مفهوم الحوار الإيجابي مع الذات:
هو التحدُّث إلى النفس بإيجابية دائماً، وإعادة التفكير في كل الأحداث بهدف تأكيد العواطف الإيجابية، وتحويل الأفكار السلبية إلى أفكار إيجابية وتحفيزية، والاعتقاد الدائم بأنَّ الأفضل هو الذي سيحدث وليس الأسوأ؛ وذلك لأنَّ كل ما يحدث لنا غالباً نحن من نجذبه إلينا عن طريق أفكارنا.
طبعاً من غير الممكن أن يبقى الإنسان متفائلاً بشكل دائم لأنَّ الإنسان بطبعه يتأثر في المواقف الحزينة وفي ضغوطات العمل والحياة عامةً، وقد يبكي ويتألم ويفكر بتشاؤم، لكن الهام ألَّا يستمر على هذا النحو، وأن يعتاد على رؤية نصف الكأس الممتلِئ ليستطيع إكمال حياته بطريقة أفضل؛ وكي يتمكن من تحقيق أهدافه المرجوة في الحياة؛ فلذلك من الضروري مراقبة حديثنا مع أنفسنا جيداً، والانتباه إلى الأفكار التي نرسلها إلى أنفسنا، والحرص الدائم على الابتعاد عن الحديث السلبي، ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي:
- الإنسان الذي يتأخر ليجد الشريك المناسب له كي يتزوج لاحقاً ويستطيع تكوين عائلة، يمكن أن يفكِّر في هذا الموضوع بطريقة إيجابية على أنَّ هذه الفترة هامة ويمكن استثمارها بتعلُّم أشياء جديدة، مثل الدخول في دورات تعليميَّة كدورات لتعليم اللغات أو تنمية مواهب لديه، أو استغلال هذه الفترة في التركيز في عمله والاجتهاد أكثر ليحصل على ترقية ويصبح وضعه المادي أفضل، فنجده يحدِّث نفسه بعبارات إيجابية مثل: "سأجد الشخص المناسب في الوقت المناسب وسأحصل على السعادة التي أتمناها يوماً ما".
ويمكن التفكير بطريقة سلبية والتحدُّث إلى نفسه دائماً بعبارات مثل: "أنا فاشل عاطفياً"، أو "لن أتمكن من إيجاد الشريك المناسب"، أو "أنا شخص غير جميل"، أو غيرها من العبارات السلبية التي تزيد التشاؤم والحزن في نفسه.
- الشخص الذي لم يتمكَّن من الحصول على الوظيفة التي يريدها سيعتقد في هذا الموقف أنَّه فاشل وسيردد عبارات: "لا أستحق هذه الوظيفة"، أو "أنا غير مؤهَّل إليها"، أو "أنا فاشل لن أستطيع النجاح"؛ وهذا يزيد من فشله في المرات القادمة، فالصحيح أن يقول: "سأعمل بجد أكثر لكسبها في المرة القادمة"، أو "لا يوجد خير لي في هذا المكان فأبعدَني الله عنه".
فوائد الحوار الإيجابي مع الذات:
يُوصي خبراء علم النفس بالحوار الإيجابي مع الذات دائماً؛ وذلك لآثاره الإيجابية الكثيرة في الصحة النفسية والجسدية، ومن هذه الفوائد نذكر ما يلي:
- التقليل من مستوى الكآبة، والشعور بالرضى بشكل أكبر عن نفسك وعن حياتك.
- التخلُّص من التوتر؛ وذلك لأنَّ الحوار الإيجابي يزيد من قدرتك على التعامل مع ضغوطات الحياة المختلفة بطريقة أفضل، ويزيد من قدرتك على التأقلُم مع الأوقات الصعبة.
- يزيد من معدل العمر الافتراضي للإنسان ويطيل أمد التمتع بحياة صحية.
- يُحسِّن من صحة الإنسان الجسدية؛ وذلك لأنَّه يحسِّن من صحة القلب وصحة الأوعية الدموية؛ وهذا يعني أنَّ الحوار الإيجابي مع الذات يقلل من خطر الوفاة الناتجة عن أمراض القلب، وتقول الدراسات إنَّه يزيد مقاومة الجسم للإصابة بنزلات البرد الشائعة كثيراً.
يُعتَقد أنَّ الأشخاص ممن يفكرون بشكل إيجابي ويتبعون أسلوب الحوار الإيجابي مع الذات، يعيشون حياة صحية أكثر من غيرهم من خلال ممارسة الرياضة دائماً، واتِّباع نظام صحي متكامل، والابتعاد عن التدخين والكحوليات وكل ما يضر بأجسامهم، وهذا يعني أنَّهم بعيدون عن الآثار السيئة للضغوطات النفسية في الجسد؛ فلذلك صحتهم الجسدية غالباً هي أفضل من غيرهم.
شاهد بالفيديو: 9 طرق لممارسة التحدث الإيجابي إلى الذات من أجل تحقيق النجاح
طرائق لتطبيق الحوار الإيجابي مع الذات:
التحدُّث الإيجابي الذاتي ليس أمراً صعب التطبيق أو معقداً كما يظن بعضنا، ولا يتطلَّب الكثير من الجهد أو العمل أو الوقت، ولا يتطلَّب منك أن تكون سعيداً ومبتهجاً طوال النهار؛ وإنَّما يأخذ من وقتك بضع دقائق يومية أو بضع ثوانٍ فقط، ويتم لك من خلال اتِّباع ما يأتي:
- كن ممتناً دائماً: وكلمة الامتنان هنا لا تقتصر على كلمة شكراً؛ وإنَّما تأخذ معنىً أعمق؛ إذ يجب أن تقدَّر كل لحظة تمر بها في حياتك وكل تجربة تعيشها إن كانت تجربة فاشلة أم ناجحة، ويجب أن تكون أيضاً سعيداً وممتناً لكل شخص قابلته؛ وذلك لأنَّ الشخص السيِّئ يُعلِّمك درساً جديداً كي لا تقع في نفس الخطأ مرة أخرى، والشخص الجيد يقف إلى جانبك ويدعمك في حياتك دائماً.
يجب أن تكون ممتناً إلى كل ما أعطتك إياه الحياة حتى الأشياء البسيطة هي نِعَم يفتقدها الآخرون؛ فبهذه الطريقة تستطيع الإحساس بجمالية الحياة بحلوها ومرِّها، وتقبُّل ظروفك التي تمر بها ببساطة أكثر.
- راقب الكلمات والعبارات التي تقولها في نفسك، ويمكن ذلك باتِّباع الطريقة الآتية: عندما تستيقظ صباحاً وتفكِّر، دوِّن كل الأفكار التي قلتها في نفسك، الإيجابية والسلبية منها؛ إذ تصنِّفها إلى أفكار إيجابية وأفكار سلبية، فإن لاحظتَ أنَّ معظمها كلمات إيجابية، فأنت من الأشخاص الذين يقومون بحوار إيجابي مع ذاتهم، وإن كانت الكلمات السلبية هي الأكثر هنا، فيجب أن تفكر ما هي الأسباب والمصادر لهذه الكلمات ثم تعمل على تحويلها إلى أفكار إيجابية بالشكل الآتي:
- لا تقارن نفسك بالآخرين أبداً؛ لأنَّ ذلك سوف يولِّد لديك الشعور بعدم الرضى عن نفسك وعمَّا تملكه، فمثلاً قد ترى صديقك متزوجاً ولديه أطفال مثلك لكن هو يمتلك منزلاً جميلاً جداً وأنت تمتلك منزلاً بسيطاً، فتبدأ بمقارنة نفسك به وتقول إنَّك لست ناجحاً مثله ولن تستطيع تحقيق أحلامك، لكن في الواقع صديقك مثقل بالديون لأنَّه لم يستطع أن يعيش ضمن حدود إمكاناته؛ وإنَّما أنت قد نظَّمت حياتك بشكل أفضل منه؛ لذلك لا تنظر إلى الجانب المشرق في حياة أحدهم؛ لأنَّك غالباً لا تعلم القصة كاملة فجميعنا لدينا جانب مظلم.
- ابتعد عن الأشخاص السلبيين في حياتك: إن كان أحد الأشخاص المقربين منك لديه مزاج سلبي دائماً، فهذا أمر سيِّئ لأنَّه سوف ينقل إليك طاقته السلبية تلقائياً دون أن تشعر، ويجعلك تردد أفكاره السلبية، ومن ثم سيكون حوارك مع ذاتك سلبياً، وإن كنتَ لا تستطيع قطع علاقتك به نهائياً بسبب الروابط العائلية أو بسبب ظروف العمل، فيكفي أن تجعل علاقتك به محدودة، واحرص على عدم قضاء وقت طويل معه.
- لا تكثر من التفكير في الماضي: جميعنا نمتلك ذكريات سيِّئة وتجارب فاشلة، لكن لا يجب أن نسمح للماضي بأن يسيطر علينا؛ بل يجب أن يكون الفشل محفِّزاً لنا لنبدأ من جديد ونحاول باجتهاد أكثر للنجاح هذه المرة، فمثلاً إن فشلتَ في إنجاز مشروع خططت له جيداً، لا يجب أن تستسلم؛ بل على العكس تماماً؛ عليك عَدُّ الفشل فرصة لتنمية مهاراتك؛ إذ يجب التخطيط من جديد وتحفيز نفسك بعبارات إيجابية دائماً؛ وذلك لأنَّ اليأس والإحباط يجعلان تفكيرك سلبياً، ومن ثم ستكرر الفشل عدَّة مرات.
- تحدَّث إلى الآخرين بكلام إيجابي: لأنَّ الأفكار الإيجابية التي نتحدث بها إلى الآخرين تؤدي إلى حوار إيجابي مع الذات وخلاف ذلك صحيح أيضاً، فمثلاً لا يجب أن تنظر إلى التصرفات السلبية التي يقوم بها الآخرون؛ بل ذكِّر نفسك دائماً بتصرفاتهم الإيجابية وقابلها بالمديح؛ لأنَّ الكلمات الجميلة ستجلب لك مثيلاتها وستجعل الشخص الآخر يقوم بأفعال إيجابية أكثر، ومن ثم تقود أنت علاقاتك مع الآخرين وحياتك إلى مكان أفضل.
حاول قدر الإمكان مساعدة الآخرين؛ وذلك لأنَّ المساعدة تعطي مشاعر إيجابية والعطاء يُشعِرك بأنَّك أقوى وأكثر تفاؤلاً ورضى؛ إذ إنَّ الآخرين سيشكرونك، ومن ثم أنت سوف تشكر نفسك بعبارات إيجابية تجعلك سعيداً.
- احرص على ممارسة الرياضة بانتظام؛ إذ يُفضَّل تخصيص 30 دقيقة يومياً للقيام بتمرينات رياضية أو المشي؛ وذلك بسبب دور الرياضة الهام في التقليل من التوتر ومن ثم التفكير بطريقة إيجابية أكثر والقدرة على مواجهة ضغوطات الحياة اليومية والتعامل معها.
يمكنك اتِّباع أساليب الاسترخاء مثل اليوجا أو التنفُّس العميق، ويُفضَّل اتِّباع نظام غذائي صحي لضمان صحة الجسم والعقل، فينعكس إيجاباً على الصحة النفسية ويزيد من التفكير الإيجابي ومن ثم يصبح حوارك مع ذاتك ومع الآخرين إيجابياً دائماً.
شاهد بالفيديو: 8 نصائح للتخلص من التشاؤم والتفكير بإيجابية
آمن بنفسك وقدرتك على النجاح:
فإن لم تكُن على ثقة بنفسك، سوف تردد العبارات السلبية مثل: "أنا لا أستطيع أو أنا فاشل"، ومن ثم تخاف من خوض أيَّة تجربة جديدة وستبقى في مكانك إلى الأبد؛ لذا يجب ألَّا تسمح للخوف بالسيطرة عليك مهما فشلتَ سابقاً، ومن الطرائق التي تساعدك على زيادة ثقتك بنفسك هي تدوين العبارات الإيجابية ولصقها في أماكن تستطيع مشاهدتها باستمرار ومن هذه العبارات:
- أنا فخور بنفسي.
- أنا ممتن لنجاحي بكذا.
- سوف أكون سعيداً جداً.
- سوف أحقق أهدافي جميعها.
- أنا شخص مميز وهام.
- أنا أحب الآخرين وأحب نفسي كثيراً.
في الختام:
لا يمكن أن تصنع حواراً إيجابياً مع نفسك إن كنتَ شخصاً تملك أفكاراً سلبية في الحياة؛ وذلك لأنَّ الأمرين متعلقان ببعضهما جداً، ولا يمكن أن تصبح إنساناً متفائلاً بلمح البصر، وفي نفس الوقت فإنَّ التغيير ليس أمراً صعباً ولم يفُت الأوان؛ ونظراً لأهمية التفكير والحوار الإيجابي مع الذات في حياتك وفي تحقيق أهدافك وأحلامك، عليك اتِّباع ما سبق من نصائح وتعليمات لتصبحَ شخصاً متفائلاً.
أضف تعليقاً