أظهرت العديد من الدراسات أنَّ مستويات الكورتيزول لدينا ترتفع عندما نُحاط بالغرباء (الكورتيزول هو الهرمون الموجود بداخلنا والذي يُفرَز استجابةً للتوتر)؛ ومن النتائج الثانوية الجاذبة للاهتمام التي ترافق زيادة نسبة الكورتيزول أنَّه يجعلنا أقل تعاطفاً مع الآخرين، ومن المحتمل أن يرتبط ذلك بتحسننا؛ إذ إنَّ زيادة الكورتيزول وما يقابله من انخفاض في التعاطف يجعلنا نرغب في الابتعاد عن الغرباء؛ فنحن بطبيعتنا البيولوجية نشعر بالقلق إزاء الغرباء، وهناك سبب آخر؛ وهو أنَّ كل البشر أمضوا فترة كبيرة من تاريخهم مُتَّحِدِين معاً في مجموعات حماية صغيرة؛ لقد فعلنا ذلك من أجل المساعدة في حماية بعضنا بعضاً، ولزيادة مواردنا وثرواتنا؛ فعندما تفكر في الأمر وفق هذا المنحى، فإنَّ الغرباء عن مجموعاتنا الصغيرة يشكلون خطراً محتملاً؛ فالخوف من الغرباء أمر شائع في جميع الثقافات البشرية تقريباً.
يمكننا أيضاً أن نكون ممتنين لمجتمعنا لمساعدتنا على الشعور بعدم الارتياح والخوف أحياناً من الغرباء، فمصطلح "الغريب الخطر" ينشأ لدى معظمنا إما بحسب طريقة النمو أو بحسب تربية الأطفال، أو بكليهما معاً؛ فمن الجيد تذكر والديك جيداً عندما كانا يوجهان ملاحظات عن عدم الركوب في سيارة مع شخص لا تعرفه مثلاً.
إنَّ فكرة أنَّ الغرباء يمكن أن يشكلوا خطراً علينا تُعدُّ جزءاً أصيلاً من تكويننا؛ لذا كل ما عليك القيام به هو عدم الإصغاء لوسائل الإعلام التي تضخِّم فكرة أنَّ الغرباء يقومون بأشياء مثل اختطاف الأطفال وتبالغ فيها، والآن وبعد أن ذكرنا بعض الأسباب التي تجعلنا نشعر بالتوتر، فلنلقِ نظرة على بعض النصائح حول طريقة التحدث مع الغرباء دون الشعور بالإحراج:
1. إلقاء التحية:
قد يبدو إلقاء التحية في البداية أمراً واضحاً بعض الشيء؛ لكن دعونا نلقي نظرة أعمق؛ فالكثير من الحرج الاجتماعي الذي يحدث عند التحدث إلى الغرباء هو ببساطة للقضاء على الخجل والتوتر وكسر حواجز الخوف؛ فالكلمات الأولى هي التي ستدفع الطرف الآخر لمشاركتك الحديث، إذ سيستجيب معظم الناس عندما يلقي أحدهم التحية، وأولئك الذين لا يفعلون ذلك، ربما لن ترغب في التحدث إليهم على أي حال؛ فتدرب على كونك الشخص الذي يبدأ الحديث، وألقِ التحية.
2. السؤال عن الأحوال:
الشيء الذي نلاحظه على مر السنين هو أنَّ الناس يحبون التحدث عن أنفسهم، كما يميل الأشخاص الذين يحبون الخصوصية كثيراً إلى بدء الحديث عندما يُسألون عن الأحداث في حياتهم.
يمكنك طرح بعض الأسئلة البسيطة التي تجعل الناس يتحدثون عن أنفسهم وعن الأحداث الأخيرة التي حصلت معهم؛ مثل الأفلام التي شاهدوها مؤخراً أو الإجازة الصيفية الرائعة التي قضوها، كما يفضل الناس التحدث عن أطفالهم؛ فالسؤال عن الأطفال هو موضوع سهل للغاية، وعموماً سيشرح معظم الناس كل الأشياء الرائعة التي يقوم بها أطفالهم أو التي يشاركون فيها.
3. عدم التواني:
أحد أكبر أسباب عدم قيامنا بأشياء نريدها بالفعل أو التي نعلم أنَّه ينبغي علينا القيام بها هو أنَّنا نفكر فيها كثيراً؛ لذا توقف عن التفكير في الأمر كثيراً وافعله فقط؛ فعندما تمنح نفسك الوقت لتحليل كل فكرة صغيرة متعلقة بموقف ما، فإنَّك تحصل على الوقت الكافي أيضاً لتتحدث مع نفسك بعيداً عن الموقف، وسينتهي بك الأمر إلى التفكير بأفكارٍ مثل "ماذا لو حدث هذا؟ أو ماذا لو حدث ذلك؟"؛ لذا حاول أن تجبر نفسك على الانخراط في الموقف بسرعة دون التفكير كثيراً، فكلما فعلت ذلك؛ وستشعر دائماً بالرضا حيال ذلك فيما بعد، وذلك بصرف النظر عن الطريقة التي تؤول إليها الأمور.
4. عدم أخذ الأمور على محملٍ شخصي:
أحد أعظم الدروس التي نتعلمها في الحياة هي ألا نأخذ أي أمر على محمل شخصي، فنحن جميعاً نمرُّ بمجموعة من التجارب الخاصة، ونرى الأشياء من وجهات نظرنا.
إنَّ الطريقة التي يتفاعل بها الناس مع المواقف المختلفة في الحياة لا تخصنا على الإطلاق؛ وإنَّما يتعلق الأمر بالتجارب السابقة ومشاعر الناس تجاه الأشياء الأخرى وليس تجاهنا، وعندما لا يكون رد فعل الشخص كما كنت ترجوه أو تتوقعه، فمن المحتمل أنَّه لا علاقة لك بالأمر؛ لذا تذكر ذلك دائماً، وضعه في حسبانك.
5. جعل الحديث مضحكاً إذا أمكن:
نحب جميعاً الضحك لأنَّه يجعلنا نشعر بالرضا، وعندما يساهم شخص ما في ذلك؛ فإنَّنا نتذكره بصورة إيجابية، وإحدى أفضل الطرائق التي تجعل المحادثة سهلة وسلسة هي أن تحتوي القليل من الفكاهة.
لا يعني هذا أنَّه عليك أن تلقي الطرائف أو أي شيء آخر، وإنَّما أن تحرص على التحدث بطريقة تجعل الطرف الآخر يبتسم أو يضحك قليلاً. في الواقع، قد يكون الضحك على هفواتك أو مواقف شخصية تعرضت إليها محاولة لطيفة أحياناً.
6. الفصل بين الأمور:
من الجميل ألَّا تمانع الطريقة التي سارت الأمور فيها، إذ إنَّك ستكون بخير بصرف النظر عما يحدث؛ فمثلاً: عندما تشاهد فريقي كرة القدم المفضلين لديك يلعبان أمام بعضهما بعضاً، لا يهمك -حقاً- من سيفوز، وإنَّما تريد مشاهدة مباراة ممتعة؛ لذا تعامل مع الحديث مع الغرباء بالطريقة نفسها، ولا تكترث إلى طريقة سير الحديث بينكما فأنت لا تهمك النتيجة، وإنَّما اجعل من ذلك الأمر وقتاً ممتعاً مع نفسك، وإذا سار الحديث بشكل جيد؛ فهذا خارق للعادة، وإذا لم يكن الأمر كذلك؛ فليس بالأمر الهام، ابدأ بشيء آخر.
7. مشاركة حكاياتك وقصصك:
يحب الجميع الشعور بالارتباط مع أشخاص آخرين، وفي كثير من الأحيان ينتهي بنا الأمر بالخروج مع أشخاص تربطنا معهم اهتمامات مشتركة.
لمساعدتك في طريقة التحدث إلى الغرباء دون الشعور بالإحراج، اروِ القصص التي لها قواسم وجوانب مشتركة مع الشخص الذي تتحدث معه، كالأطفال مثلاً؛ على فرض أنَّ لديك ابنةً مشجعةً لإحدى الفرق وتتريَّضُ الآن، وأثناء تواصلك مع بعض الغرباء والحديث معهم علمتَ بأنَّ لديهم أطفال يتريضون أيضاً، في هذه الحال من السهل عليك التواصل معهم؛ فعندما تتحدث إلى شخص غريب ولديك قصص أو أمور مشتركة بينكما، فاذكرها وتحدث عنها.
8. مدح الطرف الآخر:
نحب جميعُنا سماعَ المديح، سواء اعترفنا بذلك أم لا، وعامةً، نحن لا نمدح الآخرين كفايةً، وإنَّه لأمر مدهش كيف أنَّ ملاحظةً واحدة صغيرة يخبرك بها شخص ما -خلال يومك- حول مقدار جمال مظهرك يمكن أن تؤثر في يومك بأكمله.
عندما تتحدث مع شخص لا تعرفه، تحقق فيما إذا كان بإمكانك مديحه؛ ولكن ليس من الجيد أن تخبر شخصاً رأيته للتو أنَّه أجمل شخص قابلته على الإطلاق؛ ومع ذلك، إذا كان بإمكانك تقديم بعض الإطراء والمديح عن لباسه أو طريقة تفكيره، فسوف يساعد ذلك على جعل المحادثة بينكما سلسة ومدهشة.
9. تحكم في لغة جسدك:
إذا واجهت موقفاً جعلك تشعر بالقلق أو الغضب، فسيظهر ذلك على جسدك؛ كأن تكون أكتافك مشدودة وتشعر بالتوتر، وتعتري نظرةٌ من الخوف وجهَك؛ لذلك عندما تتحدث مع شخص غريب، اجعل هدفك التحكم بلغة جسدك.
خذ نفساً عميقاً قبل أن تبدأ الحديث مع شخص ما، ودع جسمك يرتاح وارسم ابتسامة على وجهك؛ إذ سيساعدك ذلك على الاسترخاء، كما أنَّ له فائدة إضافية تتمثل في جعل الطرف الآخر يشعر براحة أكبر؛ فإذا لاحظ أنَّك مرتاح، فهذا سيساعده على الاسترخاء أيضاً، بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ وجود لغة جسد واضحة وصريحة تساعد كثيراً في دعوة شخص ما لمشاركتك في الحديث.
شاهد بالفيديو: كيف تستثمر لغة الجسد لتكسب كاريزما قوية تسحر من حولك؟
10. الممارسة ثم الممارسة:
مثل أي شيء آخر في الحياة، تصبح فكرة التحدث مع الغرباء أمراً سهلاً مع الممارسة، فكلما فعلت ذلك، أصبح الأمر أسهل؛ لذا تحدث مع العديد من الغرباء كل أسبوع.
سيساعدك ذلك على الشعور بالاسترخاء كلما فعلت ذلك أكثر فأكثر، وبعد فترة، سيصبح ذلك شيئاً اعتيادياً ولا تفكر فيه، وإنَّما تفعله فحسب؛ وهذا ما من شأنه أن يقضي على كل الحرج الاجتماعي من التعرض إلى مثل هذه المواقف.
فوائد التحدث مع الغرباء بشكل مريح:
الآن وبعد أن عرفنا تقنيات التحدث إلى الغرباء، والمضي قدماً دون إحراج أو خوف؛ فلنتعرف إلى فوائد التحدث مع الغرباء بشكل مريح:
- يوسع شبكتك الاجتماعية: بعد التحدث إلى شخص لم تكن تعرفه مسبقاً، يصبح شخصاً تعرفه قليلاً؛ وهذا الأمر يساعدك على توسيع شبكة الأشخاص الذين تعرفهم من حولك، وهو أمر مفيد من نواح عدة سواء في علاقاتك في العمل أم في علاقاتك الاجتماعية.
- يُحسِّن مهاراتك في التواصل: كلما تحدثت أكثر إلى الناس -وخاصة الأشخاص الذين لا تعرفهم- زادت مهاراتك في التواصل؛ كما سيؤدي التفاعل مع مجموعة متنوعة من الأشخاص إلى تحقيق فائدة إضافية تتمثل في تحسين مهاراتك في التواصل.
- التعلم المستمر: لا يسعى الكثير منا بنشاط إلى تعلم أشياء جديدة، رغم أنَّ هذا الأمر من أحد الأمور الرئيسة للحفاظ على النشاط في الحياة وتنمية الذات؛ ففي كل مرة نتحدث فيها إلى شخص لا نعرفه من قبل، نتعلم شيئاً جديداً؛ وعندما نتحدث إلى الغرباء، فإنَّ ذلك يدفعنا إلى الخروج من مناطق راحتنا، ويجعلنا نميل إلى تعلم أشياء جديدة.
- زيادة الثقة بالنفس: في كل مرة نتعلم فيها القيام بشيء كنا قلقين بشأنه مسبقاً، نشعر بتحسن تجاه أنفسنا؛ إذ إنَّ إجبار أنفسنا على التحدث مع الغرباء سيؤدي إلى زيادة ثقتنا بأنفسنا؛ لكوننا نشعر براحة أكبر عند القيام بشيء جعلنا نشعر بالإحراج سابقاً، إذ سترتفع ثقتنا بأنفسنا وتتصاعد.
أفكار أخيرة:
كما هو واضح، من الطبيعي تماماً أن تشعر بالحرج عند التحدث مع الغرباء، فقد خلقنا بيولوجياً بهذه الطريقة؛ كما أنَّنا نعيش في مجتمع يحذِّرنا باستمرار من خطورة هذه الفكرة، فلا عجب إذاً أن نشعر بالإحراج حين التحدث إلى الغرباء!
لا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ هنالك فوائد عديدة للشعور بالراحة عند التحدث إلى الغرباء؛ فاحرص على استخدام بعض الأساليب المذكورة أعلاه، لتتعلم طريقة ذلك دون الشعور بالإحراج؛ فما إن تبدأ بممارسة ذلك واستخدام بعض النصائح المذكورة، حتى تشعر بمزيد من الراحة؛ وهو ما سيؤدي بدوره إلى اكتساب مهارات جديدة وزيادة ثقتك بنفسك.
تذكَّر أنَّ كل شخص تعرفه كان غريباً يوماً ما؛ لذا انطلق وكوِّن بعض الصداقات الجديدة.
شاهد: كيف تتحدث مع الغرباء
أضف تعليقاً