مفهوم فوبيا الخوف من التغيير:
هو نوع من أنواع الخوف الذي قد يشعر به الإنسان، ويؤدي إلى منعه عن التطور والتقدم في حياته، وغالباً هذا الخوف بسبب اعتقاده أنَّ هذا التغيير هو خطوة نحو المجهول وعدم الاستقرار، وهذا يجعله يفضِّل العيش ضمن نفس ظروفه، ويبتعد عن أيَّة خطوة مغايرة لنمط حياته الروتيني أو تجربة جديدة، وبصرف النظر عن شعوره بعدم الراحة النفسية أو عدم السعادة في حياته، وهو ما يسمى الخوف من الخروج من منطقة الأمان.
يرى الاختصاصيون أنَّ الخوف من التغيير هو حاجة طبيعية ومطلوبة كي يستطيع الإنسان تخطِّي العواقب التي تمنعه عن التغيير، لكن هنا نقصد الخوف البنَّاء الذي يحفِّز الإنسان على التغيير الصحيح والمفيد وليس الخوف الذي يدفعه إلى الخلف.
يوجد نوعان للتغيير:
- التغيير الإجباري: هو التغيير الذي يُفرض على الإنسان نتيجة ظروف حياتية يمر بها، ففي هذه الحالة لا يستطيع الإنسان التفكير كثيراً إن كان يجب عليه التغيير أم لا يجب؛ وذلك لأنَّه لا يملك حرية الاختيار ولا يوجد الكثير من الوقت أمامه.
- التغيير الاختياري: هو التغيير الذي يقوم به الإنسان من تلقاء نفسه بعد التفكير الكافي في ظروفه وحياته بشكل عام، وتهيئة ذاته لخوض تجربة جديدة أو إنهاء مرحلة أو تجربة قديمة.
أسباب فوبيا الخوف من التغيير:
لأنَّ هذه الفوبيا موجودة بكثرة في الحياة، فيجب معرفة من أين تأتي حتى نتمكن من التعامل معها وعلاجها، وإليك بعض النقاط التي تتسبب بهذه الفوبيا:
1. خوف الإنسان من عدم سيطرته على الموقف:
يُعَدُّ من الأسباب الرئيسة للخوف من التغيير؛ وذلك لأنَّ الإنسان يعيش في واقع يستطيع إدارته ويسهل السيطرة عليه، ونقصد بهذا مدينته وعمله وأصدقاءه، وأي تغيير بما سبق يُشعره بعدم الاستقرار والقلق والخوف.
يُعَدُّ خوف الإنسان من تغيير عمله خوفاً شائعاً جداً، قد يكون بسبب عدم ثقته الكافية بنفسه وتأكُّده من كفاءته الوظيفية؛ وهذا بدوره يدفعه إلى التفكير في أنَّه غير مستعد للتغيير، أو ليس بمستوى الوظيفة الجديدة؛ فيفضِّل البقاء في عمله الحالي على الرغم من شعوره بعدم الراحة.
أما الخوف الثاني الأكثر شيوعاً، فهو الخوف من تغيير المدينة؛ وذلك لأنَّ تغيير المدينة يعني تغييراً شاملاً للحياة والبدء من نقطة الصفر تقريباً؛ فيصبح هذا القرار صعباً قليلاً ويحتاج إلى شجاعة وإرادة قوية.
2. خوف الإنسان من وقوعه في الأخطاء:
لأنَّ الإنسان خلال حياته الروتينية - أي داخل منطقة الراحة - من النادر أن يرتكب الأخطاء؛ وذلك لأنَّ كل شيء تحت سيطرته واعتاد على جميع ظروف حياته؛ لذلك حدوث أي تغيير فيها يُشعره باقترابه من الخطر.
3. الخوف من الفشل:
الذي يُعَدُّ سبباً هاماً للخوف من التغيير؛ إذ يقول الاختصاصيون في علم الأعصاب إنَّ شعور عدم اليقين يشبه كثيراً شعور الفشل في دماغنا؛ لذلك نجد الكثيرين من الناس يتجنبون التغيير بسبب شعور عدم الارتياح الذي يترافق معه، وبعض منهم يتعاملون مع التغيير على أنَّه شيء خطير؛ وهذا يسبب لهم جموداً في تفكيرهم أو يمكن وصفه بالشلل في التفكير، ويصعب التعامل معه؛ لأنَّه يُشعِر صاحبه بالقلق والكآبة غالباً.
4. خوف الإنسان من المجهول:
ذلك لأنَّ الإنسان اعتاد على حياته الحالية وعلى بيئته والأشخاص الموجودين في حياته، فيخاف من التغيير بسبب شكِّه بأنَّه قادر على التكيُّف مع ظروف جديدة أو ناس جدد، وفي بعض الحالات قد يشعر الإنسان بالذنب إن كان تغييره سوف يبعده عن أشخاص مقربين منه أو سوف يؤثر سلباً في حياة أحدهم فيرضى بحياته الحالية؛ وذلك لأنَّه يرى أنَّ التغيير يأخذه إلى مكان مجهول بالنسبة إليه ويأخذ المحيطين به إلى مكان لا يرضيهم.
5. عدم الراحة النفسية للشخص يؤدي إلى خوفه من التغيير:
مثلاً الشخص الذي عانى في مرحلة طفولته من تغييرات كثيرة وتنقَّل من مكان إلى آخر عدَّة مرات خلال فترات زمنية قصيرة، أو الشخص الذي عانى من فقدان أحد أفراد أسرته أو الشخص الذي تعرَّض إلى تغيير كبير في حالته المادية أو نمط حياته، فكل هذه الأسباب تجعل الإنسان غير مستقر وغير متوازن نفسياً؛ وهذا يجعله أضعف وأكثر خوفاً من الإقدام على خطوة تؤدي إلى تغيير في حياته.
شاهد: 5 طرق تحول بها الخوف إلى حافز يدفعك للأمام
نتائج فوبيا الخوف من التغيير:
الخوف يجعل الإنسان فاشلاً بشكل تدريجي؛ وذلك لأنَّه يمنعه عن التحسين والتطوير في حياته، فمثلاً إن كان الإنسان في علاقة عاطفية تُشعره بالضيق النفسي أو عدم الارتياح بسبب عدم التوافق الفكري ويفضِّل البقاء فيها على إنهائها والبدء من الجديد، فسوف تتدمر حياته تدريجياً لأنَّ نتائج البقاء في هذا النوع من العلاقات سوف تكون أسوأ بكثير من تغييرها وستؤثر سلباً في حياته بشكل عام.
أو عندما يكون في عمل غير مناسب لكفاءته ويرضى به دون السعي إلى تغييره خوفاً من الفشل؛ فسوف يتسبب ذلك في ضياع الفرص المناسبة وتراجع مستواه العملي وخسارته للتقدم والنجاح، كما أنَّ الخوف من التغيير قد يصبح مشكلة حقيقية في حياة الإنسان؛ لأنَّ أفكاره سوف تصبح مشوشة دائماً ويصبح في حيرة دائمة فيما يتعلق بخياراته وتجاربه.
علاج فوبيا الخوف من التغيير:
بعد أن عرفنا أسباب الخوف من التغيير ونتائجه السلبية على حياتنا من الضروري الاستعداد لمعالجة هذا الخوف والتغلُّب عليه؛ لأنَّ الخوف عاطفة طبيعية ولا يجب أن يكون مستشاراً لنا في قراراتنا أبداً لذلك يمكن من خلال هذه الخطوات التغلُّب عليه:
1. التحكُّم بالأفكار:
فإن كان تفكيرك مليئاً بالشك بقدراتك الذاتية والحكم المسبق على نفسك، لن تكون واثقاً بنفسك أبداً ومن ثم لن تستطيع الإقدام على خطوة جديدة في حياتك؛ فلذلك عليك أن تسأل نفسك دائماً "ما الذي تفكر فيه؟ وماذا يدور في عقلك؟ وهل هذه الأفكار صحيحة وتساعدك على التقدُّم أم أنَّها مجرد مخاوف وتخيلات لا أساس لها من الصحة؟". إنَّ البدء بتغيير طريقة تحدُّثك إلى نفسك يُعَدُّ خطوة هامة في التغلُّب على الخوف؛ فعبارات مثل "أنا فاشل أو حياتي لا يمكن أن تتغير"، تؤثر سلباً في تفكيرك وقدرتك على اتِّخاذ قرارات صحيحة باتجاه التغيير والنجاح.
2. فصلُ ما تشعر به عن الأفعال التي تقوم بها:
فمثلاً إن أحسست بالضيق أو التوتر لأمرٍ ما، يجب ألَّا يؤثر في عملك أو حياتك فيجعلك تتراجع عما تقوم به ويُشعرك بالإحباط وعدم التمكن من النجاح، وهذا لا يعني أنَّه عليك إخفاء مشاعرك؛ بل يجب أن تدرك ما هي أسباب مشاعرك وتتعايش معها أو تعالجها. على سبيل المثال، حزنك على أشياء حدثت في الماضي يجب ألَّا يمنعك عن التقدم في وظيفتك؛ وذلك لأنَّ الأفعال في هذه الحالة يجب أن تكون قراراً منفصلاً عن المشاعر.
3. الابتعاد عن المقارنة:
لأنَّه لكل إنسان ظروف حياتية مختلفة، فمثلاً وجود شخص أنجح منك في عمله لا يعني أنَّك فاشل، فقد تكون أنت في المكان الخطأ أو قد يكون تفكيرك خاطئاً؛ لذلك عليك أن تتذكر أين كنت في البداية وأين أنت حالياً لتزيد من ثقتك بنفسك وتتأكَّد من قدرتك على مواجهة الصعاب وتخطي المشكلات.
4. يجب أن تصغي إلى الآخرين بشكل جيد:
لا تتمسك برأيك حتى عندما يكون رأيك الصح وآراؤهم الخطأ؛ وذلك لأنَّ كل شخص يدخل إلى حياتنا يمكن أن نتعلم منه شيئاً جديداً؛ وهذا يزيد من وعينا وإدراكنا للأمور، الذي بدوره يدفعنا إلى السعي إلى تطوير حياتنا وتغيير كل ما يُشعرنا بالسوء.
5. القيام بأشياء جديدة دائماً:
فمثلاً يمكن القيام بنشاط مختلف كل أسبوع يبعدنا عن الروتين اليومي، مثل الذهاب إلى رحلة أو زيارة أماكن جديدة أو تعلُّم هوايات كالرسم أو العزف، كل هذه الأمور تساعدنا على جعل قدرتنا على التغيير أعلى وإقبالنا على تطوير حياتنا أكبر.
6. تخصيص وقت محدد للتفكير في حياتنا:
إذ يمكن تخصيص ساعة يومياً للقيام بنشاط يساعدنا على التعرُّف إلى نفسنا أكثر والتأمُّل في حياتنا، مثل المشي أو الرياضة أو الاستماع للموسيقى الهادئة فقد تبدو هذه الأمور بسيطة، لكن لها تأثير كبير في معالجة أنفسنا من التوتر والضغط وجعل تفكيرنا أكثر منطقية.
7. الابتعاد عن الناس السلبيين في حياتنا:
ممن يقللون من قدراتنا أو ينظرون نظرات تشاؤمية إلى الحياة، الذين يجعلون منك شخصاً ثقته بنفسه ضعيفة، وغير متحمس للقيام بأيَّة خطوة جديدة، ومرتاباً من أي تغيير في حياته. من الممكن أن يشعر الإنسان بالراحة إن كان الرفاق المقربون منه يفكرون بنفس طريقة تفكيره، ويملكون وجهة نظر مشابهة لوجهة نظره في الحياة، لكن لن تقوم بأي تغيير في حياتك إلا عندما تقترب من أشخاص يفكرون بطريقة مختلفة عنك ويتحمسون لتجربة كل ما يضيف النجاح إلى حياتهم؛ لأنَّ هذه الأفكار سوف تنتقل إليك تلقائياً مع مرور الزمن. من الهام أن يكون إلى جانبك أشخاص لا يسمحون لك بالاستسلام؛ وذلك لأنَّ وجود أصدقاء يشجعونك دائماً على المضي قدماً هو سبب رئيس للمثابرة نحو النجاح.
8. القيام ببعض السلوكات البسيطة:
يساعد على التغلب على الشعور بالخوف من التغيير مثل اتِّباع حمية غذائية معينة والنجاح في الوصول إلى الوزن المطلوب، أو القيام بتصليح أعطال بسيطة في المنزل، أو تعلُّم شيء جديد؛ لأنَّ هذه التفاصيل البسيطة تعزز ثقتك بنفسك وتُشعرك بأنَّك قادر على النجاح في التجارب الجديدة؛ وهذا بدوره يقلل من خوفك تجاه أي تغيير حاصل في حياتك.
9. ذكِّر نفسك دائماً بأنَّك يجب أن تصل إلى شعور الرضى عن النفس:
وأنَّك يجب أن تسعى إلى تطوير حياتك نحو الأفضل مهما كان الأمر يبدو صعباً في البداية؛ لأنَّ التغيير الجذري في الحياة ليس أمراً بسيطاً وسهلاًن ولكنَّه ضروري جداً من أجل سعادتنا فلا يمكن أن نذوق حلاوة الحياة قبل أن نشعر بمرارتها.
في الختام:
أنت من تصنع ظروفك وأنت من تصنع نجاحك أو فشلك، وطبعاً لا يمكننا أن ننكر دور القدر في حياتنا، لكن مهما اختلفت الظروف يبقى لديك دوماً سبيل لتحسين الظروف وجعلها تخدم مصلحتك؛ لذلك لا تقف مكتوف الأيدي وتنتظر الحلول؛ بل كن شجاعاً واسعَ إلى الحياة التي تريدها، وتغلَّب على خوفك باتباع الخطوات السابقة، واجعل من فشلك دافعاً نحو النجاح والتطور؛ لأنَّ الفرص المناسبة لن تتكرر والزمن لا يعود إلى الخلف.
أضف تعليقاً