ولكن ما الذي يفعله الآباء عندما يكون طفلهم هو المُتنمِّرُ؟ ما هي الأسباب التي تجعل الطفل مُتنمِّراً؟
تؤكِّد دراسات عالمية أنَّ طالباً واحداً بعمرٍ يتراوح من 13 إلى 15 عام، من بين كلِّ 3 طلاب يعاني من تنمُّرِ أقرانه ويتطوَّر الأمر إلى عِراكٍ جسدي لا يمكن توقع نتائجه، فالأطفال ليسوا كائنات ملائكية كما يعتقد كثيرٌ منَّا، إنَّما يمتلك كثير منهم نوايا وأفكاراً سلبية لا تناسب أعمارهم، والتنمُّر بأشكاله جميعها يُعدُّ شكلاً من أشكال العنف؛ لأنَّ الإزعاجَ مقصودٌ ومكرَّرٌ.
لا يتوقَّف العنف على الإيذاء الجسدي؛ لأنَّ الإيذاء النفسي يترك أثراً كبيراً يُرافق الإنسان مدى حياته، إن لم يُعالَج وضعه النفسي من قِبَل المحيطين به، لذلك إن اكتشَفْت أنَّ طفلَك مُتنمِّرٌ، سارعْ إلى حلِّ المشكلة كي لا تتسبَّب بمأساةِ طفلٍ آخر، فقد تتدمَّر حياته، ومقالنا اليوم يعلِّمك كيفية التعامل مع طفلك المُتنمِّر فتابع القراءة.
كيف يصبح طفلك مُتنمِّراً؟
اكتشاف أنَّ طفلَك مُتنمِّرٌ قد يتسبَّب بصدمة لك، ولكن توجد كثير من النقاط التي تدفع طفلك ليكون مُتنمِّراً، وأبرزها ما يأتي:
1. محاولة لفتِ الانتباه:
يتعرَّض بعضٌ من الأطفال إلى إهمالٍ وتجاهلٍ من قِبَل الوالدين، ربَّما لانشغالهما في كثيرٍ من الأعمال، وربَّما لوجود عدةِ أطفالٍ في المنزل فلا يتمكَّن الأَبوان من تحقيق التوازن في الاهتمام بهم، لذلك يلجأ الطفل إلى أساليب بهدفِ لفت انتباه المحيطين له، ومنها التنمُّر على إخوته أو أقرانه أو غيرهم.
2. الرغبة بالشعور بالقوة:
يشعر الطفل بالضعف والعجز وبأنَّه أقل أهميةً وقيمةً من المحيطين أو من أقرانه، نتيجةَ ما يسمعه من والديه من توبيخٍ وملاحظاتٍ سلبية ونقدٍ على أبسط الأعمال التي يقوم بها الطفل وعلى أصغر الأخطاء التي لا تستحقُّ التوبيخَ، لذلك ينضمُّ إلى فريقِ المُتنمِّرين ليشعر بنفسه قويَّاً ومُخيفاً بالنسبة إلى الآخرين.
3. محاكاة والديه:
يسعى الأطفال جميعهم إلى تقليد تصرُّفات والديهم وطريقة كلامهم مع الآخرين ومن ثمَّ طريقة تفكيرهم، فالأمُّ الناقدة والتي تسخر من غيرها على مسامع أطفالها والعنيدة في قراراتها، تربي طفلاً صعباً ومُتنمِّراً في مدرسته، وكذلك الأب العصبي والقاسي صاحب الكلام المؤذي يعكس طباعه على أطفاله.
4. غياب الأمان العاطفي:
يحتاج الطفل على اختلاف المرحلة العمرية إلى حبِّ وحنانِ والديه وإلى الشعور بذلك، فلا يمكن أن تُقدِّم لطفلك كلَّ ما يحتاجه، ولكن لا تعانقه وتُسمِعه كلامَ المديح دون أسباب لذلك، فيتعامل الطفل مع أقرانه والمحيطين دون إنسانية أو اهتمامٍ لمشاعرهم بالمقابل.
شاهد بالفيديو: أعراض التنمر المدرسي وعلاجه
5. الدلال الزائد:
ينتج عن الدلال الزائد طفلٌ مُتنمِّرٌ، فتقديم كل ما يحتاجه الطفل بسرعة والعمل على توفير كافة الرفاهيات له وعدم محاسبته على الأخطاء، يجعله يعتقد أنَّ بإمكانه السيطرة على الجميع وبأنَّه أفضل من أقرانه، وأي شخص يُخالف ذلك يصبح منبوذاً بالنسبة إليه فيتنمَّر عليه ويحاول إيذاءه.
6. الألعاب والرسوم المتحركة:
يتعلَّم الطفلُ من كلِّ ما يراه أمامه، لذلك مشاهدة الرسوم المتحركة والألعاب التي تحتوي على مشاهد العنف بأشكاله المختلفة، تدفع الطفل إلى الرغبة بتطبيقها على أقرانه في المدرسة أو إخوته أحياناً لذلك يحاول أن يُظهِر قوَّته بالسخرية والسيطرة غالباً.
7. الانتقام:
عندما يكون الطفل ضحيَّةً للتنمُّر في مرحلة مُعيَّنة من حياته وخاصة ممَّن هم أكبر سناً منه، فإنَّه يرغب في الانتقام من المُتنمِّرين من خلال التنمُّر على أقرانه أو الأطفال الأصغر سناً منه.
كيف أتعامل مع طفلي المُتنمِّر؟
التنمُّر مشكلةٌ يحتاج علاجها إلى وقت مُعيَّن تُطبَّق فيه مجموعة من النصائح والسلوكات التي تساعد على حلِّ المشكلة، وأبرزها ما يأتي:
1. تواصَل مع طفلك:
قد يعتقد بعضهم أنَّ توجيهَ الكلامِ غير المباشر للطفل يؤدِّي دوراً في معالجة المشكلة، ولكن عندما يُصبح الموضوعُ هو التنمُّر فإنَّ التواصلَ المباشرَ يساهم في حلِّ المشكلة؛ لذلك إن علمت أنَّ طفلَك متنمِّرٌ سواءً من المدرسة أم إن أخبرك والد أحد الأطفال ممَّن كانوا ضحيَّةَ تنمرُّه، فعليك أن تطلب منه التحدُّث بوضوحٍ عن الموقف والأسباب التي دفعته للتنمُّر على الأطفال، وإن أنكر الطفل الموقف الذي علمت به، فعليك أن تخبره بأنَّك تريد مساعدته ليتوقَّف عن التصرُّفات السلبية ولا تريد توبيخه.
2. اشرح له عن التنمُّر:
قد لا يُدرِك الطفل في كثيرٍ من الأحيان ما الذي يفعله للآخرين وما يتسبَّب به من أضرارٍ وخاصةً النفسية، لذلك يجب أن تخبره بأنَّ الشتائمَ والتوبيخَ أو السخرية أو الضرب والتسلُّطَ أو نشر الشائعات يعدُّ تنمُّراً، ويتسبَّب بالألم للآخرين ولا يمكن نسيان هذا الألم بمرور الوقت.
3. عزِّز ثقةَ طفلك بنفسه:
الطفل الذي يمتلك ثقةً عالية بنفسه لا يدفعه ضعف الشخصية للتنمُّر وتعنيف الآخرين، لذلك قدِّم الدعمَ المعنويَّ لطفلك من خلال مشاركته الألعاب والأحاديث وبعض النشاطات المُسليَّة، وتشجيعه على التسجيل في الدورات التدريبية والنشاطات التي تُنمِّي مواهبه وتمكِّنه من تكوين صداقات مع أطفال لديهم الاهتمامات ذاتها.
4. علِّم طفلك التعامل بلطف:
من أهمِّ ما يجب تعليمه للطفل عموماً وللمُتنمِّر خصوصاً كيفيَّة التعامل بلطفٍ مع الآخرين، ليتمكَّن من مراعاة مشاعرهم وعدم التسبُّب بألمٍ لهم، ويبدأ تعليم الطفل التعامل بلطفٍ من خلال تعليمه كيفية التعامل مع إخوته ومع أبويه ومع أقربائه وكل الأشخاص ممَّن يتواصل معهم بكثرةٍ، فيُنبَّه الطفل إلى أنَّ البشرَ ترغب بسماع الكلام الجميل فقط، وكما تشعر بالحزن إن وجَّه أحدهم كلمةً سيئة لك فالآخرين يشعرون بذلك، وإن أردت أن تسمع ما يُرضيك، يجب أن تتصرَّف بطريقةٍ مُرضيةٍ مع الجميع.
5. راقب الطفل:
الطفل المُتنمِّر لن يغيِّرَ من سلوكه وطريقة كلامه فوراً عند سماع التوجيهات التي قدَّمها أبواه، فربَّما لن يفهم خطورة الأمر من الحديث الأول أو العاشر حتَّى، لذلك يجب مراقبة الطفل لفترة من الزمن في أثناء اللعب مع أخوته أو أصدقائه، والطلب من المدرسة ذلك أيضاً إن تمكَّن الأمر، ومن ثمَّ مناقشة الطفل بكلِّ موقفٍ سلبيٍّ صدر منه، وكل كلمة سيئة لفظها وتحديد الخطأ وأيضاً تصحيح الخطأ وإظهار الفرق بينهما، فإنَّ شعورَ الطفل بأنَّ تصرفاته مراقَبة، سينمِّي بداخله شعوراً بالمسؤولية أكبر تجاه نفسه والآخرين فيُفكِّر قبل التصرُّف وقبل التحدُّث أيضاً.
6. راجعْ نفسك:
في كثيرٍ من الأحيان لا يتمكَّن الطفل من شرح الأسباب التي جعلته يسخر من الآخرين ويحاول أن يُظهر قوَّته أمامهم، لذلك عليك أن تُراجع نفسك جيداً لتُحدِّد الخطأَ في طريقة تحدُّثك إليه أو تعاملك معه عموماً، فإن كنت تدلِّلُه دلالاً زائداً أو تُهمله، فعليك تغيير سلوكك أولاً لتتمكَّن من معالجة المشكلة من جذورها، وإن كنت شخصاً عصبياً أو مُتنمِّراً، فعليك أن تَحذَرَ جيِّداً من طريقة تحدُّثِك وتعاملِك مع الآخرين أمام أطفالك، فأنت القدوةُ الأولى في حياة أطفالك، ويجب أن تكون قدوة حسنة دائماً وفي جميع الأحوال.
7. عاقب الطفل:
يحتاج بعض الأطفال إلى عقابٍ ليتراجعوا عن سلوكهم وتصرُّفاتهم السلبية مع الآخرين، ولكن لا نقصد بالعقاب أن يُعنَّف أو يُساء له أمام الآخرين، إنَّما يُعاقَب الطفل بحرمانه من نشاطٍ يحبه أو شيء مفضل مثل مشاهدة التلفاز أو اللعب بواسطة ألعاب الفيديو أو استخدام الإنترنت، عندما يتنمَّر على الآخرين أو تصدر عنه سلوكات سيئة.
لكن لا تُعاقبه لوقتٍ طويل، فإن منعته من استخدام الهاتف المحمول لفترة طويلة سيعتقد الطفل أنَّه فقدَ فرصةَ الحصول على الهاتف المحمول مُجدَّداً فيعود لسلوكه السلبي، لذلك يجب أن تمنعه لفترة وبمجرَّد التزامه بالتوجيهات يجب أن توقف العقاب ليشعر بأهمية التزامه بتوجيهاتك.
8. استعن بأخصَّائيين:
أحياناً يكون الوضعُ الذي يُعاني منه الطفل صعباً بالمقابل يصبح تنمُّرُه أكثر عنفاً، وهنا غالباً لن تنفع النقاط التي ذكرناها آنفاً، فالأفضل التحدث مع أخصائي نفسي يمكنه تحديد مواضع الخلل بدقَّةٍ ومساعدة الطفل على التخلُّص من السلوك السلبي الذي يتعامل به مع الآخرين، وقد يحتاج ذلك إلى مساعدة المدرسة وأصدقائه والمقرَّبين، لذلك لا تتردَّد في طلب مساعدة المحيطين بالطفل.
في الختام:
يعدُّ التنمُّر بجميع أشكاله مشكلةً وسلوكاً سلبياً يَترك أثراً نفسياً سلبياً يعاني منه ضحية التنمُّرِ لفترة طويلة، لذلك إن اكتشفت أنَّ طفلك مُتنمِّرٌ، عليك معالجة المشكلة فوراً، ويبدأ علاج المشكلة بالتواصل مع الطفل ومناقشته بالمواقف التي تصدر عنه، إضافة إلى توضيح أهمية التعاطف مع الآخرين ومراعاة مشاعرهم وتعليمهم كيفية التعاطف، ويُفضَّل مراقبة الطفل للتأكُّد من التزامه بالتوجيهات، وفي حال مخالفته يجب تطبيق عقاب بحرمانه من شيء يحبه ريثما يلتزم بالقيم والأخلاق الحميدة، ولا تنسَ مراجعة نفسك لتكون القدوةَ الصحيحة لطفلك دائماً.
أضف تعليقاً