الشرق مقابل الغرب، الثقة أمر يعود إلى الثقافة:
قد تكون الإجابة عن نقاش الثقة هذا واضحة في الدول الغربية المعروفة، وهي أنَّ المزيد منها أفضل؛ فأبطال هذه الدول متمرودون ومستقلون ويطلقون النار أولاً ثم يسألون سؤالهم فيما بعد؛ لكن في الدول الشرقية، غالباً ما تكون النغمة مختلفة، حيث ينبغي أن يُحترَم الشيوخ لا أن يُطرَدوا، إذ يعدُّ كلٌّ من التواضع والاحترام أهم من الثقة في ثقافاتها.
وجهات النظر هذه تعميمات وافتراضات مسبقة، لكنَّها توضح كيف أنَّ نقاش موضوع الثقة يعود إلى عمق ثقافتنا؛ لكن يُعتقَد أنَّ كُلَّاً من طرفي النقيض -الثقة المحضة والتواضع المحض- ليسا سوى محضُ تضليل، وأنَّ الحل يكمن في معرفة متى يجب أن تكون واثقاً ومتى يجب أن تكون متواضعاً.
الثقة المتواضعة، ومعرفة وقت استخدامها:
سنقدم تعميماً مجازياً آخر، حيث يُعتقَد أنَّه يمكن لكل علاقة تقيمها تقريباً أن تندرج ضمن أحد نمطين رئيسين، فإما مُعلِّم أو تلميذ.
قد يتغير دور المُعلم أو التلميذ في علاقات الأقران مراراً، ولكن من النادر جداً ألَّا تميل كفة العلاقة إلى أحد هذين الجانبين؛ ففي دور المعلم، تُظهِر الثقة للحصول على ما تريد، حيث تمتلك في هذا الدور مزيداً من القدرة على التحكم والتأثير؛ أمَّا في دور التلميذ، يكون الأمر خلافَ ذلك تماماً، فأنت تُظهِر التواضع عمداً، ومن المرجح أن تفوز بثقة الشخص الآخر.
تعلَّم متى تصمت وتتعلم:
أن تكون قائداً أمر عظيم، حيث تحصل على احترام ومكانة أعلى ودرجة أكبر من السيطرة؛ لكنَّ المشكلة تكمن في أنَّك لا ينبغي أن تحاول دائماً أن تكون القائد؛ ذلك لأنَّ محاولة تولي هذا الدور دون المهارات أو الموارد أو المكانة التي تدعمه ستؤدي إلى النِّزاع، والأهم من ذلك أنَّك ستواجه مواقف عديدة تحاول فيها إظهار التواضع عامداً.
تتضمن بعض الفوائد التي تعود على دور التلميذ ما يأتي:
- تتعلم المزيد.
- تصبح علاقاتك مع الآخرين سَلِسة أكثر.
- يجعل الآخرين أكثر استعداداً لتقديم يد المساعدة لك.
سيعود أمر معرفة متى تسلك طريق التواضع عليك بالفائدة، حيث سيكون من الأسهل الحصول على منتورز ومستشارين إذا استخدمت التواضع بدلاً من الغطرسة؛ إذ يمكنك أن تضحي بقليل من غرورك لتفتح المجال لتعلم الكثير.
الثقة في الإقناع والتواضع في التعلم:
في الواقع، لا توجد علاقة "معلم وتلميذ" محددة بوضوح تقريباً، فقد تتداخل مجالات الخبرة في علاقاتنا؛ كأن تكون خبيراً في التدوين بالنسبة إلى شخص غير مدوِّن، لكن يمكن للآخر أن يكون خبيراً في التمويل الذي لا تعرف عنه شيئاً، وهكذا يوجد في كل مجال أدوار مختلفة للقيام بها.
اسأل نفسك عن الهدف قبل أن تقوم بأي تفاعل عمَّا إذا كنت تحاول أن تتعلم أم أن تُقنِع؛ حيث يتطلب الإقناع الثقة، فمثلاً: إذا كنت تحاول أن تبيع أو توجه أو تقود، فعليك أن تُظهِر نوع الثقة التي يخص خطابك؛ في حين يتطلب التعلم التواضع، إذ لن تتعلم شيئاً إذا كنت تتجادل باستمرار مع أساتذتك أو منتورك أو أرباب العمل؛ لذلك سيمنحك تحلِّيك بالتواضع وجعل نفسك تلميذاً مؤقتاً الفرصة للاستيعاب.
أقنِع أقل وتعلم المزيد:
قد يمنحك إقناع شخص ما باتباعك دفعة فورية من الرضا، ولكنَّها لن تدوم؛ إذ إنَّ للإقناع دور رائع في التأثير الفوري، ولكنَّ التعلم هام على الأمد الطويل؛ لذلك ابحث عن فرص للتعلم بدلاً من صبغ جميع علاقاتك بالثقة الصَّرفة.
عليك أن تحرص على أن تكون متواضعاً كلما تواصلت مع شخص ما وأدركت أنَّ لديه مهارة أو فهماً تريده لنفسك، وأن تصغي إلى ما يقوله حتى لو لم توافقه على الفور، وتتحلى بالصبر لاستيعاب إجاباته؛ فغالباً ما تقلل هذه الطريقة الوقت الذي تحتاجه في التجربة والتعلم الذاتي من أخطائك.
الثقة والتواضع لا يحلان محل مهارات التواصل:
لا يحل هذا النهج في الاستخدام الانتقائي للثقة والتواضع لأغراض مختلفة محل مهارات التواصل؛ إذ لا ينجح التواضع أبداً إذا كان الشخص الآخر يعتقد أنَّك شخصٌ مُتذمر ومزعج، ولا تنجح الثقة إذا اعتقد جميع من حولك أنَّك شخصٌ متعجرف؛ لذلك فإنَّ معرفة كيفية عرض هاتين الصفتين تتطلب الممارسة.
اسأل نفسك في المرة القادمة التي تكون فيها على وشك التفاعل: لماذا تفعل هذا؟ هل تحاول أن تُقنع أم تتعلم؟ ويمكنك بالاعتماد على هذا أن تنتهج أسلوباً مختلفاً تماماً لتحقيق نتائج أفضل بكثير.
أضف تعليقاً