فلطالما حلمنا بالتحرر من عقلية الموظف الباحث عن الأمان في حفنة المال التي يحصل عليها في نهاية كل شهر، والذي يستنزف كل ذخائره النفسية في الدعاء المتواصل إلى ربه بحيث يغنيه عن طلب المعونة والمساعدة ممَّن حوله.
ترى ما هو شعور ذلك الذي تمرَّد على مسار الفأر اللعين الذي يستهلك روح الإنسان على مدار سنوات طويلة، والذي عقد الأمل على تنمية مهاراته، واكتشاف شغفه، مفكراً خارج الصندوق، ضارباً بعرض الحائط كل المخاوف المجتمعية والثقافة البالية التي تشجعه على الجمود والروتين، فيقول أحدهم له "هل تقول أنَّك راغب في الاستثمار في سوق الأسهم؟ ما هذا الهراء؟ دعك من هذه الأكاذيب، إنَّك تشتري مجرد وهم، ولا يوجد له أي إثبات على أرض الواقع، ومن ثمَّ لماذا هذا الطمع كله؟ كن قنوعاً وارضَ بما لديك من أجر شهري".
تطاردنا الكثير من الجمل التي تقضُّ مضجعنا وتُثنِينا عن الأحلام التي نريد بلوغها، والسؤال هنا: "هل بالفعل لا يليق بنا أن نكون من أصحاب الثروات، وهل يعد مجال الاستثمار في الأموال مكاناً خطراً وغابة تكثر فيها الذئاب والوحوش أم أنَّها مجرد موروثات مجتمعية سيطرت على عقولنا واستسلمنا لتبعاتها وآثارها الكارثية على حياتنا؟ هل ينصح بالاستثمار في سوق الأسهم؟ وهل هو أداة فعالة للوصول إلى الحرية المالية؟ وهل هي طريقة مثالية للخروج من دائرة الأمان الوهمي التي تخلقها الوظيفة الثابتة؟" هذا ما سنجيب عنه من خلال هذا المقال.
ما هو الاستثمار في الأسهم؟
عندما تشتري سهماً في شركة "آبل" المدرجة في سوق الأسهم؛ فهذا يعني أنَّه قد أصبح لديك حصة من ملكية الشركة، وأنَّك الآن مساهماً من مجموعة مساهميها؛ حيث نتجت فكرة الاستثمار في الأسهم من ضرورة توفير رؤوس أموال إضافية للمشروع، بحيث يسهل على الشركة تمويل عملياتها المختلفة، والقيام بمشاريع التوسع التي تحتاج إليها، ومن جهة أخرى لكي يستطيع الشخص تنويع مجالات استثماره بحيث لا يبقى خاضعاً للمخاطرة الكبيرة نتيجة استثماره في مجال واحد دون غيره.
مزايا الاستثمار في الأسهم:
1. لطالما سمعت بالتأكيد التحذيرات الخطيرة التي يصدرها الناس حول الاستثمار في الأسهم، فيقولون مثلاً: "اذهب واستثمر أموالك في العقارات، فهي المكان الأكثر أماناً للاستثمار فيه، على عكس مجال الأسهم الوهمي، الذي لا تمتلك منه شيئاً إلَّا مجرد نسب وأرقام إلكترونية، في حين أنَّك عندما تشتري عقاراً فأنتَ تحصل على صك فعلي وعلى منزل وجدران وأساسات".
لا يدري هؤلاء الناس أنَّ سوق العقارات ليس بالضرورة مجالاً فعالاً للاستثمار، فقد يختلف الطلب على العقارات تبعاً للظروف، كما لا تعد مسألة تأجير العقار بعد شرائه مسألة مضمونة البتة، ومن جهة أخرى لا يحتاج الاستثمار في مجال الأسهم إلى الأموال الطائلة التي يحتاجها الاستثمار في سوق العقارات، كما أنَّ جميع الناس تستطيع الاستثمار في سوق الأسهم، إمَّا استثماراً فردياً أو عن طريق وسطاء (صناديق التداول).
2. يعدُّ سوق الأسهم مجالاً فعالاً لتوسيع مجال عملك، فإن كنتَ مالكاً لشركة متوسطة وترغب في توسيع مجال عملك؛ فتستطيع طرح شركتك في سوق الأسهم، بحيث يتقدَّم مساهمون جدد للاكتتاب في هذه الشركة مالكين حصة من الشركة وفقاً لنسبة مشاركتهم.
على سبيل المثال: في حال كان لديك مقهى ما بقيمة رأس مال 2 مليون وترغب في إنشاء فروع جديدة له عددها 10، وقمت بحساب تكلفة توسيع المشروع وكانت 8 مليون ليرة سورية، فعندها تستطيع رفع رأس مال مشروعك من 2 مليون إلى 10 مليون من خلال إصدار أسهم جديدة بقيمة 8 مليون، بحيث يمتلك المساهمون الجدد نسبة 80% من مشروعك وأنت 20% من المشروع؛ ولا يعني امتلاكك لنسبة منخفضة من ملكية الشركة، غياب قدرتك على إدارتها؛ وذلك لأنَّ المساهمين الجدد مقتنعون برؤيتك تماماً لذلك قاموا بالتحالف معك.
3. من مزايا الاستثمار في سوق الأسهم، هي الحوكمة العالية للشركات؛ حيث تنفصل الملكية عن الإدارة، ويعد مجلس الإدارة ممثلاً للمُلَّاك ومنتخباً من قِبلهم، بحيث يراقب عمل المدير التنفيذي (المسؤول عن العمليات اليومية التي تحدث في الشركة) ويضمن تحقيقه لتوجهات الملَّاك الذي أنتَ واحد منهم بفعل شرائك لسهم في الشركة، ومن جهة أخرى، يحقق الاستثمار في سوق الأسهم سهولة كبيرة في تداول الأموال، من خلال سهولة انتقال الملكية، فإن تقاعدتَ ورغبت في بيع أسهمك في شركة ما والاستثمار في شركة أخرى أقل مخاطرة من الأولى؛ فتستطيع القيام بذلك بسهولة.
4. يعطيك الاستثمار في الأسهم فرصة كبيرة من أجل الوصول إلى الحرية المالية من خلال تسهيل دخولك إلى مضمار الشركات الكبيرة التي لها تاريخ كبير من النجاحات والثبات والاستقرار، وبحيث تحصل على عائد من عوائد تلك الشركة وذلك تبعاً لحصتك في المساهمة، ويتراوح عموماً إجمالي العائد المتوقع من سوق الأسهم على الأمد الطويل بين (8- 10%) سنوياً من قيمة رأس مالك.
5. تنقسم العوائد الناتجة عن الاستثمار في الأسهم إلى شكلين إمَّا توزيعات نقدية أو سعرية؛ حيث تحدد الشركة قيمة التوزيعات النقدية من خلال إقرار مبلغ معين على كل سهم تشتريه منها:
على سبيل المثال: تخصص الشركة مبلغ 1000 على كل سهم تشتريه، بحيث يدخل إلى حسابك هذا المبلغ في بداية السنة أو منتصفها أو ربعها، بناء على طريقة الشركة في حساب أرباحها، أمَّا الشكل الثاني للعوائد فهو الزيادات في سعر السهم، بحيث لا تعطيك الشركة قسماً من الأرباح بطريقة مباشرة ولكن يكون هناك زيادة في قيمة السهم الذي اشتريته، كأن يتضاعف سعره من 1000 إلى 2000 ليرة سورية، الأمر الذي يعود عليك بالفائدة، وغالباً ما تتَّبع شركات النمو هذا النوع من العوائد غير المباشرة.
شاهد بالفيديو: 8 علامات تدلّ على أنَّك لا تُجيد استثمار أموالك
نصائح للاستثمار في سوق الأسهم:
- إن كنت راغباً في الاستثمار في سوق الأسهم، فعليك التركيز على الشركات الكبيرة والثابتة، بحيث تكون المخاطرة فيها أقل بكثير من الشركات المتوسطة والصغيرة، ومن جهة أخرى، عليك أن تُنوِّع محفظتك الاستثمارية، بحيث تشتري أسهماً في مجالات مختلفة، مثل: الطاقة، والبناء، والبنوك، والخدمات، وما إلى ذلك، ومن ثم لا تتأثَّر كثيراً في حال وجود هبوط في قطاع ما.
- إن كنت تمتلك معرفة في تحليل القوائم المالية للشركات، ومتابعاً قوياً لأسواق المال وللتطورات العالمية فيه؛ فهذا يعني أنَّ باستطاعتك الاستثمار في سوق الأسهم بمفردك، بحيث تقرر أي الشركات الأقوى للدخول فيها.
- أمَّا في حال عدم امتلاكك للمعرفة الكافية في هذا المجال، فتستطيع الاستعانة بالأشخاص المرخصين من قِبل هيئات أسواق المال، بحيث يعمل هذا الشخص بالنيابة عنك ويقوم بالاستثمار في محفظة استثمارية متنوعة حكماً، وتكون المصلحة بينك وبينه مشتركة، بحيث كلَّما حقق لك نسبة من الأرباح؛ ازدادت عمولته أيضاً.
- كما تستطيع الاشتراك في صناديق التداول، ويكون الصندوق عبارة عن مجموعة من الأسهم لشركات مختلفة، بحيث تشتري الصندوق وتبيعه كما لو أنَّه سهم واحد.
- تجرَّأ ولا تخف من الاستثمار، فالخسارة الحقيقية تكمن في المال الجامد غير المتحرك، ولا تتداول تداولاً عاطفياً قائماً على المشاعر، بحيث تصاب بالذعر وتبيع كل أسهمك في حال وجود اضطرابات اقتصادية وهزَّات عنيفة في سوق الأسهم؛ بل تمتع بالهدوء والتأنِّي واعلم أنَّ السوق يعدِّل نفسه بنفسه، وكل ما عليك هو الالتزام بالمبادئ الأساسية للاستثمار ومن ثمَّ خوض التجربة بجرأة وقوة.
في الختام:
عليك أن تحوِّل الاستثمار إلى عادة وأسلوب حياة لديك؛ حيث تبدأ الحرية المالية باتباع منهجية تفكير مختلفة؛ لذا لا تعش حياتك من أجل الإنفاق فقط؛ وذلك لأنَّنا خُلِقنا للعطاء والتطور وبناء القيمة والمنفعة لنا ولغيرنا، فاسعَ إلى بناء الأصول التي من خلالها تستطيع الإنفاق والتمتع بالحياة.
أضف تعليقاً