لماذا يعد الامتنان مفتاح السعادة والنجاح؟

من المؤكَّد أنَّك شعرتَ ذات يوم بأنَّك عالقٌ في مرحلةٍ ما؛ حيث لا تسير الأمور كما يجب أن تكون، ويتهاوى كل شيء من حولك، تشعرُ وكأنَّك فاشلٌ، لا قدرة لديك لتتلمس طريق الخروج من هذه الهاوية، قد تشعر بالضيق لمجرد رؤيتك لشخصٍ سعيدٍ وناجح، والأسوأ من ذلك، كونك غارقاً في مشاعر الحسد والغيرة، وتتساءَل دوماً عن السبب وراء حالهم الذي يبدو أفضل من حالك، وسبب سعادتهم العارمة، ما الذي فعلوه ليستحقوا كل ذلك النجاح؟ فتجيب نفسك: لا بُدَّ أنَّهم وُلِدوا وفي فمهم ملعقة من ذهب.



لقد مررنا جميعاً بهذه المراحل اليائسة المتشائمة، للأسف يلبث الكثيرون طويلاً متحسرين نادبين حظهم العاثر، ولكنَّ البُشرى أنَّ هناك مخرجاً من كل هذا العناء، كما يمكنك استخدام مشاعر الحسد لصنع حافز للنجاح، والمفتاح هو الامتنان، قبل بدء الاعتراض على أنَّك بحاجة إلى النجاح أولاً لتكون ممتناً، أو أنَّ التركيز على الامتنان ما هو إلا خزعبلات للدعم الذاتي، أعلَم أنَّنا قضينا فترةً طويلة في التفكير بشكلٍ خاطئ، وفعل الأشياء بطريقة عكسية فالنجاح لا يؤدي إلى الامتنان والسعادة؛ إنَّما يبدأ النجاح من الامتنان بالتفاصيل الصغيرة.

الامتنان ثم السعادة "دورة النجاح":

إذا كنت تريد طريقاً مُختصراً للنجاح، فابدأ بالامتنان؛ فيؤدي الامتنان إلى زيادة السعادة، مما يؤدي إلى الدافع لتحقيق الأهداف، وقد أظهرت الأبحاث للعديد من المرات فوائد ممارسة الامتنان، والأهم في ذلك، هو دور الامتنان في زيادة مستويات السعادة، بما أنَّ زيادة مستويات السعادة تؤدي إلى المزيد من الدافع لتحقيق الأهداف، فإنَّ تحقيق هذه الأهداف بدوره سيؤدي إلى زيادة مستويات السعادة، بمجرد دخولك في هذه الدورة من الشعور بالسعادة والنجاح في الوصول إلى أهدافك، ومن ثم العودة مرة أخرى إلى الشعور بالسعادة، ستتحسن حياتك، ومن السهل حينها أن تشعر بالتقدير لما تملكه وبالتقدُّم الذي تحرزه.

ماذا يحدث إذا لم تكن مستعداً لاستقبال السعادة؟

عندما تهيمن المماطلة والكسل على أفعالك اليومية، يصبح عليك السعي جاهداً إلى إنجاز حتى أبسط المهام المنزلية قبل نهاية اليوم، إذا واجهت صعوبات في دخول دائرة التغذية الراجعة المرتبطة بالسعادة والإنجاز في حياتك، فسرُّ البداية يكمن في الامتنان أولاً، فلا يمكنك إقناع نفسك أن تكون أكثر سعادة وحسب، دون ممارسة ذلك على أرض الواقع، ومع ذلك، يمكنك ممارستها باقتطاع بعض الوقت من يومك للتفكير في الأشياء التي تشعر بالامتنان لوجودها في حياتك.

الامتنان يزيد من السعادة:

يُعَدُّ عالم النفس "روبرت إيمونز" (Robert Emmons) من جامعة كاليفورنيا أحدُ الخبراء الرائدين في العالم في فن إظهار الامتنان، وقد قام بالتعاون مع فريقه بدراسة أكثر من 1000 شخص، وأَظهرت النتائج أنَّ الحفاظ على قيمة "الامتنان" البسيطة لمدة ثلاثة أسابيع فقط، يؤدي إلى العديد من الفوائد الجسدية والنفسية وتطوير العلاقات، وتؤدي ممارسة الامتنان إلى زيادة التفاؤل والفرح والطاقة الإيجابية والحماسة، وفي نهاية المطاف، السعادة.

السعادة تزيد من نجاح الأهداف:

عند الشعور بالسعادة ستشعر حتماً بالتفاؤل والنشاط، هذه الطاقة الدافعة تؤدي إلى العمل، والعمل هو العنصر الحيوي لنجاح الهدف، إذا عدت بالتفكير إلى تلك الأوقات التي تميزت بنجاح الأهداف وتحقيقها، فستجِد السبب لنجاح الأهداف مختلفاً في كل مرة؛ إذ لكل مرة سبب هام وغاية عُليا تود الوصول إليها، ولكن تبقى السعادة المُحرِّك الأقوى للعمل؛ إذ لا يمكن العمل بفاعلية عند الشعور بالاكتئاب وعدم التحفيز، فعلى الأغلب لن يتحقق الكثير.

يشرح خبير علم النفس "شون أشور" (Shawn Achor) الرائد في مجال "العلاقة بين السعادة والنجاح" أبعادَ هذه الفكرة في كتابه "فائدة السعادة" (The Happiness Advantage): يستنتج من خلال الحجج المؤيَّدة بالإحصاءات العلمية كيف يغذي الدماغُ بتفكيره الإيجابي النجاحَ في العمل والحياة، ويوضح أنَّه لطالما فهمنا معادلة السعادة فهماً معكوساً.

ويضرب بعض الأمثلة الواقعية؛ حيث ترتبط قيمة السعادة في حياتنا بالحصول على أشياء وليس بتقدير الموجود: "هل سبق لك أن قلت لنفسك إنَّك ستكون سعيداً في النهاية لو كنت فقدت 15 كغ إضافية فقط؟ أو إنَّك إذا عملت بجد وحصلت على الوظيفة التي تريدها، فستكون سعيداً؟ هل خاطبت نفسك قائلاً: "لو كان في إمكاني فقط...، سأكون سعيداً"، ولكن تُوضِّح الأبحاث تخلُّف هذا التفكير، نعتقدُ أنَّنا سنسير وبالتأكيد سنحقق النجاح في النهاية، ولكنَّ التصحيح لهذه الجملة هو: "إذا كنتُ سعيداً، فسأحقق أهدافي".

إقرأ أيضاً: أدلة تشير إلى أن السعادة تطيل العمر

نجاح تحديد الأهداف يؤدي إلى السعادة:

وبينما نحرز تقدماً في تحقيق الأهداف، سنشعر بالمزيد من الثقة والإنجاز والدافع، وهذه المشاعر الإيجابية تدعم التقدُّم أكثر فأكثر؛ وبذلك نكون قد دخلنا في حلقة من التغذية الراجعة المتبادلة؛ إذ كلَّما أحرزنا المزيد من التقدُّم في أهدافنا، شعرنا بالسعادة، وكلَّما شعرنا بالسعادة، حقَّقنا المزيد من التقدُّم في تحقيق الأهداف، يمكن أن تزيد هذه الحلقة - من التغذية الراجعة المتبادلة - النجاحَ طالما أنَّها إيجابية، ولا تتحول إلى هوسٍ بالنجاح خارج عن السيطرة.

حتى أنَّ الأبحاث تثبت أنَّ النجاحات الصغيرة تحفزك على تحقيق نجاحاتٍ أكبر، لا تحتاج إلى فقدان 25 كغ دفعة واحدة، إنَّ مجرد تحديد هدف الذهاب في نزهة كل مساء لمدة أسبوع سيفي بالغرض لإنقاص وزنك، وبمجرد النجاح في هذا الهدف الصغير، تستطيع إضافة هدف آخر، كالذهاب مشياً كل مساء وتناول طعام صحي يومياً.

حافظ على تلك الأهداف الصغيرة واستمتع بشعور النجاح والإنجاز في كل مرة تحققه، تلك الخطوات الصغيرة تتحول إلى إجراء كبير، والإجراءات الكبيرة تؤدي إلى تحقيق الأهداف الكبيرة، والتي بدورها تؤدي إلى زيادة السعادة.

كيف تدخل ضمن دائرة السعادة والإنجاز؟

إذا كنت تشعر أنَّك عالقٌ في مكانك لا تحرز تقدماً في أهدافك، فإنَّك بعيدٌ كل البعد بحياتك عن حلقة السعادة والنجاح؛ إذ إنَّ زيادة السعادة تعطي المزيد من الدافع والعمل. ويؤدي العمل إلى النجاح، ولكن كيف تزيد السعادة في المقام الأول؟ الإجابة هي من خلال ممارسة الامتنان.

كيف تمارس الامتنان؟

لكي تصبحَ فرداً ممتناً لما تملكه، اسعَ إلى إظهار الامتنان الدائم، ليس من المُحتمل أن تغير نظرتك إلى العالم بين عشيةٍ وضحاها، فتلك الأفكار المتشائمة التي تراودك لن تمر بسهولة، ولكن يمكنك تدريب الدماغ لتصبح أكثر إيجابية تجاه محيطك.

أولاً الاعتراف بوجود بعض الأشياء التي تشعر بالامتنان لوجودها، سيجعلك شيئاً فشيئاً أكثر إدراكاً لهذه اللحظات على مدار اليوم، بالإضافة إلى ذلك، فمن خلال التفكير في الصراعات والتحديات الماضية يمكنك بناء شعور عميق بالامتنان للَّحظات التي تغلبت فيها على اليأس، لمواجهة كل تلك التحديات التي أوصلتك لما أنت عليه الآن.

ليس سهلاً أن تصبح أكثر امتناناً؛ وذلك لأنَّه يعني تحويل عقليتك من خلال تبنِّي الإيجابية وتغيير طريقة تفكيرك، لحسن الحظ، هناك بعض الأساليب التي أثبتت جدواها علمياً لممارسة الامتنان وإضافة المتعة إلى حياتك:

  • الحفاظ على دفتر مذكَّرة الامتنان.
  • ممارسة الامتنان بوعي على مدار اليوم.
  • إعطاء الامتنان الأولوية في حياتك.
  • التواصل مع شخص واحد على الأقل، كل يوم.
  • الابتسام.

كيف تمارس الامتنان عند الشعور بالإحباط؟

من الصعب التفكير بإيجابية وممارسة الامتنان عندما تكون مكتئباً أو متشائماً بشكل خاص من حياتك، وإليك هنا بعض الممارسات التي قد تفيدك:

  • التفكير في الصعوبات الماضية وقدرتك على التغلُّب عليها.
  • التفكير بالأوقات الصعبة كاختبار لقدراتك، والرابط الذي يربط نجاحك بتلك الصعوبات.
  • إظهار الامتنان للمكانة التي وصلت إليها، وفكِّر إلى أي مدى نجحت في تخطِّي الصعاب؟ وكيف ستدفع نفسك للنجاح مرة أخرى؟
  • مواجهة كل فكرة سلبية تمرُّ بخاطرك بأخرى إيجابية.
  • الاستعداد العقلي لرؤية الأمور رؤية أكثر إيجابية ومعرفة التحسينات الإيجابية التي تطرأ على المواقف الحياتية ومثال ذلك:

الفكرة السلبية: أنا بدين وفاشل.

الفكرة الإيجابية المصاحبة: على الأقل ما زلتُ على قيد الحياة ومحبوباً بين زملائي، لدي ما يكفي للتغيير نحو حياة صحية أكثر.

مما أدى إلى موقف جديد: سألتزم بنزهة مسائية كل أسبوع؛ وهي فرصة عظيمة للترويح عن نفسي وتخفيف وزني في الوقت نفسه.

إقرأ أيضاً: نصائح فعّالة لمقاومة الإحباط والتخلّص منه

كيف تكتسب عادة كتابة مذكَّرة الامتنان؟

أظهرت دراسات عدة في علم النفس فاعلية استخدام مذكرة الامتنان بما يعادل 3-4 مرات أسبوعياً لزيادة مستويات السعادة، وتتم بخطواتٍ بسيطة:

  • احتفظ بدفتر يوميات بجانب سريرك.
  • اكتب كل ليلة 3 أشياء تشعر بالامتنان حيالها.
  • اختر إحدى هذه الأشياء واشرح باستفاضة سبب امتنانك لوجودها.

إذا شعرت أنَّك مجبرٌ أو أنَّك لم تعتد على كتابة اليوميات:

  • جرِّب كتابة مذكرة امتنان مرة أو مرتين في الأسبوع لخمسة أشياء فقط.
  • خذ وقتاً كافياً للإحساس بأنَّ كل نعمة من هذه النعم هي هدية أُعطيت لك لتقديرها ولزيادة سعادتك وامتنانك.

نصائح إضافية:

  • فاكتب قائمة لكل شيء سار على ما يرام اليوم، وسبب سيرها بشكل جيد، وقد ثبت أنَّ التركيز على الناس في حياتك، بدلاً من الأشياء المادية، أكثر فاعلية في صنع السعادة.
  • حاول تخيُّل حياتك دون الأشياء التي أنت ممتن لها، وهذا يساعد على تحول التركيز إلى التقدير والامتنان بدلاً من الامتعاض أو الحسد.

شاهد بالفديو: 7 فوائد للامتنان تذكرك أن تشكر الله كل يوم

في الختام:

فإذا وجدت نفسك في مزاجٍ سيئ متشائم وشعرت بعدم قدرتك على التخلُّص منه، فتذكر أنَّ حياتك مليئةٌ بنعم كثيرة يجب أن تكون ممتناً لوجودها.

يمكنك البدء بالتفاصيل البسيطة، فأخذ لحظةٍ لتقدير القهوة الصباحية أو فترة الاستراحة الصغيرة وسط الفوضى المسيطرة على يومك المزدحم ستغير شعورك بالكامل، عند بدء الاعتراف بالأشياء الصغيرة التي تُشعرك بالامتنان لوجودها، ستصبح أكثر انسجاماً مع حياتك وسيسهُل عليك التعرف إلى الأشياء الأكبر. 

قد يبدو الأمر غير منطقي في البداية، وقد تشعر بأنَّه صعب ومفروض عليك، ولكنَّ تبنِّي الامتنان في حياتك، سيؤدي إلى سلسلة من العواطف والإجراءات التي ستجلب معها السعادة والنجاح مرة أخرى.

فقط تذكَّر المعادلة:

  1. الامتنان يؤدي إلى السعادة.
  2. السعادة تؤدي إلى تحديد الأهداف.
  3. وضع الأهداف وتنفيذها يؤدي إلى السعادة.

المصدر




مقالات مرتبطة