لماذا نشعر بتعب شديد حتى بعد الراحة؟

لقد اعتدتُ الذهاب إلى المنزل بعد العمل والاستلقاء على الأريكة لنَيل قسطٍ من الراحة، وبعد فترة من الزمن، أردت قضاء مزيد من الوقت في تحسين الذات، لكن ولسوء الحظ، اضطررت لاقتطاع هذا الوقت من وقت "راحتي"، والذي بدأت في استبداله بأعمال مثل ممارسة الرياضة وقراءة الكتب؛ وما أثار دهشتي هو أنَّني لم أشعر بالتعب، بل في الواقع شعرت بمزيد من النشاط!



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب ليون هو (Leon Ho) والذي يُحدثنا فيه عن مفهوم الراحة وكيفية التخلص من التعب والإرهاق.

وعندما بحثت في ماهيَّة "الراحة"، وجدت أنَّها موضوع غير مفهوم بشكل جيد، وعرفت لماذا يشعر كثير من الناس بالتعب حتى وإن كانوا "يرتاحون" كثيراً.

المفهوم الخاطئ عن الراحة:

إنَّ ترك العقل طليقاً أسرع طريق للإرهاق، حيث يميل معظم الناس إلى تعريف الراحة على أنَّها:

  • الاسترخاء على الأريكة أو الاستلقاء على السرير.
  • عدم القيام بأي شيء (هل هذا ممكن؟).
  • الاسترخاء ومشاهدة قنوات نيتفلكس (NetFlix).
  • عدم القيام بالأعمال المنزلية.

بينما يكون جسمك مرتاحاً، فإنَّ عقلك ليس كذلك؛ إذ إنَّ الراحة مُتعلِّقة بالنشاط الذهني أيضاً، وليس النشاط البدني فحسب؛ فعندما تتفاعل مع نشاطات مثل تلك الواردة في القائمة أعلاه، فأنت تُشجِّع النشاط الذهني الذي يؤدي إلى نتائج عكسية للراحة.

فمشاهدة التلفزيون بلا وعي، أو تصفح الإنترنت أو قراءة التغريدات، ليست أموراً تفعلها دون تفكير؛ وقد يجعلك هذا النوع من المشاركة والتحفيز الذهني أكثر إرهاقاً ممَّا كنت عليه في البداية؛ إذ لا يقوم عقلك بمعالجة كل ما تستوعبه بهدوء فحسب، بل يُهيئك ويُشجِّعك على التواصل الاجتماعي، حيث وجدت دراسة حديثة أنَّه عندما لا يشارك الدماغ بحيوية في نشاط واعٍ، فإنَّه يستعدُّ للتفاعل الاجتماعي مع الآخرين.

كما يجب مراعاة حقيقة هامة أخرى، وهي أنَّ الدماغ يحتاج شيئاً ما للتركيز عليه من أجل تحقيق حالة من الراحة التشاركية، أي أنَّه يحتاج إلى غاية.

فكِّر في نشاط يتطلب قليلاً من التركيز والاهتمام، كالاستحمام مثلاً؛ في معظم الأوقات التي تُفكِّر فيها بأشياء أخرى، يكون عقلك مشغولاً في حل المشكلات وربط الأمور بعضها ببعض؛ وهذا النوع من النشاط الذهني ضروري ومفيد، لكنَّه خلاف الراحة؛ لذا فإنَّ ترك عقلك طليقاً هو أسرع طريق للإرهاق.

لا يمكن الوثوق بالمشاعر الإنسانية؛ فعندما نثق بمشاعرنا، من المحتمل جداً أن نستلقي على الأريكة بعد يوم عمل، وذلك رغم معرفتنا بأنَّه من المفيد لصحتنا أن نتمرن مدة 30 دقيقة؛ وفي عطلات نهاية الأسبوع، نميل إلى الإفراط في النوم لأنَّنا "نشعر" بحاجة إلى مزيد من النوم، على الرغم من أنَّ هذا في الواقع يُفسد أنماط نومنا.

وكما هو الحال مع أخذ قسط من الراحة، فمجرَّد كونك على طبيعتك لا يعني بالضرورة الاسترخاء؛ فعندما نعتمد على مشاعرنا، ينتهي بنا الأمر إلى الشعور بالتعب.

إقرأ أيضاً: أعراض الإرهاق الذهني وطرق التَّغلب عليها

ما هي الراحة حقاً؟

الراحة هي نشاط وليست حالة "عدم فعل أي شيء". فيما يلي طريقتان هامَّتان لتحفيز عقلك على المشاركة بنشاط في الراحة، وهما طريقتان تتعارضان تماماً مع ما يعدُّ المجتمع عادةً راحة واسترخاء:

1. التبديل بين المهام المتعاكسة في طبيعتها:

إذا كنت تعمل على الكمبيوتر، فبعد بضع ساعات انتقل إلى مهمة بدنية أكثر، أو اذهب للمشي أو الجري مسافة قصيرة؛ وإذا كنت تؤدي مشروعاً تقنيَّاً بحتاً يحتاج إلى عناية بالتفاصيل، فانتقل إلى العمل على شيء يتطلب مزيداً من الإبداع؛ وبعد التواجد في الاجتماعات طوال اليوم أو تقديم عرض تقديمي، اعمل على مهمة هادئة لا تتضمن أشخاصاً آخرين.

عندما تشارك في كل نشاط، تأكد من أنَّك تمارس اليقظة الذهنية (أن تكون حاضراً بشكل كامل) في أثناء مشاركتك في كل نشاط؛ المفتاح هنا هو تذكُّر أنَّ الدماغ يحتاج ويحب التركيز.

2. ممارسة تمارين خفيفة:

التمرين علاج لما يزعجنا؛ حيث يقلل التمرين المعتدل من الإجهاد، ويزيد من الإنتاجية والصحة العامة والعافية ويطيل العمر؛ حيث تظهر الأبحاث أنَّ كميات منتظمة من التمارين الخفيفة هي من أفضل العلاجات لمن يعانون الإرهاق والتعب.

تنطبق هذه الحقيقة على أولئك الذين لديهم وظائف لا تتطلب حركة، أو تتطلب جهداً بدنياً، فسواء كنت في حجرة صغيرة تجلس طوال اليوم، أم تعمل في مرفأ وتقوم بتحميل وتفريغ حمولة ثقيلة؛ تُظهر الدراسات أنَّ كميات خفيفة من التمارين المختلفة عن روتينك اليومي تساعد عقلك وجسمك في تحقيق الراحة.

ووجدت دراسة أجراها باحثون في جامعة جورجيا (Georgia)، أنَّ التدريبات المعتدلة ومنخفضة الكثافة تزيد الشعور بالطاقة.

يقول باتريك أوكونور (Patrick O’Connor)، أحد مديري مختبر علم النفس الرياضي بالجامعة: "يُفرط كثير من الناس في العمل ولا ينامون بما يكفي؛ والتمرين هو وسيلة للناس ليشعروا بمزيد من النشاط، ولهذا الأمر أساس علمي، كما أنَّ لديه مزايا مقارنةً بأشياء مثل الكافيين ومشروبات الطاقة".

في الدراسة، قُسِّم الأشخاص الذين خضعوا للاختبار إلى ثلاث مجموعات، حيث طُلب من المجموعة الأولى ممارسة تمارين هوائية متوسطة الشدة مدة 20 دقيقة ثلاث مرات في الأسبوع لمدة ستة أسابيع، وشاركت المجموعة الثانية في تمرين هوائي منخفض الشدة ضمن الإطار الزمني ذاته، والمجموعة الثالثة -مجموعة التحكم- لم تمارس أي تمرين؛ شهدت كلتا المجموعتين من المتمرنين زيادة بنسبة 20% في مستويات الطاقة مقارنةً بمجموعة غير المتمرنين.

شاهد بالفديو: نصائح النَّاجحين لتغيير روتينك اليومي للأفضل

اكتشف الباحثون أيضاً أنَّ التمارين الشديدة أقل فاعلية في تخفيف التعب من التمارين منخفضة الشدة؛ حيث سجلت المجموعة التي تتمرن بشدة منخفضة انخفاضاً بنسبة 65 % في مستويات التعب، بينما سجلت المجموعة التي تتمرن بشدة عالية انخفاضاً بنسبة 49 %.

من الهام ملاحظة أنَّ أي تمرين كان أفضل من عدم ممارسة الرياضة.

في الختام:

من أجل الشعور بالراحة والنشاط الحقيقي، حان الوقت لاكتساب عادة جديدة، وإعطاء عقولنا وأجسادنا ما يحتاجونه بالفعل للراحة.

المصدر




مقالات مرتبطة