تخيل للحظة الشعور بأن تجد نفسك وحيداً في مجتمع يتحالف ضدك لأسباب قد تكون غامضة أو غير مبررة، لا بدَّ أن يكون شعوراً مخيفاً ومحبطاً إلى أبعد حدٍّ يتصوره عقل الإنسان، في الواقع خلال حياتنا اليومية، قد نجد أنفسنا في مواقف تجعلنا نشعر بالمضايقة والعزل، ولكن ماذا يحدث عندما يكون هذا الشعور نتيجة لتحالف مجموعة من الأفراد ضدك؟
الإحساس بالمضايقة هو موضوع يعكس الواقع الاجتماعي الذي نعيشه في مجتمعاتنا اليوم، تجربة قاسية قد يتعرض لها كثيرون منا في مراحل مختلفة من حياتنا، سواء في مكان العمل أم الدراسة أم حتى في الأماكن التي نعدها آمنة ومألوفة، وإنَّ الإحساس بالمضايقة ليس مجرد شعور عابر يمكن تجاهله بسهولة، فتلك اللحظات التي نشعر فيها بأنَّنا مستهدفون للانتقادات أو التجاهل أو العزل هي تجارب صعبة ومؤلمة، تقف في وجه تطورنا الشخصي وتؤثر في رفاهيتنا النفسية.
إذا كنت ترغب في معرفة مزيد من المعلومات عن موضوع الإحساس بالمضايقة وأشكالها المختلفة، وكيف تترجم هذه الأشكال إلى مظاهر ملموسة في حياتنا اليومية، وتتساءل عن الآثار النفسية والاجتماعية للمضايقة في الأفراد، وكيف يمكنهم التعامل معها بفاعلية، فانضم إلينا في هذا المقال.
الشعور بالمضايقة، الإحساس بالغمر في متاهة من التوتر:
الشعور بالمضايقة أو الإحساس بالمضايقة، مصطلح جديد لوصف ظاهرة قديمة الوجود في المجتمعات الإنسانية وتتزايد بشكل كبير في وقتنا الحالي، هو مفهوم يشير إلى الشعور بالإزعاج أو الاستياء نتيجة لسلوك أو تصرفات الآخرين، ويَظهَر هذا الشعور في مختلف السياقات، سواء كانت في العمل، أم المدرسة، أم العلاقات الاجتماعية، أم المجتمع عموماً، وغالباً ما يولد بوصفه نتيجة لتحالف مجموعة من الأفراد ضد شخص وحيد في محاولة لعزله أو إقصائه في مكان العمل أو التعلم أو المجتمع.
يتراوح الإحساس بالمضايقة بين التجاهُل، والعزل الاجتماعي، والتنمر، والانتقادات السلبية، والإساءة اللفظية، والتمييز، والتهديدات، وأعمال العنف وغيرها من السلوكات الضارة سواء بشكل سري أم بالعلن، فقد يشعر الشخص المتضرر بأنَّه غير مقبول أو غير محبب في البيئة التي يكون فيها، وهذا يؤثر سلباً في صحته النفسية ومستوى الثقة بالنفس.
لا يولد الإحساس بالمضايقة في الغالب دفعة واحدة، ولا يشتعل على شكل يلاحظ بسهولة ومن ثَمَّ يمكن اختيار أسلوب مناسب لمكافحته، بل هو أشبه بالحريق الذي يبدأ بشرارة ليلتهم في النهاية كل ما يأتي أمامه، فيبدأ بتكتيكات تدمير خفيفة تسعى إلى التَّقليل من شأن الفرد وجعله مهزلة واستبعاده بشكل تدريجي حتى إيصاله إلى مرحلة الاستنزاف والوصول في النهاية إلى أذية الفرد، وقد يستغرق سنوات عدة للوصول إلى هدفه، والمؤسف هنا أنَّ ضحايا هذه الظاهرة أي (الإحساس بالمضايقة) لا يراجعون طبيباً نفسياً أو مختصاً لأسباب مختلفة، لعل أهمها الخجل، فالإنسان يخجل من القول إنَّه شخص منبوذ أو غير مرغوب أو يتم تجاهله.
قد تكون المضايقة ظاهرة معقدة تنبع من عوامل متعددة، ومن ذلك العوامل الاجتماعية والنفسية والثقافية، وإنَّ فهم مفهوم الإحساس بالمضايقة يساعد على تعزيز التفاهم بين الأفراد وتعزيز العلاقات الإيجابية، وتوجد أيضاً استراتيجيات تساعد الأفراد على التعامل بفاعلية مع هذا الشعور والتغلب عليه.
شاهد بالفديو: 7 طرق في التعامل مع العلاقات السلبية
أشكال الإحساس بالمضايقة، مضايقة مختبئة تحت المظاهر السطحية:
بين الكلمات والأفعال في ساحة الحياة اليومية، تنشأ أزمة الإحساس بالمضايقة، فنجد أنفسنا غالباً محاطين بأنماط متعددة من التفاعلات الاجتماعية، ومنها تلك التي تثير داخلنا الإحساس بالمضايقة، هذا الشعور، الذي ينبعث من تصرفات أو كلمات الآخرين، وله أشكال مختلفة، وأهمها:
1. الإحساس بالمضايقة في بيئة التعلم (المدرسة أو الجامعة):
هو تعريض الطلاب للعنف العقلي أو البدني، أو تعريض طالب محدد لذلك وهو غير قادر على الدفاع عن نفسه، ويتمثَّل الإحساس بالمضايقة في التنمر والتمييز من قبل الأقران، على سبيل المثال، طالب قد يتعرض للتنمر من قبل زملائه بسبب مظهره، أو دينه، أو جنسه، أو أي سمة شخصية أخرى.
يشعر الطلاب بالإحساس بالمضايقة عندما يُتجاهلون أو يُستبعَدون من قبل مجموعاتهم الاجتماعية، على سبيل المثال، عندما لا يُدعى الطلاب للمشاركة في النشاطات الاجتماعية أو يُتركون خارج الحوارات والمناقشات الصفية، كما يعاني الطلاب من العزل الاجتماعي عندما يشعرون بأنَّهم غير مقبولين في المجتمع التعليمي، إضافة إلى ذلك قد تؤثر التعاملات السلبية من قبل المعلمين، مثل الانتقادات اللامبررة أو التمييز، في شعور الطلاب بالمضايقة.
ضمن نفس السياق توصلت دراسة لدوم بيك (Dombeck) إلى ذكر أبرز السلوكات المضايقة التي تمت ملاحظتها في المدرسة والجامعة، ففي المدرسة كان اللكم والدفع والتدافع والركل، وفي الجامعات كان: اللمس غير اللائق، والإغاظة، والاقتتال، واستخدام الأشياء المتوفرة بوصفها أسلحة، والتحرش، ونشر الشائعات، والسخرية من الناس، وتشكيل عصابات، والمعاملة الصامتة، وتوجيه الشتائم والألفاظ النابية على الشخص المستهدف.
2. الإحساس بالمضايقة في العمل:
عادة ما يكون موظفو القطاع العام أكثر عرضة للمضايقة من موظفي القطاع الخاص، لكن في الوقت نفسه إنَّ أي شخص من أي مستوى إداري أو تنفيذي في العمل هو عرضة للمضايقة، فيتعرض الأفراد للمضايقة من قبل زملائهم أو مشرفيهم في العمل عبر سلوكات مثل التنمر، والتحرش اللفظي أو النفسي، والتجاهل المتعمد، مثلاً، يشمل ذلك السخرية من شخص بسبب مظهره أو سلوكه أو تجاهله لرأيه في القرارات العملية.
تكون المضايقة في مكان العمل أيضاً عبارة عن عدم منح الأفراد التقدير والاعتراف اللائق بجهودهم وإسهاماتهم، كما تتضمن المضايقة في بيئة العمل زيادة الضغط النفسي على الأفراد من خلال تكليفهم بمهام غير معقولة أو وضع توقعات غير واقعية، إضافة إلى التميز بناءً على العِرق أو الجنس أو الدين.
مظاهر الإحساس بالمضايقة، مزيد من الأبعاد والتفاصيل:
يحمل الإحساس بالمضايقة مزيداً من الأبعاد والتفاصيل التي تجعله ظاهرة تؤثر بشكل عميق في حياة الأفراد والمجتمعات، وإنَّ مظاهر الإحساس بالمضايقة تتجلى بأشكال متنوعة وقد تكون مختلفة تماماً بين الأفراد والبيئات المختلفة، وأبرزها:
1. السخرية:
استخدام السخرية للتقليل من قيمة الفرد وشأنه.
2. الإساءة اللفظية:
استخدام الكلمات أو التعبيرات اللفظية المسيئة أو الجارحة لاستهداف فرد معين، وتكون الإساءة اللفظية عبارة عن تهديدات، أو إهانات، أو تجاوز حدود الاحترام.
3. الاعتداء الجسدي:
يمثل هذا المظهر الاعتداء البدني على فرد ما، وقد يشمل ضرباً أو ركلاً أو إيذاء جسدياً بأي وسيلة؛ إنَّه تصرُّف عدواني يلحق أضراراً جسدية بالشخص المعني.
4. الإهمال الاجتماعي:
تجاهل الأفراد وعدم دمجهم في النشاطات الاجتماعية أو الفرق العملية.
5. التمييز:
على أساس العِرق، أوالجنس، أو الدين، أو الجنسية، أو أي سمة شخصية أخرى.
6. الضغوطات النفسية:
من خلال تكليف الأفراد بأعباء زائدة تفوق قدرتهم.
7. التنمر الإلكتروني:
يشمل الرسائل الإلكترونية التحريضية أو الإساءة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
8. الإقصاء من الفرق أو المجموعات:
حين يتم استبعاد الأفراد بصورة متعمدة من المشاركة أو الاندماج في فرق العمل أو المجموعات.
9. الانتقادات غير المبررة أو التقييمات الظالمة:
انتقادات سلبية أو تقييمات غير عادلة تُوجَّه للشخص دون أسباب مقنعة أو من دون مراعاة لإنجازاته الفعلية.
10. عدم التقدير وعدم الاعتراف وتقويض الإنجازات:
يشمل هذا إهمال تقدير جهود الشخص وعدم الاعتراف بإنجازاته ومساهماته.
11. النميمة ونشر الشائعات وتشويه السمعة:
نشر معلومات كاذبة أو مضللة عن الشخص بهدف تشويه سمعته وتقويض سمعته الاجتماعية أو المهنية.
12. تحويل العاملين إلى وظائف أخرى:
يكون هذا متعمداً لإحداث ضرر أو التقليل من قيمة الشخص داخل المؤسسة أو المجتمع.
13. التهديدات الشفهية:
يشمل ذلك التهديدات بالعنف أو الأذى الشخصي عبر الكلام أو الإيحاءات بالتصرف بشكل عدائي ضد الشخص.
شاهد بالفديو: 8 طرق لبناء الثقة في العلاقات
آثار الإحساس بالمضايقة:
تطول قائمة الآثار السلبية الناجمة عن إحساس الفرد بالمضايقة على الأمد الطويل، ومنها:
1. تأثيرات صحية:
يؤدي التوتر الناتج عن الإحساس بالمضايقة إلى تأثيرات جسدية خطيرة مثل زيادة مخاطر أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، ومتلازمة القولون المتهيج، وآلام في الصدر، والصداع النصفي، وهجمات قلبية، وسكتات دماغية، ومرض السكري، والربو.
2. تأثيرات نفسية:
يؤدي الإحساس بالمضايقة إلى زيادة مستويات التوتر والقلق لدى الأفراد وانخفاض الثقة بالنفس، كما قد يؤدي الإحساس بالمضايقة المستمر إلى الاكتئاب والشعور بالحزن واليأس.
3. تأثيرات اجتماعية:
يؤدي الشعور بالمضايقة إلى تدهور العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والزملاء والأصدقاء، وجعل الأفراد يصبحون أكثر عدائية وتوتراً في تفاعلاتهم اليومية، إضافة إلى انعزال الأفراد وتقليل مشاركتهم في النشاطات الاجتماعية.
4. تأثيرات في الأداء والإنتاجية:
يؤثر الإحساس بالمضايقة في قدرة الأفراد على التركيز وأداء مهامهم بفاعلية، ومن ثم انخفاض في الإنتاجية.
5. تأثيرات اقتصادية:
يؤدي التأثير الصحي للمضايقة إلى زيادة تكاليف العلاج والرعاية الطبية، كما يؤثر في فرص العمل والتقدم المهني.
نصائح لمواجهة الإحساس بالمضايقة:
1. كن إيجابياً:
حافظ على تفاؤلك واتجاهك الإيجابي حتى لا تؤثر المواقف السلبية فيروحك وتجعل للاكتئاب باباً يدخل منه إليك.
2. كن صريحاً:
حاول التحدث بصراحة مع الأشخاص المعنيين واعرض مشاعرك واحتياجاتك.
3. ابنِ علاقات طيبة:
حاول بناء علاقات إيجابية مع أشخاص آخرين في مكان العمل أو المدرسة.
4. كن فاعلاً في مكانك:
شارك في النشاطات الاجتماعية أو الفرق العملية لتعزيز الاندماج.
5. ابحث عن دعم:
ابحث عن شخص أو مجموعة داعمة تشعرك بأنَّك مقبول ومحبوب.
6. طوِّر من نفسك:
لتكسب مزيداً من الثقة بنفسك.
7. ابتعد عن السلبية:
حاول تجنُّب الأشخاص السلبيين والتفكير السلبي.
8. التعامل مع الانتقادات:
تعلَّم كيفية التعامل مع الانتقادات بشكل بنَّاء وعدم الاستسلام للضغوطات.
في الختام:
يبقى موضوع الإحساس بالمضايقة تجربة إنسانية يمر بها الجميع في مراحل مختلفة من حياتهم، وهي مشكلة متعددة الأوجه تنتج من تفاعلاتنا مع العالم ومع أنفسنا؛ لذا يجب أن نكون واعين لمظاهرها ونسعى جاهدين إلى تحسين طرائق التواصل وفهم الذات؛ وذلك من خلال العمل المستمر على تطوير مهاراتنا الاجتماعية، وإدارة الضغوطات، والاستفادة من الصعاب التي نواجهها في الحياة وعدها فرص للنمو من أجل بناء حياة أكثر سعادة واستقرار.
المصادر +
- ميلانا يوسف زين الدين، الإحساس بالمضايقة وعلاقته بالميول العصابية لدى عينة من العاملين في الدوائر الحكومية في محافظتي دمشق
أضف تعليقاً