ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "تايلر ترفورين" (Tyler Tervooren)، ويحدِّثنا فيه عن أهمية التحلِّي بالصبر في بعض الأمور في الحياة لاتخاذ القرارات الصحيحة.
كنت أقوم ببعض التمارين الرياضية في حديقة منزلي، وقد أكملت فيها مجموعة من التمارين وكنت على وشك البدء بالمجموعة الثانية، وفجأةً هطل المطر بغزارة شديدة، وكنت على وشك الاستسلام والدخول إلى المنزل، ولكن فكَّرت في نفسي، أنَّني لن ألقَ نتيجة هذه التمارين إذا لم أتمرَّن فعلاً، لذلك قرَّرت الانتظار قليلاً حتى تهدأ الأمطار.
بعد 30 ثانية، توقَّفت الأمطار، وانتهيت من كل التمارين التي كنت أريد القيام بها، ولكن ماذا لو لم أنتظر تلك الـ 30 ثانية الإضافية؟ ماذا لو استسلمت وعدت إلى المنزل على الفور؟ ماذا لو اتخذت كل قراراتي بهذه الطريقة؟
إليك بعض الأشياء التي لم تكن لتحدث لو أجَّلت قيامي ببعض الأمور:
1. لم أكن سأنتهي من تماريني:
كنت سأجلس على الأريكة، وأتمنَّى أن يتوقف المطر - وهي أمنية سخيفة لمواطن يقطن في ولاية لا تتوقف فيها الأمطار - بدلاً من العمل على تحسين نفسي.
2. لم أكن سأبدأ بموقعي الخاص:
في عام 2008 عندما انهار سوق الأسهم، وفقد كثير من الأشخاص الذين أعرفهم كل أموالهم، لأنَّهم كانوا غير صبورين، ولكنَّني تمسَّكت بخطتي في الانتظار حتى تنتهي الأزمة واستمريت في الاستثمار، ولو لم أفعل ذلك فما كنت سأحصل على الدعم المالي الذي احتجته للعمل على موقعي الخاص لمدة عام تقريباً قبل أن أحصل على أي أجر.
3. لن أكون شخصاً سعيداً جداً:
غالباً ما تكون سعادتي مرتبطة بمدى صبري في انتظار ما أريد، فكلما حافظت على هدوئي لفترة أطول، سارت الأمور جيداً بالنسبة إليَّ، وحتى إذا لم أحصل على ما أريد، فأنا أحاول ألا أُبدي اهتماماً، لأنَّ الصبر يبني مهاراتي.
أهمية الوقت: كيف تتقن اتخاذ المخاطر؟
إنَّ الوقت عبارة عن أداة سحرية، فأولئك الذين يُسخِّرون وقتهم بطريقة صحيحة يجدون الحظ والثروة، ولكن أولئك الذين يسمحون للوقت بتسخيرهم، يخوضون معركة شاقَّة طوال حياتهم، لذلك تعلُّم التحلِّي بالصبر، وتسخير الوقت بطريقة صحيحة هو مهارة ضرورية جداً لاتخاذ المخاطر.
فما يُعاني منه المبتدئون في اتخاذ المخاطر هو معرفة متى يجب عليهم الانتظار بصبر، ومتى يجب التصرف تصرُّفاً عاجلاً، فهذان الأمران يجب تمييزهما، ولكن مع الممارسة، فإنَّ معرفة الشيء الصحيح الذي يجب فعله يصبح مهارة طبيعية، ولكن عندما يكون صبرك ضعيفاً وغير مكتمل النمو ستجد نفسك تنتظر وتضيِّع وقتك في حين يجب عليك أن تنطلق إلى العمل، أو ستصاب بالذعر وتتصرَّف بخوف عندما يجب أن تجلس ساكناً برهةً من الزمن.
ولحسن الحظ، هناك مجموعة يسيرة جداً من القواعد التي يمكنك اتباعها لتعرف بالضبط ما يجب فعله ومتى، وهي:
- إذا كان الأمر صعباً جداً، تصرَّف على الفور.
- إذا كان الأمر يشكِّل صعوبة يسيرة، انتظر لمدة 30 ثانية ثمَّ أعد النظر فيه.
ولكن هناك عقبة أخرى يجب عليك توضيحها لكي تعمل على هذه القاعدة، وتتخذ مخاطر حقيقية: يجب أن تتدرَّب بلا كللٍ لزيادة صبرك.
فعندما تطوِّر صبرك تماماً، ستعلم ما إذا كان هناك شيء صعب جداً فهذا يعني أنَّه هام، ولكن إذا كان صبرك ضعيفاً، فستستمر في المعاناة وتقوم بمجازفات يسيرة، لأنَّك ستبدأ في اتخاذ الإجراءات وأنت في حالة من الألم الشديد عندما لا يكون هناك تهديد كبير.
فبالنسبة إليَّ لو كنت شخصاً يشتكي طوال الوقت بشأن المطر والبرد، فكنت سأتخلَّى عن قيامي بالتمارين، وسأعود إلى المنزل، وأجلس بلا قوة جسدية أو عقلية، فقد أصبح لدي ما يقرب من 5 سنوات من التدريب على الجري في البرد والمطر، والتي أصبحت تحدِّد قراراتي الآن، فقد أستطيع القول - بقدر كبير من اليقين - إنَّني قد اعتدت على الأمر.
أنا أعلم أنَّ أهدافي أكثر أهمية بالنسبة إليَّ من الراحة اللحظية التي سأشعر بها عند التخلِّي عنها ليوم واحد، وأعلم أيضاً أنَّ التخلي عن هدف ما في يوم من الأيام سيسهل لي الاستغناء عنه في اليوم الثاني، فهذه كلها دروس تعلَّمتها من خلال العمل على صبري باستمرار حتى أصبح قوياً فعلاً.
الصبر: مفتاحك لثروات عظيمة
لقد خدمني الصبر كثيراً في عام 2008، فعندما فقد جميع من حولي كل أموالهم في انهيار سوق الأسهم عندما اتَّجه السوق نحو الهبوط، أُصيب كل من مارس التداول اليومي وشاهد القنوات الإخبارية على مدار 24 ساعة بالذعر، وبدأ في بيع الأسهم الخاصة به، فلقد كان صبرهم ضعيفاً جداً.
لكنَّني تعلَّمت دائماً توفير المال - وليس إهداره - وهو أمر يصعب القيام به إذا كنت تشتري الأسهم وتبيعها كل يوم في أثناء الاستماع لحديث الرؤساء وهم يُملون عليك النصائح المختلفة طوال اليوم، ولكنَّني قبل أكثر من عام كنت قد بعت جهاز التلفاز الخاص بي، ولم أسمع الأخبار على الإطلاق، لذلك لم أكن على علم بأنَّ السوق كان ينهار إلا بعد أن حدث الأمر بالفعل.
في حين كان جميع الناس يخافون ويبيعون أسهمهم، فأنا وعدد قليل فقط من الآخرين احتفظنا باستثماراتنا، واشترينا مزيداً من الأسهم، فلقد كان صبرنا قوياً جداً، ثمَّ بعد بضعة سنوات فقط، عاد السوق وازدهر كثيراً، وأصبح حساب التقاعد الخاص بي آمناً، وأفضل بكثير ممَّا لو أصبت بالذعر في تلك الفترة.
لقد شعر الأشخاص أصحاب الصبر القليل بألم الانهيار كل يوم في حين كانوا يشاهدون انخفاض ميزانيتهم، فلم يتمكَّنوا من التعامل معها، ولذلك أصيبوا بالذعر، ولكنَّ الأشخاص الذين تحلَّوا بالصبر لم يشعروا بالأمر إلا في المرات النادرة التي تفقَّدوا فيها حساباتهم، وعندما شعروا أنَّ حساباتهم على وشك الانهيار، انتظروا 30 ثانية وتذكَّروا أنَّ الأسواق ستستعيد ازدهارها.
الروسي الذي أنقذ العالم من كارثة نووية بفضل صبره:
هناك قصة شهيرة في الحرب الباردة تدور عن اليوم الذي كاد فيه العالم أن ينتهي بالإبادة النووية المتبادلة، وذلك بسبب رقعة من السحب سريعة الحركة، ففي ذروة الحرب كان لدى "الولايات المتحدة" (US) و"الاتحاد السوفييتي" (USSR) ما يكفي من الصواريخ النووية الموجهة لبعضهما بعضاً للقضاء على نصف الأرض، وكان يتابع الجنود في القارتين لمدة 24 ساعة في اليوم شاشات الرادار ويبحثون عن الصواريخ القادمة.
في 26 سبتمبر من عام 1983، كان الضابط العسكري "ستانيسلاف بيتروف" (Stanislav Petrov) موجوداً في موقعه في الاتحاد السوفييتي يتابع شاشة الرادار الخاصة به عندما رأى شيئاً يشبه الصاروخ متجهاً نحوهم، فلو اتَّبع الأوامر حينها، كان سيبلِّغ بما رأى على الفور، وكان سيصل إلى أعلى التسلسل القيادي؛ إذ سيكون لدى كبار المسؤولين السوفيتيين نحو 5 دقائق ليقرِّروا ما إذا كانوا سيشنُّون هجوماً مضاداً شاملاً قبل أن يُقضى عليهم؛ أي القيام بإبادة متبادلة.
لكنَّ صبر "ستانيسلاف" كان قوياً جداً، وبدلاً من الذعر، انتظر لمدة 30 ثانية وقرَّر أنَّه لا يوجد أي صواريخ قادمة ولم يُبلِّغ عن أي تهديد؛ إذ كشفت التحقيقات اللاحقة أنَّ ما رآه "ستانيسلاف" كان في الواقع مجرد رقعة من السحب سريعة الحركة وكان ضوء الشمس معكوساً عليها بطريقة جعلتها تظهر كالصواريخ لكاشف الرادار.
فماذا لو لم يكن "ستانيسلاف" هو الذي يتابع الشاشة في ذلك اليوم؟ ماذا لو كان أحد زملائه الكُسالى هو الذي يتابع الشاشة وكان يعاني من ضعف الصبر؟
كان من الممكن أن نعيش جميعاً في عالم بائس ما بعد الحرب النووية، فبالنسبة لي، يسعدني أنَّ "ستانيسلاف" قد تحلَّى بالصبر واتخذ القرار الصحيح.
في الختام:
ليس من الصعب الانتظار لمدة 30 ثانية فقط من أجل شيء ما، فبمجرد القيام بذلك مرات عدة، يصبح الأمر طبيعياً بالنسبة إليك، فصبرك هو الذي يتحدَّى كل القوانين وليس له حدود؛ إذ إنَّ الـ 30 ثانية يمكن أن تتحوَّل بسهولة إلى دقيقة، ثمَّ إلى يوم أو شهر أو سنة أو حتى حياة.
لذا لتحسين مهاراتك في خوض المجازفات وتحقيق الخبرة في ذلك، يجب عليك العمل كل يوم لتقوية صبرك، فعندما تشعر بالخوف - أي بذلك الضعف الذي يخبرك بالهروب - انتظر 30 ثانية، واسأل نفسك ما إذا كان قرارك ما يزال القرار الصحيح.
أضف تعليقاً