ملخص كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعالية الجزء (2)

في الجزء الثاني من ملخص كتاب العادات السبع للناس الأكثر فعالية نستكمل فيه الحديث عن العادة الثالثة: مبادئ الإدارة الشخصية، ومن ثم نسكتشف العادات الرابعة والخامسة والسادسة للناس الأكثر فعالية.



ثالثاً: النصر العام

4. العادة الرّابعة: تفكير المكسب/ المكسب (مبادئ القيادة الاجتماعية)

ست تصوّرات ذهنيّة للتفاعل الإنساني:

المكسب/المكسب ليست تقنيّة بل فلسفة كاملة للتّفاعل البشري، وفي الحقيقة هو واحد من ست تصوّرات ذهنيّة للتّفاعل. أمّا التّصورات الذّهنيّة البديلة فهي:

1- المكسب/المكسب     4- الخسارة/الخسارة

2- المكسب/الخسارة      5- المكسب

3- الخسارة/المكسب       6- المكسب/المكسب أو لا اتّفاق

أولاً: المكسب/المكسب

المكسب/المكسب هو إطار للعقل والقلب، يسعى دائماً لتحقيق فائدة مشتركة في جميع التّفاعلات الإنسانيّة، ويقصد بالمكسب/المكسب الاتفاقيّات أو الحلول التي تعود بمنفعة مشتركة وتحقّق رضا الجّانبين، وفي ظل حل المكسب/المكسب تشعر جميع الأطراف بشعور جيّد حيال القرارات التي تمّ اتخاذها وكذلك بالتزام بخطّة العمل، والتّصور الذّهني المكسب/المكسب يرى الحياة كساحة تعاونيّة لا تنافسيّة، و المكسب/المكسب هو تصوّر ذهنيّ متاح للجّميع، فلا يتحقّق نجاح الفرد على حساب نجاح الآخرين أو بالتّخلّص منه، كذلك هو الإيمان بالبديل الثّالث، فلن يسير الأمر وفقاً لأسلوبي أو أسلوبك بل سيسير وفقاً لأسلوب أفضل وأسلوب أعلى.

ثانياً: المكسب/الخسارة

وهو أحد بدائل المكسب/ المكسب، ويقوم على أساس "إذا كسبت أنا تخسر أنت، فيعتبر هذا الأسلوب أسلوباً سُلطويّاً، وإنّ معتنقي أسلوب المكسب/الخسارة عُرضة لاستخدام موقعهم أو سلطتهم أو إنجازاتهم أو ممتلكاتهم أو شخصيّاتهم ليصلوا إلى ما يريدون.

والمكسب/الخسارة هو تصوّر ذهني محفور في عقل معظم النّاس منذ لحظة ميلادهم، فأوّل وأهمّ القوى المؤدية إلى تكَوُّن هذا التّصوّر هو الأسرة، فعندما تعقد مقارنة بين طفل وآخر، وعندما يُمنَح الصّبر أو التّفاهم أو الحبّ أو يُسحَب على أساس هذه المقارنات، عندها تكون الأسرة قد لعبت دوراً كبيراً في تقوية هذا التّصور الذّهني، فيبدأ الطفل مثلاً في التّفكير “لو كنت أفضل من شقيقي سيحبني والدايّ أكثر منه”.

ومن المؤكّد أن هناك مكاناً لمبدأ المكسب/الخسارة وفي التّفكير التّنافسي وفي المواقف التي تنعدم فيها الثّقة، ولكن الحياة ليست كلّها منافسة ولا ينبغي علينا أن نعيش كل يوم في منافسة مع الزّوج والأطفال والعمّال والجّيران والأصدقاء.

فسؤال مثل: "من الرّابح في زواجك؟" يعد سؤالاً سخيفاً لأنّه لو لم يفز الشّخصان فهما خاسران، وتتطلّب الحياة في معظمها الاعتماد بالتّبادل وليس الاستقلال، وتعتمد معظم النّتائج التي تودّ تحقيقها على التّعاون بينك وبين الآخرين وتفكير المكسب/الخسارة يُفسد هذا التّعاون.

ثالثاً: الخسارة/المكسب

بعض النّاس مبرمجون بالطّريقة العكسيّة الخسارة/المكسب، ومن أبرز مصطلحاتهم: "أنا أخسر أنت تكسب"، "هيا تفضّل، إنك أنت الآمر النّاهي"، "هيا هاجمني فالجّميع يفعل هذا"، "أنا فاشل وسأكون فاشلاً دائماً". إنّ الخسارة/المكسب أسوأ من المكسب/الخسارة لأنّه لا مقاييس له، ولا مطالب ولا توقّعات ولا رؤية، والنّاس الذين يفكّرون على أساس الخسارة/المكسب عادةً ما يسهل إسعادهم أو إغضابهم، وهم يستمدّون قوّتهم من شعبيّتهم والتّقبّل، وهم لا يتحلّون بالقدر الكافي من الشّجاعة الذي يمكّنهم من التّعبير عن أحاسيسهم ومعتقداتهم، ويشعرون بالرّهبة بسهولة نتيجة للأنا القويّة لدى الآخرين.

وفي المفاوضات يمثّل مبدأ الخسارة/المكسب (الاستسلام)، وفي القيادة يمثّل (التّساهل)، ويعد هذا المبدأ هو نموذج للضّعف والفوضى. والنّاس الذين يعتنقون مبدأ المكسب/الخسارة يحبّون النّاس الذين يعتنقون مبدأ الخسارة/المكسب لأنّهم يتغذّون عليهم، فهم يعشقون ضعفهم الذي يكمّل قوّتهم، ويقومون باستغلالهم.

ولكنَّ المشكلة هي أنّ أصحاب مبدأ الخسارة/المكسب يخفون بداخلهم الكثير من الأحاسيس، والأحاسيس التي لا يتمّ التّعبير عنها لا تموت أبداً بل تُدفن حيّة وتتحرّك لاحقاً بطرق قبيحة، ولأمراض جسديّة و نفسيّة، وخاصّة أمراض الجّهاز التّنفسي والعصبي والجّهاز الدّوري، وتظهر المشاعر المكبوتة أيضاً في صور أخرى مثل الغضب الشّديد والمبالغة في ردّ الفعل تجاه صغار الأشياء والتّشاؤم وغيرها، والنّاس الذين يدأبون على كبت مشاعرهم بدلاً من تحويلها إلى معانٍ أكبر يكتشفون أنّها تؤثّر على تقديرهم لذاتهم وجودة علاقاتهم بالآخرين.

رابعاً: خسارة/خسارة

عندما يجتمع شخصان من أنصار مبدأ المكسب/الخسارة أي عندما يتفاعل شخصان يتّسمان بالعزم والعناد والأنانيّة تكون النّتيجة الخسارة/الخسارة، أي يخسر كليهما، ويصبحان قاسيين، ويرغبان في الانتقام أو في التّعادل.

وخسارة/خسارة هي أيضاً فلسفة النّاس الذين يعتمدون على غيرهم اعتماداً كبيراً دون أن يكون لديهم توجّه داخلي، والذين يتّسمون بأنّهم أشخاص تعساء ويعتقدون أنّ الجّميع لابد أن يكونوا تعساء مثلهم "إذا لم يكسب أي شخص ربما لا تكون الخسارة أمراً سيّئاً". 

والخسارة/الخسارة هي فلسفة الصّراع الخلافي، أي سياسة الحرب.

خامساً: المكسب

ثمَّ بديل آخر شائع هو التّفكير ببساطة في المكسب. والنّاس الذين يفكّرون في المكسب لا يرغبون في خسارة الآخرين بالضّرورة. فهذا لا يشكِّل لهم كثيراً من الأهميّة فما يهمّهم هو الحصول على ما يريدون.

وعندما لا يشعرون بوجود منافسة يكون المكسب هو النتيجة الوحيدة لجميع المفاوضات. والشخص صاحب عقليّة المكسب يركّز كل تفكيره على تحقيق غاياته، تاركاً للآخرين مسألة تحقيق غاياتهم.

ما هو أفضل الخيارات؟

في الحقيقة تعدّ معظم المواقف جزءاً من واقع الاعتماد بالتّبادل، ولذلك يكون مبدأ المكسب/المكسب هو البديل الوحيد الناجح من بين الخمسة.

وعلى المدى البعيد ما لم يحقق كلانا مكسباً فهذا يعني خسارة كلينا، ولهذا السّبب فإن المكسب/المكسب هو البديل الحقيقي لوقائع الاعتماد بالتّبادل.

سادساً: المكسب/المكسب أو لا اتفاق

إذا لم يتوصّل الأفراد إلى حل تعاوني، ومقبول من الطرفين، يمكنهم حينها المتابعة للتّوصل إلى شكل أعلى من المكسب/المكسب، وهو المكسب/المكسب أو لا اتفاق.

ويقصد بلا اتّفاق في الأساس أنّنا إذا لم نتوصّل إلى حلّ يحقق فائدة لكلا الطّرفين فإننا نتّفق على ألّا نتّفق – أي لا اتّفاق. فلا توجد توقّعات ولا تُبرم عقود. وحين تضع في عقلك خيار "لا اتّفاق" تشعر بالحرّيّة لأنّك لن تضطر إلى التّلاعب بالنّاس لتفرض جدول أعمالك وتقودهم إلى حيث تريد. بل تكون متفتّحاً، وتحاول بالفعل الوصول إلى المشكلات العميقة والأوضاع المهمّة.

وإذا لم تتّخذ "لا اتّفاق" خياراً لك يمكنك بكل أمانة أن تقول "إنَّني أود الوصول إلى المكسب/المكسب، وإذا لم نتوصّل إلى ما يرضينا لنتّفق على ألّا نتّفق. فلأنَّ هذا أفضل من التعايش مع اتّفاق ليس في صالحنا. وربما تسنح لنا الفرصة للعمل معاً في شيء آخر".

شاهد بالفيديو: كيف تتعلم العادات الإيجابية؟

خمسة أبعاد للمكسب/المكسب:

 لنفكّر في المكسب/المكسب كعادة من عادات القيادة الجماعيّة. إنّها تنطوي على استخدام كلّ موهبة من مواهب البشر المتفرّدة- مثل الوعي والخيال والإدراك والإرادة المستقلّة- في العلاقات مع الآخرين. كما تنطوي أيضاً على التّعلم المشترك والتّأثير المشترك والفوائد المشتركة.

ولهذا السّبب تنطوي هذه العادة على مبادئ القيادة الجّماعيّة. ويعدّ المكسب/المكسب أساسيّاً من أجل تحقيق النّجاح في كلّ أنواع التّعاملات، وهو يتضمّن خمسة أبعاد للاعتماد المتبادل في الحياة.

1- الشّخصيّة:

وهي أساس مبدأ المكسب/المكسب، وكل شيء يقوم على هذا الأساس. وهناك ثلاث سِمات شخصيّة أساسيّة لتحقيق التّصوّر الذهني لمبدأ المكسب/المكسب.

الأمانة: إنّ الأمانة قيمة نضيفها لشخصيّاتنا، وحينما نحدّد قيمنا بوضوح مع التّنظيم والتّنفيذ المبادر في إطار تلك القيم يومياً نطوّر الإدراك الذّاتي والإرادة المستقلة عن طريق قطع الوعود والعهود ذات المعنى والوفاء بها.

ولا توجد أي طريقة نستطيع من خلالها أن نحقّق مكسباً في حياتنا مالم نعرف وبشكل عميق ممّا يتألف المكسب وما الذي يتوافق مع قيمنا الداخليّة. وإذا لم نتمكّن من قطع العهود والالتزام بها مع أنفسنا ومع الآخرين، ستصبح حينها هذه العهود بلا معنى. إذاً فالأمانة هي حجر زاوية الأساس.

النّضج: هو التّوازن بين الشجاعة ومراعاة الآخرين. فهو" قدرة الشّخص على التعبير عن مشاعره ومعتقداته تعبيراً متوازناً مع مراعاة أفكار ومشاعر الآخرين". إذاً التمتّع بقدر كبير من الشجاعة ومراعاة شعور الآخرين ضروري من أجل تحقيق مبدأ المكسب/المكسب. وهو التّوازن الذي يميز النضج الحقيقي. وإذا تمتَّعتُ به يُمْكِنني الإصغاء، ويمكِنني فهم مشاعر الآخرين والتّعاطف معهم، ولكنَّني في نفس الوقت سوف أتحلّى بالشّجاعة من أجل المواجهة.

عقليّة الوفرة: وتنبع عقّلية الوفرة من الإحساس العميق بالقيمة الشّخصيّة والأمن. وهو تصوّر ذهني يُقصد به أنَّ العالم به ما يكفي للجميع، وينتج عنه مشاركة الوجاهة والتّقدير والفوائد واتّخاذ القرارات. كما أنَّه يفتح المجال أمام الاحتمالات والخيارات والإبداع.

والنّصر العام هو النمو الظّاهري للتصوّر الذهني لعقليّة الوفرة، ولا يقصد بالنّصر العام الانتصار على الآخرين، بل يعني تحقيق نجاح في التّعامل الفعّال والذي يتمخّض عن تحقيق فوائد مشتركة تعود على الجميع بالنّفع. ويقصد بالنصر العام العمل معاً والتّواصل معاً وتحقيق الأشياء معاً – تلك الأشياء التي لا يستطيع نفس الأشخاص تحقيقها لو عمل كل واحد منهم مستقلّاً.

ويعيش معظم النّاس فيما يُطلق عليه عقليّة النّدرة، فهم يرون أنّ الحياة بها الكثير ولكن لا توجد سوى فطيرة واحدة إذا أخذ شخص ما قطعة كبيرة فهذا يعني حصول الجّميع على نصيب أقل، والنّدرة الذّهنيّة هي تصوّر ذهني للحياة يساوي صفراً، والنّاس الذين يعانون من عقليّة النّدرة يجدون صعوبة كبيرة في التّقدير والمنح والسّلطة أو الرّبح، وقد يعبّرون لفظياًّ عن سعادتهم لنجاح الآخرين إلّا أنّهم ومن داخلهم يعضوّن أناملهم من الغيظ الذي ينهش قلوبهم، وقد يعني نجاح شخص آخر فشلهم.

2- العلاقات:

انطلاقاً من أساس الشّخصيّة نبني علاقات المكسب/المكسب ونحافظ عليها، والثّقة ورصيد بنك المشاعر هي جوهر مبدأ المكسب/المكسب. وبدون الثّقة أفضل ما يمكننا القيام به هو التوصّل إلى تسوية، وبدون الثّقة نفتقر إلى مصداقيّة الانفتاح والتّعلم المشترك والتّواصل والإبداع الحقيقي.

ولأنّ بيننا ثقة متبادلة نكون منفتحين ونضع كل الأوراق على المائدة، على الرّغم من أنّنا نرى الأمور من منظور مختلف، أعلم أنّك مستعد للإنصات إليّ باحترام وأنت تعلم أنّني سأتعامل معك بنفس الاحترام، وكلانا ملتزم بمحاولة فهم وجهة نظر الطّرف الآخر فهماً عميقاً، ونعمل معاً من أجل التّوصّل إلى البّديل الثّالث والحلّ المشترك الذي سيقدّم لنا إجابة أفضل.

وتغدو العلاقة منبعاً مثاليّاً لقدر هائل من التّعاون إذا كانت أرصدة بنك المشاعر كبيرة وكِلا الطرفين ملتزماً بفلسفة المكسب/المكسب. ولكن كيف يكون الحال لو لم يوجد هذا النّوع من العلاقات؟ وماذا لو عملت من أجل التّوصّل إلى اتّفاق مع شخص ما لم يسمع من قبل عن مبدأ المكسب/المكسب ومنغمس في نصّ المكسب/الخسارة أو أي فلسفة أخرى؟

ونادراً ما يتمكّن أحد من تحقيق مبدأ المكسب/المكسب بسهولة في كل الأحوال، فلا بد من التّعامل مع جميع المشكلات والفروق الأساسيّة، ولكن الأمر سيكون أسهل عندما يدرك كلا الطرفين ويلتزم بهذا المبدأ وعندما يكون رصيد بنك العواطف كبيراً.

وحتى عندما نتعامل مع شخص ينتهج التّصور الذّهني المكسب/الخسارة تظلّ العلاقة هي المفتاح، ويكون الجّزء الذي تركّز عليه هو دائرة تأثيرك، فأنت تقوم بالإيداع في رصيد بنك المشاعر من خلال التّصرفات التي تنمّ عن اللّياقة واحترام الشّخص وتقديره واحترام وجهات نظر الآخرين، وتنصت أكثر وتنصت إنصاتاً عميقاً وتمتلك قدْراً أكبر من الشّجاعة للتّعبير عن نفسك فلا تكون انفعاليّاً وتغوص أكثر في أعماقك، وتواصل المناقشة حتّى يبدأ الشّخص الآخر في إدراك أنّك تودّ التّوصل إلى حلّ يحقّق مكسباً حقيقياً لكليكما.

3- الاتّفاق: 

إنّ الاتّفاقات تنبثق عن العلاقات وهي تقدّم لمبدأ المكسب/المكسب التّعريف والتّوجيه، وإن أساس اتفاقيّات المكسب/المكسب التي تبرم بين العاملين وأصحاب العمل، وبين النّاس المستقلّين الذين يعملون معاً في مشروعات، ويركّزون على الأهداف العامّة، وبين الشّركات والمورّدين، وبين أيّ أشخاص في حاجة إلى تفاعل لإنجاز ما يريدون، إنّها تبتكر أسلوباً فعالاً من أجل توضيح التّوقعات بين النّاس المشتركين في جهود الاعتماد بالتّبادل.

وبالنّسبة لاتفاقيّات المكسب/المكسب لا بدّ أن تكون العناصر الخمسة التّاليّة واضحة جدّاً:

  • النّتائج المرجوّة: (ليس الأساليب) وهي تحدّد ما ينبغي القيام به ومتى.
  • الإرشادات: وتحدّد المقاييس (المبادئ والسّياسات وغيرهما) في إطار النّتائج المراد تحقيقها.
  • الموارد: وهي تحدّد الدّعم البشري والمادّي والتّقني والمؤسّسي المتاح للمساعدة في إنجاز النّتائج المرجوّة.
  • المسؤولية: تحدّد مقاييس الأداء ووقت التّقييم.
  • العواقب: تحدّد إن كات جيّدة ووخيمة، طبيعيّة ومنطقيّة، ما الذي يحدث وسيحدث نتيجة لهذا التّقييم؟

وهذه العناصر الخمسة تمنح اتّفاقيات المكسب/المكسب الحياة، ويُحقّق الفهم الواضح المتبادل لهذه الجوانب والاتفاق عليها مقدّماً معياراً يستخدمه النّاس من أجل قياس نجاحهم. فطالما أنَّ لديك اتّفاق المكسب/المكسب مسبقاً وهم يعلمون بالضبط ما هو المتوقّع سيقتصر دورك على أن تكون مصدراً للمساعدة وتَلَقِّي تقاريرهم عن المسؤولية.

4- الأنظمة: 

لا يُقدّر لفلسفة المكسب/المكسب البقاء في أي مؤسّسة ما لم تدعمها الأنظمة.

وأنت تحصل على ما تعطيه فإذا أردت تحقيق الأهداف وتجسيد القيم في رسالة حياتك فإنّك ستحتاج إلى توفيق نظام المكافأة مع تلك الأهداف والقيم. ودعم الأنظمة ضروري من أجل نجاح المكسب/المكسب. فينبغي أن تقوم جميع الأنظمة على أساس المكسب/المكسب – نظام التدريب ونظام التواصل ونظام الموازنة ونظام المعلومات ونظام التّعويضات.

فالمنافسة توجد إمَّا في السوق أو في المقارنة مع أداء العام الماضي حيث لا يوجد اعتماد بالتّبادل الحقيقي أو حاجة إلى التّعاون. ولكن التّعاون في مقر العمل مهم من أجل التّوحد لمواجهة منافسة السوق. ولا يمكن لروح المكسب/المكسب الصمود في بيئة تسودها المنافسة والمضاربة.

وغالباً ما تنشأ المشاكل بسبب النّظام وليس بسبب النّاس. فإذا وضعت أشخاصاً ذوي مهارات جيدة في نظام سيّئ ستحصد نتائج سيّئة. فعليك ري الزهور التي تريد زراعتها.

5- العمليات:

إنّ جوهر التّفاوض وفقاً لمبدأ هو فصل الشّخص عن المشكلة والتّركيز على المصالح لا الأوضاع، وابتكار الحلول التي تحقّق مكسباً مشتركاً، والإصرار على المعايير الموضوعية-بعض المقاييس أو المبادئ الخارجية التي يتّفق عليها الطّرفان.

وخلال العمل مع الكثير من النّاس والمؤسّسات والتي تسعى للحصول على حلول المكسب/المكسب، أقترح عليهم أن يشتركوا في عمليّة مكوّنة من أربع خطوات:

  • الأولى: انظر إلى المشكلة من وجهة نظر الآخرين، واسعَ جاهداً من أجل الفهم والتّعبير عن الاحتياجات والمخاوف الخاصّة بالطّرف الآخر بنفس الطّريقة التي يفهم ويعبر عنَّها بها أو حتى بطريقة أفضل.
  • الثّانية: حدّد المشكلات والاهتمامات الأساسيّة المتعلّقة بالموضوع.
  • الثّالثة: حدّد النّتائج التي تشكِّل حلّاً مقبولاً تماماً.
  • الرّابعة: حدّد الخيارات الجديدة الممكنة لتحقيق هذه النّتائج.
إقرأ أيضاً: 10 قواعد مهمة لبناء علاقات إجتماعيّة ناجحة

5. العادة الخامسة: افهم أوّلاً ثم اسع ليفهمك الآخرون (مبادئ تواصل التقمّص العاطفي)

جميعنا نندفع ونحاول إصلاح الأمور من خلال النّصيحة السديدة. ولكنَّنا غالباً ما نُخفق في أخذ الوقت اللازم من أجل التّشخيص وفهم المشكلة فهماً جيّداً. وإذا كنَّا سنلخِّص أهم مبدأ في العلاقات بين النّاس في جملة واحدة فستكون "حاول أن تَفهم اوَّلاً ثمَّ حاول أن تكون مفهوماً". وهذا المبدأ هو مفتاح التّواصل الفعّال بين النّاس.

الشخصية والتواصل:

إنّ القراءة والكتابة هما شكلان من أشكال التّواصل وكذلك التّحدّث والإنصات، وإنّ هذه هي الأنواع الأربعة الأساسيّة للتّواصل، وتعدّ المقدرة على إتقانها جميعاً إتقاناً جيّداً ضروريّة من أجل تحقيق فعاليتك. ويعد التّواصل واحداً من أهم المهارات في الحياة.

لقد أمضيتَ سنوات في تعلّم القراءة والكتابة، وسنوات في تعلّم كيف تتحدّث، ولكن ماذا عن الإنصات؟ ما هو التّدريب أو التّعليم الذي تلقيته لنتمكن من الإنصات وبالتّالي تفهم الشّخص الآخر فهماً عميقاً في إطار مرجعيّته؟

وعدد قليل من النّاس هم من تلقّوا تدريباً على الإنصات. فإذا أردت التّعامل معي تعاملاً فعّالاً والتّأثير عليّ سواء كنت زوجك أو طفلك أو جارك أو صديقك ستحتاج إلى فهمي أوّلاً وأنت لا يمكنك القيام بذلك مستخدماً التّقنية فقط. والمفتاح الحقيقي للتّأثير عليّ هو سلوكك الحقيقي، وسلوكك يكون واضح من خلال تجربتي معك وليس من خلال ما يقوله الآخرون عنك أو الفكرة التي تريدني أن أكوّنها عنك. وشخصيّتك في حالة مستمرّة من الإشعاع والتّواصل، ومن خلالها وعلى المدى البعيد ستتولّد بداخلي الثّقة فيك وفي جهودك أو تنعدم هذه الثّقة.

وربَّما تخبرني بأنَّك مهتم بأمري وتقدِّرني. وأنا أود تصديقك. ولكن كيف تقدّرني بينما أنت لا تفهمني حتّى وكل ما تقدّمه لي هو كلمات وأنا ليس بمقدوري الوثوق بهذه الكلمات.

لذا إذا أردت أن تكون فعّالاً في عادة التّواصل بين النّاس لن تكفي التّقنية بمفردها، بل لابد أن تبني مهارات الإنصات وفقاً للتقمّص العاطفي على أساس الشّخصيّة التي تحثّ على الانفتاح والثّقة.

الإنصات وفقاً للتقمّص العاطفي:

إنّ مقولة "حاول أن تَفهم أوّلاً" تنطوي على تغيير عميق في التّصوّر الذّهني، فنحن في العادة نسعى كي يفهمنا الآخرون أوّلاً، فمعظم النّاس لا ينصتون بنيّة الفهم بل ينصتون للرّدّ، وهم إما يتحدّثون أو يُعدّون أنفسهم للرّد، ومن ثم فهم ينتقون كل ما يستمعون إليه من خلال تصوّراتهم الذّهنية، ويقرؤون سيرهم الذّاتية في حياة النّاس.

"أنا أعرف شعورك جيّداً"، "لقد مررت بنفس التّجربة من قبل"، دعني أقصّ عليك تجربتي".

فنحن نرى أنّنا على صواب وتغلب علينا سيرتنا الذاتيّة وكل ما نرغب فيه أن يفهمنا الآخر. وتتحوّل حواراتنا إلى مجموعة من الحوارات الفردية دون أن نفهم بالفعل ما يدور داخل عقل الطّرف الآخر.

وعندما يتحدّث شخص آخر عادة ما ننصت على مستوى واحد من أربعة مستويات. فربما نتجاهل الشّخص الآخر ولا ننصت له على الإطلاق، وربما نتظاهر بالإنصات "حقّاً، نعم نعم صحيح"، وربما نمارس الإنصات الانتقائي، أي نسمع أجزاء معيّنة من المحادثة، أو ربّما نمارس الإنصات اليقظ، أي نولي اهتماماً للكلام الذي يقال ونركّز طاقتنا عليه، ولكنَّ القليل منّا هو من يمارس المستوى الخامس، أعلى شكل من أشكال الإنصات "الإنصات وفقاً للتّقمّص العاطفي".

وعندما نقول الإنصات وفقاً للتّقمّص العاطفي يعني الإنصات بنية الفهم أي أن تفهم أوّلاً، أن تفهم بالفعل، وهو تصوّر ذهني مختلف تماماً، والإنصات وفقاً للتّقمّص العاطفي يمكّنك من الغوص في أعماق إطار مرجعية شخص آخر، فأنت تنفذ خلاله وترى العالم بالطريقة التي يراه الشخص بها وتفهم تصوّره الذّهني وتفهم شعوره.

ويختلف التّقمّص العاطفي عن التّعاطف، فالتّعاطف هو شكل من أشكال الاتّفاق وهو شكل من أشكال الأحكام وفي بعض الأحيان يكون التّعاطف هو العاطفة والاستجابة الأكثر ملاءمة، وجوهر الإنصات وفقاً للتّقمّص العاطفي ليس الاتّفاق مع الشّخص، بل هو فهمك الكامل والعميق للشّخص على مستوى المشاعر والعقل.

والإنصات وفقاً للتّقمّص العاطفي هو فهمك الكامل والعميق للشّخص على مستوى المشاعر والعقل، وعند الإنصات وفقاً للتّقمص العاطفي فأنت تستمع بأذنيك ولكنك أيضاً وهو الأكثر أهمّيّة، تستمع بعينيك وبقلبك، أنت تستمع للمشاعر وتستمع للسّلوك، والإنصات للآخرين بتقمّصّ عاطفي يكون بمثابة منحهم الهواء النّفسي، وبعد استيفاء هذه الحاجة الحيويّة يمكنك التّركيز على التّأثير وحلّ المشاكل.

ويعتبر الإنصات وفقاً للتقمّص العاطفي مؤثّراً للغاية لأنّه يمنحك بيانات دقيقة تعمل من خلالها. فبدلاً من إسقاط سيرتك الذاتيّة وافتراض الأفكار والمشاعر والدّوافع والتّفسيرات تتعامل مع الواقع الذي يجول في عقل وقلب الشّخص الآخر. فأنت تنصت لتفهم، وتركّز على تَلقّي تواصل عميق من داخل روح شخص آخر.

إقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الذكاء العاطفي؟

التشخيص قبل وصف العلاج:

بالرغم من خطورته وصعوبته إلّا أنَّ السعي من أجل الفهم أوّلاً قبل التشخيص أو قبل وصف العلاج هو مبدأ قويم يبدو جليّاً في دروب كثيرة في الحياة. وهو العلامة المميّزة لجميع المتخصّصين. فهو ضروري لأي للطبيب. فأنت لن تثق في العلاج الذي يصفه الطبيب إذا لم تثق في تشخيصه أوّلاً.

وينطبق هذا المبدأ على المبيعات. فالبائعون الذين يتميّزون بالفعالية يحاولون أوّلاً فهم احتياجات العميل ومخاوفه وحالته. فيتعلّم البائع المحترف كيف يُشخِّص وكيف يفهم، وكيف يربط بين احتياجات الناس ومنتجاته وخدماته.

وبالتّالي فإنَّ مفتاح الحكم السديد هو الفهم. وإذا أصدرت الحكم في البداية لن يتمكَّن الشّخص من الفهم أبداً. لذا فإنَّ السعي للفهم أوَّلاً هو مبدأ قويم يمكن اقتفاء أثره في جميع مناحي الحياة. وهو مبدأ عام مسيطر، ولكن تكمن قوّته العظمى في منطقة العلاقات الجماعيّة.

شاهد بالفيديو: الوصايا الـ 10 لستيفن كوفي

أربع استجابات مستمدّة من السّيرة الذاتيّة:

 عندما يكون الإنصات مستمدّاً من السّيرة الذّاتيّة فإنّنا ننزع للاستجابة بواحدة من أربع طرق. نُقيّم (إما نقبل أو نرفض)، أو نستجوب (نطرح أسئلة مستمدّة من مرجعيّتنا)، أو نقدّم النّصيحة (نعطي مشورة أساسها خبرتنا الشّخصية) نفسّر (نحاول تبيّن ماهيّة النّاس لتفسير دوافعهم وسلوكهم وفقاً لدوافعنا وسلوكنا).

ونحن جميعاً غارقون في تلك الاستجابات ومبرمجون عليها حتّى أنَّنا لا نعرف متى نستخدمها. فنحن نكون مقيدين عندما نحاول فهم الآخرين على أساس الكلمات فحسب، لا سيما عندما ننظر إلى الشخص من خلال نظّارتنا. هل تستطيع أن ترى مدى قصور استجابتنا المستمدة من سيرتنا الذاتية بالنسبة لشخص يحاول جاهداً حثنا على فهم سيرته الذاتية؟

إنّك لن تتمكن من الولوج داخل شخص آخر لترى العالم بعينيه مالم يكن بداخلك رغبة خالصة وسمات شخصية قوية ورصيد إيجابي في بنك المشاعر بالإضافة إلى مهارات الاستماع وفقاً للتقمص العاطفي، وهذه المهارات تنطوي على أربع مراحل تطويرية:

1- المرحلة الأولى والأقل فعاليّة هي محاكاة المحتوى: 

فهي مهارة من المرحلة الأولى لأنّها على الأقل تدفعك إلى الاستماع إلى ما يقال، ومحاكاة المحتوى سهل فكلّ ما عليك فعله هو الاستماع إلى الكلمات التي تخرج من فم الشّخص الآخر وتكرّرها، إنّك بالكاد تستخدم عقلك.

"يا إلهي، أبي لقد نلت كفايتي، إنّ المدرسة تصلح للسّخفاء فقط"

"هل نلت كفايتك، وتعتقد أنّ المدرسة تصلح للسّخفاء فقط"

2- المرحلة الثّانية هي إعادة صياغة المحتوى:

وهي أكثر فعاليّة بعض الشّيء ولكنها لازالت مقتصرة على التّواصل اللّفظي.

"يا إلهي، أبي لقد نلت كفايتي، إنّ المدرسة تصلح للسّخفاء فقط".

 "لا تريد الذّهاب إلى المدرسة بعد الآن".

3- المرحلة الثّالثة تقوم بتشغيل نصف مخّك الأيمن، أي تعكس مشاعرك: 

فأنت لا تُبدي اهتماماً بما يقول بقدر ما تهتم بالطّريقة التي يشعر بها حيال ما يقول.

"يا إلهي، أبي لقد نلت كفايتي، إنّ المدرسة تصلح للسّخفاء فقط".

"أنت تشعر بإحباط حقيقي".

4- المرحلة الرّابعة تتضمّن كلا المرحلتين الثّانية والثّالثة: 

فأنت تعيد صياغة المحتوى وتعكسه وتشعر به.

"يا إلهي، أبي لقد نلت كفايتي، إنّ المدرسة تصلح للسّخفاء فقط".

"أنت محبط بالفعل من المدرسة".

الإحباط هو الشّعور والمحتوى هو المدرسة، أي أنّك تستخدم نصفي المخّ لتفهم وجهي كلامه.

 والآن ستجد أنّ ما ينشأ عن استخدام المرحلة الرّابعة من مهارات الإنصات وفقاً للتّقمّص العاطفي أمر هائل لا يُصدّق، فأنت تمنح الشّخص الآخر الهواء النّفسي بسعيك الصّادق من أجل فهمه وإعادة صياغة المحتوى وعكس مشاعره، وإن رغبتك المخلصة في الإنصات له وفهمه ستزيل الحواجز بين ما يجول داخله وما يحاول إيصاله إليك بالفعل، وتتجاذب روحكما وتبدأ ثقته فيك تنمو من أعماق مشاعره وأفكاره.

لن تساوي كل نصائح العالم السّديدة مقدار حفنة من الحبوب إذا لم تعمل على المشكلة الحقيقيّة. ولن نصل إلى المشكلة إذا بقينا سجناء سيرتنا الذاتيّة أو تصوّراتنا الذهنيّة ولم نخلع النظّارة عن أعيننا بحيث نرى العالم من وجهة نظر الطرف الآخر.

بعد ذلك اسع من أجل أن يفهمك الآخرون:

في البداية اسعَ من أجل أن تَفهم أوّلاً، ومن أجل أن تكون مفهوماً بعد ذلك، ومعرفة كيف تكون مفهوماً هو الجّزء الثّاني من العادة الخامسة، وهو أساسي من أجل التّوصل إلى حلول مكسب/مكسب.

ويعرّف النّضج بأنَّه التّوازن بين الشّجاعة ومراعاة شعور الآخرين، والسّعي لفهم الآخرين يستدعي مراعاة شعورهم، بينما السعي من أجل أن تكون مفهوماً يستدعي الشّجاعة، ومكسب/مكسب يتطلّب درجة عالية من كليهما، ففي مواقف الاعتماد بالتّبادل من المهم أن يفهمنا الآخرون.

كان اليونانيون القدماء يتبنّون فلسفة رائعة تتجسّد في ثلاث مفاهيم مرتّبة بشكل تتابعي: هي روح الجماعة والعاطفة والعقل. لاحظ التتابع بينهم روح الجماعة ثم العاطفة ثم العقل – أي شخصيّتك ثم علاقتك ثم منطقيّة عرضك. وهذا يمثّل تغييراً كبيراً في التصوّر الذهني فعندما يشرع معظم الناس في تقديم عرض. فإنَّهم يخاطبون المنطق مباشرة، عن طريق طرح أفكارهم، ومحاولة إقناع النّاس بصدق منطقهم دون أخذ روح الجماعة والعاطفة بالاعتبار.

وعندما تتمكّن من استعراض أفكارك استعراضاً واضحاً ومحدداً وحيّاً والأهمّ من كل هذا أن تكون في سياق فهمك العميق لتصوّرات الآخرين الذّهنية ومخاوفهم، ستزداد مصداقية أفكارك زيادة واضحة.

إقرأ أيضاً: فن التعامل مع الآخرين

شخص لشخص:

عندما تنصت تتعلم. وفي نفس الوقت فأنت تمنح من يتعامل معك الهواء النفسي، وتلهمه الإخلاص. لذلك اسعَ من أجل الفهم أوّلاً قبل أن تظهر المشاكل وقبل أن تحاول التّقييم ووصف العلاج وقبل أن تحاول عرض أفكارك، اسعَ من أجل الفهم أوّلاً. إنّها عادة قوية من عادات الاعتماد بالتّبادل الفعال.

وعندما نتمكّن من فهم بعضنا البعض سنفتح الباب أمام الحلول المبدعة والبديل الثّالث، ولن تكون اختلافاتنا عقبة في طريق تواصلنا وتقدّمنا، ونخطو معاً تجاه التّكاتف والتعاون.

إقرأ أيضاً: العادات: تعريفها، وطريقة تشكلها، وكيفية التعرف على العادات الخفية

3. العادة السادسة: التّكاتف (مبادئ التّعاون الخلّاق)

عندما يفهمنا الآخرون جيّداً يصبح التّكاتف أهم الأنشطة التي تُمَارَس في الحياة، وهو الاختبار والانعكاس الحقيقي لكل العادات الأخرى مجتمعة. والتّكاتف هو جوهر القيادة المتمركزة حول المبادئ وهو جوهر التربية المتمركزة حول المبادئ.

والتّكاتف يعني أنّ الكل أعظم من الأجزاء، وأنّ العلاقة التي تربط بين الأجزاء وبعضها هي جزء في حد ذاته. والتّكاتف ليس جزءاً فقط بل هو أهم محفِّز وأهم عامل معزّز للقوّة وأهم موحّد وأكثر الأجزاء إثارة.

والتّكاتف موجود في كلّ شيء في الطّبيعة، فإذا قمت بزراعة نباتين بالقرب من بعضهما البعض فستّتحد الجّذور معاً، وتتحسّن جودة التّربة ومن ثمّ ينمو النّباتان نمّواً أفضل ممّا لو زرعت كلّ واحدة بمفردها. وإذا وضعت قطعتي خشب بجوار بعضهما ستحملان وزناً أكبر من ذلك الذي قدّ تحمله كلّ واحدة منهما منفصلة. إذاً الكلّ أفضل من مجموع الأجزاء، وواحد زائد واحد يساوي ثلاثة أو أكثر.

وإنَّ جوهر التّكاتف هو تقدير الفروق واحترامها، وبناء مواطن القوّة لتعويض مواطن الضّعف، ونحن بدون شكّ نُقدّر الفروق البدنيّة بين الرّجل والمرأة والأزواج والزّوجات، ولكن ماذا عن الفروق الاجتماعيّة والعقليّة والعاطفيّة؟ ألا يمكن أن تكون هذه الفروق أيضاً مصدراً للتوصّل إلى صور جديدة ومثيرة للحياة وخلق بيئة تفي باحتياجات كل شخص، وتُغذّي التّقدير الذّاتي والقيمة الذّاتيّة.

التّواصل المتكاتف:

عندما تجري تواصلاً متكاتفاً فأنت ببساطة تفتح عقلك وقلبك ومشاعرك للاحتمالات الجّديدة والخيارات الجّديدة، وحالما تنخرط في تواصل متكاتف قد لا تكون متيقّناً من الطّريقة التي ستسير بها الأمور، ولكنّك تمتلك إحساساً داخلياً بالإثارة والأمن وروح المغامرة مؤمناً أنّ الأمور ستكون أفضل ممّا كانت عليه من قبل. وهذه هي الغاية التي تضعها في عقلك.

ولم يجرّب العديد من النّاس ولو قدراً بسيطاً من التّكاتف داخل حياتهم الأسريّة أو في تعاملاتهم الأخرى، فهم قد تمّ تدريبهم وبرمجتهم على التواصلات الدّفاعية أو الإيمان بأنّ الحياة أو الآخرين لا يمكن الوثوق بهم، ونتيجة لهذا فهم لا ينفتحون للعادة السّادسة ولهذه المبادئ.

ويمثّل هذا أعظم التراجيديات والخسائر بالحياة، لأنّ الكثير من الإمكانات تبقى دفينة غير مطوّرة وغير مستخدمة، ويعيش النّاس الذين يتّسمون بعدم الفعاليّة يوماً بيوم بإمكانيات غير مستخدمة. وهم يمارسون التّكاتف على مستوى بسيط وهامشي في الحياة.

إقرأ أيضاً: مهارات الاتصال والتواصل

التّكاتف والتّواصل:

إنّ التّكاتف أمر مثير والإبداع أيضاً أمر مثير. فالنّتائج التي تتمخّض عن الانفتاح والتّواصل مذهلة حقّاً. وتتحوّل احتمالات المكسب الحقيقي والتّحسن الرائع إلى واقع يستحق المخاطرة بالقيام بمثل هذا الانفتاح.

وللتواصل مستويات مختلفة ترتبط بمدى الثقة الوثيقة بينها، والصّفة المميّزة لأقلّ مستوى من مستويات التّواصل النّاتج عن المواقف التي تنعدم فيها الثّقة هي الأساليب الدّفاعيّة والوقائيّة وفي أغلب الأحيان اللّغة القانونيّة التي تغطّي جميع الأسس، ولا ينتج عن هذا النوع من أنواع التّواصل إلّا مكسب/خسارة أو خسارة/خسارة فهو لا يتّسم بالفعاليّة، كما أنّه يخلق أسباباً إضافيّة من أجل استخدام المزيد من الأساليب الدفاعيّة والوقائيّة.

أمّا المستوى المتوسّط فهو التّواصل المحترم. وهو المستوى الذي يتواصل عنده النّاضجون. وإن كان الاحترام المتبادل هو السّائد بينهم فذلك لأنّهم يودّون تجنّب الوجه القبيح للمواجهات قدر المستطاع، وبذلك فهم يتواصلون بشكل مهذّب ولكن ليس وفقاً للتّقمّص العاطفي. وقد يفهمون بعضهم البعض على المستوى الفكري، ولكنّهم لا ينظرون بعمق في التّصوّرات الذّهنيّة والفروض التي تتضمّنها مواقفهم، وينفتحون على الاحتمالات الجّديدة.

ويصلح التّواصل المحترم لمواقف الاعتماد على الذّات، وكذلك مواقف الاعتماد بالتّبادل، ولكن لا يفتح الباب لانطلاق الاحتمالات الإبداعيّة. ولا يتّسم هذا النّوع من التّواصل بالدّفاعيّة أو الحماية أو الغضب أو التّلاعب بل يقوم على أساس من الأمانة والصّدق والاحترام، ولكنّه ليس خلّاقاً ولا تعاونيّاً إنّه يحقّق أدنى مستوى من مستويات مكسب/مكسب.

أمّا التّكاتف فيعني أنّ 1+1 قدّ يساوي 8 أو 16 أو حتّى 1600. والتّكاتف الذي أساسه الثّقة الكبيرة يقدّم حلولاً أفضل من أيّ حلول أخرى مقترحة في الأساس، وجميع الأطراف يدركون هذا. علاوة على ذلك فهو ينطوي على العنصر الإبداعي، وتتكوّن ثقافة مصغّرة تتّسم بالإشباع في حدّ ذاتها.

شاهد بالفيديو: كيف يمكن تكوين وترسيخ عادات جديدة في حياتك؟

السعي وراء البديل الثالث:

لكي تتمكّن من تكوين فكرة أفضل عن كيفيّة تأثير مستوى التّفاعل على فعالية الاعتماد بالتّبادل بيننا، تصوّر السيناريو التالي:

هذا وقت عطلة وأراد الزوج اصطحاب أسرته إلى نزهة على البحيرة ليقيموا معسكراً ويستمتعوا بالصيد. وكان هذا الأمر مهمًا للغاية بالنسبة له، فقد كان يخطط له طيلة العام وكان أبناؤه يشعرون بإثارة حقيقيّة تجاه هذه الرحلة.

ومع ذلك فقد أرادت زوجته استغلال وقت العطلة في زيارة والدتها المريضة. فهي غالباً لا تتاح لها الفرصة لزيارتها، وهي ترى أنَّ هذه الزيارة مهمّة بالنسبة لها وربما تقودهما الاختلافات إلى خوض تجربة سلبيّة وبينما هما يختلفان وتحتد المناقشة بينهما فقد يتوصلان إلى تسوية، فربما يقرران التّفرق، وسيشعر كلاهما بالذنب والتعاسة.

إنَّ كلّاً منهما يرى الموقف من منظور مختل، وهذا الاختلاف يفصلهما مسبّباً انقساماً في العلاقة أو أنه قد يقربهما عند مستوى أعلى فلو قاما بصقل عادات الاعتماد بالتّبادل لتناولا خلافهما هذا من خلال تصوّر ذهني مختلف تماماً بحيث يكون التّواصل بينهما عند مستوى أعلى.

ولأنَّ رصيدهما في بنك المشاعر كبير فإن زواجهما يتّسم بالثقة والتّواصل المفتوح. ولأنَّهما يفكِّران وفقاً لمبدأ مكسب/مكسب فهما يؤمنان بفكرة البديل الثّالث، حل يؤدي إلى منفعة متبادلة وأفضل من المقترحات التي قدمها كل واحد.  ولأنهما يستمعان وفقاً للتقمص العاطفي ويسعيان من أجل الفهم أوّلاً فإنَّهما يخلقان بداخلهما وفيما بينهما صورة شاملة للقيم والهموم التي ينبغي أخذها في الاعتبار لـ اتّخاذ القرار

والمزيج من كل هذه المكونات - رصيد كبير في بنك المشاعر والتّفكير على أساس مكسب / مكسب، والسّعي من أجل الفهم أوّلاً - يخلق بيئة مثالية للتكاتف.

لذا فقد جمعا بين الرغبتين. ووقفا في نفس الجانب بدلاً من أن يقف كل واحد منهما على خط مواجهة.  ودرسا المشكلة وفهما الاحتياجات وعملا معاً من أجل التّوصل إلى بديل ثالث يفي باحتياجات كل واحد منهما.

التّكاتف السّلبي:

إلى أي مدى تنتشر الطّاقة السّلبية بين النّاس عندما يحاولون حلّ المشاكل؟ كمّ من الوقت ينفق في سرد عيوب الآخرين والمنافسات السّياسيّة والصّراعات بين النّاس؟ الأمر يشبه محاولة القيادة على الطريق واضعاً أحد القدمين على دوّاسة البنزين والأخرى على الفرامل.

وبدلاً من رفع القدم عن الفرامل يلجأ معظم النّاس إلى الضّغط أكثر على دواسة البنزين، فهم يزيدون الضّغط ويستخدمون المزيد من طرق الإقناع ويقدّمون المزيد من المعلومات المنطقيّة لتقوية موقفهم.

وهم إمّا يعتمدون على استعارة القوّة من موقعهم القوي ويسعون من أجل مكسب/خسارة، أو أنّهم يعتمدون على شعبيّتهم بين الآخرين ويسعون من أجل خسارة/مكسب. وهم وإن كانوا يتكلّمون من منطلق مبدأ مكسب/مكسب إلّا أنّهم لا يرغبون في الاستماع بل يرغبون في المناورة. ولا يمكن أن يحقق هذا النوع من التّكاتف أي بيئة خلّاقة.

ويفكِّر النّاس الذين لا يشعرون بالأمان بضرورة تَطْوِيع الواقع وفقاً لتصوراتهم الذهنيّة. فهم في حاجة ماسة إلى استنساخ الآخرين وقَوْلَبَتِهِم وفقاً لأسلوب تفكيرهم.  وهم بذلك لا يدركون أنّ قوّة العلاقة هي في الأخذ بوجهة نظر الطّرف الآخر. فالتّماثل ليس وحدة. والوحدة هي التتمة أو التّكملة وليس التّماثل. والتّماثل ليس إبداعاً... وجوهر التّكاتف هو تقدير الفروق.

إقرأ أيضاً: التفكير السلبي: أسبابه وطرق التخلص منه

تقدير قيمة الفروق:

يعتبر تقدير قيمة الاختلافات هو جوهر التّكاتف - أي الفروق الذّهنيّة والعاطفيّة والنّفسيّة بين النّاس. ومفتاح تقدير تلك الفروق هو إدراك أنّ النّاس يرون العالم كما يشاؤون لا على حقيقته.

فإذا اعتقدت أنّني أرى العالم على حقيقته بينما يدفن الآخرون أنفسهم تحت أكوام التّفاصيل الدّقيقة سيكون تصوّري أنّني موضوعي لأنّني أرى أنا الصّورة الأكبر. وإذا كان هذا تصوّري الذّهني فلن أستطيع أن أكون معتمداً بالتّبادل فعاّلاً ولن أستطيع أيضاً أن أكون شخصاً مستقلاً فعّالاً. وسأظل دائماً محبوساً في التّصوّرات الذّهنيّة المتعلّقة بظروفي.

أمّا الشّخص الفعّال حقّاً فهو الذي يتمتّع بالتّواضع والاحترام ليدرك حدوده الواضحة ويقدّر الموارد الغنيّة المتاحة من خلال التّفاعل مع القلوب والعقول البشريّة الأخرى. وهذا الشّخص يقدّر الفروق لأنّ تلك الفروق تضيف إلى معرفته وفهمه للواقع. وعندما ننظر إلى الواقع من خلال عدسة تجاربنا الشّخصيّة فحسب نعاني على الفور من نقص حاد في المعلومات.

وإذا لم نُقدّر الفروق بين إدراكاتنا، وإذا لم نُقدّر بعضنا البّعض ونعطي مساحة لاحتمال أن يكون كلانا صائب، وأنّ الحياة ليست مليئة دوماً بالانقسامات، وأنّ هناك البديل الثّالث - لن نتمكّن من تجاوز حدود برمجتنا.

 لذا عندما أدرك الفرق بيننا أقول "جيّد، إنّك ترى الأمر من منظور مختلف! أرجوك ساعدني لأرى ما تراه". فأنا أريد التّواصل مع شخص يختلف معي في الرّأي لأنني أقدّر هذا الاختلاف، وعندما أفعل هذا فإنّني لن أزيد وعيي فحسب، بل أقر بصدقك وأمنحك الهواء النفسي. وبذلك أكون قد رفعت قدمي عن الفرامل وأطلقت الطّاقة السّلبيّة التي استثمرتها أنت في الدّفاع عن موقفك، وبذلك أكون قد خلقت بيئة يسودها التّكاتف.

تحليل مجال القوى:

في مواقف الاعتماد بالتّبادل يكون للتّكاتف تأثير كبير فيما يتعلّق بالتّعامل مع القوى السّلبية التي تقف عثرة في سبيل النّمو والتّغيير. وقد قام أخصائي علم الاجتماع "كيرت لوين" بوضع نموذج (تحليل مجال القوى) الذي وصف من خلاله التّوازن بين القوى الدّافعة التي تشجّع الصّعود إلى الأعلى، والقوى المقيّدة التي لا تشجّع هذا الصّعود.

وعموماً تتّسم القوى الدّافعة بأنّها إيجابيّة ومعقولة وواعية واقتصاديّة، بينما القوى المقيّدة هي غالباً سلبيّة وعاطفيّة وغير واعية وتعتمد على المجتمع/النفسي. وكلتا القوّتين واقعية ولابدَّ من أخذهما في الاعتبار عند التعامل مع الغير.

فبالنسبة للأسرة على سبيل المثال، يوجد مناخ معيّن يسود منزلك (مستوى معين) من التفاعل الإيجابي أو السلبي، من الشعور بالأمان أو عدمه عند التعبير عن المشاعر أو التحدث حول الهموم، والتواصل المحترم بين أفراد العائلة أو انعدامه.

وربّما تكون لديك رغبة صادقة في تغيير هذا المستوى. وربما ترغب في خلق مناخ أكثر إيجابية وأكثر احتراماً وأكثر انفتاحاً وثقة. وأسبابك المنطقية للقيام بهذا هي القوى الدافعة التي تعمل على رفع المستوى. بيدَ أنّ زيادة هذه القوى الدافعة ليست كافية فجهودك تُقَابَل بالقوى المقيدة  - بروح المنافسة بين الأطفال في الأسرة، وبالنصوص المختلفة للحياة - بالمنزل التي جلبتها أنت وزوجتك إلى العلاقة.

ولكن عندما تستخدم التّكاتف فإنّك تستخدم دافع العادة الرّابعة ومهارة العادة الخامسة وتفاعل العادة السّادسة للعمل مباشرة على القوى المقيّدة وتخلق مناخاً يشعر فيه الجميع بالأمان للتحدث عن هذه القوى. ومن ثمّ تذيب الثلج من فوقها وتحرّرها وتضع رؤى جديدة تحولهم من قوى مقيّدة إلى قوى دافعة. وتقوم بإشراك الجميع في حل المشاكل ويشعرون بها ويصبحون جزءاً مهمّاً من الحل. ونتيجة لهذا توضع أهداف جديدة، أهداف مشتركة، ويتحرّك الكل إلى أعلى، وغالباً بطرق لا يمكن لأحد توقعها.

الطّبيعة كلّها متكاتفة:

علم البيئة هو كلمة تصف في الأساس تكاتف الطبيعة - كل شيء له علاقة بالآخر. وفي هذه العلاقة تتعاظم القوى الإبداعيّة، تماماً كما تكمن القوّة الحقيقيّة للعادات السبع في علاقتهم ببعضهم البعض وليس في العادات في حد ذاتها.

وتعتبر العلاقة بين الأجزاء هي القوّة التي تصنع ثقافة التّكاتف داخل الأسرة أو المؤسّسة. وكلّما كان الارتباط صادقاّ كانت المشاركة في حل وتحليل المشكلات صادقة، وكلّما تمكّن كل واحد من إطلاق العنان لطاقاته الإبداعية والالتزام بما صنع.

وبمقدورك أن تكون أكثر تكاتفاً من داخلك حتّى في خضم التّغيرات البيئيّة وأنت غير مضطر لقبول الإهانة، لكن يمكنك تنحية الطاقة السلبيّة جانباً، والبحث عمّا هو جيّد لدى الآخرين والاستفادة منه بغض النّظر عن اختلافه ومن ثمّ تستطيع تطوير وجهة نظرك وتوسيع مفهومك. ويمكنك ممارسة الشجاعة في مواقف الاعتماد بالتبادل لتكون منفتحاً وتعبّر عن أفكارك ومشاعرك بطريقة تشجّع الآخرين على الانفتاح أيضاّ.

ويمكنك تقدير الفروق لدى الآخرين. وعندما يختلف شخص ما معك ربّما تقول "جيّد! أنت ترى الأمر بشكل مختلف" ولا يتعيّن عليك الاتفاق معهم ولكنّك تستطيع ببساطة تصديق ما يقولون، وتسعى من أجل الفهم.

وعندما لا ترى سوى بديلين - الخاص بك و "الخاطئ" - يمكنك البحث عن بديل ثالث متكاتف،  فالبديل الثّالث موجود دوماً فإذا عملت على أساس فلسفة مكسب/مكسب وسعيت حقّاً من أجل الفهم ستجد حلّاً دائماً وسيكون أفضل ممّا يعتقده المعنيّون بالأمر.




مقالات مرتبطة