إنَّ طفل اليوم هو رجل الغد، وما يختبره من تجارب - سواء أكانت سارَّة أم محزِنة - ستترك أثراً عميقاً في حياته وتشكُّل شخصيَّته، وأصبح من الضروري فهم أسباب ومظاهر فوبيا المدرسة لدى الأطفال، والعمل على تقديم الدعم والمساعدة لهم؛ لتجاوز هذه التحديات، والاستمتاع بتجربة التعلم بكلِّ ثقة وسعادة، فالمدرسة هي نقطة تحوُّل في حياة الطفل، ومصدر نموِّه الفكري والنفسي وبناء مستقبله، ويظهر معيار حضارة الإنسان خاصَّة، والمجتمع عامَّة، من خلال الاهتمام بالأطفال، وزيادة أوجه الرعاية التي تُقدَّم لهم.
تعريف فوبيا المدرسة:
فوبيا المدرسة: هي إحدى المخاوف النفسيَّة الشائعة التي يواجهها الأطفال في مرحلة الطفولة عند بداية دخولهم للمدرسة، وتستحوذ على اهتمام كثير من التربويين؛ بسبب تأثيرها العميق في صحَّة الطفل النفسية، ونموِّه الانفعالي والاجتماعي، وتتمثَّل فوبيا المدرسة بالخوف الشديد أو الحاد الذي يعاني منه الطفل من الذهاب إلى المدرسة، ويرتبط القلق بالموقف المدرسي ارتباطاً كبيراً، ويشتدُّ لدرجة أنَّ الطفل لا يمكنه البقاء في المدرسة.
يُصاحب هذا القلق أعراضاً جسميَّة مثل الغثيان والألم المعوي، وتظهر هذه الأعراض عادةً في مواقف معيَّنة، مثل الذهاب إلى المدرسة، أو في أثناء الوجود في الصفوف الدراسية، وقد تتنوَّع الأعراض من الخوف من المعلِّم، إلى الخوف من الزملاء، وحتى الخوف من الاختبارات والواجبات المدرسية، ويُعدُّ هذا التحدي عبئاً إضافياً على الطفل وعلى عائلته، ويستدعي التدخُّل المبكِّر لتقديم الدعم والعلاج اللازمَين؛ لمساعدته على تجاوز هذه المشكلة، والتأقلم تأقلماً صحيحاً مع بيئة المدرسة.
أسباب فوبيا المدرسة (الخوف المدرسي):
توجد عدَّة أسباب قد تزيد من احتماليَّة أن يعاني الأطفال من فوبيا المدرسة، وهي:
1. الانفصال عن الوالدين:
قد يكون ابتعاد الطفل عن والديه لأوَّل مرة عند الذهاب إلى المدرسة سبباً رئيساً في ظهور الخوف والقلق لديه؛ لأنَّه يفقد الشعور بالأمان الذي يوفِّره وجود والديه.
2. التجارب السلبية:
قد تحدث فوبيا المدرسة عند الأطفال نتيجة لتجارب سلبية يمرُّون بها في بيئة المدرسة، وهذه التجارب قد تكون مصدر قلق ورهبة لهم، مثل تعرُّض الطفل للاستهزاء أو التنمُّر من قِبَل زملائه في المدرسة، أو شعور الطفل بالقلق والضغط النفسي؛ بسبب الاختبارات والواجبات المدرسية، أو بسبب تجارب الطفل السلبية مع المعلمين، كتجاهلهم له أو عدم المعاملة العادلة، إضافة لذلك قد يتعرَّض الأطفال لتجارب اجتماعية سلبية مع زملائهم في المدرسة، مثل عدم القبول في الجماعة، أو الشعور بالوحدة، وتزيد هذه التجارب من شعورهم بالقلق، والخوف من المدرسة.
3. أساليب التربية الخاطئة:
تؤثر أساليب التربية الخاطئة في ظهور فوبيا المدرسة عند الأطفال تأثيراً كبيراً، فعندما يتحدَّث الوالدان عن المدرسة بسلبيَّة، ويروِّجان لفكرة أنَّ المُدرِّس والمُدرِّسة هما مصدر للخوف والعقاب، فإنَّ ذلك سينعكس على نظرة الطفل للمدرسة، وسيزيد من رهبته وخوفه منها.
مثال: عندما يتحدَّث الوالدان أمام الطفل عن العقاب القاسي في المدارس، فإنَّ ذلك سيزرع في عقل الطفل فكرة بأنَّ المدرسة مكانٌ صارم ومُخيف، وهذا يزيد من خوفه من الذهاب إليها، وكذلك الأمر عندما يصف الوالدان المدرِّس بأنَّه قاسي القلب، ويستخدم أساليب تأديب قاسية، فسيخلق ذلك صورة سلبية لدى الطفل عن المدرِّس، وسيجعله يشعر بالخوف والرعب منه، كما أنَّ ذكر الوالدين لحوادث الاعتداء التي وقعت بين الأطفال في المدرسة، يزيد من خوف الطفل ورهبته من المدرسة، ومن التعامل مع زملائه، إضافة إلى ذلك فإنَّ توقُّعات الأهل المُبالغ فيها عن الأداء الذي يجب أن يقدِّمه الطفل قد تزيد من مخاوفه.
4. الجهل:
قد يكون الجهل بماهيَّة الشيء دافعاً للخوف، وهذا ينطبق أيضاً على فوبيا المدرسة عند الأطفال، فسيشعر الطفل بالخوف والرهبة تجاه المدرسة والبيئة المدرسيَّة عندما يكون الطفل غير ملمٍّ بماهيَّتها، وما يُتوقَّع منه في هذه البيئة، وقد لا يكون الطفل - في بعض الأحيان أيضاً - على دراية بالتجارب الإيجابية التي قد يعيشها في المدرسة، وهذا يجعله يركِّز فقط على الجوانب السلبية، ويشعر بالخوف من المجهول.
5. التقليد:
يُعدُّ التقليد أحد أبرز أسباب فوبيا المدرسة عند الأطفال، ويتلقَّى الأطفال إشارات وتلميحات عما ينبغي أن يخافوا منه، أو يشعروا بالقلق تجاهه من الأشخاص الذين يقتدون بهم، سواء كانوا كباراً في السن أم أقرانهم، فإذا شاهدَ الأطفالُ الكبارَ من حولهم - مثل الأهل أو المعلِّمين - يُظهِرون علامات الخوف، أو يتحدَّثون بسلبيَّة عن المدرسة، فسيؤثِّرون فيهم، وسيبدأ الأطفال بتقليدهم، وتبنِّي مشاعر الخوف نحو المدرسة.
6. الاضطرابات التعليمية:
قد تسبِّب الاضطرابات التعليمية، مثل "الديسليكسيا"، و"الديسغرافيا"، و"الديسبراكسيا" فوبيا المدرسة عند الأطفال، وتؤثر هذه الاضطرابات في مهارات القراءة والكتابة والتحدُّث والاستماع، وهذا يصعِّب تجربة الطفل في البيئة المدرسية، ويزيد مستوى القلق والرهبة لديه.
شاهد بالفديو: 7 معايير أساسية لاختيار المدرسة الأنسب لطفلك
أعراض الخوف المدرسي:
تتنوَّع أعراض فوبيا المدرسة عند الأطفال بين الأعراض الجسمية والنفسية والاجتماعية، وتظهر بمستويات مختلفة من الشدَّة والتأثير من طفل لآخر، فالأعراض الجسدية، مثل (الصداع، والدوخة، والإغماء، والشعور بالإعياء، وألم في المعدة والأمعاء، والقيء، والتبوُّل اللاإرادي، والزيارات المتكرِّرة لدورات المياه، وألم في الحلق مثل صعوبة البلع، والإسهال، وارتعاش الأطراف وألم في الساق، وشحوب الوجه والاصفرار، والحمى الزائدة ونزلات البرد)، والأعراض النفسية والاجتماعية، مثل (البكاء والتوسُّل للأهل بالبقاء في المنزل، والشعور بالحساسية الزائدة التي تؤدي إلى البكاء، والقلق الشديد، والحزن الشديد، والاكتئاب، واستخدام العنف أحياناً بوصفه وسيلة للتعبير عن الضغط والقلق، وعدم الثبات في الانفعالات، وأحلام اليقظة المرتبطة بالمدرسة والخوف منها، ونوبات الغضب أحياناً نتيجة الضغط والتوتر، والانطواء والعزلة الاجتماعية، والانسحاب من التفاعل مع الآخرين).
قد تجعل هذه الأعراض الطفل يرغب في البقاء في المنزل، ويفضِّل عدم الذهاب إلى المدرسة، وقد تهدأ الأعراض قليلاً عندما يُسمَح للطفل بالبقاء في المنزل، ومع ذلك عندما يعود الطفل إلى المدرسة، قد تعود الأعراض بشدَّة أكبر، وهذا يشير إلى استمرارية الفوبيا المدرسية وقوَّتها.
علاج فوبيا المدرسة (الخوف المدرسي):
يشمل علاج فوبيا المدرسة عند الأطفال مجموعة من الطرائق والتدابير التي تهدف إلى مساعدة الطفل على التغلُّب على القلق والتوتر المرتبط بالمدرسة، واستعادة ثقته وراحته في هذه البيئة التعليمية.
إليك بعض الطرائق التي يمكن استخدامها لعلاج فوبيا المدرسة:
1. التحدُّث مع الطفل:
يجب الاستماع إلى مخاوف الطفل وفهمها بعمق، ويمكن للوالدين والمعلِّمين تقديم الدعم العاطفي، والتأكيد على أنَّ الطفل آمن في المدرسة، وأنَّهم موجودون؛ لمساعدته على التغلُّب على مخاوفه.
2. بناء الثقة:
يمكن بناء الثقة من خلال تشجيع الطفل، والإشادة بجهوده المبذولة ونجاحاته الصغيرة، كما يمكن توفير بيئة داعمة في المدرسة، والتأكيد على قدرته على التكيُّف والتأقلم.
3. تخفيف القلق من المدرسة:
يمكن تخفيف قلق الطفل من المدرسة عن طريق الزيارات المدرسيَّة المسبَقة، والتعرُّف إلى المكان، والتعرُّف إلى المعلِّمين والزملاء، كما يمكن القيام بجولات في المدرسة قبل بدء السنة الدراسية الجديدة.
4. تطبيق تقنيات الاسترخاء:
يمكن تدريب الطفل على تقنيات الاسترخاء مثل التنفُّس العميق، والتأمُّل، والتخيُّل الإيجابي؛ للمساعدة على التخفيف من التوتر والقلق.
5. تقديم الدعم العلاجي:
قد يكون من الضروري للأطفال الذين يعانون من فوبيا المدرسة تلقِّي الدعم العلاجي من خلال المعالجة السلوكيَّة، أو العلاج النفسي؛ لمساعدتهم على مواجهة القلق والتغلُّب عليه.
6. التعاون مع المدرسة:
يجب التعاون مع المدرسة والمعلِّمين؛ لتقديم الدعم والمساعدة للطفل في المدرسة، كما يمكن تنظيم اجتماعات مع المعلِّمين؛ لوضع خطط خاصة تساعد الطفل، وتوفِّر الدعم اللازم له.
7. المكافآت والتشجيع:
يمكن استخدام نظام المكافآت والتشجيع؛ لتعزيز السلوك الإيجابي المتعلِّق بالذهاب إلى المدرسة، والتكيُّف مع بيئتها.
8. تجنُّب العقاب السلبي أو الإيجابي:
ينبغي تجنُّب استخدام العقاب سواء أكان إيجابياً أم سلبياً؛ لأنَّه يؤدي إلى تكوين علاقة سلبية وتجربة مؤلمة للطفل، وهذا قد يؤدي في النهاية إلى ظهور خوف دائم لدى الطفل من العقاب، وقد يؤثر في تطوِّره ونموِّه في مرحلة الطفولة.
9. تجنُّب تخويف الطفل من قبَل المعلِّم:
يجب على المعلِّم تجنُّب تخويف الطلاب لأداء الأعمال المطلوبة منهم، فقد يؤدي ذلك إلى شعور الطفل بالنقص وفقدان الثقة بالنفس، ويُعدُّ كلٌّ من الوالدين والمعلمين مصدراً مباشراً لتلك المخاوف؛ لذا من الضروري أن يتعاون المعلِّمون مع الطلَّاب باستخدام طرائق تشجيعية وداعمة؛ لتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتحفيزهم على التطوُّر النفسي الإيجابي.
في الختام:
تُعدُّ فوبيا المدرسة مشكلة خطيرة قد تؤثر تأثيراً كبيراً في حياة الأطفال ونموِّهم النفسي والاجتماعي، وتُعدُّ الأسباب المتعدِّدة وراء هذه الفوبيا، مثل: الأساليب التربوية الخاطئة، والتجارب السلبية في المدرسة، والتقليد، والاضطرابات التعلمية، أموراً يجب معالجتها بجديَّة، ويمكن التغلُّب على فوبيا المدرسة من خلال توفير بيئة داعمة وآمنة في المدرسة، وتشجيع الثقة والتواصل المفتوح مع الطلاب، كما ينبغي على الوالدين والمعلِّمين أن يتبنَّوا استراتيجيات متعدِّدة؛ لمساعدة الأطفال على التغلُّب على مخاوفهم، وبناء ثقتهم بأنفسهم.
يتطلَّب علاج فوبيا المدرسة التعاون بين الأهل والمعلِّمين والمختصين في التعليم والصحَّة النفسية، ويجب أن يُوفَّر الدعم اللازم للطفل من خلال العلاج السلوكي أو النفسي، إضافة إلى تقديم الدعم والتوجيه للوالدين والمعلِّمين؛ لفهم أسباب القلق، والتعامل معه بفاعلية، ويمكننا مساعدة الأطفال على التغلُّب على الخوف المدرسي، وتحقيق تجربة تعليمية إيجابية ومثمرة من خلال تبنِّي الاستراتيجيات المناسبة، وتقديم الدعم اللازم.
المصادر +
- ناصر الزاوية و برجلاغي سعاد، الخوف المدرسي وتأثيره على عملية التكيف المدرسي لدى تلاميذ الطور الابتدائي ، جامعة أحمد دارية أدرار،
أضف تعليقاً