ماذا تفعل في وقت الفراغ وكيف تستفيد منه؟

في الحياة أشياء ثمينة إن ضيعها الإنسان أضاعته، ولعلَّ الوقت هو أثمنها؛ ذاك العدو الذي لا يقتله إلا كل مجتهد؛ فمنذ فجر التاريخ كثرت الحكم والأقوال حول الوقت وأهميته، فهناك من قال إنَّ الوقت كالمال كلاهما قيمته في جودته وحسن إنفاقه واستعماله، وقال آخر الوقت كالماء إن لم تشربه ابتلعك وأغرقك وأتلف حياتك.



من هنا كان لزاماً علينا استثمار الدقائق التي بين أيدينا وعدم هدرها، وما الوقت الذي نطلق عليه تجاوزاً اسم "وقت الفراغ"، إلا فرصة لكي يعيد الإنسان ترتيب أفكاره ويشحذ همَّته ويجدد نشاطه لبناء وتنمية قدراته ومهاراته ومعارفه وهواياته.

لكن للأسف حالياً بات عدم الاستغلال والاستثمار الأمثل لوقت الفراغ، واحدةً من أهم المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات المعاصرة، لا سيَّما مع التطورات السريعة التي تشهدها حالياً، في حين يجب أن ينطوي مضمون وقت الفراغ على اختيار الإنسان لنوع محدد من النشاط يفضله على غيره من النشاطات المألوفة الأخرى، ويشعر معه بالرضى والسرور والسعادة.

1. تعريف وقت الفراغ:

لقد عرَّف "ماكدويل" (mcDowell 1981) وقت الفراغ بقوله: "وقت الفراغ هو وقت غير مكرَّس لشيء أساسي؛ إنَّه وقت غير مخصص للعمل، وقت للتحرر من العمل؛ وإنَّه وقت يُخصَّص للراحة والاسترخاء".

وعرَّفه "أرسطو" فقال: "وقت الفراغ حالة وجود يمارس فيها بنو الإنسان النشاطات ذاتها".

وعرَّفته دائرة المعارف والعلوم الاجتماعية بأنَّه "الوقت الذي يتحرر فيه الفرد من المهام الملزم بأدائها بصورة مباشرة أو غير مباشرة نظير أجر معيَّن".

ويقول "ستانلي باركر" (parker) بوجود ثلاث طرائق لتحديد مفهوم وقت الفراغ:

الطريقة الأولى: تسمى طريقة البواقي، وهي عَدُّ وقت الفراغ الوقت الفائض عن العمل وواجبات الحياة الأخرى، مثل النوم والطعام والحاجات الفسيولوجية.

الطريقة الثانية: تتخذ من النشاط الذي يُمارَس أساساً لتحديد معنى وقت الفراغ، فهي لا تهتم بكم الوقت المتاح؛ بل تركز على الكيفية التي يُستثَمر وقت الفراغ بها.

أمَّا الطريقة الثالثة: فهي تجمع بين الطريقتين السابقتين؛ إذ تنظر إلى وقت الفراغ كوقت خالٍ من العمل والواجبات الأخرى، ويخصَّص لتنمية الذات وزيادة المعلومات وتحسين المهارات والقدرات، أو للاسترخاء والراحة، أو لزيادة مشاركة الفرد في المجتمع وتحسين علاقته بالمحيط.

2. خصائص وقت الفراغ:

  1. نشاط محدد اختياري يهدف إلى تخفيف ضغوط الحياة.
  2. التحرر من الواجبات الإجبارية كواجبات العمل والواجبات الدراسية.
  3. إشباع الحاجات الإنسانية كالحاجات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية.
  4. لا يحمل أيَّ أغراض أيديولوجية كالالتزامات السياسية مثلاً.

شاهد بالفديو: 18 نصيحة لاستثمار الوقت بفاعلية

3. العوامل التي تؤثر في كيفية قضاء وقت الفراغ:

  1. الجنس: إنَّ كلاً من الذكور والإناث يمارس نشاطات مختلفة، فلكلٍّ منهما أشياء يفضلها ويحبها مختلفة عن الآخر، تعكس طبيعته الفسيولوجية؛ فمثلاً قد يتجه الذكور نحو النشاطات البدنية، بينما تتجه الإناث تجاه ممارسة النشاطات التي تتم في المنزل أو مع الصديقات.
  2. العمر: إذ إنَّ لكلِّ فئة عمرية نشاطات مختلفة عن الفئة الأخرى، فما يمارسه الأطفال لا يمكن للراشد القيام به، على سبيل المثال: قد يتجه الراشدون نحو النشاطات الثقافية، بينما يتجه الأطفال لتعلُّم رياضة ما أو التركيز على تنمية هواية يحبونها كالرسم أو العزف على آلة موسيقية.
  3. المستوى العلمي: يميل الأفراد المتعلمون وأصحاب الشهادات العلمية مثلاً إلى اختيار نشاطات مثل القراءة والمطالعة، بينما يختار الآخرون ممَّن مستواهم التعليمي أقل نشاطات مختلفة.
  4. المستوى الاقتصادي: يؤدي دخل الفرد وحالته المادية دوراً رئيساً في اختيار النشاط.
  5. ميول الأفراد واتجاهاتهم: إذ إنَّ كلَّ فرد يريد تعلُّم ما يجذبه.
  6. خصائص المجتمع: إنَّ طبيعة المجتمع وثقافته والعادات والتقاليد السائدة تحدد إلى درجة كبيرة نوع النشاطات التي يمارسها أفراده.

4. أنواع النشاطات التي يمكن ممارستها في وقت الفراغ:

  1. نشاطات اجتماعية: تعمل النشاطات الاجتماعية على تنمية الفرد نفسياً وعقلياً وكذلك اجتماعياً، كالاحتفالات والألعاب الاجتماعية وألعاب التنافس.
  2. نشاطات ثقافية: هناك مجموعة متنوعة من النشاطات الثقافية التي يمكن ممارستها بأساليب متعددة، كالقراءة والكتابة والندوات والمحاضرات والمناظرات.
  3. نشاطات رياضية: هذا النوع من النشاطات يحقق الفائدة والمتعة في آن واحد، مثل الملاكمة، وألعاب القوى، وكرة القدم، وكرة السلة، والسباحة، وغيرها من الألعاب الرياضية.
  4. النشاطات السياحية: تتمثل بزيارة الأماكن التاريخية والأثرية.
  5. نشاطات تتعلق بالطبيعة: كالرحلات والتنزُّه.
إقرأ أيضاً: كيف تنظم وقت الفراغ للحصول على أكبر استفادة منه؟

5. أهمية ممارسة النشاطات في أوقات الفراغ:

  1. تكشف ممارسة النشاطات في وقت الفراغ عن سلوك سوي للفرد واستقرار نفسي، بالإضافة إلى الرضا عن الذات، كما تقوده إلى التكيف مع المحيط الاجتماعي.
  2. تمنح الفرد فرصاً للتحدي والطموح.
  3. تعطي الفرد فرصة لممارسة الأشياء التي يحبها بعيداً عن ضغوط العمل.
  4. تؤدي إلى إشباع الحاجات الجسمية عند الفرد، كممارسة الرياضة.
  5. تعمل على اكتشاف المواهب الدفينة وجواهر العقل الإنساني.
  6. تُحسِّن علاقات الأفراد مع المحيط الاجتماعي.
  7. قد تكون هذه النشاطات بمنزلة مورد استثماري يعود بالنفع المادي لأصحابها.
  8. تكون عاملاً مساعداً في رسم أو تطوير مهنة المستقبل.

6. كيف تستثمر وقت الفراغ؟

  1. بدايةً نظِّم ذاتك؛ فمن المعروف أنَّ السلوك الإنساني هو نتيجة للتفاعل بين العمليات أو القوى الداخلية، وبين مؤثرات البيئة المحيطة بالفرد، فتنظيم الذات يعني أنَّه عليك تحديد أفكارك لتعمل على تحقيق أهدافك؛ لذا عليك وضع أهداف واضحة تتسم بالواقعية وإمكانية التحقق، ثم اختر استراتيجيات الأداء، واعمل على تقييم عملك بالإضافة إلى تحديد الوقت اللازم لإنجاز كل هدف.
  2. ابدأ بالأمور السهلة، كالترتيب مثلاً (رتب غرفتك، وملابسك، والمجلدات في حاسوبك، والكتب في مكتبتك)؛ فعند حاجتك إلى استعمال أيٍّ منها ستجد بيئة عمل مناسبة.
  3. أعد إصلاح علاقاتك مع المحيط، ومع أسرتك وأصدقائك وحتى معارفك البعيدين، وبالإضافة إلى تحقيقك صلة الرحم التي أوصى بها الله عز وجل، ربما يعطيك أحدهم فكرة تُحسِّن من حياتك عندما تتبنَّاها وتعمل على إنجاحها.
  4. واظب على القراءة، فالقراءة تُعَدُّ وسيلة المعرفة؛ لأنَّك تتعلم من خلالها كل جديد وممتع؛ لذا فلتبدأ القراءة بهدف المتعة، ولتكن قصصاً سهلة، ثم مع الاستمرار فيها سوف تمرِّن دماغك على التعلم وتقبُّل الجديد، وتنتقل إلى مستويات متطورة من القراءة واختيارك للكتب التي تقرأ؛ إذ إنَّك هنا تستفيد من وقتك إضافة إلى حماية نفسك من الأمراض العصبية والدماغية مثل الزهايمر.
  5. تعلَّم مهارة جديدة؛ اكتشف نفسك واعرف ما تحب، فربما كنت تحب الموسيقى أو الرسم أو الكتابة أو غيرها من المواهب، وحتى إن لم تتوافق الموهبة مع القدرة فلا تخف؛ لأنَّ الإنسان مع الإصرار قادر على تعلُّم ما يحب.
  6. طوِّر نفسك في مجال عملك، وسواءً أكنت مهندساً أم طبيباً أم معلماً أم كنت تعمل في إحدى المهن كالنجارة أم كنت طالباً، عليك أن تتطور في اختصاصك، فنحن نعيش اليوم في عالم مليء بالتغيرات المتسارعة، والتي يجب أن نواكبها لنلحق بركب الدول المتقدمة؛ فالعالم اليوم بين يديك، ويمكنك أن تتعلم ما تريد بالطريقة التي تريد.
  7. تعلَّم لغة جديدة؛ إذ إنَّ القدرة على التواصل بلغات مختلفة أو التحدث بأكثر من لغة هي مفتاح النجاح في حياتك، وهناك الكثير من البرامج والتطبيقات التي تساعدك في ذلك؛ فعليك اختيار اللغة ثم البحث عبر الإنترنت وانتقاء أحد المناهج المتاحة عبر الشبكة، كما يمكن اختيار الكتب وقراءة المجلات والصحف الإلكترونية باللغة التي تريد، وهذا سيساهم في تحقيقك نتيجة أفضل وأسرع.
  8. احصل على معرفة جديدة من خلال الالتحاق بإحدى الدورات التعليمية، أو يمكنك التسجيل في إحدى الدورات التي تتم عبر الإنترنت إذا كنت ترغب في البقاء في المنزل.
  9. تعلَّم مهنة جديدة وثابر على إتقانها، فربما تعود عليك بفائدة عظيمة.
  10. شارك في النشاطات التي تحدث في المجتمع، وانضم إلى فِرق العمل في الجمعيات الخيرية؛ فإنَّ شعورك بمساعدة غيرك وأنَّك عنصر فعَّال في المجتمع، سيُكسبك الثقة بالنفس ويحثك على التطور الدائم.
  11. ادعُ الله؛ فالإنسان يجب عليه أن يتوكل على الله في كل أمر، لكن بسبب ضغط الحياة ومشاغلها قد ننسى الدعاء والاستغفار؛ لذا ليكن وقت الفراغ فرصة لتقوية صلاتنا بالله عز وجل.
إقرأ أيضاً: كيف تمضي وقت فراغك بما هو نافع

7. كيف يمكنك تحقيق وقت فراغ أكبر؟

  1. استعمل الأوقات الضائعة مثل أوقات الانتظار في المواصلات.
  2. اتبع قاعدة 20/80؛ فالقيام بـ 20% من النشاطات يحقق 80% من الأهداف؛ وبمعنى آخر، قد تستغرق في إنجاز مهمة ما شهراً بينما هي تحتاج إلى أسبوع واحد.
  3. أزِل المهام غير الضرورية والتي لا ينجم عنها أيَّة فائدة.

8. نصائح عامة لاستغلال وقت الفراغ:

  1. كن إيجابياً وتفاءل واستمتع بما تقوم به.
  2. راجع عاداتك القديمة وتخلَّ عن كل ما ليس ينفعك.
  3. خطط ليومك بشكل مسبق، ورتِّب أولوياتك لكيلا تقع في متاهة (التسويف)؛ أي ترك المهمة ذات الأولوية العالية وإنجاز المهمة ذات الأولوية المنخفضة.
  4. لا تُشتِّت ذهنك بأكثر من عمل؛ بل قم بإنهاء مهمة تلو الأخرى وتأكد من تحققها.
  5. قلِّل من مقاطعة الآخرين لك عند قيامك بمهامك.
  6. اقرأ خطتك وأهدافك عند كل فرصة تسمح لك.
  7. لا تنسَ تقييم أعمالك وما حقَّقَته لك بشكل دوري.

في الختام:

نخلص إلى القول بأنَّ الوقت يمثل ماضي الإنسان وحاضره وكذلك مستقبله، فحياة الإنسان لا تُقاس بوقت عمله فحسب؛ بل بوقت فراغه أيضاً؛ لذا اجعل من وقت فراغك عاملاً ينعكس إيجاباً على جميع مجالات حياتك، ويسير بك نحو الإبداع، ثم اجعل من الحكمة التالية محفزاً لك للوصول إلى النجاح، لا تقل ليس لديَّ ما يكفي من الوقت؛ إذ إنَّ لديك عدد الساعات نفسها في اليوم الواحد التي أُعطِيَت لـ "ألبرت أينشتاين" و"مايكل أنجلو" و"ليوناردو دافنشي".

المصادر:

  1. ابتسام بنت سعيد عبد الله ناجي العامودي، إدارة أوقات الفراغ الأبناء في الأسرة السعودية في مدينة جدة.
  2. بن مولود كريمة الشرقي كلثوم، سوء استغلال وقت الفراغ وعلاقته بإدمان الإنترنت لدى الطلبة الجامعيين، جامعة أحمد دراية أدرار، الجزائر.
  3. حيدر طارق كاظم، استثمار أوقات الفراغ لدى طلبة الجامعة، كلية التربية، جامعة بابل.
  4. عبد الله بن ناصر بن عبد الله السدحان، الترويح دوافعه وضوابطه وتطبيقاته في العصر النبوي.
  5. فتحي بوخاري، أوقات الفراغ في المجتمع.. رؤية فلسفية، جامعة الوادي، الجزائر.



مقالات مرتبطة