على الرغم من أنَّه يبدو مفاجئاً، إلا أنَّ بعض الأشخاص يقومون بالتقوقع على نياتهم الطيبة وأهدافهم طويلة الأمد، وعندما يقوم الأشخاص بهذه الخطوات التدميرية، يؤثر سلوكهم الضار سلباً في معظم جوانب حياتهم، ومن ذلك علاقاتهم وحياتهم المهنية.
يناقش هذا المقال أسباب انخراط الأشخاص في سلوكات تخريب الذات، ويقدم بعض الأمثلة عن التخريب الذاتي، كما يتناول الخطوات التي يمكنك اتخاذها لوقف عرقلة نجاحك الخاص.
ما هي أسباب سلوك تخريب الذات؟
يعرقل الناس تقدمهم لأسباب متنوعة، فقد يرتكبون أفعال تخريب الذات بشكل متعمد أو غير متعمد، وتتنوع الأسباب بدءاً من قضايا الطفولة إلى تأثيرات العلاقات السابقة، وتتفاوت الأسباب الأخرى لهذا النوع من السلوك التدميري بين قلة الثقة بالنفس ومشكلات التكيف ومشكلات التناقض الإدراكي، التي ستُشرح أدناه.
غالباً ما يعمل تخريب الذات بوصفه آلية تكيف يستخدمها الناس للتعامل مع المواقف المجهدة والصدمات السابقة، للأسف، يجعل ذلك عادةً الأمور أسوأ ويقيد قدرة الشخص على التقدم بطريقة صحية.
التخريب الذاتي المتعمد وغير المتعمد:
قد يكون الأشخاص الذين يفسدون أنفسهم على علم بأفعالهم، على سبيل المثال، قد يفسد شخص ما جهوده الجيدة بشكل متعمد عندما يكون ذا وزن زائد ويتبع نظاماً غذائياً عبر تناول علبة كاملة من الآيس كريم.
1. طفولة صعبة:
يسهم النشوء في عائلة غير صحية في أفعال تخريب الذات، ومن دون نمط تعلق آمن، قد يكون لديك نمط تعلق متناقض أو تجنبي، ويؤثر التفاعل الأول مع الرعاة في كيفية اتصالنا بالآخرين، فإذا قال لك والداك في نموك إنَّك لن تحقق كثيراً من الإنجازات، فقد تعمد على تعطيل نفسك حتى تفشل.
2. صعوبات في العلاقات:
إذا كان شريكك السابق ينتقدك باستمرار، قد تشعر بالضعف، فقد يقول إنَّه كان يضيع الوقت في محاولة التقدم مع شخص مثلك، والآن أنت في علاقة رائعة، ولكنَّك تخون شريك حياتك أو تنفصل عنه من دون سبب، فأنت لا تشعر بأنَّك كافٍ أو تخشى الخيبة مرة أخرى.
استناداً إلى دراسة عن التخريب الذاتي، اعترف 15 طبيباً نفسياً متخصصاً في العلاقات الرومانسية في أستراليا بالقضايا الرئيسة التي تسهم في انتشار التخريب الذاتي في العلاقات الرومانسية، وتتضمن الأسباب:
- أنماط تعلُّق غير آمنة.
- انخفاض تقدير الذات.
- خوفاً من التعرض للأذى.
- خوفاً من الارتباط.
- معتقدات غير صحية عن العلاقات.
- مشكلات التكيف فيما يتعلَّق بأمور القلب والعواطف.
3. انخفاض تقدير الذات:
الأشخاص الذين يمتلكون صورة سلبية عن أنفسهم ويعانون من انخفاض تقدير الذات هم عرضة بشكل خاص للسلوك الذي يخرِّب الذات، فيتصرَّفون بطرائق تؤكد المعتقدات السلبية المتعلِّقة بهم؛ لذلك إذا كانوا على وشك النجاح، يصبحون غير مرتاحين.
لقد قيل لهم طوال حياتهم إنَّهم سيفشلون، أو في بعض الأحيان قالوا لأنفسهم طوال حياتهم إنَّهم سيفشلون، ويساعد سلوك تخريب الذات على التأكيد بأنَّهم على حق.
شاهد بالفديو: 8 طرق بسيطة لاكتساب تقدير الذات
4. التناقض الإدراكي:
يعاني الأشخاص الذين يُظهِرون هذا السلوك من التناقض الإدراكي، أو الاستياء العقلي الذي قد يحدث عند الاحتفاظ بفكرَتَين متناقضتَين في نفس الوقت، فيحب البشر أن تتناسق معتقداتهم وأفعالهم.
على سبيل المثال، قد تتزوج شخصاً رائعاً، ولكنَّك تنتمي إلى عائلة غير صحية؛ والدك رحل، وتنقلت والدتك من علاقة سيئة إلى أخرى؛ لذلك، لا تؤمن بزواج مستقر ومحب، ومع ذلك، فإنَّك ما زلت تخطِّط للزفاف.
إليك مثال متعلق بالعمل: أنت على وشك جذب عميل رائع وكسب مزيد من المال أكثر من أي وقت مضى، بدلاً من القيام بما يلزم لدفع نفسك إلى الأمام، تتراجع لأنَّك لا تشعر بأنَّك تستحق؛ لذلك تخرج إلى الاحتفال في الليلة التي تسبق الاجتماع مع العميل وتفوِّت الموعد بالكامل.
بدلاً من المضي قدماً، تتخذ إجراءات لإفساد الأمور عليك، ويؤدي تخريب الذات إلى صراعات مستمرة مع الطعام، والكحول، والمخدرات، والمقامرة، وإيذاء النفس، فيحرم هذا السلوك التدميري الأشخاص من دافعهم ويجعلهم عرضة للقلق.
علامات تدل على تخريب الذات:
يظهر تخريب الذات بشكل مختلف لدى كل شخص، ويعتمد إلى حدٍّ كبير على السياق، إليك بعض العلامات التي قد تتعلَّق بها:
- التسويف.
- تجنُّب المسؤوليات، حتى إذا كان ذلك بسبب "النسيان".
- كسر الوعود أو عدم الالتزام بالمواعيد.
- نقص التحضير.
- عدم التناغم بين رغباتك وأفعالك.
- التأخُّر على المواعيد أو الاجتماعات الهامة.
- تعاطي الكحول أو المخدرات.
- الاستسلام عندما تصبح الأمور أكثر صعوبة.
أمثلة عن سلوك إفساد الذات:
- لديك مقابلة عمل هامة في الصباح، ولكنَّك تبقى خارجاً حتى وقت متأخر من الليل مع أصدقائك.
- عائلتك تدفع لك تكاليف الكلية، ولكنَّك ترسب في امتحان القبول لأنَّك لم تستعد له.
- ترغب في الزواج وتكوين أسرة، ولكنَّك تختار شريكاً غير متاح عاطفياً.
5 علامات على تخريب الذات:
إنَّ تخريب الذات ليس حالة ذاتية، ولكن قد يكون علامة على عدة أمور، إليك بعض علامات تخريب إفساد الذات:
1. متلازمة المحتال:
إذا كنت تعاني من مشاعر الشك في النفس أو الاعتقادات بأنَّك لا تمتلك المواهب الكافية بسبب متلازمة المحتال، قد تفقد السيطرة بدلاً من المجازفة بأن يكتشف شخص ما أنَّك "محتال"، وبالطبع هذا ليس صحيحاً، ولكن قد تشعر بذلك، على الرغم من تعليماتك وخبرتك وإنجازاتك.
2. ترددك:
يشير التردد إلى وجود مشاعر متضاربة تجاه شخص أو شيء ما، غير متأكد من الخطوة أو القرار التالي الذي يجب اتخاذه، ويجعلك ذلك تشعر كما لو كنت في موقف صعب، ويظهر سلوك تخريب الذات في محاولتك للهرب، حتى لا تجد نفسك في مواجهة قرار صعب.
3. الخوف من النجاح:
قد يقوم الشخص بتخريب الذات خوفاً من تحقيق النجاح، فتقول Keischa Pruden، أخصائية نفسية مرخصة في أهوسكي، كارولاينا الشمالية: "قد يقوم الشخص بتخريب الذات خوفاً من أن يكون ناجحاً"، وتضيف: "قد يبدو هذا غريباً، ولكنَّ التفوق يأتي مع مزيد من المسؤولية والمجازفة، والشخص قد يخشى من الضغط الإضافي الناتج عن النجاح".
4. الخوف من رأي الآخرين:
قد يقوم الشخص بتخريب الذات لتجنب الضغط الناتج عن توقعات الآخرين، فتقول Pruden: "بشكل لا شعوري، قد يخشى الشخص من الرفض أو التعرض للسخرية من الأصدقاء أو أفراد العائلة إذا لم يحقق أهدافه"، وعند بعض الأشخاص، قد يؤدي هذا الضغط إلى أفكار أو سلوكات تؤدي إلى تخريب الذات.
5. تجنُّب الألم العاطفي:
يخفف تخريب الذات من مخاطر التعامل مع الانزعاج، وفقاً لـ Jocelyn Patterson، مستشارة صحة نفسية مرخصة في ساراسوتا، فلوريدا، فتقول: "إنَّ تخريب الذات يقدم لنا هذا المهرب السهل من قول "لم يكن هذا قدري" بدلاً من أن نبقى مع الشعور غير المريح بأنَّ عدم تحقيق أهدافنا كان خطأً من صنعنا"، وتضيف: "لا أحد يحب الشعور بالندم أو الحرج أو العار"، حتى إذا كانت أفعالنا واعية، نشعر بشكل أفضل عند قول: "إنَّ عدم حصولي على تلك الفرصة كان اختياري".
شاهد بالفديو: كيفية التعافي من الألم العاطفي
كيفية وقف إفساد الذات:
إذا كنت تتعامل مع أخصائي نفسي أو مستشار، فأفضل نصيحة لك هي اللجوء إليه للإرشاد، وإذا كنت ترغب في التعرف إلى كيفية وقف هذا السلوك السلبي، إليك بعض الأمور التي يجب أن تأخذها في حسبانك لتجنُّب التسبُّب بمزيد من الأذى:
1. استكشاف الأسباب الجذرية:
ابحث عن أنماط في حياتك، هل كنت عرضة لعرقلة جهودك الجيدة مراراً وتكراراً؟ هل حدثت هذه الأفعال قبل أن تنجح أو عندما كنت قريباً من تحقيق رغباتك الشخصية؟ قد يكون هذا السلوك ناتجاً عن الطفولة، فيقوم بعض الآباء - إما لنقص معرفتهم أو خوفاً من أن يخيب ظن أطفالهم - بتحذير أطفالهم من التفكير بشكل كبير، وربما قالوا: "مَن أنت لتعتقد أنَّك تستطيع الذهاب إلى الكلية الفلانية؟ يجب أن تعمل مثلنا".
2. التوقف عن التسويف:
السلوك الشائع الذي يظهر لدى الذين يقومون بتخريب الذات هو التسويف، فإذا كنت تؤجِّل شيئاً هاماً بالنسبة إليك، قد يكون ذلك أسهل عاطفياً من تحقيق هدف قيل لك إنَّك لن تصل إليه.
التناقض بين وضعك الحالي وما تم تعليمه لك على مدى سنوات، قد يسبب لك إزعاجاً لا يُحتمل؛ لذلك تقوم بتخريب الذات.
3. التوقف عن النظر إلى الصورة الكبيرة فقط:
عندما تسعى إلى شيء كبير، مثل أن تصبح أفضل بائع في عملك، سوف يشعرك الهدف الكبير بالإرهاق، ولتجنُّب أفعال تخريب الذات، لا تتعلق بالتفاصيل الدقيقة، فالذين يخربون ذاتهم أحياناً يضيعون كثيراً من الوقت في تفاصيل غير هامة.
على سبيل المثال: إذا كنت تحاول أن تعيش نمط حياة صحي، لا تتخذ قرارات شاملة بمعنى الكل أو اللاشيء، فلا تستسلم إذا فوَّتَّ موعد التمرينات الرياضية لمدة أسبوع، فابدأ من جديد في الأسبوع التالي، أجرِ تغييرات تدريجية صغيرة ونفِّذها ببطء؛ بهذه الطريقة، قد تمنع عقلك من إفسادك، واتخذ إجراءات صغيرة تدريجية لا تخرجك عن مسارك.
4. التوقف عن التفكير التام في الكمال:
الأشخاص الذين يخربون أنفسهم غالباً ما يكونون محددين بالكمال، فربما تفكر في كل تفصيل، ويجب أن يكون كل شيء على أكمل وجه، اسع نحو التميز، لا الكمال، وأجرِ تحسينات صغيرة ولاحظ التقدم في الطريق نحو تحقيق الهدف المرغوب.
5. تذكُّر أنَّ تخريب الذات يتطلب جهداً:
هذا السلوك السلبي يستهلك الوقت ويتطلب كثيراً من الجهد، وتشير أحدث الأبحاث إلى أنَّ تخريب الذات يتطلب موارد عديدة، فقد أُجرِيَت دراسة من قبل باحثين في جامعة إنديانا ونُشِرَت في مجلة علم النفس الاجتماعي التجريبي وقدَّمَت نتائج متناقضة، فالأشخاص الذين يستيقظون باكراً يقومون بتخريب ذاتهم أكثر في الصباح، والذين يميلون للسهر يقومون بتخريب ذاتهم أكثر في الليل.
هذا يعني أنَّهم قوضوا أداءهم ليس عندما كانوا متعبين، بل عندما كانت ذروة الموارد العقلية تحت تصرفهم؛ لذا يتطلب الأمر كثيراً من الطاقة للاستمرار في هذا السلوك، وقد يؤدي إلى نتائج غير صحية.
في الختام:
يبرز التخريب الذاتي بوصفه نمطاً سلوكياً يعرقل التقدم الشخصي ويعرِّض الأهداف للخطر، وتصاحبه أسباب عميقة تتأرجح بين التأثيرات الطفولية والتوترات النفسية الحالية، ومن خلال فهم الجذور والمسببات، يمكننا أن نأخذ خطوات نحو التغلب على هذا السلوك الضار، مثل تحليل الأسباب، والتخلص من التسويف، وتجنُّب التفكير التام في الكمال، يمكن للأفراد تحفيز أنفسهم نحو النمو الشخصي وتحقيق النجاح، ويُظهِر الوعي بأنَّ التخريب الذاتي يستلزم جهداً كبيراً، ولكن فهم هذا الواقع يفتح أبواب الفرص والتحسين الشخصي، وهذا يساعد على بناء حياة أكثر إشباعاً وتحقيق الطموحات المستقبلية.
أضف تعليقاً