لكن نتيجة بعض الأسباب قد تضعف ثقة الإنسان بنفسه أو تنعدم في بعض الأحيان ليتسبب ذلك في فشله بالحياة العاطفية أو الاجتماعية أو العملية، أو حتى فشله في الحصول على العمل الذي يرغب فيه، أو اغتنام الفرص الهامة على الرغم من تمتعه بخبرات ومهارات مميزة، إلا أنَّ انعدام الثقة بالنفس يمنعه من إظهار إمكاناته، ويزداد الأمر سوءاً عند تربية طفل بثقة معدومة، فما العمل حينها؟
يمكن التغلب على انعدام الثقة بالنفس سواء عند الأطفال أم غيرهم باتباع النقاط التي سنتحدث عنها في هذا المقال؛ وذلك من خلال معرفة أسباب انعدام الثقة بالنفس وعلاجها.
أسباب فقدان الثقة بالنفس:
أجريت العديد من الأبحاث والدراسات لمعرفة أسباب انعدام الثقة بالنفس، وجميعها اعتمدت على تجارب حياتية متنوعة فتوصلت الأبحاث إلى الأسباب الآتية وراء انعدام الثقة بالنفس:
1. البيئة الاجتماعية:
تختلف البيئة الاجتماعية من إنسان إلى آخر، فكل منا قد نشأ في وسط معين يتمثل بالمنزل والمدرسة والحي الذي يسكنه ومر فيه بمراحله كافة بدءاً من الطفولة وصولاً إلى الشباب؛ إذ تصبح عندها شخصية الإنسان واضحة، لذلك كل شخص وُجد في وسط معين قد ترك أثراً ما في نفسه إما إيجابياً أو سلبياً.
إن كانت التربية التي تلقاها الإنسان تعتمد على فرض السيطرة وقمع الرغبات وعدم الاستماع للآراء أو عدم السماح له بالتفكير بطريقة تشذ عن العادات والتقاليد، بالتأكيد سيكون شخصاً ضعيف الشخصية يهتم بنظرة من حوله فقط ولا يجرؤ على التعبير عن رغباته الحقيقية.
2. التركيب الجيني للإنسان:
تؤكد الدراسات أنَّ نسبة 25-50% من الصفات الشخصية للإنسان تكون متوارثة، وأنَّ الثقة بالنفس متعلقة بالتركيب الجيني للشخص، فجزء من عوامل بناء الثقة بالذات موجود في دماغ الإنسان منذ ولادته، فعندما يكون الفرد ذا شخصية مترددة وخائفة من اتخاذ القرارات نتيجة عدم الثقة بالنفس، من الطبيعي أن يكون أحد الأبناء على الأقل يتمتع بنفس السمات.
3. المؤثرات المحيطة:
هي المواقف التي يعيشها الإنسان خلال حياته والتي تترك آثاراً سلبية في نفسه مثل الدخول في علاقة عاطفية بحماسة ثم انتهائها بالفشل أو الطلاق، أو التعرض للخيانة من صديق مقرب، أو التعرض للتنمر من المجتمع المحيط بسبب شكله كالتنمر الذي يتعرض له أصحاب الوزن الزائد مثلاً، وقد تكون ظروف الحياة الصعبة هي السبب في انعدام الثقة بالنفس مثل الفقر على الرغم من أنَّها ظروف مفروضة على الإنسان، إلا أنَّها تتسبب بحالة نفسية سيئة.
4. التفكير الخاطئ:
قد تكون أفكار الإنسان هي السبب في انعدام ثقته بنفسه مثل لوم النفس على أصغر الأخطاء والملل السريع والاستسلام عند التعرض للمصاعب في طريق تحقيق الأحلام لاعتقاده أنَّه غير قادر على النجاح، إضافة إلى قابلية تقبُّل أي نقد سلبي دون التحقق من صحته، فكل ما سبق يؤدي إلى سوء تقدير الذات وعدم احترامها، ومن ثمَّ عدم الثقة بها.
5. الفشل الوظيفي:
كثيراً ما يتسبب ذلك بالقلق والاكتئاب على الرغم من أنَّه معيار غير دقيق لنجاح الإنسان، فربما كان يعمل في المكان غير المناسب، وربما لديه مهارات وخبرات بمجال آخر ولكنَّه لم يكتشفها بعد، أو ربما لم يجتهد ويعمل بالمستوى المطلوب لاكتساب الخبرة الكافية فيتعرض للفشل في عمله والطرد غالباً.
6. التأثر بشبكات التواصل الاجتماعي:
التي تُظهر لنا حياة الآخرين بصورة مثالية جداً تجعل بعض من يشاهدها يشعر بالضيق نتيجة مقارنة نفسه بهم، وقد تدفعه إلى تقليدهم ومن ثم الفشل في الوصول إلى ما وصلوا إليه.
شاهد: 8 ممارسات لتزرع الثقة في نفس طفلك
أسباب فقدان الثقة بالنفس عند الأطفال:
يعود انعدام الثقة بالنفس عند الأطفال إلى الأسباب الآتية:
1. التربية السيئة:
المسؤول عنها بالدرجة الأولى الأبوان، فإن تعرَّض الطفل لإحدى مظاهر التربية السيئة مثل التعنيف سواء الجسدي أم اللفظي من خلال القسوة الشديدة بالكلام وفرض الأوامر والصراخ وعدم السماح له بالتصرف بأريحية وتفريغ الطاقات الكامنة باللعب أو التحدث، لا بد من ظهور خلل في بناء شخصية الطفل.
2. الإحباط المتكرر:
الطفل لديه محاولات لتحقيق ذاته باستمرار من خلال ما يتوفر لديه من إمكانات كالرسم أو التلوين أو الرقص أو محاولة تعلُّم العزف أو مساعدة أهله ببعض الأعمال، لكن لا يمكنه النجاح إن لم تتوفر له البيئة الداعمة التي تساعده على تصويب الخطأ، فسوف تتكرر الأخطاء حتى يصل عقله إلى نتيجة سلبية فيَعُدُّ نفسه شخصاً فاشلاً ويتوقف عن المحاولة كي لا يشعر مرة أخرى بخيبة الأمل.
3. الإعاقات أو التشوهات الخلقية:
التي تُشعر الطفل بأنَّه لا يشابه أقرانه، ويزداد الأمر سوءاً إن تعرَّض للتنمر أو سمع الانتقادات السلبية اللاذعة من أحدهم.
4. عدم الاستقرار الأسري:
الذي يتسبب بالكثير من المشكلات النفسية للطفل، فالطفل الذي يشاهد الخلافات العائلية أو يسمع أصوات المشاجرات باستمرار يعاني من العديد من مشكلات لا إرادية كالتبول أو التأتأة أو التوتر، وكل ذلك يؤدي إلى نتيجة واحدة وهي انعدام ثقته بنفسه.
5. مقارنته بالآخرين:
الطفل شديد الحساسية لهذا الأمر، ونتيجة تكرار المقارنات السلبية لا يتمكن من تقدير ذاته واحترامها؛ وذلك لأنَّه لم يتمكن من بلوغ أهداف والديه ونيل الفخر بقدراته وإنجازاته.
6. الخوف من العقاب:
يقوم بعض الأهل بتكبير أخطاء الطفل وتطبيق العقاب متناسيين أنَّ الوقوع في الأخطاء أمر طبيعي للطفل ولا يمكنه التعلم إلا بعد الخطأ، فيغرسون في نفسه الخوف من القيام بأي عمل والتردد من اتخاذ أي قرار خوفاً من نتائجه.
ما هو علاج فقدان الثقة بالنفس؟
نظراً لأهمية الثقة بالنفس في مختلف جوانب الحياة يجب علاج انخفاضها أو فقدانها بشكل سريع، لذلك إليك بعض النقاط المساعدة على ذلك:
1. تنظيم الحياة:
لا يمكن أن يصل الإنسان إلى النجاح دون وضع الخطط التي تساعده على الوصول إلى الأهداف، فطريق النجاح بأي أمر يحتاج إلى التزود بخبرات معينة تمكِّنه من تجاوز المصاعب، لذلك خذ ورقة وقلماً وفكر جيداً بأهدافك في الحياة، ثم حدد ما يحتاجه كل هدف لتصل إليه، وعند إنجاز خطوة ما في طريق النجاح دوِّنها لتتأكد أنَّك قادر على الوصول ولتكون حافزاً لاستكمال الخطة عند التعرض للعوائق.
2. تجنُّب المقارنة بالآخرين:
تذكَّر دوماً أنَّ كل إنسان له قدرات معينة وسمات ميزه الله بها؛ لذلك لا تقارن نفسك بالآخرين سواء بالمظهر الخارجي أم الظروف الاجتماعية، وتذكر أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي خادعة فكل إنسان يقوم بنشر إنجازاته والجوانب الإيجابية لحياته فقط، أما الواقع فهو مختلف؛ وذلك لأنَّ كل شخص لديه سلبيات ومشكلات وهموم تمنعه من الاستمتاع المطلق بالحياة.
3. تجنُّب الأشخاص السلبيين:
تجنَّب مَن يوجهون الانتقادات السلبية أو مَن يحبطونك بالتقليل من قدراتك، فحاول أن تحيط نفسك بالأشخاص الداعمين ممن يستمعون لمشكلاتك ويساعدون على حلها ويؤمنون بقدرتك على النجاح دوماً.
4. التركيز على الإيجابيات:
يمكن ذلك من خلال إنشاء قائمة تتضمن الصفات التي تحبها في نفسك والإنجازات التي حققتها والآراء الداعمة والمجاملات التي سمعتها، ومن ثم مراجعتها كلما مررت في لحظة إحباط أو توتر حول عدم قدرتك على النجاح بأمر ما.
5. مواجهة مخاوفك:
تلك هي الطريقة الوحيدة للتخلص من الخوف، حتى إن كانت النتيجة هي الفشل يمكنك المحاولة من جديد مراراً وتكراراً؛ وذلك لأنَّ انكسار حاجز الخوف يجعل إعادة المحاولة أسهل.
6. تطوير الذات:
ذلك من خلال التخلص من أسباب ضعف الثقة بالنفس، فمثلاً إن كان وزنك الزائد هو السبب فمارِس الرياضة واتَّبِع حمية صحية، وإن كان الفشل المهني هو السبب فاتَّبِع الدورات التدريبية واستفد من خبرات زملائك وتعلَّم ما يلزمك للتميز عن زملائك مثل تعلُّم لغات جديدة.
شاهد أيضاً: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه
علاج فقدان الثقة بالنفس عند الأطفال:
غرس الثقة في نفس الطفل من أهم مهام الوالدين، وتبدأ هذه المهمة منذ سنوات حياته الأولى، وتتم باتباع ما يأتي:
1. التشجيع المستمر:
ذلك من خلال التركيز على نقاط القوة والجوانب الإيجابية ومدحها باستمرار ليشعر الطفل بأنَّه مميز بشيء ما لكن بحدود منطقية كي لا يصاب بالغرور، إضافة إلى توفير الظروف الملائمة لإظهار مواهبه وتأمين الأدوات المساعدة، ومن الضروري عدم مقارنته بطفل آخر أو الإكثار من نقده عند الفشل بأمر ما؛ بل توجيهه نحو كيفية إنجاز الأمر بطريقة أفضل في المرة القادمة.
2. عدم الإسراف في العقاب:
تجنَّب التعنيف دائماً مهما كان الخطأ كبيراً؛ بل امنحه الفرصة للتعبير عن ذاته كي تدرك طريقة تفكيره وتقوم بتصويب السلوك الخاطئ أو غير المرغوب فيه.
3. تشجيعه على إبداء رأيه:
ذلك من خلال الإنصات إلى حديثه ومناقشته بالموضوعات التي يريد، والإجابة عن جميع الأسئلة، وعدم التقليل من مشاعره والأخذ برأيه في بعض الأمور البسيطة، مثل منحه فرصة اختيار الهدايا التي سيقدمها للآخرين أو سؤاله عما يفضل تناوله لتعليمه مهارة اتخاذ القرار.
4. توكيل بعض المهام له:
ذلك بحسب عمر الطفل فيمكن إعطاؤه بعض الواجبات مثل ترتيب السرير ليزيد من شعوره بالكفاءة والقدرة على حل المشكلات.
إقرأ أيضاً: كيف أتعامل مع شخصية طفلي الضعيفة؟
5. تجنُّب الحماية الزائدة:
مثل منعه من اللعب مع الآخرين أو القيام بالأعمال بالنيابة عنه؛ فذلك يتسبب بخوفه من إنشاء علاقات مع الناس مستقبلاً؛ بل بخلاف ذلك يجب منحه فرصة التعرف إلى الآخرين من خلال السماح له باللعب مع أقرانه وعدم التدخل بينهم إلا عند الضرورة.
في الختام:
الثقة بالنفس ضرورية جداً في جميع مراحل الإنسان العمرية، وتختلف أسباب فقدانها باختلاف الظروف الاجتماعية والتأثيرات المحيطة والتركيب الجيني للإنسان وطريقة تفكيره والتجارب التي مر بها، أما بالنسبة إلى الطفل فهي تتعلق بالتربية والحياة الأسرية التي يعيشها وما يتعرض له من انتقادات سلبية أو تعنيف أو مقارنة بالآخرين أو تنمر نتيجة وضع صحي معين.
يمكن استعادة الثقة بالنفس من خلال تنظيم الأهداف والتركيز على الإيجابيات وتطوير الذات وإحاطة النفس بالأشخاص الداعمين، وجميعها نقاط يجب على الفرد اتباعها ليعزز ثقته بنفسه، أما تعزيز ثقة الطفل بنفسه فهي مسؤولية والديه، ويمكن ذلك من خلال صقل مواهبه ومدحها والاستماع لرأيه وتحميله بعض المسؤوليات المناسبة لعمره والسماح له بالوقوع في الخطأ وتجنُّب الإفراط في حمايته.
أضف تعليقاً