هل يجب عليك التنفيس عن توترك أم لا؟

تتسبَّب معظم الوظائف في فرض مستوىً معيَّن من التوتر على المرء؛ فوفقاً للمعهد الأمريكي للتوتُّر، تُعدُّ نصف الوظائف تقريباً (حوالي40%) مثيرةً للتوتر، والتنفيس عن هذا التوتُّر مع زملائنا أو أصدقائنا أمر جيد، ولكنَّ العمل ليس المكان المناسب للقيام بذلك للأسف؛ بل قد يؤدي أيضاً إلى تفاقم توترك.



هناك رأيان سائدان فيما يتعلق بمعضلة "التنفيس أو عدم التنفيس": حيث يَعتقد أنصار الرأي الأول أنَّ البوح بمشاعر التوتر لزميلٍ أو صديق متعاطف هو وسيلة أكثر حفاظاً على خصوصية وآمنة للتخلص من التوتر؛ إذ لو كبتَ المرء مشاعره السيئة تجاه العمل؛ فسوف يَفقد هدوءه حتماً بطريقة غير لائقة، وربما أمام مديره أو أحد العملاء.

بينما يَعتقد أنصار الرأي الآخر أنَّ التنفيس عن مشاعر التوتر ينشر المزيد من التوتر والسلبية، وأنَّ هناك طرائق أكثر فاعلية للوصول إلى الراحة المنشودة، مثل: التركيز على الحلول بدلاً من المشكلات، والبحث عن الإيجابيات في الموقف، وحتى محاولة المرء تشتيت انتباهه بعيداً عن المشاعر السلبية.

لحسن الحظ، هناك كثيرٌ من الأبحاث التي توضِّح ما إذا كان التنفيس عن مشاعر التوتر جيداً أم سيئاً؛ لذا أعددنا لك قائمة إيجابيات وسلبيات لتفهُّم تداعيات التنفيس عن توتُّر العمل، وتُحدِّد ما هو الأفضل بالنسبة إليك في ظل وضعك الحالي، وتتمتَّع بصحة نفسية أفضل.

إيجابيات التنفيس عن التوتر:

  1. تجنُّب حدوث الكارثة: يُعدُّ التنفيس عن المشاعر أكثر فاعلية من فقدان هدوئك بالتأكيد، ويَشعر كثيرٌ من الناس أنَّهم قد يفقدون هدوءهم إذا كبتوا مشاعرهم، وهذا صحيح؛ لذا يجب ألَّا تدع مشاعرك السلبية تُقيِّدك لدرجة تجعلك تخاطر بفقدان رباطة جأشك أو قول شيء غير لائق؛ وبالتالي، يُعدُّ تفريغ الطاقة على دفعات صغيرة أفضل من المخاطرة بانفجار العواطف أمام الشخص الخطأ.
  2. الإحساس الفوري بالراحة: إنَّ التنفيس عن طاقتك شعور رائع، خاصةً عندما تكون تحت ضغط أو عندما تَشعر بالتوتر، وحتى لو كانت هناك عواقب سلبية؛ فلن تَشعر بها بوضوح لأنَّك ستشعر بالراحة عندما تنفِّس عنها.
  3. نَيل التعاطف: قد يساعد التنفيس عن توتُّر العمل الأشخاص على الشعور بمزيدٍ من الترابط، خاصةً إذا كانوا يعانون من الضغوطات نفسها مع المدير نفسه أو العملاء أو البيئة المحيطة؛ لأنَّه من المفيد أن نعرف أنَّ الزملاء أو الأحباء يشاركوننا التجربة نفسها، وأنَّ بإمكانهم التواصل معنا والاهتمام بنا، خاصةً في المواقف التي لا يتوافر فيها سوى قليلٍ من التشجيع أو الدعم للقيام بعمل جيد.
  4. التوصُّل إلى الحلول الممكنة: يُوفِّر التنفيس عن التوتر والحديث عن المشكلات فرصة لتوارد الأفكار والحلول التي ربما لم تُفكِّر فيها بنفسك؛ إذ يفكِّر الأقران غالباً في أفكار رائعة نظراً لمرورهم بالمواقف ذاتها، ومن ناحية أخرى، قد يُقدِّم شخص غريب وجهة نظر جديدة أيضاً.

اعلم أنَّ الحلول لن تُنفَّذ إذا تحدَّث الناس إلى بعضهم لمجرد تلقِّي التعاطف، ولكن عندما يتحدث الناس عن مشاعرهم ويحاولون إيجاد الحلول، قد تسفر المناقشة عن أفكار رائعة وحلول قابلة للتنفيذ تقلِّل من التوتر بمرور الوقت.

إقرأ أيضاً: كيف تستعيد هدوءك وتركيزك عندما تشعر بالتوتر؟

سلبيات التنفيس عن التوتر:

  1. عدوى التوتر: في الواقع، يشبه التوتر نزلات البرد المُعدية؛ إذ قد يعدي الأشخاص الذين تتعامل معهم، وقد أكدَت الأبحاث التي أجراها معهد ماكس بلانك للعلوم المعرفية والدماغية (Max Planck Institute for Cognitive and Brain Sciences) أنَّ مجرد مشاهدة المواقف العصيبة قد تُسبب استجابة توتر عند شخص آخر؛ وبالتالي، قد يثير التنفيس عن التوتر الآخرين، كما يُعدُّ التفكير الهادئ والإيجابي معدياً أيضاً.
  2. تأثير التنفيس على سمعتك الشخصية: قد تَشعر بالارتباط والتواصل مع الناس في أثناء التنفيس عن توتُّرك وبعده، ولكن إذا تحدَّثتَ عمَّا يُوتِّرك كثيراً؛ فقد يُنظر إليك على أنَّك شخص كئيبٌ أو سلبي للغاية؛ ممَّا يؤدي إلى تجنُّب الزملاء والأحباء لك لأنَّهم يربطونك الآن بالتوتر والسلبية؛ وقد يضر هذا بسمعتك ويُؤثِّر سلباً في حياتك المهنية.
  3. الضرر على الأمد البعيد: ربما يُشعرَك التنفيس عن المشاعر بالارتياح في الوقت الحالي، لكنَّه قد يُشعرك بالسوء على الأمد البعيد؛ لأنَّه قد يعزِّز من توترك وغضبك بدلاً من تقليلهما، وفي الوقت نفسه، لا يَحلُّ المشكلات الكامنة وراء توترك؛ لذا يُفترض أن يكون تهدئة نفسك والتفكير مرَّة أخرى والتعبير عن توترك بطرائق إيجابية أفضل على الأمد البعيد.
  4. إدمان التنفيس عن المشاعر: كلما نفَّستَ عن توتُّرك، اعتدتَ الأمر، وعندما تصبح عادة، ستألف الأشياء السلبية في الحياة؛ ممَّا يجعل من الصعب تقدير الجوانب الأكثر هدوءاً وإيجابية في العمل أو الحياة الشخصية؛ لذا يجب عليك اختيار ما يجب التركيز عليه والتحدُّث عنه بدلاً من ترك التوتر يتحول إلى عادةٍ أو إدمان.
  5. المخاطر الصحية: يضعنا التنفيس عن المشاعر في حالة من التوتر؛ وبالتالي، عندما تفعل ذلك باستمرار، فإنَّك تضع نفسك في حالة توتر مزمن، ويشعر العقل بالتهديد بمجرَّد التحدُّث عن مدى سوء الوضع في العمل؛ ممَّا يؤدي إلى التعرض المزمن لاستجابة الكر أو الفر، ويُؤثِّر سلباً في صحتك الجسدية والنفسية؛ لأنَّ أجسامنا ليست مُصمَّمة للشعور بالتوتر المستمر.

شاهد بالفديو: كيف تحدد أهدافك وتنجزها دون توتر؟

10 أساليب فعالة للتخفيف من التوتر والوقاية منه:

الآن، بعد أن عرفتَ إيجابيات وسلبيات التنفيس عن التوتر، يجب أن ترى أنَّه ليس الطريقة المثلى للتعامل مع التوتر بطريقة مستمرة - رغم أنَّه مفيد إذا حدثَ على فترات متباعدة - لذا قد تكون الأساليب بعيدة الأمد أكثر فاعلية في التخفيف من التوتر والوقاية منه دون أي عواقب سلبية؛ إليك 10 حلول:

1. تشغيل ساعة مؤقت:

إذا كان التنفيس عن التوتر عادةً من عاداتك؛ فقد تميل إلى الاستمرار في فعل ذلك لأنَّه أمر تلقائي ومريح. ولكن يمكِن معالجة الأمر من خلال استخدام أسلوب تدريجي. على سبيل المثال: بمجرد أن تُحِس بأنَّك تنفِّس عن مشاعرك، اضبط مؤقتاً افتراضياً أو حقيقياً ونفِّس عن مشاعرك مدة خمس دقائق، وبعد ذلك، حوِّل تركيزك عن الأمور الموتِّرة، وتحدَّث عن الأمور التي تسير على ما يرام، وكرِّر العملية بشكلٍ متسلسل حتى تَشعر بالراحة والعفوية؛ إذ قد يكون قضاء وقت قصير في المشاركة في الأمور التلقائية والمريحة بمثابة جسر لتكوين عادات جديدة.

2. الثقة في شخص يمكِنه مساعدتك:

فكِّر في شخص تثق به ويمكِنه مساعدتك، ثم احكِ له باختصار عمَّا يدور في ذهنك، وكيف تريد أن تكون الأمور، واحرص على اختيار شخص في وضع يمكِّنه من تحسين حالتك. على سبيل المثال: إذا كنتَ متوتراً بسبب العمل؛ فحاوِل أن تتحدَّث إلى مديرك أو مدير مكتبك أو مسؤول الموارد البشرية؛ فربما يستطيعون حل المشكلة، خاصةً إذا كنتَ مهذباً وحَسن النية، وفي المرة القادمة التي تجد فيها أنَّك ترغب في التنفيس عن مشاعرك، اسأل نفسك عمَّا إذا كان هناك حل ممكن أو عمَّن قد يكون قادراً على مساعدتك.

3. تجنب الدخول في نزاعٍ لا لزوم له:

عندما نشعر بالتوتر، ندع عواطفنا تتحكَّم فينا؛ ممَّا قد يؤدي إلى نزاع غير ضروري؛ لذا في المرة القادمة التي تَشعر فيها بالتوتر وتبدأ في الرد لفظياً، انتبِه جيداً إلى نبرة صوتك: هل هي حادة؟ أو سلبية؟ وهل صوتك مرتفع؟ حاوِل التفكير جيداً لتكون أكثر أدباً وتتحدَّث بنبرة لطيفة، كما ينبغي عليك طرح الأسئلة قبل اقتراح الحلول، وتفهُّم وجهات النظر المتنوعة والإبداعية.

4. استكشاف الأخطاء وإصلاحها:

عندما تحاول التنفيس عن شيء يمكِنك تغييره، مكِّن نفسك من خلال حل المشكلات وإجراء التجارب لتحسين الموقف: حدِّد خياراتك، وحدِّد سيناريو أو اثنين، واتَّخِذ خطوات صغيرة واختبِرها لمعرفة الأفضل؛ فالقيام بشيءٍ بسيط أفضل من عدم القيام بأي شيء على الإطلاق، كما سوف يُشعرك الانتقال من إحساس العجز إلى إحساس القوة بالقدرة على تغيير الوضع. على سبيل المثال: إذا وجدتَ أنَّ بيئة عملك صاخبة أو مشتِّتة؛ فحاوِل أن تضع سماعات الأذن للتخلص من الضوضاء ومنع الناس من تشتيتك، أو احجز غرفة اجتماعات، أو اجلس في الردهة أو الحديقة.

5. بناء مصفوفة التوتر:

أنشِئ جدولاً بأيام متسلسلة، وضَع ثلاثة أو أربعة عوامل تريد تغييرها بصورة أفقية، مثل: النوم، والتشتت في العمل، والتواصل مع زميل مزعج، والتنفيس عن التوتر، ثم قيِّم مستويات النجاح برقمٍ من 1 إلى 5 مع كل عامل تتمكَّن من تغييره في كل يوم؛ سيسمح لك ذلك بتتبُّع تَقدُّمك، ومعرفة العوامل التي تُؤثِّر فيك أكثر من غيرها، كما سيساعدك على تحديد الأشياء التي تستنزف وقتك وجهدك؛ ومن ثمَّ، تفعل المزيد من الأشياء التي تَحدُّ من توتُّرك، وتتجنَّب الأشياء التي تصيبك بالتوتر.

6. الضحك:

قد تكون روح الفكاهة قوة مؤثِّرة عند استخدامها استخداماً صحيحاً؛ لأنَّه عندما نضحك، تفرز أجسامنا الدوبامين والإندورفين؛ ممَّا يؤدي إلى تقليل هرمونات التوتر، فثمَّة استراتيجية مفيدة أيضاً لبثِّ روح الفكاهة، وإليك ما يجب فعله: فَكِّر في الأمور المضحكة بشأن هواياتك أو إجازاتك أو المواقف الأخيرة التي واجهتَها، على سبيل المثال: فَكِّر بشيء غير متوقَّع أو مضحك حدث في تنقلاتك اليومية وأخبِر الآخرين عنه؛ حيث يُعَدُّ الضحك فاعلاً للغاية، بالإضافة إلى ذلك، قد يساعدنا على اكتساب احترام الآخرين، وقد يبدو هذا غريباً بعض الشيء، ولكن عندما نسمح لأنفسنا بأن نكون غير مثاليين، نصبح أكثر إنسانية ونبني علاقاتٍ مع الآخرين.

7. التدوين:

ستساعدك كتابة تجاربك في تحديد الأفكار الواعية أو غير الواعية؛ لأنَّك ستعرف كم مرة تَشعر بالتوتر وتتوقع الأسوأ، كما ستساعدك الكتابة في معالجة مشاعرك وفهم ما تشعر به، وفي التخلص من هذه الضغوطات والمضي قدماً بصورةٍ أسرع، وبمرور الوقت، ستكتسب رؤىً ووجهات نظر جديدة عندما تقرأ ما دوَّنتَه منذ شهور، وقد تضحك أيضاً على ما بدا لك مُوتِّراً بعد أن حُلَّ الآن وكاد أن يُنسى.

إقرأ أيضاً: 6 طرق بسيطة لتدوين اليوميات لتطوير الذات

8. التعبير عن الامتنان:

ثمَّة قيمة رائعة في التعبير عن الامتنان؛ إذ وجدَت الأبحاث التي أجراها الباحث الرائد في مجال الامتنان "روبرت إيمون" (Robert Emmons) أنَّ الامتنان يعزِّز السعادة ويقلل من الاكتئاب؛ لذا سيفيدك تدوين الأشياء التي تمتن لها، وسيساعدك في التعود على ملاحظة الأمور الإيجابية في حياتك والتخلُّص من المبالغة في الشكوى، بالإضافة إلى ذلك، أظهرَت الأبحاث أنَّ الامتنان قد يعيد برمجة عقلك بطريقة إيجابية، وبمرور الوقت، ستكون قد أنشأتَ قائمة لكل الأشياء التي تجعلك سعيداً، والتي يمكِنك قراءتها في أي وقت.

9. ممارسة اليقظة الذهنية:

لا يُكثِر الأشخاص القادرون على تركيز انتباههم على الوقت الحاضر مدةً طويلة من الشكوى؛ إذ يتضمن التركيز على الحاضر التخلص من تَوتُّرك الذي تثيره أحداث الماضي أو الأحداث المستقبلية؛ لذا تُعدُّ ممارسة اليقظة الذهنية عادةً فاعلة، ويمكِنك التدرب عليها بطرائق عدَّة مختلفة، ولكن تستطيع البدء ببساطةٍ من خلال التركيز على تنفسك، وفي المرة القادمة التي تَشعر فيها بالتوتر، خُذ نفساً عميقاً واستمع إلى أنفاسك في أثناء الشهيق والزفير، وركِّز على ما تَشعر به في صدرك.

10. ممارسة عادات أخرى للحدِّ من التوتر:

قد يساعدك العثور على عادات أخرى فاعلة في تخفيف التوتر وتقليل الشعور بالضيق من التحديات التي تواجهها في العمل؛ ممَّا قد يجلب لك المزيد من المرونة والسعادة في حياتك، فاسأل الآخرين عمَّا يفعلونه للتخفيف من توترهم.

إقرأ أيضاً: تمارين اليوغا والتنفس وفوائدها للصحة

إنَّ التنفيس عن التوتر أمر شائع في مكان العمل؛ فوفقاً للإحصاءات، ينفِّس الموظف العادي عن توتُّره أو يستمع إلى موظفٍ آخر يتحدث عن مشاعر التوتر التي يُحِس بها حوالي أربع مرَّات في اليوم، ولكنَّ التنفيس عن المشاعر، كما تعلم الآن، قد يكون سلاحاً ذا حدين؛ لأنَّه رغم فوائده، قد يخلق مشكلات جديدة، ولكن لحسن الحظ، يمكِنك منع التداعيات السلبية للتنفيس عن المشاعر عن طريق استخدام الاستراتيجيات العشر التي طرحناها أعلاه؛ وعندئذٍ، ستقلل من توتُّرك ​​وتتجنَّب التنفيس الضار عن المشاعر.

 

المصدر




مقالات مرتبطة