ما هو العلاج بالفن؟
إنَّ العلاج بالفنّ هو طريقةٌ علميّةٌ تعتمد في العلاج على استخدام تقنياتٍ إبداعيّةٍ مثل الرّسم والتلوين واستخدام الرموز والأشكال الفنيّة لمساعدة المريض على التعبير فنيّاً عن ذاته، ومنحه القدرة على فهم نفسه وشخصيّته بشكلٍ أعمق، وبذلك فإنَّ العلاج بالفنّ قد يعني طريقةً للعلاج من خلال العمليّة الإبداعيّة نفسها، أو من خلال استخدام الأعمال الفنيّة التي يُنتجها المريض للتحليل النفسي.
يعود مصطلح العلاج بالفن إلى عام 1942م والذي أُطلق لأوّل مرّةٍ من قِبَل الفنان البريطاني "أدريان هيل"، الذي وَجَدَ عزاءً كبيراً في ممارسة الرسم والتصوير خلال فترة تعافيه من مرض السلّ، ووجد أنّ لهذا الأمر قيمةً علاجيّةً حقيقيّةً من مُنطلق أنّ فعل الرسم يقوم بإشغالٍ كاملٍ للعقل والجسد، فأصابعنا تتحرّك، فيما يركّز عقلنا على إنتاج شيءٍ محدّد، وبالتالي يفيدنا ذلك ويساعدنا في إطلاق الطاقة. وقد قام هيل بإقناع زملاءه المرضى بممارسة الفنّ خلال فترة تعافيهم، ونتج عن تلك الفترة تأليفه لكتاب "الفن ضد المرض" الصادر عام 1945، حيث يُعَد العلاج بالفن مفهوماً حديثاً نسبيّاً.
ولا يقتصر هذا العلاج على فئةٍ عمريّةٍ محدّدة، حيث يُمكِن للعلاج بالفن أن يُساعد الأطفال والمراهقين والبالغين على تخفيف القلق والتوتُّر وأعراض الاكتئاب، بالإضافة لمساعدتهم على استكشاف عواطفهم، ورفع احترام الذات لديهم.
ويُعتَمَد العلاج بالفنّ في وقتنا هذا في مختلف أنحاء العالم وعلى نطاقٍ واسع في مختلف المستشفيات والعيادات النفسيّة، وقد يكون العلاج بالفنّ بشكلٍ فرديٍّ أو من خلال أزواجٍ أو مجموعات.
وبحسب موقع «Good Therapy» فإنَّ العلاج بالفن يُساعد في التعافي من بعض الاضطرابات النفسيّة أو الأمراض العضويّة، ومنها:
- اضطرابات القلق.
- الاكتئاب.
- الإدمان.
- الضغط العصبي.
- اضطراب ما بعد الصدمة.
- اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
- السرطان.
- أمراض القلب.
- مشاكل الشيخوخة.
- فقدان الشهيّة.
- الشره المرضي للطعام.
- ضعف الإدراك.
- مشاكل العلاقات والمشاكل العائلية.
أمّا عن الأنشطة التي يتناولها العلاج بالرسم فهي:
- الرسم بالفرشاة.
- الرسم بقلم الرصاص أو القلم الجاف.
- الرسم باستخدام الأصابع.
- الرسم العابث بطريقة لا مبالية.
- الرسم بالشخبطة.
- النحت.
- التشكيل بالطين.
- الحفر والنقش.
- صنع الفخار.
- صنع البطاقات.
- استخدام المنسوجات في العمل الفني.
العلاج بالرسم يخفّف أعراض الاكتئاب:
تمَّ التوصُّل من خلال دراسة شملت 43 مريضاً يعانون من "الاكتئاب الشديد" أو "المعتدل"، وتمَّ إخضاعهم لجلسات علاجٍ بالفن، إلى أنَّ العلاج بالفن له دورٌ هامٌّ في علاج الاكتئاب الشديد وغيره من الأمراض النفسيّة. وقد تضمّنت هذه الجلسات تمرينات تمّ وضعها من قبل الباحثة المتخصّصة في مجال العلاج بالفن في معهد الصحّة وعلوم الرعاية في أكاديمية ساهلجرينسكا السويديّة "كريستينا بلومدال"، كما تمَّ استخدام الطباشير الملوّن، والألوان المائيّة، لممارسة الرسم من قِبَل المرضى المُشاركين في الدراسة وذلك وفقاً لجدول مُعَدّ سلفاً.
واشتملت الدراسة على تقييم 8 عوامل علاجيّة رئيسيّة، وهي الاستكشاف الذاتي، والتعبير عن الذات، والقدرة على التواصل مع الآخرين، وتفسير ما يقوله الآخرون، والتكامل، والتفكير الرمزي، والإبداع، والتحفيز الحسّي. وقد لاحظ الباحثون بعد إجراء عشر جلسات من العلاج مدّة كلّ جلسة منها ساعة تقريباً، حدوث تحسُّنٍ كبيرٍ في حالة المرضى، بالإضافة إلى تغييراتٍ كبيرةٍ شملت حياتهم اليوميّة بما فيها قدرتهم على العودة إلى العمل.
وقد تمّ العلاج بشكلٍ فرديٍّ وبإشراف معالجين متخصّصين في هذا المجال. فتبدأ الجلسة بكلمةٍ قصيرةٍ يتحدّث فيها المريض عن نفسه، ثمّ يُمارس تمرينات الاسترخاء، قبل أن يخضع لجلسات العلاج بالرسم. ويُشير الباحثون إلى إنَّ الصورة التي رسمها المريض تُعتبر بمثابة مرآةٍ تسمح له برؤية نفسه بشكلٍ أوضح والتعرُّف على جوانب شخصيّته، بالإضافة إلى أنَّ مناقشة هذا الرسم مع المُعالجين ساعد المريض على تعزيز التفكير الذاتي، وتحفيز الدماغ على إدراك ما يحدث خارج العقل الواعي.
العلاج بالرسم يخفّف التوتّر ويحسّن المزاج:
حيث يُفيد الرسم في تخفيف التوتُّر وإبعاده بشكلٍ كبير، والشعور بالاسترخاء من خلال إخراج مشاعر التوتُّر التي بداخل الشخص على شكل صورٍ أو رسومات على الورق، ممَّا يجعله في حالةٍ من الهدوء النفسيّ ويفرّغ بالتالي الطاقة السلبيّة التي بداخله ويحوّلها إلى طاقةٍ إيجابيّة.
كما يُساعد الرسم على تخفيف ضغوط الحياة اليوميّة، ويبعث على الشعور بالراحة والسعادة ويحسّن الحالة المزاجيّة للشخص. وقد توصّلت إحدى الدراسات الفرنسيّة إلى أنَّ الرسم يبعث على الإحساس بالبهجة والسعادة ممّا يُحسّن الحالة النفسيّة للشخص، ويعود ذلك إلى كون العلاج بالرسم يُساعد على التنفيس الانفعالي ومن ثمَّ إعادة التوجيه. فالرسم مثلاً بالفرشاة مستخدماً الألوان الهادئة يُفيد عند الشعور بالغضب لأنّه يُساعد على تهدئة النفس، وفي المقابل فإنّ الرسم بالألوان الصاخبة يُساعد على تعزيز الحالة المزاجيّة والشعور بالمرح والسعادة. وبذلك فإنَّ الرسم قد يؤثّر بطريقةٍ غير مباشرة على الحالة النفسيّة والمزاج بكلّ تأثيراته الإيجابيّة والسلبيّة.
الرسم يساعد على التفكير بوضوح ويُعزّز قدرة الذاكرة:
إنَّ للرسم قدرةً رائعةً على إبعادنا عن مشاغل وضغوط الحياة اليوميّة ومنحنا الراحة والصفاء العقلي والقدرة على التأمّل، وبالتالي يعزّز من قدرتنا على التركيز بشكلٍ أكبر والتفكير بشكلٍ أوضح وأفضل وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل مهما كانت معقّدة.
كما يُسهم الرسم في تجديد الخلايا الدماغيّة والحدّ من الشعور بالتوتُّر وإراحة الأعصاب، وتؤدّي هذه العوامل المهدّئة بالتالي إلى تحسين المزاج وتقوية الذاكرة بنسبة حوالي 20 في المئة والحماية من خطر الاصابة بالخَرَف عند التقدُّم في السن. وقد وجدت الدراسات العلميّة أنَّ الرسم يُساعد على التخلُّص من التعب والإجهاد وبالتالي زيادة القدرة على التركيز والتفكير بشكلٍ أفضل ممّا يزيد من الإنتاجية أيضاً.
الرسم علاج فعّال للقلق:
تُشير الإحصائيات العالميّة إلى أنَّ واحداً من كلّ ثلاثة عشر شخصاً مُصابٌ بقلقٍ مَرَضيّ، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائياتٍ محدّدة للمصابين بالقلق في العالم العربي، إلّا أنَّ هناك دراسةٌ حديثةٌ أشارت إلى أنَّ الاكتئاب ويليه القلق، يتصدّران الأمراض النفسيّة في العالم العربي.
ويُعتَبَر القلق من أخطر الأمراض التي انتشرت في العصر الحديث، والتي قد تؤثّر على علاقة الشخص بالآخرين، بل قد تدفعه إلى الانطوائيّة وعدم الرغبة في مغادرة المنزل. وفي هذا الشأن فقد أثبتت العديد من الدراسات الأمريكيّة أنَّ العلاج بالرسم قد يُساهم في الوصول إلى الجذور الأساسيّة للقلق الذي يُصيب المرضى من هذا النوع والتعامُل مع هذه المشكلة بالتالي وعلاجها. وذلك من خلال مناقشة الأعمال الفنيّة ومُشاهدة الرسوم والسيرة الذاتيّة. ويُفيد العلاج بالرسم أيضاً باستخدام آليّات علاجيّة لاكتشاف الذات في علاج مُضاعفات القلق المُختلفة.
الرسم يساعد في التغلّب على نوبات الهلع والذعر:
يُفيد العلاج بالرسم في التغلُّب على نوبات الهلع أو الذعر أو الخوف التي قد تُصيب بعض الأشخاص بمجرّد التفكير في حدوث المشاكل والأزمات والمواقف التي تعرّضوا لها سابقاً سواءً في الواقع أو الخيال. ويكون العلاج من خلال قيام المعالج بتوجيه المريض إلى استخدام الفرشاة أو الأقلام لرسم الأشياء التي تبعث في نفسه الشعور بالراحة كلّما أصابته نوبة الهلع أو الذعر، كرسم شخصٍ يحبّه مثلاً، أو رسم مكانٍ ما يعجبه أو يحبّه وغير ذلك من الأمور التي تُشعره بالراحة، ويعتمد المعالج فيما بعد على هذه اللوحات والرسوم من خلال تفسيرها في علاجه للمريض وإعادة زرع الثقة لديه والطمأنينة إلى حياته بعد أن دمّرها الخوف غير المُبرَّر أو الخوف من المجهول أو من تكرار مواقف قديمة مرّت به.
هل يمكن استخدام الرسم في علاج المشاكل الأسرية؟
كنّا قد تحدثّنا فيما سبق عن كون الرسم وسيلةً فعّالةً ومفيدةً في التخفيف من آلامنا النفسيّة، ولكن هل يُمكن للرسم أن يُسهم في علاج المشاكل الأسريّة؟
في الحقيقة، نعم. فقد استُخدِمَ الرسم من قِبَل العديد من علماء النفس خلال القرن العشرين كوسيلةٍ للعلاج النفسيّ وأحياناً لمّ شمل الأسرة. واليوم أصبح العلاج بالفن هو النهج الأكثر فعاليّة في علاج العديد من القضايا المتعلّقة بالأسرة.
فالرسم يُعتَبَر إحدى وسائل التواصُل والتعبير دون الحاجة إلى كلمات، والتي تمكّن أفراد الأسرة من مُعالجة وتجاوز الأمور الأكثر تعقيداً أو الصدمات المدمّرة، وتحقيق نتائج إيجابيّة كبيرة.
ووفقاً لمقالٍ بحثيٍّ تمّ نشره عن مؤسسة "برنامج علم النفس الإيجابي" (Positive Psychology Program) في هولندا، للدكتورة النفسيّة "تايلور ليسور"، فإنَّ هناك مجموعةً من الأنشطة الأُسريّة للتعامُل مع الغضب والحزن والعلاقات المُفكّكة خاصّةً بين الأطفال والمراهقين.
وفي مقدّمة تلك الأنشطة اجتماع الأُسرة في جلسة عائليّة يقوم فيها كلّ فردٍ برسم بقيّة أفراد الأُسرة على ورقة، وبالتالي ستعكس هذه الرسومات الصورة التي يرى فيها كلّ فردٍ الآخرين. حيث تقوم الألوان بعكس مشاعر كلّ فرد. فتُعبّر الألوان العاتمة عن المشاعر السلبيّة، والألوان المُبهِجَة عن المشاعر الإيجابيّة.
وبذلك يُمكن استخدام الفنّ لتعزيز العلاقات الإنسانيّة الأُسرية. حيث أنّها تُمكّن الأفراد من التعبير عن الذات من خلال التجارب البصريّة الملموسة التي تحقّق مردوداً نفسيّاً هائلاً لأطراف جلسة العلاج، لأنّها تحفّز الشعور بالانتماء.
وتُعتَبَر المشاركة الجماعيّة أمراً هامّاً جدّاً في العمل الفنيّ، كون عمليّة المُشاركة الجماعيّة نفسها تُصبِح فيما بعد هي طريقة الأُسرة في حلّ المشكلات وتناولها من جميع الجوانب.
المصادر:
أضف تعليقاً