من هم المعتلُّون عقلياً؟

ما مدى معرفتك بعلم النفس، والأبعاد النفسية خلف الاعتلال العقلي؟ ما هي السمات التي يتشاركها هؤلاء المرضى؟ وهل يمكن علاجهم؟



وهل كان أدولف هتلر (Adolf Hitler) مختلاً عقلياً؟ ما الذي يدفع الإنسان لإدمان الكذب؟ وما الذي يدور في ذهن القتلة المتسللين؟ وهل هؤلاء الذين يتلاعبون بغيرهم مجنونين حقاً؟

سيُجيب هذا المقال عن هذه الأسئلة وغيرها، ويبحث في الجوانب النفسية، والوظائف العقلية للمرضى النفسيين والكاذبين المَرَضيين، لكن قبل أن تغوص في هذا العلم، يجب أن تعرف ما الذي تعنيه هذه المصطلحات.

من هو الكاذب المَرَضي؟

الكاذبون المرضيون هم نوع من المعتلين عقلياً الذين يكذبون باستمرار، ومن دون سبب واضح، تصف عيادة مايو (Mayo Clinic) الاعتلال النفسي على أنَّه اضطراب في الشخصية؛ وفيه لا يولي الفرد أيَّ اهتمام للصواب والغلط، وقد ينتهكون في كثير من الأحيان القانون، وحقوق الآخرين، وهؤلاء المرضى غالباً لا يُبدون أيَّ تعاطف مع الآخرين، ولديهم سلوك غير اجتماعي، ولا يمتلكون أيَّ رادع لتصرفاتهم.

باختصار، ليس كلَّ معتلٍّ عقلياً هو كاذب مرضي، ولكنَّ كلَّ كاذب مرضي هو معتل عقلياً.

الميول النفسية لمريض الاعتلال العقلي:

يميل علماء النفس حالياً للظنِّ بأنَّ هذا الاضطراب يتطور منذ الطفولة نتيجة سوء تعامل الأهل مع طفلهم، ولقد وجدت الأبحاث الحديثة أنَّ هؤلاء المرضى يشتركون ببعض السمات، والتي قد تشمل:

  1. لا يشعرون بالذنب أو الندم، ولا يملكون ضميراً حياً أو تعاطفاً مع الآخرين.
  2. يميلون للتعامل مع المشاعر والعواطف بسطحية.
  3. مندفعون جداً ويرغبون في تحقيق متعتهم على الفور من دون تأجيل، وغالباً بالتحكم بالآخرين.
  4. يميلون للمبالغة في إظهار سحرهم الشخصي، وطلاقة كلامهم طلاقة سطحية.
  5. لا يتحملون مسؤولية أفعالهم أبداً.
  6. يملكون إحساساً متعالياً بالعظمة الذاتية.

هل كان أدولف هتلر (Adolf Hitler)، وفيدل كاسترو (Fidel Castro) مضطربين عقلياً؟

كتب أحد القُرَّاء على موقع سايينس أوف بيبُل (Science of people) التعليق الآتي: "ما يثير دهشتي هو أولئك الناس الذين يكذبون، وإن كانوا غير مضطرين على الإطلاق، فهؤلاء ليسوا كاذبين متمرسين فقط؛ بل أسوأ من ذلك؛ إنَّهم يفتقرون تماماً للوعي الذاتي، ويميلون باستمرار إلى رواية القصص عمَّن يظنون أنَّهم يجب أن يكونوا أو كيف يظنون أنَّ العالم يجب أن يعمل".

لقد أصدرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بعض التقارير الشخصية المثيرة للاهتمام عن شخصيات تاريخية، اقرأ بعضها أدناه، هل ترى أوجه تشابه؟

أدولف هتلر:

أدولف هتلر

كُلِّف عالم النفس الأمريكي هينري أليكسندر موراي (Henry A. Murray) في عام 1943 بتجميع التقييمات الشخصية المجراة مسبقاً عن أدولف هتلر، ويخلص تقريره إلى أنَّ هتلر كان مصاباً بمرض عصبي، كما كان ماسوشياً نرجسياً، وذا ميول انتحارية.

فيدل كاسترو:

فيدل كاسترو

وضع فريق الطب النفسي في وكالة المخابرات المركزية عام 1961 تقريراً أفاد أنَّ فيدل كاسترو كان شخصيةً شديدة العصبية، وغير مستقرة أبداً لدرجة أنَّه كان معرضاً لأنواع معينة من الضغط النفسي؛ إذ كانت العناصر العُصابية البارزة في شخصيته هي شغفه الهائل بالسلطة، وحاجته إلى الحصول على التقدير والتملق من الجماهير.

لا يمكن الجزم جزماً قاطعاً ما إذا كان هتلر أو كاسترو مختلين عقلياً، لكن يمُكنك ملاحظة بعض الميول والسمات المشتركة بينهما.

الفصل الأول، الكاذبون بيننا:

أجرى المختبر البحثي في شركة سايينس أوف بيبُل (Science of People)، استطلاعاً جمع فيه البيانات من 144 مشتركاً، وجد أنَّه في أيِّ يوم معين:

  1. يكذب 58.3% من الناس بين 1-3 مرات.
  2. يكذب 16% من الناس بين 3-5 مرات.
  3. قال 16.7% من المشتركين إنَّهم لا يكذبون أبداً.

تشير الدراسات إلى أنَّ الكذب المرضي يتجلى على مدى سنوات طويلة وليس في مدة زمنية قصيرة، وقد تبدأ المشكلة بكذبة بيضاء بريئة، ثم بمرور الوقت تؤدي إلى عدة أكاذيب ماكرة يومية، وفي بعض الأحيان، قد يظنُّ مرضى الكذب أنَّ أحلامهم هي واقعٌ حقيقي؛ أي بعبارة أخرى، يبدؤون بتصديق ما تخبرهم به عقولهم، أليس ذلك مُخيفاً؟

لكنَّ المشكلة أبعد من ذلك، فهل تعرف النسبة الحقيقية لمرضى الكذب من مجموع السكان؟ واصل القراءة لتكتشف ذلك.

الفصل الثاني، كلُّ ما يتعلق بالكذب المرضي:

كيف تعرف ما إذا كان شخص ما هو كاذب مرضي؟

يُشكل المعتلون عقلياً وفق أحدث الدراسات حوالي 1% من مجموع السكان، وما يصل إلى 30% من مرتكبي الجنايات في السجون، والمؤسسات الإصلاحية.

قد تظنُّ بديهياً أنَّ الكاذبين يميلون إلى النظر إلى الأسفل أو يتجنبون الاتصال العيني المباشر أو يبتسمون ابتسامة متوترة، لكنَّ مرضى الكذب لا يُظهرون عادةً هذه العلامات المُعتادة؛ فهم معتادون على الكذب لدرجة أنَّهم أصبحوا قادرين على إخفاء هذه العلامات بكفاءة عالية.

ومع ذلك، توجد سمات معينة يُمكنك تحديدها؛ فمرضى الكذب يتصفون بما يأتي:

  1. يفتقرون للتعاطف.
  2. يركزون على الاحتياجات الأساسية فقط، مثل الطعام والمال.
  3. يجدون متعةً حقيقيةً في الكذب.
  4. يتحدثون من منظور السبب والنتيجة فقط من دون إعطاء أيَّة أهمية للعواطف والمشاعر.
  5. ماكرون، ويتلاعبون بالناس.
  6. ببساطة قد يكذبون لأنَّهم يحبون ذلك فقط.

هذه هي السمات الأكثر شيوعاً، تابع القراءة لمعرفة المزيد.

1. علامات الخطر التي تشير إلى تطور الاعتلال العقلي:

كيف تكتشف أنَّ شخصاً ما قد يتحول إلى إنسانً مختل عقلياً؟

عادةً ما يكون هؤلاء المرضى مندفعين وعاطفيين للغاية، وهم معرضون بشدة لإدمان المخدرات، ودخول السجن وفق جوزيف نيومان (Joseph P. Newman)، الأستاذ الفخري في جامعة ويسكونسن (Wisconsin)؛ فإنَّ المجرمين المعتلين عقلياً أكثر ميلاً بثلاث مرات لارتكاب أعمال عنف من المجرمين الآخرين، وحوالي مرتين ونصف المرة أكثر ميلاً لارتكاب أفعال أخرى معادية للمجتمع، مثل: الكذب على الآخرين واستغلالهم".

من الصعب جداً تكوين علاقات اجتماعية مع هذا النمط من المرضى؛ لأنَّهم يفتقرون إلى اللطف الاجتماعي والتعاطف الإنساني.

يظنُّ الباحثون أنَّ جذور هذا الاعتلال تمتد إلى الطفولة المبكرة؛ فالأطفال الذين يُبدون افتقاراً للخوف منذ المراحل المُبكرة من حياتهم، ولامبالاةً تجاه أقرانهم، والذين يبدون قُساةً في وجه المشاعر، هم أمام خطر مرتفع لتطوير المرض في المستقبل.

2. كيف تختلف أدمغة المرضى المعتلِّين عن الناس الطبيعيين؟

يُظهر المرضى على وجه التحديد نشاطاً أضعف في منطقة اللوزة الدماغية؛ حيث تُعالج مشاعر الخوف، وفي القشرة الجبهية الحجاجية أو المناطق التي يحدث فيها اتخاذ القرار، وهم أيضاً يفتقرون إلى التعاطف.

"إنَّ لديَّ قدرةً رائعةً على كشف الكذب، لكن عندما يأتي من شخص قريب، قد يكون مُدمراً، لقد كان الكاذب في حياتي هو زوجي السابق، الذي كان يعيش حياةً مزدوجة؛ واحدةً مع زوجته وأطفاله ومنزل جميل وعمل جيِّد، وأخرى مع المخدرات من دون أيِّ عمل، أنا أشعر بالغباء الشديد لأنَّني لم أرَ الأكاذيب أمام عينيَّ".

هذا ما كتبته إحدى القارئات على موقع سايينس أوف بيبُل.

أجرت جامعة هارفرد (Harvard University) بحثاً درست فيه 80 سجيناً، استخدمت فيه تقنية تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي الوظيفي لتحديد استجاباتهم لسيناريوهات مختلفة، كانت تتضمن ضرراً متعمداً أو تعابير وجه مؤلمة، ووجدت الدراسة أنَّ المعتلِّين عقلياً، لم يُظهروا أيَّ نشاط في مناطق الدماغ المسؤولة عن الإحساس بالتعاطف.

باختصار، قد لا يشعر المعتلون عقلياً والكاذبون المرضيون بالألم عندما يرون الآخرين يتأذون مثلما يشعر الإنسان الطبيعي.

شاهد بالفديو: 6 طرق لكشف الكاذبين من حولك

3. السمات الشخصية للمرضى النفسيين:

وجدت دراسة جديدة أجراها الباحثان النمساويان ساغيوغلو (Sagioglou) وغرايتماير (Greitemeyer) أنَّ بعض السمات الشخصية قد تكون مرتبطةً بحبِّ الطعام والمشروبات ذات المذاق المر.

عُرض على 500 مشارك قائمة ببعض الأطعمة ذات المذاقات المختلفة: مالحة وحامضة ومرَّة وحلوة، وطُلب منهم تقييم مدى إعجابهم بالأطعمة؛ ومن ثمَّ خضع المشاركون لاختبار تقييم الشخصية الذي يقيس:

  • العدوانية.
  • الأنانية.
  • الاضطراب العقلي.
  • النرجسية.

كشفت نتائج الدراسة أنَّ تفضيل المذاق المُر قد يكون مُرتبطاً بوجود شخصية مُظلمة أو مرتبطاً بالاعتلال النفسي والنرجسية والسادية، بينما وُجد أنَّ الأشخاص الذين لا يحبُّون المذاق المر هم أكثر تقبلاً للآخرين وأكثر تعاطفاً وتعاوناً.

"ابني مُصاب بالكذب المرضي، لدرجة أنَّني لا أستطيع تصديق أيَّ شيء يقوله من دون التحقق من صدقه، إنَّ ذلك مؤذٍ لعلاقتنا؛ لأنَّني أشعر دائماً بأنَّ عليَّ مراقبته، ويشعر هو أنَّني لا أثق به؛ ومن ثَمَّ لا أحبُّه".

هذا ما كتبته أيضاً إحدى القارئات على الموقع.

4. الشخصيات المظلمة:

افترض الباحثون أنَّ السبب وراء ميل الأشخاص ذوي الشخصيات المظلمة للمذاق المُر هو أنَّهم يستمتعون بالسعي وراء المخاطر، كما يملكون قدرة تذوق خارقة.

السعي وراء المخاطر:

سمةٌ شخصية تتصف برغبة الشخص في البحث عن التجارب والمشاعر المتنوعة والجديدة والمعقدة والشديدة، واستعداده التام لخوض مخاطر جسدية واجتماعية وقانونية ومالية من أجل عيش هذه التجارب.

يُفضل الأشخاص ذوو الشخصيات المظلمة خوض تقلبات هذه التجارب الشديدة، ولقد رُبطت هذه السمة مع حب الكافيين والأطعمة الحارة، وبالنسبة إلى الشخص العادي قد تتجلى هذه السمة بواسطة تجارب بسيطة، مثل: الرغبة في ركوب الأفعوانية.

التذوق الفائق:

هو الحساسية العالية للأطعمة المرة.

ارتبط التذوق الفائق سابقاً بالعاطفية الزائدة لدى البشر، وهي سمة أخرى نموذجية للمرضى النفسيين؛ فهم يفضلون تناول الأطعمة المرَّة، وقد افترض العلماء أنَّ المعتلين عقلياً يستمتعون بالأطعمة المرة؛ لأنَّ الطعم المر هو إشارة إلى أنَّ النبات قد يكون ساماً، فقد يشعرون بنوع من التشويق والإثارة جرَّاء تناولها، وهو تجلٍّ آخر لرغبتهم في السعي وراء المخاطر.

أمَّا الأشخاص العاديون الذين يملكون حاسة تذوق طبيعية، فيجدون الأطعمة المرة غير مستحبة، وعادةً ما يكون هؤلاء أكثر هدوءاً واسترخاءً.

يبدو إذاً أنَّ تفضيل الطعم المر مرتبط بمزيد من الأفكار والسلوكات العدائية، وهذا ما أكدته نتائج البحث التي أظهرت أنَّ هؤلاء الأشخاص مستعدون لضرب الآخرين إذا استُفزوا، كما أنَّهم يستمتعون بتعذيب الناس.

بعبارة أخرى، احترس من الأشخاص الذين يطلبون القهوة السوداء في المقهى أو يستمتعون بالمشروبات الكحولية القوية؛ فقد يكون ذلك دليلاً على شخصياتهم الحقيقية المُظلمة.

5. يتحدث مرضى الكذب حديثاً مختلفاً عن الآخرين:

يميل المعتلون عقلياً إلى وصف جرائمهم باستخدام صيغة الماضي؛ إذ:

  1. يشير استخدام صيغة الماضي إلى انفصال الشخص نفسياً عن الجريمة.
  2. أمَّا استخدام صيغة الحاضر قد يُشير إلى أنَّ الشخص ما يزال يعيش المشاعر المرتبطة بالحدث.

وُجد أيضاً أنَّ هؤلاء المرضى يتوقفون كثيراً في منتصف حديثهم، وكثيراً ما يستخدمون مقاطع صوتية مثل "إممم" قبل البوح بالكلمات؛ ويشير ذلك إلى أنَّهم بحاجة إلى مزيد من الوقت للتفكير في إجاباتهم موازنة بالأشخاص العاديين؛ أي بمعنى آخر، يحتاجون وقتاً أطول لتلفيق الأكاذيب.

إذا لاحظت أنَّ شخصاً ما يُبدي هذه الإشارات في حديثه؛ فهذا لا يعني بالضبط أنَّ الشخص مختل عقلياً؛ فهذان مجرد مؤشرين لفظيين، مثل: إشارات لغة الجسد الأخرى التي يمكنك العثور عليها في هؤلاء المرضى.

إقرأ أيضاً: تعلم قراءة لغة الجسد من خلال الحركات

الفصل الثالث، كيف تتعامل مع الكذب المرضي؟

اتبع الاستراتيجية الآتية:

  1. توقف مباشرةً، ولا تتابع الحديث مع الكاذبين؛ لأنَّ ذلك سيُشجعهم على الاستمرار في أكاذيبهم من دون توقف.
  2. غيِّر الموضوع تماماً، وتحدث على الفور عن شيء آخر أو ابدأ محادثةً جديدةً عن موضوع مختلف.
  3. إذا فشلت هذه المحاولات، امضِ قُدماً، ولا تحاول تغيير مريض الكذب الذي يُصر على مزيد من أكاذيبه.

تُعدُّ هذه الطريقة فعالةً للغاية، ويمكنك أيضاً استخدامها عندما تبدأ محادثة عشوائية مع شخص غريب، ووجدت أنَّه يحاول الدخول في محادثات لا ترغب خوضها.

1. توقَّع الإنكار:

هل تعرف ما هي حلقة الإنكار؟ بالنسبة إلى الإنسان الطبيعي، تبدو بالترتيب الآتي: إنكار الغلط أولاً، ثمَّ الغضب، ثمَّ الاكتئاب، ثمَّ قبول الأمر، والاعتراف بالغلط.

لا ينطبق ذلك على المرضى النفسيين إطلاقاً، فعادةً ما تكون حلقة الإنكار لديهم مُبهمةً، ولن تؤدي إلى النتيجة النهائية الطبيعية؛ لذلك لا تحاول إقناع كاذب أو مختل عقلياً بأخطائه؛ بل حاول تجنب الموضوع تماماً؛ لأنَّ ذلك مضيعة للوقت، وتذكَّر أنَّهم يستخدمون الإنكار بوصفه وسيلة لحماية سمعتهم.

2. كن المعالج:

في بعض الأحيان، قد يكون المريض النفسي صديقك أو أحد أفراد الأسرة، وربما يكذبون عليك باستمرار، ولكنَّ ذلك خارجٌ عن إرادتهم، وفي هذه الحالة، قد تضطر أحياناً أن تؤدي دور المعالج.

إليك هذه الإجراءات البسيطة التي يمكنك اتباعها:

  1. استمع لهم من دون الحكم عليهم: قد يكون الأمر صعباً، لكن حاول أن تُبدي تعاطفاً أكبر في المرة القادمة التي يكذب عليك فيها أحد أحبائك.
  2. أعد صياغة ما يقولونه: ففي كثير من الأحيان، يريد منك المريض أن تسمعه فقط؛ لذا حاول إعادة صياغة ما قاله بدلاً من محاولة إيجاد حلول لمشكلته.
  3. ساعدهم على تكوين العلاقات: حاول التواصل مع أصدقائهم الآخرين أو ابحث لهم عن مجموعة دعم، سيؤدي ذلك إلى تخفيف العبء عليك أيضاً.

لا يعني ذلك إطلاقاً أنَّه يمكنك أن تحلَّ محلَّ المعالج المُرخص؛ لذا اطلب المساعدة فوراً من اختصاصي مرخص عندما تجد حاجةً إلى مساعدة حقيقية.

3. أتذكر الأمر على هذا النحو:

إذا كان مريض الكذب هو فرد من أفراد أسرتك، وتعلم أنَّه اختلق كذبةً للتو، فيمكنك عندئذٍ أن تقول ببساطة: "أتذكر الأمر على هذا النحو…"؛ فبهذه الطريقة، لن تقف صامتاً أمام كذبهم، ولكنَّك تتجنب أيضاً المواجهة المباشرة مع الكاذب.

إليك مثال على ذلك:

  1. مريض الكذب: "قبل أسبوعين ذهبت وصديقي إلى المسبح، وظهرت سمكة قرش فجأةً من دون سابق إنذار".
  2. أنت: "حسناً، لا أظنُّ ذلك، أتذكر الأمر على هذا النحو …".

هذه طريقة رائعة لوضع حدٍّ للأكاذيب مع عدم الإضرار المباشر بمشاعر المريض.

إقرأ أيضاً: الكذب: أسبابه، علاجه، وطرق كشفه

4. المواجهة الحاسمة:

لقد استمعتَ له بهدوءٍ، وحاولت التعامل معه تعاملاً غير مباشر، لكن من دون أيَّة فائدة، والآن لقد اكتفيت من أكاذيبه، وحان الوقت لإيقافه عند حدِّه، والشروع في مواجهة مباشرة.

فيما يأتي بعض النصائح التي تساعدك على خوض هذه المواجهة:

  1. خذ الوقت الكافي لتقول كلماتك الآتية.
  2. تحدَّث بثقة عالية وصوت عميق.
  3. احرص على التواصل العيني المباشر حتى يعرف أنَّك تقصد حقاً ما تقوله.
  4. استخدم إشارات لغة الجسد القوية التي تُعبِّر عن القوة والثقة بالنفس، وعليك أن تشدَّ جذعك، وتستخدم إيماءات اليد النشطة، وتقف باستقامة لزيادة الثقة.

شاهد بالفديو: 11 طريقة لكشف الكذب عبر لغة الجسد

الفصل الرابع، هل يمكن علاج المعتلين عقلياً؟

كتبت إحدى القارئات على الموقع: "لقد أقنعني زوجي السابق منذ أن التقينا للمرة الأولى، وحتى انفصالنا بعد عام تقريباً، أنَّه كان طالباً في كلية الحقوق في السنة الثالثة، ويأخذ استراحةً من دراسته، وتبين لاحقاً أنَّه لم تطأ قدمه كلية الحقوق قط".

لا يوجد علاج لمرضى الاعتلال العقلي، لكن كلَّما اكتُشفت هذه الميول المضطربة في وقت مبكر، يمكن تقديم مزيد من المساعدة.

من الصعب جداً تعليم الناس التعامل مع بعضهم بتعاطف أكبر، لكنَّ العلاقات القائمة على المحبة جنباً إلى جنب مع العلاج النفسي، يمكنها أن تساعد المريض على المشاركة مجدداً في السلوكات الاجتماعية الصحية.

في الواقع، لا يختلف علاج المرضى كثيراً عن منهجيات تقليل العودة إلى الإجرام، والمساعدة على إعادة التأهيل الجنائي؛ إذ يُقدر الباحثون أنَّ 25% من المجرمين في المؤسسات الإصلاحية يُظهرون مؤشرات على الاعتلال النفسي؛ لذا من المحتمل جداً أن يكون العلاج هو نفسه في الحالتين.

أحد أساليب العلاج التي حققت بعض النجاح هو نموذج تخفيف الضغط؛ إذ طُوِّر هذا العلاج من قبل العاملين في مركز مندوتا لمعالجة الأحداث (Mendota Juvenile Treatment Center)، ويستند حقيقة إلى أنَّ المرضى النفسيين لا يخافون حقاً من العقوبة، ولا يستجيبون لها بنفس الطريقة التي يستجيب لها الناس العاديون؛ لأنَّ أدمغة الاثنين تختلف عن بعضها.

نظراً لأنَّ المجرمين الذين يُعانون من الاعتلال العقلي هم في الواقع أكثر ميلاً بست مرات من المجرمين الآخرين لارتكاب جرائم جديدة بعد إطلاق سراحهم من السجن، فإنَّ طريقة العلاج هذه لا تُركز على معاقبة السلوكات السيئة؛ وإنَّما تُركز تركيزاً أساسياً على تعزيز سلوكات المريض الإيجابية.

عندما يرصد الموظفون في مركز مندوتا سلوكاً جيداً من قبل المريض، يُقدمون على الفور مكافأةً من نوع ما، فعلى الرَّغم من أنَّ المريض قد لا يستجيب للعقاب، إلا أنَّه يستجيب للمكافآت، وهذه المكافأة تعزز قدرته على تعلُّم سلوك جديد إيجابي.

النتائج:

وازنت إحدى الدراسات ما بين 300 مريض عُولجوا في مركز مندوتا، مع عدد مماثل من المرضى الذين لم يتلقوا نفس العلاج، وتابعتهم طوال خمس سنوات، فوجدت الدراسة أنَّ 98% من المرضى غير المعالجين اعتُقلوا مرةً أخرى في الأعوام الأربعة التالية، موازنةً بـ 64% فقط من الشباب المُعالجين؛ أي كان الفرق في نسبة العودة إلى الإجرام 34%.

كان المرضى المُعالَجين أيضاً أقل ميلاً لارتكاب جرائم عنف بنسبة 50%، وبينما ارتكب المرضى غير المُعالَجين ست عشرة جريمة قتل بعد إطلاق سراحهم، لم يرتكب المُعالَجون جريمة قتل واحدة.

علاوةً على ذلك، كشف تحليل اقتصادي مُفصل أنَّه مقابل كلِّ 10 آلاف دولار أُنفقت على معالجة المرضى في مركز مندوتا، وفرت ولاية ويسكونسن 70 ألف دولار عن طريق تقليل الإنفاق على السجون في المستقبل.

الفصل الخامس، كيف تتوقف عن كونك كاذباً مرضياً؟

إن كنت تعاني من هذا الاضطراب؛ فالخطوة الأولى هي إدراك مرضك، أمَّا الخطوة الثانية، فهي اتخاذ الإجراءات اللازمة، حتى إن لم تكن مريضاً حقاً، فراقب نفسك ما إذا كنت تملك ميولاً للكذب، واتخذ الإجراءات الآتية لمواجهتها:

1. لا تتصرف بوصفك بطلاً:

غالباً ما يُحبُّ الكاذبون لعب دور البطل، ويتصرفون كما لو أنَّهم حققوا إنجازات عظيمة، فقد يبالغون مبالغة كبيرة في رواية قصصهم وتضخيم إنجازاتهم، مثل قول أحدهم: "لقد واجهتُ فيلاً على قمة الجبل، وهزمته".

خطوة العمل:

إذا وجدت نفسك مضطراً إلى اختراع قصص بطولية لكي تبدو مثيراً للاهتمام، عليك إيجاد طرائق أخرى لا تعتمد على الكذب.

2. لا تؤدي دور الضحية:

غالباً ما يميل مرضى الكذب إلى سرد القصص بطريقة تجعلهم في موقع الضحية، على سبيل المثال:

  1. لقد طُردتُ من العمل؛ لأنَّ ربَّ العمل لم يرغب في وجودي منذ البداية.
  2. لقد هربتُ من منزل والديَّ؛ لأنَّهما لم يحبا العيش معي.
  3. لقد انزلقتُ؛ لأنَّ أحدهم وضع قشرة موز في طريقي.

خطوة العمل:

إنَّ تأدية دور الضحية لا ينجح أبداً؛ بل يؤدي فقط إلى سلوكات سلبية، وبدلاً من ذلك حاول أن تكون عاملاً مؤثراً، بواسطة ما يأتي:

  1. فكِّر ملياً في كلِّ موقف، اسأل نفسك عمَّا إذا كان لديك شيء يمكنك القيام به لتغييره، ويُمكنك أيضاً الاحتفاظ بمذكرة تُسجل فيها الدروس التي تعلمتها من أفعالك.
  2. لا تكن سلبياً تنبع عقلية الضحية من تفكيرك بأنَّ الجميع يكيدون لك المصائب؛ لذا عليك تجنب هذا التفكير السلبي، خاصةً تجاه الأشخاص المقربين لك.
  3. سامح الآخرين وامضِ في طريقك؛ فإنَّ تعلُّم التعامل مع الآخرين بتسامح هو أمر صعب، خاصةً إذا كنت شخصيةً متمردة، لكنَّ ممارسة التأمل يومياً قد تساعدك كثيراً.

3. لا تثرثر:

الثرثرة هي تكرار الحديث عن موضوع ما مراراً وتكراراً من دون إيصال المعنى في النهاية، كأن تسأل رئيس شركة كيف وصل إلى ما هو عليه؟ فتجده يُسهب في الحديث عن مدى روعة شركته من دون أن يُعطيك إجابةً عن سؤالك.

لا بُدَّ أنَّك تعرف شخصاً ما يشبه هذا في حياتك؛ لا يعني ذلك أنَّ كلَّ إنسان ثرثار هو كاذب مرضي، لكن توجد بعض السمات المشتركة بين الاثنين؛ لأنَّ مرضى الكذب يستجيبون استجابة مفصلة وسريعة للأسئلة، لكنَّهم يقدمون إجابات غامضة لا تُجيب حقاً عن السؤال المطروح.

خطوة العمل:

انتقل مباشرةً إلى صلب الموضوع ولا تماطل في الحديث، ولا تنسَ أنَّ تذكر كلَّ التفاصيل الصغيرة الهامة، فعندها ستصبح قصتك ممتعةً وشخصية، والأهم من ذلك، موثوقةً أيضاً.

إقرأ أيضاً: آداب الحوار والنقاش مع الآخرين

4. هل الكذب مُبرر أحياناً؟

أجرى موقع سايينس أوف بيبُل (Science of People) استطلاعاً لقُرائه، جمع فيه آراءهم عن السؤال الآتي: هل من المقبول الكذب في بعض الأحيان؟

ظنَّ بعضهم أنَّه لا يمكن تبرير الكذب إطلاقاً، فيجب أن يكون الإنسان صادقاً دائماً، ولن يفعل الكذب شيئاً إلا إيذاء الآخرين فقط؛ إذ كتب أحد القراء: "أظنُّ أنَّ الكذب ليس له ما يبرره أبداً؛ فيجب علينا الالتزام بقول الصدق والحقيقة في كلِّ موقف، ما لم يكن ذلك لإنقاذ حياتك أو عندما يكذب عليَّ الآخرون بنيةٍ حسنة. إنَّني لا أكذب على الآخرين حتى بنيّة حسنة، لكنَّني أتفهم عندما يفعلها الناس معي، ومع ذلك أحثُّ هؤلاء الناس على قول الحقيقة في المرة القادمة".

ظنَّ بعضهم الآخر أنَّه من المقبول الكذب في بعض الأحيان، لكن كذباً متواضعاً، كما هو الحال في بعض الأكاذيب البيضاء، فإذا كنت تمتلك القدرة على الكذب، فلماذا لا تستخدمها عند الضرورة؟ كتب أحد القُراء:

"إذا دعاك أحدهم إلى حفلة عشاء، ولم ترغب في الذهاب؛ لأنَّك لا تُحب أحد المدعوين، لا بأس إذا اعتذرت وقلتَ إنَّك مشغول أو لديك موعد مُسبق؛ فالكذب في هذه الحالة أفضل من الإساءة إلى ذلك الشخص".

كانت المفاجأة أنَّ قلةً قليلةً تظنُّ أنَّ الكذب مُبررٌ في معظم الأوقات، قُل للناس ما يريدون أصلاً سماعه، وهذا كلُّ ما في الأمر، وقد كتب أحدهم: "تحريف الحقيقة قليلاً يجعل العالم مكاناً أفضل".

الخلاصة:

ربما يوجد شخص ما في حياتك يُظهر ميولاً ومؤشراتٍ على الاعتلال النفسي أو الكذب المرضي، فإذا كان الأمر كذلك، استفد من الدراسة التي أجراها مركز مِندوتا، وتذكَّر أنَّ العقوبة لن تنجح مع هؤلاء الأشخاص.

تذكر أنَّ دماغ المريض لا يستجيب للخوف، والعقاب مثل دماغ الإنسان الطبيعي؛ فمعاقبته أو تذكيره بعواقب أفعاله أو جعله يشعر بالعار بسبب سلوكه، لن يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة؛ لذلك فالتعزيز الإيجابي هو الوسيلة الأكثر لطفاً وفاعليةً التي يمكنك مساعدته بها.

الأهم من ذلك، يجب أن تتعامل مع جميع الناس بهذه الطريقة؛ لذا ابحث دائماً عن السلوك الجيد وكافئ الناس عليه، بدلاً من البحث عن السلوك السيئ ومعاقبته، كافئ الخير دائماً، وسترى مزيداً منه.

المصدر




مقالات مرتبطة