الأشخاص الذين يعانون من اضطراب صورة الذات المشوهة يملكون دائماً تصويراً سلبياً لأنفسهم، ولديهم صورة شخصية مختلفة تماماً عن الواقع؛ نظراً لأنَّ ذهنهم يؤثر في أفكارهم بطرائق غير متوقعة، وقد يكون لذلك تأثير ضار في صحتهم الجسدية والنفسية، وهذا يؤثر في حياتهم اليومية.
الأفراد الذين يملكون صورة ذاتية مشوهة أكثر عرضة للإحباط، فقد يؤدي ذلك إلى انعدام حياتهم الاجتماعية، وضعف الثقة بالنفس، والمزاج السلبي، وقد يعانون أيضاً من اضطرابات في تقدير الذات أو اضطرابات الأكل، بينما يعاني بعضهم الآخر أيضاً من اضطراب الشخصية الحدودية بسبب صورتهم السلبية لأنفسهم.
ما هو اضطراب صورة الذات المشوهة؟
عادةً ما يعتقد الناس أنَّ صورة الذات هي ما يرونها في المرآة فقط، ولكنَّها أكثر من ذلك بكثير؛ إذ تتعلق صورة الذات بكيفية رؤية الأشخاص لأنفسهم على نطاق أوسع، سواء من الداخل أم الخارج.
من ناحية أخرى، يحدث اضطراب صورة الذات المشوهة عندما يدرك الشخص أنَّه غير راضٍ عن مظهره الجسدي أو قيمه أو ذكائه أو مواهبه؛ إذ يجد الأشخاص الذين يعانون من صورة الذات المشوهة صعوبة في رؤية أنفسهم كما يراهم الآخرون.
تميل صورة الذات المشوهة إلى التركيز أكثر على كيفية رؤية الأشخاص لأجسادهم؛ ونتيجة لذلك، يكون تشويه صورة الجسم هو الجانب الأكثر شيوعاً، فالأشخاص الذين يملكون صورة ذاتية مشوهة عرضة للاكتئاب، والقلق، والحزن، والخجل الشديد.
الأفراد الذين يعانون من صورة ذاتية مشوهة يقضون كثيراً من الوقت يحدقون أو يقلقون بشأن مظهرهم، ونظراً لحالة اضطراب صورة الجسم، يكونون أيضاً عرضة للسلوكات القهرية مثل النظر المستمر في المرآة، أو محاولة تحسين مظهرهم باستمرار، أو محاولة مقارنة أنفسهم بالآخرين.
ما الذي يسبب اضطراب صورة الذات المشوهة؟
تسهم عوامل عدة في تشويه صورة الذات، ومن ذلك:
1. مؤشر كتلة الجسم (BMI):
بعض الأشخاص الذين يعانون من مؤشر كتلة الجسم يشعرون بأنَّ وزنهم زائد بشكل كبير؛ لأنَّ مؤشرهم يتجاوز النطاق الصحي، والذين يكونون في أسفل النطاق قد يرون أنفسهم نحيفين جداً، وهذا يؤدي إلى تشويه صورة الذات، وخاصةً في اضطراب صورة الجسم.
2. تصوير الذات السلبي أو الشك في الذات:
يؤدي تصوير الذات السلبي إلى تشويه صورة الذات، خاصةً في الأشخاص الذين يقارنون أنفسهم بالآخرين استناداً إلى مظهرهم ووزنهم وبشرتهم وشعورهم، وهذا سبب شائع عند النساء الشابات؛ وذلك لأنَّهن مهتمات اهتماماً مفرطاً بكيف يظهرن للآخرين وكيف يراهم الآخرون.
الأفراد الذين ينشئون تصورات غير مواتية عن أنفسهم يتجنبون قبول الواقع، وبدلاً من ذلك يصبحون غير مرتاحين بشكلهم، فيشعرون بالاشمئزاز من مظهرهم ومن أنفسهم، وسيتجهون إلى أي مدى - حتى إلى التطرف - للامتثال لمعايير الجمال الرفيعة والمظهر.
يؤدي الفشل أيضاً إلى تشويه صورة الذات في بعض الحالات؛ وذلك لأنَّ بعض الأشخاص لا يقبلون الفشل، فيشعرون بالخجل والإحراج والألم، ويبدؤون بالتشكيك بقدرتهم على النجاح.
يصبح هذا الأمر أكثر إشكالاً عندما يقارن الناس أنفسهم بالآخرين الذين حققوا نجاحاً بينما هم لم يحققوا؛ ونتيجة لذلك، ينخفض تقديرهم لنفسهم، وهذا يؤدي إلى تشويه صورة الذات.
شاهد بالفيديو: نصائح للحد من التفكير بسلبية
3. تصور العائلة:
معظم الآباء لا يدركون أنَّ أطفالهم عرضة للتأثر بما يقولونه عنهم، وفي تلك المرحلة، يأخذ الأطفال تعريفات الآخرين بوصفها واقعاً لهم، لذلك الأطفال الذين ينشؤون في بيئة يتعرضون فيها باستمرار لانتقادات أو تعليقات بشأن أجسادهم أكثر عرضة لاكتساب صورة مشوهة للذات.
من الهام أيضاً أن ندرك أنَّ تشويه صورة الذات في الأطفال يزداد سوءاً عندما يتغير جسمهم خلال المراهقة، ومع نموهم، يحملون عبء هذا التصور المشوه حتى يكتشفوه أو يساعدهم شخص آخر على تصحيحه، كما أنَّ مشكلات العلاقة بين الآباء والأطفال تسهم أيضاً في عدم الرضى عن صورة الجسم.
4. آراء الناس:
يمكن للناس أن ينشئوا رأياً سلبياً عن أنفسهم استناداً إلى ما يواجهونه ويسمعونه، على سبيل المثال، تُظهِر وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو الموسيقية وحتى الأفلام مظاهر خاصة للشخصيات الشهيرة يسعون إلى التمسك بها بوصفها معياراً أو مظهراً مفضلاً، ويعاني بعض الناس أيضاً من التنمر الذي يؤثر سلباً في صورتهم الذاتية.
5. الأمراض النفسية:
الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب لديهم ثقة منخفضة بالنفس، وكسل، أو انعزال، وقد تؤدي هذه الأعراض إلى تطوير صورة مشوهة للذات وحزن عميق أو عدم رضى عن حياتهم، ولسمة جسدية غير طبيعية - مثل السير بعرج - لها نفس التأثير.
6. التقاليد والثقافة:
تؤثر التقاليد والثقافة أيضاً تأثيراً كبيراً في تشويه صورة الذات، مثل نظر المجتمع إلى الأشخاص استناداً إلى عوامل معينة قد يؤثر في كيفية تفكير الناس وشعورهم بأنفسهم، وتشمل هذه العوامل:
- الاهتمام بالمظهر الخارجي.
- المهارات والمواهب.
- الفروق العمرية والجنسية.
- الاضطرابات.
- العرق.
- المظهر الجسدي مثل الشعر والحجم والشكل.
أعراض اضطراب صورة الذات المشوهة:
تتضمن أعراض صورة الذات المشوهة:
- تجنب النظر في المرآة لتجنب رؤية الجسم بشكل كامل أو جزء من الجسم يُعَدُّ غير جذاب.
- محاولة تغطية الجسم بأكمله مثل ارتداء ملابس فضفاضة أو استخدام إكسسوارات مثل القبعات لإخفاء أجزاء معينة من الجسم.
- طلب الرأي باستمرار من الآخرين بشأن المظهر.
- اللجوء إلى التطرف في تغيير شكل الجسم أو جزء معين، مثل استخدام مكياج زائد أو الخضوع لعمليات جراحية متكررة أو جراحات تجميلية.
- القلق المستمر بشأن الاهتمام بالمظهر الشخصي أو الأسلوب.
- تجنب التفاعل الاجتماعي بسبب اعتقاد الشخص بأنَّه يبدو فظيعاً ويشعر بالخجل الشديد.
- يترافق الشعور بالعار غالباً مع الاكتئاب، وهذا قد يؤدي إلى الإضرار بالنفس وحتى التفكير في الانتحار.
هل توجد علاجات لاضطراب صورة الذات المشوهة؟
توجد علاجات فعالة لصورة الذات المشوهة تساعد الأشخاص على التخفيف من التوتر والقلق اللذين يعانون منهما، وتشمل بعض هذه العلاجات ما يأتي:
1. العلاج النفسي:
يساعد المعالجون النفسيون الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب على تغيير أفكارهم الأساسية المعقدة بشأن مظهر أجسادهم وعيوبها، إضافة إلى ذلك، يقدِّمون معلومات مفيدة عن الآثار الضارة لتشويه صورة الذات، خاصةً على الصعيدين العقلي والجسدي.
2. الرياضة واللياقة البدنية:
يساعد النشاط البدني على إطلاق الإندورفينات، وهذا يساعد على تخفيف القلق الذي غالباً ما يرافق تشويه صورة الذات، إضافة إلى ذلك، التركيز على ما يقوم به الجسم بدلاً من كيف يبدو قد يساعد على إعادة تأهيل صورة الجسم المشوهة.
3. بعض الأدوية:
قد تساعد بعض الأدوية المستخدَمة عادةً لاضطرابات القلق، مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، على تخفيف صورة الجسم السلبية، واستخدامها بالاشتراك مع إجراءات (CBT) يكون فعالاً جداً.
4. العلاج السلوكي المعرفي (CBT):
هذا العلاج يعالج بشكل فعال الأشخاص الذين يعانون من تشويه صورة الذات؛ إذ يساعد هذا النهج العلاجي الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة على تصحيح أنماط التفكير الخاطئة لديهم، وأن يصبحوا أكثر دقة فيما يتعلق بهم، والأهم من ذلك، يركز (CBT) على تعزيز لغة النقد الذاتي وتطوير مهارات الاسترخاء لتقليل التوتر الذي يرتبط عادةً بصورة الجسم السلبية.
تحسين صورة الذات:
لتحسين صورة الذات، يمكن اتباع بعض الإجراءات التي تعزز الرفاهية وتعزز الإيجابية، وإليك بعض هذه الإجراءات:
1. تقبُّل النفس:
قد تكون الخطوة الأولى هي قبول نفسك كما أنت؛ لذا فكر في الجوانب الإيجابية والقوى التي تمتلكها.
2. العناية بالجسم:
اعتنِ بجسمك من خلال اتباع نظام غذائي صحي، وحافظ على نشاط بدني منتظم.
3. تحديد الجوانب الإيجابية:
ركز على الجوانب الإيجابية لجسمك بدلاً من التركيز على العيوب المتوقعة.
4. التواصل الإيجابي:
تفاعل مع الأشخاص الذين يدعمونك ويشجعونك بشكل إيجابي.
5. تحديد أهداف صحية:
حدد أهدافاً صحية وواقعية، وابدأ بتحقيقها ببطء.
6. اللياقة النفسية:
اعتنِ بلياقتك النفسية من خلال الراحة والاسترخاء، مثل ممارسة التأمل أو اليوغا.
7. تغيير الفكر السلبي:
غيِّر الأفكار السلبية عن جسمك إلى أفكار إيجابية، وقم بتحليل الأفكار وتحديها.
8. تجنُّب المقارنة:
تجنَّب مقارنة جسمك مع الآخرين، وآمن أنَّ الجمال يأتي بأشكال متنوعة.
9. استشارة محترفي الصحة:
في حالة الحاجة، استشر محترفي الصحة النفسية أو مدربي اللياقة البدنية للحصول على الدعم الإضافي.
تذكَّر أنَّ تحسين صورة الجسم يتطلب الصبر والتفاني، وهو عمل يجري تدريجياً.
في الختام:
يظهر اضطراب صورة الذات المشوهة بوصفه تحدياً يمكن التغلب عليه من خلال الفهم العميق للذات والعمل الإيجابي نحو التحسين الذاتي، وبفضل التقنيات الحديثة والدعم النفسي، يمكن للأفراد المتأثرين بتشويه صورة الذات العثور على طرائق لبناء صورة إيجابية لأنفسهم.
من خلال العناية بالجوانب النفسية والجسدية، وتغيير الأفكار السلبية، قد يكون الطريق نحو التعافي وتحسين صورة الذات ممكناً، ويجب علينا جميعاً أن نعمل معاً لفهم ودعم الأفراد الذين يعانون من هذا الاضطراب؛ وذلك لأنَّ كل فرد يستحق أن يشعر بالقبول والراحة في جسمه، وأن يعيش حياة مليئة بالإيجابية والثقة.
أضف تعليقاً