أصبحت ظاهرة التنمّر في الآونة الأخيرة من المشكلات الشائعة في المدارس. فدائماً ما نسمع خبراً، أو نرى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تَعَرُّضَ أحد الطلاب لهذه الظاهرة، فهل هناك من طرقٍ تساعد أبناءنا في التعامل مع المتنمّرين؟
سنسلّط الضوء في هذه المقالة على ظاهرة التنمّر المدرسي.
يُنظر إلى التنمّر في وقتنا الحالي بأنَّه شكلٌ من أشكال العنف، وأحدُ الأسباب المؤدّية لقلق الأطفال من المدارس؛ حيث تتحوّل المدرسة إلى كابوسٍ يوميّ بالنِّسبة للطفل الذي يتعرض إليه. كما لا ننسى أيضاً الأطفال الذين يشاهدون أحد زملائهم وهو يتعرّض لهذه الظاهرة؛ فهم ضحايا التنمّر المدرسي أيضاً.
يُمَارَسُ التنمّر من قبل الجنسين؛ رغم اختلاف الأسلوب بوجهٍ عام. إذ يتنمّر الفتيان عادةً من خلال الاعتداءات البدنية، أما الفتيات فيستخدمن الإقصاء والعزلة ونشر الشائعات. ولكلّ متنمّر أسلوبه المميّز، رغم وجود بعض السّمات المشتركة بينهم.
ما هو تعريف التنمّر؟
للتنمّر تعاريف عدة تعدّدت البحوث في طرحها. التنمّر باختصار شديد هو عبارة عن إيقاع الأذى على فرد أو أكثر؛ بدنياً أو نفسياً أو عاطفياً أو لفظياً. يقع ذلك بشكلٍ متكرّرٍ دون وجود مُحَفّزٍ يتسبب بحدوثه. كلّ سلوكيات التنمّر تحطّم مشاعر الطفل الضحيّة، ومشاعر زملائه في المدرسة. وهناك عدة أشكالٍ لسلوكيّات المُتَنَمّر، سواءً أكانت علنيّةً ومباشرة، أم متخفيةً وسريّة. ومن هذه الأشكال:
1. التنمّر البدني: كالضرب واللّكم والركل والصفع وجذب الشعر واللمس بطريقةٍ غير لائقة والحبس في الخزانة، وإجبار الضحية على شرب أو أكل شيء مقزز، وسرقة مال الضحية وتدمير مقتنياتها.
2. التنمّر اللفظي: التهديد والتوبيخ والسخرية وإطلاق الشائعات ونشرها عن الضحية، وإعطاء ألقاب ومسميات للفرد.
3. التنمّر الإلكتروني: هو الإساءة للطالب باستخدام الوسائل الرقمية (الهاتف أو البريد الإلكتروني أو مواقع التواصل الاجتماعي.... إلخ) وتتضمن نشر صور وكلمات مسيئة للطالب، أو نشر الإشاعات عنه.
لنلقي الضوء على ثلاث شخصيات تقع في دائرة التنمّر، فالشخصيات الثلاث هم: (المُتَنَمّرون، الضحايا، والمتفرجون). سنتحدث عن كلّ شخصيّةٍ من الشخصيات الثلاث، وما هي سماتهم الشخصية.
المُتَنَمّر هو الشخص الذي يُخِيفُ أو يُهدّد أو يؤذي الآخرين الذين لايتمتعون بنفس درجة القوة التي يتمتع بها، وهو يمتلك القدرة على إخافة الطلاب في المدرسة، ويجبرهم على ما يريد بنبرة صوته العالية واستخدام التهديد والوعيد. فتراه دائماً يستغل حالة الخوف التي يصاب بها الضحية.
ويَتّسِم المُتَنَمّر بضعفٍ في التعاطف مع الآخرين، ويعاني غالباً من مشكلات عائلية. كما يمتلك المُتَنَمّرون بعض السمات المشتركة بينهم؛ فهم بحاجةٍ إلى القوة والسيطرة، ويعانون من انعدام الشعور بتأنيب الضمير، والذي يتجلَّى حينما يجعلون غيرهم يعاني، ويستمتعون بمعاناته. لا يسعون دائماً لتكوين علاقات صداقة مع الآخرين، ولديهم صفة الغرور والتكبّر. وضجيجهم الخارجي الذي تسمعونه هو دليلٌ على ضعف مهاراتهم في التواصل مع الآخرين.
أما الضحية؛ فهو الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ويسهل إيقاع الأذى به، ويرضخ لطلبات المُتَنَمّر بسهولةٍ. ومن صفاته عدم تقدير الذات، وضعفٌ في مهارة مواجهة الأشخاص الآخرين، وإظهار الخوف والقلق والافتقارُ إلى الحزم.
أما المتفرّج فهو الذي يشاهد الحدث ولا يتدخّل به. ومن أهمّ سماته الشعور بالذنب، والخوف من التدخل، وعدم القدرة على إبداء الرأي رغم معرفتهم الصواب من الخطأ، وضعف الثقة بالنفس.
نحن نعلم أنَّ معظم الآباء والأمهات يرغبون في معرفة السلوكيات التي تُشِيرُ إلى تعرض ابنهم للتنمر المدرسي. فكيف نميز الطلاب الذين يتعرضون للتنمّر؟
غالباً ما يكون الطلاب الذين يتعرضون للتنمّر مُتَكتّمين على ما يصيبهم؛ خوفاً بأن يخبروا أحداً فيزيد الوضع سوءاً. وخاصة في حالة التنمّر المزمن؛ فهو يجعل ضحاياه يشعرون بالعجز واليأس وعدم الأمان، وبأنَّهم مُعَرَّضُون إلى الخطر في أيّ لحظة.
سنضع بين أيديكم بعض السلوكيّات التي تظهر على الطلاب الذين يتعرّضون للتنمّر:
- آلامٌ بالمعدة.
- الصداع.
- تبليل الفراش.
- التوتر، والقلق، والحزن، والاكتئاب.
- التصرّف بعنفٍ في المنزل أو المدرسة.
- انخفاض الدرجات الدراسية.
- رفض الذهاب للمدرسة.
كيف أحمي طفلي من التنمّر؟
ظاهرة التنمّر موجودةٌ ومنتشرةٌ في كلّ المدارس في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقّع أن يصادف طفلك متنمّرين خلال مراحل حياته؛ سواءً أكان في المدرسة، أم خارجها. فكيف تحميه من هذه الظاهرة:
- تحدّث مع طفلك عما يمكن أن يكون عرضةً له، واستمع إلى أفكاره جيداً.
- حدد ما إذا كان الموقف يستدعي تدخّلك، أو يمكنك الانتظار حتى يحاول هو التعامل معه أولاً.
- عَلِّم طفلك كيف يكون واثقاً بنفسه، وأن يعبر عن رأيه بالموقف بهدوء، ويحافظ على اتزانه النفسيّ ويمنع ظهور أعراض القلق عليه.
- عَلِّم طفلك أن يتظاهر بأنَّ الاعتداءات اللفظية أو المضايقات لا تضايقه، ثم اجعله يبتعد عن المُتَنَمّر.
- عَلِّم طفلك أن يستخدم أسلوب المرح أو المزاح في المضايقات.
- عَلِّم طفلك أن يخبرك إذا تعرّض للتنمّر، أو يخبر إدارة المدرسة لحلّ المشكلة.
- شجّع طفلك على تكوين صداقات، والاشتراك في أنشطةٍ تجعله يشعر بالرضا عن نفسه.
لا تشغلوا أذهانكم بالمُتَنَمّرين، فهم موجودون في كلّ أنحاء العالم، وهم موجودون أيضاً في المدارس وفي مراكز التسوق والحدائق العامة أيضاً، بل عليكم أيها الآباء والأمهات أن تصقلوا مهارات أبنائكم، وتعززوا ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذاتهم. وضعوا في عين الاعتبار كيف يدافعون عن أنفسهم. فجميعكم قادرون على أن تنشؤوا جيلاً يجيد التصرّف في كلّ المواقف.
المصادر:
- التغلب على القلق الدراسي، المؤلّف: دايان بيترز ماير.
- سلوك التنمّر عند الأطفال والمراهقين، د. علي موسى ، د. محمد فرحان.
أضف تعليقاً