ما هو تأثير الحالة النفسية في الوزن والرشاقة؟
تقدِّم علوم التغذية ومكافحة البدانة، مرحلة توعية مستمرة عن نوعية العلاقة التي تربط الإنسان بطعامه، وخوض تفاصيلها النفسية، وتجد أنَّ بعض الأشخاص يعرفون كل ما يجب عليهم معرفته عن الصحة العامة، والنظام الغذائي المتوازن والمناسب، وفوائد السلوكات الغذائية الصحية ونوعية الأطعمة المفيدة التي يجب عليهم تناولها، ونوعية الأطعمة السيئة التي يجب عليهم تجنُّبها أو التخفيف منها قدر المستطاع، ومنافع ممارسة التمرينات الرياضية.
لكنَّهم لا يحصلون على النتائج التي يرغبون فيها؛ فهم لا يعرفون الآثار الحقيقية لهذه الأمور. هنا يأتي دور علم نفس التغذية الذي يركز على دراسة ذهنيَّة أو عقليَّة أو نفسيَّة الشخص الذي يأكل، تركيزاً عميقاً، والبحث في تأثير الاسترخاء، والأحاسيس، والقلق، والتوتر، والأفكار، والمعتقدات في عملية الاستقلاب التي تجري في كل خلية من خلايا الجسم.
ويُعَدُّ علم نفس التغذية، من العلوم التي تدرس مزيجاً من فيزيولوجيا التغذية وعلم النفس، وينطوي كذلك على تدريب الناس على الطرائق الصحيحة في التعامل مع السمنة، وتصحيح صورة الإنسان عن جسده، ومعالجة الشراهة الزائدة عن الحد، والكثير من القضايا الأخرى ذات السياق المتصل، مثل كيفية الهضم، والمزاج، والمناعة، والتعب.
يظن معظم الناس أنَّ النظام الغذائي الصحي يعتمد فقط على تناول الأطعمة الصحية والمتممات الغذائية الملائمة، ولكن في الحقيقة إنَّ كل ما سبق يشكِّل فقط نصف الحقيقة، أما النصف الآخر، وهو الأهم، فيرتبط بمَن نكون نحن عندما نأكل.
بمعنى ما هي ماهية الأفكار، والمشاعر، والمعتقدات، ومستويات القلق، ودرجة الاسترخاء، والمتعة، والتلذذ بالطعام، ونسبة الانتباه والتركيز والوعي في أثناء الطعام، فكل هذه المحاور لها أدوار مختلفة وهامة جداً في عمليات الاستقلاب الغذائي التي تقوم بها خلايا الجسم.
سايكولوجيا زيادة الوزن:
قد يعتقد الكثير من الناس، أنَّ مَن يعانون من السمنة أو زيادة في الوزن، يريدون تخفيف وزنهم من أجل الحفاظ على صحتهم أو إطالة عمرهم، وقد يكون هذا الكلام صحيحاً عند نسبة قليلة جداً ممَّن يعانون من البدانة، ولكنَّ معظمهم يريدون التخلص من الوزن الزائد من أجل أن يتوقفوا عن الشعور بالسوء تجاه أنفسهم، وعن الشعور بالذنب بأنَّه ليس لديهم الإرادة الكافية أو القدرة على السيطرة على وزنهم.
في العادة تظهر الآثار السلبية النفسية لزيادة الوزن أو السمنة، عندما تنظر الأنثى إلى شكلها في المرآة أو عندما تنظر إلى الصور التي التقطتها خلال نزهة مع صديقاتها ذوات الأجساد الممشوقة؛ وهذا يجعلها تشعر بحالة من انعدام الأمان عند التعامل مع الوسط المحيط بها، ويجعلها أيضاً تتهرب من ارتداء ملابس السباحة أو حتى حضور حفلة زفاف، وغيرها من الآثار النفسية السلبية التي لها حصة الأسد في قرار تخفيف الوزن، مقارنة بالأسباب الطبية.
ومع ذلك قد لا توضع هذه العوامل النفسية في الحسبان، مع أنَّها أساسية جداً.
ما هو دور الجانب السايكولوجي في محاربة الوزن الزائد؟
إنَّ الفكرة الرائجة عن إنقاص الوزن، بأنَّه عملية تقتصر على اتباع نظام غذائي متوازن وصحي، يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية، ومن ثَمَّ زيادة في الوزن؛ والسبب في ذلك أنَّهم يرون أنَّ السبب في البدانة هو موضوع ضعف إرادتهم في الالتزام بالحميات أو العادات الصحية، متجاهلين سبباً رئيساً وربما الأهم، ألا وهو العامل الوراثي، وليس فقط ضعف مقاومتهم للاندفاع والرغبة في الطعام؛ وهذا يؤدي إلى ظهور تأثير الارتداد والشعور بالذنب، الذي يؤدي بدوره إلى تدهور الحالة النفسية، ومن ثَمَّ زيادة متوقعة في الوزن.
يمتلك الأشخاص الذين يبذلون جهداً كبيراً لتخفيف وزنهم ذهنيَّة أو عقليَّة مختلفة اختلافاً كاملاً عن بقية الأشخاص الذين لا يعانون أيَّة مشكلة بوزنهم؛ إذ إنَّ الشخص الذي يستمتع بتناول الطعام ويستطيع اختيار أي نوع من الأطعمة ليتناوله ويتلذذ به، لديه ذهنيَّة ومواقف وسلوكات مختلفة اختلافاً كبيراً عن الشخص الذي يمنع نفسه عن تناول الطعام، وهو مضطر إلى مشاهدة الطعام ومَن يأكلونه ويتلذذون به، دون أن يأكل؛ أو بمعنى آخر يكبت رغباته واندفاعاته تجاه الطعام.
إنَّ الأشخاص الذين لا يملكون أيَّة مشكلة مع وزنهم، لديهم سايكولوجيا مختلفة عن الطعام، فهم يأكلون فقط حين يشعرون بالجوع، ويتوقفون عن الأكل عندما ينتابهم الشبع، أما الذين يعانون من زيادة في الوزن، فيتناولون الطعام وعيونهم موجَّهة إليه، وخلال المضغ يفكرون في أكل المزيد من الطعام.
تقمُّص سايكولوجية الشخص النحيف، طريقك المعبَّد نحو إنقاص الوزن:
في حال كنت تعاني من زيادة في الوزن، وتريد إنقاص وزنك، فتوجد طريقة قوية وفعالة وممتعة جداً، وهي أن تفكر بصفتك شخصاً نحيفاً، وتجعل الحالة النفسية للشخص النحيف رداءً لك، أو تجعل الشخص النحيف بكل المكونات الذهنية أو السايكولوجية له صديقاً مقرباً؛ وذلك باتباع بعض الأفكار الآتية:
- إنَّ الشخص النحيف، لاشعورياً يمتلك طريقة تفكير غريزية في تناول الطعام، غير موجودة عند أولئك الأشخاص الذين يكافحون لإنقاص أوزانهم، ومن الممكن بواسطة طريقة التفكير هذه أن تنتقل من شخص يريد أن يضبط عملية الأكل، إلى شخص يأكل عندما يشعر بالجوع فقط. فالشخص النحيف لن يأكل في حال عدم شعوره بالجوع؛ إذ إنَّه ينتبه إلى ما تشعر به معدته، ويمكنك التحول إلى هذا التكنيك عبر استخدام ما يسمى بمقياس الجوع، فعندما تشعر بأنَّك أصبحت في مرحلة ما بين الجوع والجوع الخفيف عليك أن تبدأ بتناول الطعام، ولا تترك نفسك إلى حين الشعور بالجوع الشديد؛ ذلك لأنَّك لن تستطيع عندها إيقاف نفسك عن الطعام، وعندما تصل إلى مرحلة ما بين الرضى والشبع، يجب عليك أن تتوقف عن الطعام.
- الشخص النحيف، يأكل حتى يشعر بالرضى والسرور، ويترك مجالاً لتناول المزيد من الطعام، ويشعر بتحسن وارتياح عند تطبيق هذه الفكرة؛ إذ إنَّه يصغي إلى جسده ويفعل ما يبقيه مرتاحاً؛ لذلك فهو لا يشعر بالارتياح عند تناول الوجبات الدسمة؛ لذا يتجنب تناولها، وكذلك يمتنع عن الأكل حتى التخمة، حتى ولو كان الطعام لذيذاً جداً ولو بقي الكثير من الطعام على المائدة؛ إذ إنَّه يعتقد أنَّ النكهة الجميلة تكمن في اللقيمات الصغيرة الأولى.
- الشخص النحيف يمتلك قدرة على التمييز بين الرغبة في تناول الطعام، والحاجة الفعلية إلى تناوله، فهو عندما يمر بجانب مطعم للوجبات السريعة على سبيل المثال، فإنَّه يسأل نفسه إن كان جائعاً أم لا قبل اتخاذ القرار بالدخول إلى المطعم، وكذلك يستعمل مقياس الجوع استعمالاً فطرياً لتحديد موعد الطعام.
- الشخص النحيف لا يسمح لنفسه بالوقوع فريسة سهلة للرغبة الجامحة في تناول الطعام؛ إذ إنَّه يعي تماماً أنَّ هذه الرغبة المُلِحَّة مهما كانت شديدة فإنَّها مسألة وقت وستزول وحدها، فيعمد لاشعورياً لتشتيت انتباهه عن موضوع الطعام، أو التسامح مع الرغبة الشديدة في الأكل أو تقبُّلها دون الخضوع لها؛ وبذلك فهو يقلل من التأثير السلبي لهذا الكبت، ويمنع تدهور أو اضطراب الهرمونات الذي قد يؤدي إلى زيادة الوزن.
- الشخص النحيف يملك واقعية أكثر فيما يتعلق بكميات الطعام التي يتناولها، ويدرك أهمية التوازن في تناول الطعام؛ فهو في حال أفرط في تناول الطعام على وجبة الغداء على سبيل المثال، فإنَّه سيقلِّل كميات الطعام في الوجبة التالية.
- الشخص النحيف لا يسمح لنفسه بالغرق في مستنقع الأكل العاطفي؛ أي إنَّه عندما يكون في حالة توتر أو قلق أو خوف أو غضب، فإنَّه لا يلجأ إلى تناول الطعام بوصفه وسيلة لتفريغ انزعاجاته؛ إذ إنَّه سيسبب زيادة في انتقاد الذات والشعور بالذنب، ومن ثَمَّ من الممكن أن يدخل حالة نفسية أسوأ من سابقتها.
- الشخص النحيف لا ينظر إلى زيادة الوزن على أنَّها حدث خطير يدعو للهلع؛ بل يحاول علاجها بكل برودة أعصاب؛ وذلك عبر التقليل من تناول الطعام، وإجراء التمرينات الرياضية أكثر من ذي قبل.
في الختام:
في حال كنت تتناول الطعام حتى ولو كنت تشعر بالجوع، وتخلط بين الجوع الفعلي ورغبتك في تناول الطعام، أو في حال كانت لديك قدرة ضعيفة على تحمُّل الرغبة الملحة في تناول الطعام، أو كنت تتوقف عن اتباع النظام الغذائي فور خسارتك للوزن، أو تشعر باليأس لنقصان وزنك؛ فما عليك إلا أن تفكر بصفتك شخصاً نحيفاً، وتتقمص شخصيته وسلوكاته، وستحصل على نتائج مذهلة؛ وذلك لأنَّ فقدانك للوزن لا يرتبط بما تتناول من طعام؛ بل يرتبط ارتباطاً أكبر بما تأكل، وكيف تأكل، وما الذي تفكر فيه عندما تأكل وعندما تمنع نفسك من الأكل.
أضف تعليقاً