ماذا أريد أن أصبح عندما أكبر؟

كنت أرغب في أن أصبحَ طبيبة بيطرية عندما كنت في السابعة من عمري، وكانت هذه المهنة الأولى التي تخيلتها لنفسي، حيث أثارت الحيواناتُ الدهشةَ في عقلي الصغير النامي، وأردت أن أعرف كل شيء عنها، وكنت أسأل الكثير من الأسئلة مثل: إذا كان البطريق طائراً، فلماذا لا يطير؟ وإذا علَّمتَ كلباً معنى كلمة "اجلس" بالإنجليزية والفرنسية، فهل يجعله هذا يعرف اللغتين؟ وإذا زحفت الحرباء على مرآة حمامك بينما تنظف أسنانك، فهل سيتغير لون حراشفها ليصبح مثل لون الفرشاة؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن تجربة الكاتبة كاثرين داونز (Catherine Downes) والذي تتحدث فيه عن تجربتها الشخصية حول ما تريد أن تصبح عليه عندما تكبر.

كان عليَّ أن أُمضِي أيامي في العمل لكسب ما يكفي من المال لشراء منزل بنوافذ ذات مصراعين، وكان عليَّ بذل قصارى جهدي من أجل ذلك، وكان عليَّ أيضاً أن أمضيها في فعل شيء أحبه، وأنا أحب أن أكون مع الحيوانات وأن أتعرَّف إليها، وهذا كل ما كان عليه الأمر؛ فقد حددت مسار حياتي المهنية في سن السابعة، وكنت أعرف ما أريده، ولا شيء كان يمكن أن يحول بيني وبين وظيفة أحلامي، لا شيء إطلاقاً.

ما لم يدركه دماغي الصَّغير في ذلك الوقت هو أنَّه كي أصبح طبيبة بيطرية، فعليَّ أن أذهب إلى الجامعة لمدة تترواح من سبع إلى تسع سنوات؛ كما أنَّه لم يكن يدرك أنَّ إنقاذ الحيوانات يستلزم التعاملَ مع الدِّماء، ويتطلب أحياناً إجراء جِراحاتٍ على الأحشاء؛ وأنا لا أستسيغ منظر الدَّم، كما لا أطيق رؤية الأحشاء خصوصاً؛ لذا فقد كان من شأن هذا أن يُشكِّل مشكلةً كبيرةً بالنسبة إليَّ؛ كما أنَّني لم أفهم تماماً حقيقةَ أنَّ الحيوانات التي تُعالَج أحياناً لا تتحسَّن، وأنَّها كائناتٍ حيَّةً ستنتهي حياتها يوماً ما.

ومع مُضي كل عام، كانت اهتماماتي تتغيَّر وتتوسَّع؛ إذ بتُّ أفهم هذه العوامل، وصرت أتخيَّل وظائف أحلام أُخرى، كأن أُصبِحَ مهندسةً معماريّةً ثم منتجةً في تلفزيون الواقع ثم طيَّارة؛ لكنَّها سرعان ما كانت تتلاشى واحدةً تلو الأخرى.

لقد كانت السنوات العشر اللَّاحقة لسنة التخرِّج من الجامعة مليئةً بالأحداث؛ فقد كانت مليئةً بالنُّمو على المستوى الشَّخصي، ومستوى فرص التَّعلُّم، والإخفاقات والإنجازات، والشَّكِّ الذَّاتي المدمِّر، واللحظات المؤلمة التي تظهر من وقت إلى آخر؛ وتجعلني أرغب في أن أنفجر إلى تريليون جُسيم يذوبون في الغلاف الجوِّي، والأهمُّ من ذلك اكتشاف ما أنا مؤهلةٌ للقيام به وما لست كذلك.

لذا بدأت ألحظ ما أنا قادرة على القيام به، وما لا طاقة لي بفعله؛ فأنا لا أستطيع طيَّ قميصٍ بنصف كُمٍّ بطريقة صحيحة، لكنَّني أستطيع أن أُلبِس عارضة أزياء بصورة لافتة؛ ولا أستطيع إرسال فاكس، لكن يمكنني الرَّد وتوجيه جميع مكالمات مكتب الاستقبال الخاص بالجريدة؛ إذ يكاد عدد الغرباء الذين يتَّصلون بالصحف لا يُحصَى، وبإمكاني إجراءُ محادثةٍ قصيرة مع شخص غريب الأطوار.

كما  يمكنني رصف الكلمات بعضها مع بعض لأصنع منها جُمَلاً متماسكةً، لكنَّ قُدرتي هذه مرهونة بحالتي المزاجية؛ كما يمكنني تصوير الطَّعام والأطفال والمباني، ولكنَّني لا أستطيع أن أزيِّف صورَ أطفالٍ "عمالقةٍ" يتناولون الطَّعام في أعلى المباني؛ ويمكنني أيضاً القيام بعمل جيِّد مع أشخاصٍ صادقين ولطيفين، كما يمكنني أن أتَّفق جيداً مع الأشخاص الأكثر مهارة مني، لكنَّني لا أستطيع أن أتَّفق كثيراً مع الأشخاص الذين يفتقرون إلى النزاهة.

إقرأ أيضاً: كيف تستَمّر في التَّعلّم مدى الحياة؟

اضطلعت بأدوار مختلفةٍ بينما كنت أشقُّ طريقي عبر السنين، وبدأت التضاريس المجهولة التي كنت أتجول فيها تتحول إلى شيء واضح المعالم، ثم وجدت وظيفة أحلامي في يوم ما، أو ربما هي من وجدتني؛ فقد لاحت لي كوميضٍ ساطعٍ أبهرني وجذبني دونما تردد.

هكذا عرفت أخيراً ما أريد القيام به في حياتي؛ وقد حدث هذا بصورةٍ لافتةٍ كما لو كان مقطوعةً لجُوقة موسيقيّةٍ تسير في حيٍّ شعبي، ولم يكن يوجد هذه المرة شيء يمكنه الوقوف في طريقي أبداً، فقد قررت أن أصبح محررةً في مجلَّة.

حسناً لقد ولَّى عصر المجلَّات الذهبي منذ عقود، كما أنَّي لن أكسب ثروةً من هذا العمل، إضافة إلى التذمُّر المستمرِّ في دماغك الذي يذكِّرُك بأنَّك اخترت مهنةً يمكن الاستغناء عنك فيها في أي وقت دون أخذ أدائك بعين الاعتبار؛ إذ إنَّ الصَّحافة المطبوعة في طور الموت، فهي تطير كطائرةٍ قد تخلَّى عنها طيَّاروها، إلَّا أنَّني أثق أنَّ الصحافةَ المطبوعة ستبقى حيَّة حياةَ الإنسان.

إنَّ المجلَّات هامُّةٌ، ويروي الجيِّد منها قصصاً ترفيهيةً وتعليميةً، إضافةً إلى القصص المرئية التي تجعلك تضحك وتفكِّر؛ أمَّا المجلات العظيمة، فهي ما يُشعِرك بالشَّغف لمعرفة المزيد منه، فأنت تقرأ هذا المقال الآن، وهذا دليل يؤكِّد أنَّ المجلات لا تزال محلَّ تقدير؛ ورغم أنَّ هذه القصة لا تقدِّم حلولاً لمشكلاتك، إلَّا أنَّك تتابع قراءة الصَّفحات، وقد تجد شيئاً يناسب ذوقَك.

بعد أن اكتشفتُ ما هي مهنة أحلامي، اتخذتُ الخطوة المنطقيَّة التالية: لقد فعلتها؛ وتقدمت إلى منصب في مجلة طيران شهيرة؛ وبعد سلسلة من المقابلات واختبارات التحرير ومزيد من المقابلات والأيَّام التي أمضيتها وأنا أشعر بأنَّي على وشك الإغماء بسبب حالة الترقُّب، حصلت على الوظيفة.

إذا كان أيٌّ منكم قد حصل على وظيفة أحلامه، فهو يعرف كيف أشعر، إنَّه شعورٌ جيِّدٌ للغاية. نعم، قد توجد أمورٌ أكثرُ إرضاءً في الحياة، لكن ليس هذا هو المكان المناسب لمناقشتها.

اكتشفت في النِّهاية ما أريد القيام به، وقمت به بالفعل، واستمر هذا طيلةَ ستَّة أشهر ممتازةٍ حتى انهار الاقتصاد؛ فقد سُرِّحت من عملي بعد دردشةٍ مرئيةٍ سريعةٍ، ولم يكن ذلك مؤلماً جداً، وحدث هذا بعد شهرٍ من تفشِّي وباء كورونا، إذ كنتُ أعمل من المنزل منذ أسبوعين؛ لكن توقفَت جميع الرحلات الجوية، ولم يكن الناس بحاجة إلى مجلة ليقرؤوها على متن الطائرة في ذلك الوقت.

لم أتمكَّن من مراسلة أصدقائي المقربين لأطلبَ منهم مقابلتي في المقهى لمواساتي، فقد كان الجميع يحتمون في بيوتهم؛ لهذا فعلت الشيء الأفضل على القائمة، وهو مشاهدة الكثير من قصص "الملك النَّمِر" (Tiger King) على شبكة نيتفليكس، والنَّوم.

استيقظت في صباح اليوم التالي، وتناولت رقائق البطاطس والجبن على الإفطار، وكان كلبي يدور حول كاحلي؛ كأسماك القرش الجائعة في انتظار أن تنسلَّ قطعةُ جُبنٍ من بين أصابعي، وكنت قد دفنت أحزاني في رقائق التورتيلا والجُبن المسخَّن في الميكروويف لبضعة أيام ثم تجاوزتها تماماً.

إقرأ أيضاً: كيف تحقق أحلامك؟ 4 نصائح عملية

لم أتألم بالقدر الذي كنت أتخيله؛ بسبب فقد الشيء الوحيد الذي لطالما سعيت إلى تحقيقه طيلة الجزء الذي أذكره من حياتي؛ ربَّما لأنَّ العالمَ كلَّه كان في خِضمِّ جائحةٍ عالميَّة، وكان الجميع يفقدون أعمالهم وأحبَّاءَهم وحيواتهم؛ لكنِّي مع ذلك كنت بصحة جيِّدة، وأملك مكاناً لأعيشَ فيه؛ لذلك سأكون بخير رَغم ما حصل.

مرت الأسابيع واحداً تلو الآخر، وأرسل الأصدقاءُ رسائلَ نصيِّةً واتَّصلوا ليتذمَّروا بشأن الإجازات وتخفيضات الرَّواتب وفقدان الوظائف، ولم يكن هنالك وظائفُ إعلاميَّةٌ شاغرةٌ، وكنتُ دائماً أعتقد أنَّني إذا فشلت في أن أصبح مُحرِّرةً، فأودُّ أن أكون نادلةً في مقهى؛ ذلك لأنَّ النوادلَ من أكثر الناس جمالاً، كما أنَّ كثيرين منهم يتحدَّثون بطريقةٍ آسرة، وسيكونون زملاءَ عملٍ ممتازين، وقد شعرتُ بأنَّني -وبطريقةٍ ما- كنت أمتلك بعض الخبرة لأنَّني كتبت عن الكوكتيلات والعصائر بطريقةٍ محترفةٍ لأكثرَ من عقدين من الزمن.

وكما ذكرتُ سابقاً، لقد أتقنت فنَّ إجراء محادثةٍ قصيرةٍ مع غريبي الأطوار منذ سنوات، لكن لا شكَّ في أنَّه كان يجب أن أطوِّرَ مهاراتي في تولي مهماتٍ متعددةٍ لإيجاد عمل؛ لكنَّ كلَ المطاعم كانت مغلقةً، وأصبح جميع النوادل الذين أعرفهم عاطلين عن العمل أيضاً.

شاهد بالفديو: 8 أشياء يجب أن تقوم بها حتى تعيش شغف الحياة

كانت المنشورات على إنستغرام (Instagram) والتغريدات على تويتر (Twitter)  تذكِّرُني بأنَّ المنزل الخلفيَّ الصغير؛ الذي أعيش فيه لم يكن مجهزاً بفرن، وكان يبدو أنَّ البلد بأكمله يصنع خُبزَ الموز والأطباقَ اللذيذةَ الأخرى، ولكنَّني لم أستطع إعداد الخبز بِعَدِّه وسيلةً لتخفيف التَّوتُّر؛ لذلك بدأت بالجري وركضت لمسافاتٍ طويلةٍ عبر الأحياء المُشجَّرة، وركضت لساعاتٍ لمجرد أنَّه شيءٌ يمكنني فعله، وقد حدث خلال إحدى جولات الرَّكض هذه وفي مكانٍ ما بين الانهيار العصبي وارتفاع مستوى الأندروفين، أن اتَّصلَت أمِّي وقدَّمَت عرضاً وقالت إنَّها تودُّ أن آتي للإقامة معها ومع والدي لفترةٍ في منزلهما، فوافقت بلا تردُّد.

حزمت أمتعتي في صناديقَ وأرسلتها إلى وجهتي بواسطة شركة نقل، ثم وضعت الكِلاب في حاملات الكِلاب خاصَّتِهم، واتَّجهنا غرباً.

لم أترعرع في المنزل الذي يعيش فيه والداي، ولم أكن عائدةً إلى ملاذ طفولةٍ مألوفٍ حيث ترحِّبُ بي غرفةُ نومٍ مليئةٌ بالألعاب والصُّور التي تخلِّد ذكريات الطفولة في هذا البيت؛ فقد كانت غرفتي هي غرفة الضُّيوف، وهي غرفةٌ جيدةُ التَّهوية، وفيها إحدى أكثر مِخَدَّاتِ النَّوم التي حصلتُ عليها راحةً، وكان من دواعي سروري أن أنامَ عليها بتكاسلٍ؛ وفي الواقع، كان هذا هو المكان الذي كتبت فيه الجزء الأعظم من هذه القصة.

للانتقال للعيش مع والدَيك -وأنت شخص بالغٌ- تحدِّياته؛ حيث يشبه الأمرُ أن يعيش مجموعةٌ من زملاء السكن البالغين معاً، ويحاولوا عيشَ حياتهم اليومية دون أن يتسبَّب أيٌّ منهم بإزعاج الآخرين، فتبدأ بتقدير الحريِّات الصغيرة التي كنت تنعم بها في أثناء العيش بمفردك.

وبعد ذلك كان لدينا مسألةُ اندماج الكلاب، فلدى والديَّ كلبان جميلان جداً، وكانت كلبتي غيرَ منضبطةٍ نوعاً ما، وتبدي عجرفةً وغالباً ما تتجاوز حدودها؛ لهذا يجب أن يبقى شخصٌ حارسٌ في الخدمة؛ ليقف فوق صحنها في كل مرة تأكل فيها.

وبالحديث عن الطعام؛ فقد تبيَّن أنَّ لدينا عاداتِ طبخٍ مختلفةٌ أنا ووالديَّ، وأصبح البصل المقليُّ موضوعاً أساسياً للمناقشة؛ إذ أعتقد أنَّ رائحتَه تشبه رائحة الجنَّة، بينما كان والدايَّ مقتنعين بأنَّ رائحته ستعشِّش بطريقةٍ ما في أثاثهم وجدران بيتهم، وأنَّه ستفوح من المنزل بأكمله رائحةٌ كريهةٌ دوماً. لذا توصَّلنا إلى اتِّفاق؛ سأقلي البصل كثيراً، لكنَّني سأفتح النوافذ وأُشغِّل شفَّاطَ الهواءِ على السُّرعةِ الكُبرى للمحرِّك، وسأغتسل على الفور وأتخلَّص من أي أدوات خاصَّةٍ بالبصل.

أنا ممتنةٌ في هذه الأيَّام لأنَّ هذا الوضع المعيشي هو خَيار متاحٌ، وأنا أدرك أنَّني محظوظة لهذا، إذ لم يكن الأمر بهذا السُّوء حقاً؛ فلقد أمضيت الصباحات مستلقيةً، وأمضيت فتراتِ الظَّهيرة أَجري عبر الصحراء التي تبدو أكثر شاعريَّةً ممَّا هي عليه، وأمضيت الأمسيات في المقعد الخلفي لعربة الغولف الخاصة بوالديَّ، وشربتُ الكوكتيل ولوَّحتُ بتهذيبٍ للآخرين الجالسين في عربات الغولف في أثناء مرورهم؛ ومن ثم، أمضيت كل الوقت الذي بين هذه النَّشاطات في البحث عن عمل.

تبدو الأيَّامُ هنا أطولَ من تلك التي في تكساس؛ إذ إنَّ فترات الصَّباح مشرقةٌ، وفترات ما بعد الظُّهر طويلةٌ ومشمسةٌ جداً، وتطول الأمسيات حين يتلاشى اللون الأزرق من السَّماء، ويتحوَّل إلى الوردي، ثم إلى ظلالٍ وردية متوهجة، قبل أن يختفي بالكامل؛ كما أنَّ النُّجومَ هنا متألقةٌ ومتباهيةٌ حقاً، ويشير ظهورُها إلى أنَّ الوقت قد حان للذَّهاب إلى غرفتي؛ ذلك لأنَّ والداي يخلدان إلى النَّوم مُبكِّراً، ويعني هذا أنَّني يجب أن أذهب إلى الفراش مُبكِّراً أيضاً.

إقرأ أيضاً: الألوان وتأثيرها على الحالة النفسية للإنسان

كنتُ مُجبرةً أحياناً في داخلي على تهدئة الطِّفلة ذات الأعوام السبع التي تسكنني، والمتجهِّمة بسبب اضطرارها إلى النَّوم في وقتٍ مبكِّر، أو بسبب رغبتها في الصُّراخ لأنَّها لم تلتقِ بأصدقائها منذ أشهر، أو بسبب شعورها بالخسارة الفادحة لأنَّها عاطلةٌ عن العمل وتعيش في منزل والديها وهي في الثلاثينيَّات من عمرها.

ورغم تمتُّع الأطفال في سن السَّابعة ببصيرةٍ قويةٍ، إلَّا أنَّهم لا يعرفون كلَّ شيء؛ وينطبق هذا على الأطفال الذين يعيشون داخلَ عقليَّتك البالغة، إذ يحتاج هؤلاء أحياناً إلى شرح ما يحدث معهم؛ لذا أخبرت طفلتي أن تصمت.

شاهد بالفديو: 20 حكمة عن الإبداع والطموح

الحياة ليست عادلةً، ولا الوباءُ ولا إصابة الأبرياء بالمرض كذلك؛ كما أنَّه من غير العادل أن تنال وظيفة أحلامك وتخسرها بعد بضعة أشهر، رَغم أنَّ مجرد الحصول على أي وظيفة كانت هو امتيازٌ بحد ذاته.

بالطبع، وبالنِّسبة إلى الكثيرين، فإنَّ الوظيفةَ ليست أكثرَ من وسيلةٍ يحتاجونها لتحقيق هدف، وليست أكثر من طريقةٍ لكسب ما يكفي من المال للبقاء على قيد الحياة؛ حتى تحين لحظة لقاء الخالق، ولا بُدَّ أنَّ بعض الناس يفضِّلون سير الأمر بهذه الطريقة، لكن بالنسبة إلى الآخرين، فهذا ليس خياراً متاحاً.

بدأت أعتقد أنَّه ربَّما كان كل شيءٍ يسير بطريقةٍ خاطئةٍ، فماذا لو لم تتوفَّر الوظيفةُ التي من المفترض أن تلبِّي احتياجاتك؟ أعتقد أنَّه من الرائع امتلاك أهداف، والأكثر روعة هو استجماع الثِّقة التي تساعدك على السعي إلى تحقيق هذه الأهداف، كما أعتقد أنَّك يجب إذا وجدت عملاً تحبُّه أن تستمرَّ في عمل هذا الشيءٍ الذي تحبُّه لأطول فترةٍ ممكنةٍ، لكن لا تضع كل "البيض القيِّم" بالنسبة إليك في "سلة مهنية" واحدة.

أُعلِن بهذه الجملة عن انتهاء ما يُسمَّى "وظيفة الأحلام"، وعن توديع هذه الفكرة القديمة إلى الأبد، وأعتبرُ أنَّ جثَّتَها قد أُحرِقت، وأنَّ رمادها قد نُثِر في جميع أنحاء أراضي كاليفورنيا؛ وأجلس هنا وحاسبي المحمول موضوعٌ على مجموعة الوسائد هذه التي حولتُها إلى مكتب على هذا السرير القائم في غرفة الضيوف؛ في منزل والدي في لاكوينتا؛ لأبدأ من جديد.

أنا الآن وبدلاً من التركيز على فقدان الوظيفة، أختار التركيز على المهارات التي اكتسبتها حتى هذه اللحظة؛ فلا يعني عدم كوني محرِّرة في مجلَّة أنَّني فقدت قدرتي على الكتابة، فقد كتبت هذا المقال توَّاً، أليس كذلك؟

توجد راحةٌ تنبَع من معرفة أنَّه وبغضِّ النَّظر عمَّا يحدث، فأنت تستطيع دوماً تجميعَ عِلمك ومواهبك والبدءَ من جديد؛ فقد لا يوجد عملٌ واحدٌ ومثاليٌّ لنا جميعاً، لكنَّني أراهنُ على وجود العديد من الوظائف التي تناسبنا تماماً، وأنا أعزِمُ العثور على إحداها.

لا أستطيع الادعاء بأنَّني أمتلك خطةً أو رؤيةً لِمَا يجب أن تكون عليه حياتي حتى الآن، ولا يوجد شريطٌ أخضرُ عليَّ عبورُه أثناء السنوات الثلاث أو العشر أو العشرين القادمة، ولأول مرة لا أمانع هذا أبداً وذلك منذ أن بدأت ذاكرتي تتشكل.

المستقبل غير مؤكَّد، لكن يوجد شيءٌ واحدٌ مؤكَّد، وهو أنَّه مهما حدث بعد الآن، فإنَّني سأتقبله بحماسة طفلةٍ تعتقد أنَّها ستكبر يوماً لتصبح طبيبة بيطريَّة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة