخر يومٍ من أيام أسبوع العمل، فحينها لا تزال تتبع الهيكل وإطار العمل الذي تمليه شركتك، لكن مع استبدال مكان عملك من المكتب إلى المنزل، يكون العمل من المنزل غالباً حلاً مؤقتاً، في حين أنَّ العمل عن بُعد هو أسلوب مختلف تماماً من العمل، لكن بعد أحداث عام 2020، أصبح العمل من المنزل هو أسلوب العمل الطبيعي بالنسبة إلى الكثيرين، لذلك إذا وجدتَ أنَّ العمل عن بُعد يناسبك، فيمكنك التفاوض مع صاحب العمل لتتابع العمل على هذا النحو بعد إعادة فتح المكاتب.
ميزات العمل من المنزل:
في حين أنَّ العمل من المنزل لا يناسب الجميع بالتأكيد ولا يناسب كل مجالات العمل، إلا أنَّ له فوائد التمسها الناس، وسنستعرض 4 من الأسباب التي قد تشجعك على التفكير في العمل من المنزل:
1. الضغوطات:
قد يسبب العمل في مكتب مزدحم وصاخب ضغوطات تؤثر في الإنتاجية، بينما قد يخفف العمل في المنزل في بعض الأحيان من هذه الضغوطات، عدا عن تجنب التوتر الناجم عن التنقل اليومي من وإلى المكتب والقلق بشأن التأخير عن العمل، والفائدة الإضافية لذلك هي أنَّ الموظف قد يعمل لساعات أطول من المعتاد.
2. الإنتاجية:
يفضل بعض الناس بيئة المكتب لأنَّها تعني إنتاجيةً أعلى، بينما قد يجيد بعضهم الآخر إدارة وقتهم واستثماره من تلقاء أنفسهم، وفي الحالتين تكون معرفة كيف تكون منتجاً في أثناء العمل في المنزل عمليةً تتطلب وقتاً، ولكن بما أنَّ الموظف غير محاط بزملائه، فسوف يكون حوله مشتتات انتباه أقل.
3. المرونة:
يتميز العمل من المنزل بالمرونة الكبيرة من حيث أوقات وكيفية العمل؛ إذ يمكنك البدء متى تشاء طالما أنَّك تنجز مهامك، وعند أخذ زمام المبادرة والعمل بمفردك، ستزيد احترامك لذاتك وثقتك بنفسك؛ ذلك لأنَّك ستبادر إلى تنفيذ مشاريع كنتَ ستطلب المساعدة فيها من قبل.
4. التوازن بين الحياة المهنية والشخصية:
تفيد التقارير بأنَّ أكثر من نصف الموظفين يشعرون أنَّ التوتر الذي يسببه العمل يؤثر في حياتهم الشخصية؛ لذا من الهام تحقيق توازن بين حياتك المهنية والشخصية، وهو أمر يجب أن تراعيه عند العمل من المنزل لأنَّك ستكون موجوداً مع عائلتك أكثر بكثير، ولكن سيكون متوقع منك أن تكون متاحاً أكثر مما لو كنتَ تعمل من المكتب، والحل هو تحديد ساعات عملك.
دليل التفاوض على العمل من المنزل:
إذا كنتَ تعتقد أنَّ العمل من المنزل سيكون مفيداً بالنسبة إليك، فيجب أن توضح لرب عملك أنَّه أفضل خيار له أيضاً، وأكثر طريقة فاعليةً للتفاوض مع رب عملك هي إجراء بحث معمق عن الجوانب المختلفة للعمل من المنزل وإثبات فوائده للشركة، فقد لا يكون رب عملك منفتحاً على الفكرة كما كنتَ تأمل، ولكن يجب أن تسعى دائماً إلى أهداف كبيرة في أثناء التواصل معه بشأن ما تريد تحقيقه، واحرص على تطوير مهاراتك في التفاوض كي تتمكن من الحصول على كل ما تريد، وذلك باتباع الخطوات التالية:
1. إجراء بحث عن بيئة مجال عملك:
إذا كنتَ تعمل من المنزل خلال الأشهر الماضية، فقد يكون ظرفك بالفعل ممتازاً لمناقشة احتمالية مواصلة العمل من المنزل مع رب عملك، لكن يجب أن تطَّلع أيضاً على تجارب العمل عن بُعد التي خِيضَت في مجال عملك، وما إذا كان المنافسون لشركتك يقدِّمون هذا الخيار، وقد تتفاجأ من القطاعات التي تقدِّم فرص عمل من المنزل، فاعرف ما إذا كانت فِرق أو أقسام أخرى في شركتك تعمل بالفعل من المنزل، وقد تجد أنَّ هناك أيضاً سياسة للعمل عن بُعد من المنزل لم تعلم بوجودها، ثمَّ استخدِمها كأمثلة ملموسة عن فاعلية العمل من المنزل.
2. ذكر الفوائد بالنسبة إليك وإلى الشركة:
ربما رفض أرباب العمل فكرة العمل من المنزل في السابق؛ وذلك لأنَّهم لم يملكوا حينها الأدوات التي تُمكِّنهم من معرفة كيف ستفيدهم كما ستفيدك أنت، لكن في أثناء مفاوضاتك، يجب أن تذكر فوائد العمل من المنزل بالنسبة إليك وإلى الشركة، ويمكن أن يشمل ذلك انخفاض التكاليف وتحسين الصحة النفسية وساعات العمل الأطول ومستويات الإنتاجية الأعلى.
احرص على تحديد كيف ستؤدي عملك على نحوٍ أفضل في المنزل أيضاً، وكيف ستزداد إنتاجيتك، على سبيل المثال: ربما ستكون قادراً على التركيز بشكل أفضل لقلة مشتتات الانتباه، أو ستكون على استعداد لبدء العمل في وقت أبكر؛ ذلك لأنَّك لن تحتاج إلى التنقل، كما تُعَدُّ كل تلك الأشياء فوائد للعمل من المنزل بالنسبة إلى رب العمل.
3. الاستشهاد بالنجاحات السابقة:
إذا كنتَ تعمل من المنزل منذ بداية الحجر الصحي، فعملك يسير بشكلٍ جيِّدٍ على الأرجح، وقد أثبتَّ قدرتك على العمل بكفاءة وإنتاجية من المنزل؛ لذا استخدِم أمثلةً عن حالات تعاونتَ خلالها في الفريق عن بُعد وأنجزتَ المشروع بنجاح؛ حيث سيشجع تسليط الضوء على هذه النجاحات رب العمل بما أنَّك قدَّمتَ عملاً عالي الجودة في الماضي، وسيكون أساساً لتثبت لرب عملك أنَّك ما تزال ملتزماً وناجحاً ومنتجاً حين تتاح لك الفرصة، وخذ في الحسبان أهدافك وكيفية قياسك لتقدُّمك أيضاً.
شاهد بالفديو: كيف تعمل بكفاءة أكبر من المنزل؟
4. تحضير عرض:
ستمنحك كتابة مقترح لرب عملك فرصة دحض اعتقاداته الخاطئة عن العمل من المنزل، مثل أنَّ الموظفين العاملين من المنزل أقل إنتاجيةً وأنَّهم يخسرون فرصة التفاعل وجهاً لوجه مع زملائهم، ولذلك اشرح كيف يمكنك أن تبقي فريقك متصلاً عند استخدام نموذج العمل الهجين، فعند كتابة اقتراحك يجب عليك التفكير في أمور مثل نوع المرونة التي تبحث عنها، على سبيل المثال، سواء تريد العمل من المنزل بشكلٍ كامل أم بضعة أيام في الأسبوع، وكيف ستتابع إنجاز مهامك من المنزل واستخدام مهاراتك القيادية، وكيف سيساعدك العمل من المنزل على تحقيق أهدافك، وما إذا كان بإمكانك حل المشكلات عن بُعد.
5. إثبات فاعلية العمل من المنزل:
إذا كنتَ قلقاً بشأن العودة إلى المكتب، فمن الهام التحدث عن ذلك؛ ذلك لأنَّ القلق يسبب مشكلات في الإنتاجية والصحة النفسية والعافية عموماً أكثر مما يظنه أرباب العمل؛ لذا فقد يقبلون بمنحك فترةً تجريبية للعمل من المنزل، أو يمكنك تحديد جدول زمني بحيث تقترح على سبيل المثال أن تعمل عن بعد خلال الصيف وتقييم النتائج في الخريف، فمن الضروري أن تحصل على نتائج وتضع أهدافاً قابلة للقياس خلال هذه الفترة وتثبت أنَّ العمل من المنزل لا يؤثر في إنتاجيتك، وإذا عرضتَ نتائج ملموسة، فلن يكون هناك سبب قوي يدفع رب عملك إلى رفض منحك فرصةً للعمل من المنزل.
إيجابيات وسلبيات العمل من المنزل:
بعد أن نظرنا إلى فوائد العمل من المنزل بالنسبة إلى رب العمل، يجب أن تفكر في إيجابيات وسلبيات العمل من المنزل بالنسبة إليك، وعلى الرغم من أنَّه يبدو خطوةً مهنية جذابة ومرغوبة، ولكن وفقاً لأسلوبك وأولوياتك في العمل قد يكون خياراً رائعاً أو قد يحمل عواقب وخيمة.
إيجابيات العمل من المنزل:
إليك 5 إيجابيات للعمل من المنزل:
- زيادة الاستقلالية: إنَّ فرصة الاستقلالية في أثناء العمل من المنزل كبيرة، وهو أمر قد تحتاجه شركتك.
- تحسين مهارات التواصل: سيتطلب العمل من المنزل التواصل باستمرار مع فريقك والمديرين المسؤولين عنك، ونتيجةً لذلك ستتحسن مهاراتك في التواصل تحسُّناً كبيراً.
- تحسين المهارات الرقمية: ستعتمد على التكنولوجيا أكثر إذا كنتَ تعمل من المنزل، لذلك ستتحسن مهاراتك الرقمية بشكل ملحوظ.
- زيادة المرونة: حين لا تضطر إلى التنقل من وإلى المكتب سوف تتمكن من العمل في وقت مبكر في الصباح أو متأخر في المساء إذا تطلَّب الوضع، وسوف تتمكن من ترتيب المواعيد في حياتك الشخصية.
- توفير فرص تعاون أفضل: إذا كنتَ تعمل في شركة لديها مكاتب وأقسام في جميع أنحاء العالم، فسوف يمنحك العمل من المنزل المرونة للتعاون بشكل خلاق مع هذه الفِرق المنتشرة، وقد يساعدك على التأقلم مع الفروق الزمنية والعقبات المشابهة.
سلبيات العمل من المنزل:
إليك 5 سلبيات للعمل من المنزل:
- زيادة العزلة: يمكن أن يؤدي العمل من المنزل يومياً إلى الشعور بالعزلة، ولتجنب ذلك يمكنك الخروج في نزهات مع أصدقائك وعائلتك.
- الانفصال عن الشركة: قد لا تشعر بأنَّك جزء من ثقافة الشركة حين تعمل من المنزل، وقد تفوتك بعض المعلومات الهامة؛ مما قد يؤدي إلى الشعور بعدم الانتماء أو الحرمان من حق المشاركة.
- مصادر تشتيت الانتباه في المنزل: يمكن أن تتسبب مشتتات الانتباه مثل التلفاز أو الحيوانات الأليفة أو الأعمال المنزلية في عرقلة يوم عملك؛ مما قد يؤثر في دوافعك وإنتاجيتك، لذلك من الهام جداً إيجاد طرائق للحد منها.
- خطر الإرهاق: قد تواجه صعوبةً في تحديد ساعات العمل حين لا تضطر إلى الذهاب إلى المكتب كل يوم؛ مما قد يجعلك عرضةً لخطر الإرهاق.
- تكاليف إدارة مكتب منزلي: حين تعمل في مكتب لا تؤثر فيك أمور مثل فاتورة الإنترنت وفواتير الكهرباء، لكن حين تعمل من المنزل، ستبدأ بملاحظتها، عدا عن الأشياء الأخرى التي قد تحتاج إلى شرائها مثل كرسي مكتب أو شاشة.
في الختام:
قد يناسبك العمل من المنزل، وخاصةً إذا وجدتَ كيف يمكن أن يسير عملك بشكلٍ جيد خلال الحجر، لكن مع افتتاح المكاتب مجدداً سيريد أرباب العمل استثمار المباني التي يدفعون لقاءها المال؛ لذا من الهام أن تفتح موضوع العمل من المنزل مع رب عملك بحذر بعد إجراء البحث اللازم عن فائدة هذا الخيار بالنسبة إلى كليكما، وفي النهاية أياً كانت النتيجة ستثبت عملية التفاوض وحدها لرب عملك أنَّك تفكر بطريقة مبتكرة وأنَّك واثق بنفسك.
أضف تعليقاً