ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "برونو بوكسيك" (Bruno Boksic)، والذي يحدثنا فيه عن أنواع النزاعات وكيفية الاستفادة منها وتحويلها إلى فرص.
حيث يمكن تشبيه تلك الطريقة بالبرتقالة التي يريد أحدهم قشرتها ويريد الآخر الجزء الداخلي منها، فكل ما عليك فعله هو إعطاء كل طرف ما يطلبه، لينتهي النزاع برضا الطرفين؛ لكن في الحياة الواقعية، يريد كلا الجانبين البرتقالة كاملة، ولن يتنازل أيٌّ منهما حتى يحصل عليها؛ لهذا السبب أقدم لك هذا الدليل بعيداً عن الفلسفة التي لا تقدم ولا تؤخر، حيث سنعالج الأمور بطريقة واقعية تساعدك على حل النزاعات والحصول على ما تريده.
تقسيم النزاع إلى أجزاء أساسية:
يحتوي النزاع على طبقات مختلفة متعددة تلعب جميعها أدواراً مختلفة، ولكن ما يفيدك هو معرفة أين يحدث نزاعك بالضبط.
أنتَ ستستخدم طرائق مختلفة في مواقف مختلفة؛ لذا سيكون هذا الدليل بمثابة ترسانة أسلحة تواجه بها النزاعات، وستختار فقط الأداة المناسبة للموقف الصحيح؛ فهو يشبه صندوق أدوات يحتوي على مطرقة ومثقاب ومفك براغي وكماشة وغيرها الكثير من الأدوات بداخله، وأنت ستستخدم ما تحتاجه في تلك اللحظة؛ ونسمي ذلك الصندوق بصندوق أدوات النزاع؛ ومع وضع ذلك في الاعتبار، لنبدأ بما يأتي:
1. مستوى النزاع (عاطفي- عقلاني):
يساعدنا معرفة مستوى النزاع على إدراك أين يحدث النزاع بالضبط، والخياران المحتملان هما: المستوى العاطفي، والمستوى العقلاني.
إنَّ النزاع العاطفي هو الأكثر شيوعاً، بينما النزاع العقلاني نادر جداً لدرجة أنَّني رأيته يحدث مرة واحدة فقط في حياتي كلها؛ ومع ذلك فهو يحدث، وسنضعه في صندوق أدوات النزاع.
1. 1. النزاعات العاطفية:
النزاع العاطفي هو نزاع قائم على العواطف؛ ولكي يُحَل، يجب أن يكون لديك حل عاطفي لا منطقي؛ فعلى سبيل المثال: انزعجت زوجتك بسبب تأخرك 10 دقائق عن العشاء، فاشتريت أقراط ألماس لها لحل المشكلة، ولكن باءت محاولتك بالفشل لأنَّ مستوى النزاع يحدث في الجزء العاطفي، حيث تريد زوجتك أن تهتم بها وتبذل جهداً في ذلك، ولن تحل المشكلة إلَّا من خلال إظهار اهتمامك بها، وليس عن طريق استعادة ودِّها بالمال؛ إذاً فالحل المنطقي لمشكلة عاطفية مصيره الفشل.
مثال آخر: لنفترض أنَّ رئيسك في العمل يرفض منحك ترقية لشعوره بأنَّك قد تأخذ مكانه إذا بقيت تعمل بهذه الوتيرة، فهو خائف ويستخدم آليات عاطفية دفاعية للتستر على خوفه؛ ومهما حاولت التبرير، ستبوء كل محاولاتك بالفشل لأنَّك تناشد منطقه؛ فأنت بحاجة إلى معالجة ألمه العاطفي الذي يتمثل بالخوف منك، ومعالجة هذه المشكلة برد عاطفي لتهدئة مخاوفه.
لذا، بدلاً من إخباره أنَّك لن تستولي على منصبه، أثبت له ذلك من خلال إظهار العائلة كأولوية أولى في حياتك، وإثبات له أنَّ المنصب الأعلى سيحرمهم من وقتك الثمين الذي تقضيه معهم، وأظهر له أنَّ لديك هوايات ممتعة وأنَّ العمل ليس أولوية بالنسبة إليك؛ فأنت تحب تسلق الجبال، ولديك شغف بالرياضة وغيرها من النشاطات التي تملأ حياتك.
إذاً، كوِّن رابطاً عاطفياً من شأنه أن يخفف من مخاوف الطرف الآخر، وستتمكن بذلك من حل هذا النزاع؛ وتذكر أنَّه عند التعامل مع الناس، فأنت تتعامل مع كائنات عاطفية تستخدم المنطق فقط لتبرير سلوكاتها، ولكن قد يكون النزاع عقلانياً في حالات نادرة.
1. 2. النزاعات العقلانية:
تحدث النزاعات العقلانية عندما يتعارض منطق اقتراح مع منطق اقتراح آخر، وهي واحدة من أقل مجالات الحياة التي دُرِست؛ ذلك لأنَّ الناس لا يتنازعون على أساس منطقي محض، فمعظمنا ضحايا لفهمنا الضيق للتحيزات والمعتقدات المعرفية للعالم، ممَّا يجعلنا غير قادرين على تنحيتها جانباً والدخول في نزاع قائم على المنطق فقط.
لقد استخدمت التحيز المعرفي بنفسي عندما وصفت النزاع العقلاني بالقول: "إنَّه نادر جداً لدرجة أنَّني رأيته مرة واحدة فقط في حياتي"، وهو دليل مبني على تجربة شخصية يقع تحت التحيز في المعلومات؛ ولكن إذا وجدت نفسك في نزاع عقلاني على نحو كامل، فإنَّ أفضل طريقة لحله هي من خلال إيجاد زاوية فريدة (منظور) تحقق أهدافك وتساعد الطرف الآخر أيضاً.
فالنزاعات في كل مكان، وإذا لم نقرر أي المعارك سنخوضها، فسنفقد عقولنا.
2. نطاق النزاع (قصير الأمد أو طويل الأمد):
إنَّ المجال الزمني للنزاع هام جداً، حيث يمكن التغاضي عن بعض النزاعات قصيرة الأمد، بينما يجب معالجة النزاعات طويلة الأمد في أسرع وقت ممكن؛ فعلى سبيل المثال: أنت تعمل مع أحد زملائك على مشروع ما، وقد نسيَ إضافة إحدى التعليمات البرمجية الهامة إلى البرنامج، وتوجب عليك نتيجة ذلك العمل لأسبوع إضافي آخر.
فإن كان هذا الحدث أمراً طارئاً، وقد أخطأ زميلك لأنَّه يواجه بعض المشكلات الأخرى في حياته، فلا بأس بذلك؛ فقط أخبره بالمشكلة، وتابع مشروعك وكأنَّ شيئاً لم يكن، فلا أحد معصوم عن الخطأ؛ ولكن إن تيقنت أنَّ زميلك مهمل في عمله ولا يهتم بالتفاصيل، فيعني هذا أنَّ مشكلات مماثلة ستحدث مراراً وتكراراً في المستقبل، ويجب عليك في هذه الحالة معالجة هذا الأمر على الفور.
وكما قال الكاتب الأمريكي توني روبنز (Tony Robbins): "اقتل الوحش وهو صغير"؛ أي أنَّك بحاجة إلى معالجة المشكلة قبل أن تخرج عن السيطرة.
3. قرب النزاع (أربعة قرارات):
هذا هو الجزء المفضل لديَّ في إدارة النزاع، حيث يمكن تعريف قرب النزاع على أنَّه أهمية العلاقة التي تربطك بالخصم؛ وبناء على تلك العلاقة، هذه هي القرارات الأربعة التي يمكنك اتخاذها: الخروج، والإهمال، والمثابرة، والصوت.
3. 1. الخروج:
يعني الخروج الابتعاد عن الموقف كلياً، وهذا ما أفعله في 99٪ من المواقف لأنَّني أهتم فعلياً فقط بـ 1٪ من الأمور في هذا العالم؛ ذلك لأنَّ كل شيء آخر لا يستحق الجدال من أجله.
مع الخروج، يمكنك ببساطة الانتقال جسدياً من تلك البيئة؛ أما إذا كان الموقف عبر الإنترنت، فما عليك سوى الخروج من الموقع.
قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تعتاد عليه، ولكن عندما تفعل ذلك، ستكون واحدة من أكثر التجارب تحرراً في حياتك، وقد يساعدك في ذلك الاستماع إلى بعض الأغاني التي تحفز على الخروج.
3. 2. الإهمال:
يحدث الإهمال عندما تعتقد أنَّه لا يمكنك تغيير الموقف؛ لذا عليك فقط ترك الأمر على ذاك النحو، وتقليل أي جهد من جانبك إلى الحد الأدنى؛ وهذا هو الحال غالباً مع أحد أفراد الأسرة الذي يتنمر على الجميع، ولكن لا أحد يستطيع فعل أي شيء حيال ذلك، ممَّا يضطرك إلى ترك الأمر برمته.
قد تعتقد أنَّ الإهمال نادر جداً حتى تتذكر سنوات المراهقة التي لم يكن لديك فيها لا حول ولا قوة في منزلك تقريباً، حيث كان عليك القيام بالأعمال المنزلية التي كنت تكرهها؛ لذا كنت تنجزها بأقل جهد ممكن.
إنَّ الاهمال موجود في كل مكان من حولك، سواء من قبل بعض الموظفين الذي يقومون بعملهم وهم نائمون تقريباً أم غيرهم ممَّن اختاروا بذل أقل جهد ممكن.
3. 3. المثابرة:
تعني المثابرة أنَّه ليس لديك تأثير كافٍ لتغيير الوضع الحالي ولكنَّك تبنيه للمستقبل، ومثال ذلك هو حالة الخصوصية في العمل: ماذا يمكنك أن ترتدي؟
إذا كنت أستاذاً جامعياً لمدة 6 أشهر وكنت ترغب في ارتداء شورت خاكي للعمل، فلن تجرؤ على فعل ذلك أبداً؛ ولكن إذا كنت تعمل هناك لمدة عامين، يمكنك بناء سمعة طيبة ونفوذ واسع ثم ارتداء ذلك الشورت للعمل، وحينئذ لن يجرؤ أحد على مواجهتك.
3. 4. الصوت:
الصوت هو مواجهة المشكلة مواجهة مباشرة وبإصرار وعزيمة، حيث تترك أي شيء آخر في تلك اللحظة وتوظف كل ما لديك لخوض هذا النزاع.
لا يحدث الصوت كثيراً لأنَّ الأشخاص في أماكن مختلفة، ويعني استخدام الصوت أنَّك تعالج المشكلة (والشخص الآخر) مباشرة ووجهاً لوجه؛ ولهذا، عليك أن تكون مستعداً للعواقب؛ فإن كنت تواجه مديرك في اجتماع ما، فكر في المنصب الذي تشغله حالياً وما إذا كان الصوت هو الخيار الأفضل بالفعل.
4. كيف تكون يدك هي العليا:
تمهد النزاعات الطريق للفرص؛ فإذا استخدمنا الأداة الصحيحة من صندوق أدوات النزاع، ستكون يدنا هي العليا.
كان ديل كارنيجي (Dale Carnegie) بارعاً في هذا الأمر، وقد شرح كل ذلك في كتابه الكلاسيكي الأكثر مبيعاً "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس"، حيث تتلخص فلسفة ديل بإيهام الشخص الآخر بأنَّه على حق ومتفوق عليك، وبجعله يظهر بشكل رائع (خاصة أمام الناس).
ستساعدك مداعبة غرور الشخص الآخر في الحصول على ما تريده لأنَّك تجعله يبدو رائعاً؛ وبالمقابل، سيُظهِر لك "بعض الرحمة" من خلال تلبية مطالبك؛ ولكنَّ الخدعة هنا هي أنَّك بذلت جهداً من خلال الاستسلام له، بحيث لم تترك له أي خيار سوى منحك ما تريده، وسيساعدك بذلك حتى يظهر بصورة أفضل في عيون الآخرين؛ ولن تجعله بهذه الطريقة يظهر على أنَّه ذكي ورائع وعلى حق فحسب، بل ستجعله يُظهِر لك الكياسة والرحمة ويراعي شعورك.
فكم مرة ازدريت ذلك الشخص الذي كان يتعالى عليك بطريقة ما؟ أعلم أنَّني فعلت ذلك، فلا أحد يحب أن يُعامَل بفوقية؛ ولكن إذا أتيحت الفرصة للكثير منَّا، سيلقن الآخر درساً لن ينساه؛ فنحن كائنات اجتماعية لها تسلسل هرمي مهيمن ولا مفر من أن يلعب الغرور دوراً في حياتنا، ولكن من مصلحتنا أن نجعله خادماً عظيماً بدلاً من سيد مروع.
لذلك في المرة القادمة التي تكون فيها في نزاع، ضع غرورك جانباً وفكر كيف يمكنك بالفعل جعل الشخص الآخر يبدو أفضل لكي تحصل على ما تريده.
شاهد بالفيديو: تعلم كيف تغتنم الفرص بـ 10 خطوات
خلاصة ما سبق:
لقد قسمنا النزاع إلى طبقاته الأساسية واكتشفنا أنَّه:
- لديه مستوى عاطفي أو عقلاني.
- يكون على نطاق قصير أو طويل الأمد.
- لديه أربع علاقات مختلفة فيما يتعلق بالتقارب: الخروج والإهمال والمثابرة والصوت.
وتحدثنا عن كيفية التعامل فعلياً مع النزاع وكيف يمكنك تحويله إلى فرصة لنفسك، وتحدثنا عن الحكمة القديمة لديل كارنيجي ورسالته المتمثلة في مداعبة الأنا في كتابه الكلاسيكي "كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس"؛ وقد أصبح لديك الآن صندوق مليء بأدوات مختلفة يمكنك استخدامها في مواقف مختلفة؛ فاذهب إلى عالم النزاع، أو إن صحَّ القول "عالم الفرص".
أضف تعليقاً