لماذا قد يكون تطوير الذات المستمر ضاراً في بعض الأحيان؟

تعدُّ قدرتنا على التطور إلى أفضل ممَّا نحن عليه إحدى السمات المميزة للوجود البشري؛ فهي أساس معظم طموحاتنا وأحلامنا ودوافعنا، ولن يتقدم دونها جنسنا إلى الأمام؛ كما أنَّ تعلم كيفية الانخراط في التطوير المستمر للذات والتطور الشخصي هو الذي مكننا من الارتقاء بأنفسنا وبالجنس البشري بأسره إلى مستويات أعلى.



ومع ذلك، يشبه تطوير الذات أي نشاط مبالغاً فيه؛ إذ يكون هناك جوانب سلبية للانخراط في الكثير من التطوير الشخصي وتطوير الذات المستمر؛ وهذا ما نناقشه اليوم في مقالتنا هذه.

من أين تأتي حاجتنا إلى تطوير الذات؟

رغم أنَّ تحسين الذات والتطور الشخصي عموماً من الأمور الممتازة التي يجب علينا السعي إليها في حياتنا، إلَّا أنَّ المبالغة فيها قد تؤدي إلى إحداث خسائر لأنفسنا. فكر في سبب انخراط الغالبية العظمى من الناس في تطوير الذات؛ إذ غالباً ما يعود هذا إلى شعورهم بأنَّهم ليسوا جيدين حالياً، أو إلى كونهم قد يكونون أفضل ممَّا هم عليه، أو لأنَّ هناك أموراً ليست جيدة في حياتهم وبحاجة إلى التعامل معها.

أيَّاً كان السبب، فمن الهام أن تتحلى بمشاعر إيجابية تجاه نفسك؛ إذ قد يعزز تطوير الذات المستمر أحياناً فكرة وجود العديد من الأشياء الخاطئة فينا، مثل أنَّنا لسنا جيدين بالقدر الكافي؛ وبالتالي، يجب أن نجبر أنفسنا على التحسُّن.

إذا كنت تحاول أن تتحسن باستمرار لمجرد أنَّك تعتقد أنَّك لست جيداً بما يكفي، فقد تسير في طريق سلبي؛ إذ يوجد فارق كبير بين التحلي بالواقعية بشأن نفسك وقول: "أنا لست جيداً في هذا الشيء المحدد، ولكن بوسعي التحسن إذا واصلت المحاولة"، وقول: "يجب عليَّ إتقان هذا الأمر، وإلَّا لن يكون لي أي قيمة". لذا، عليك أن تراقب عقليتك طوال هذه العملية؛ ذلك لأنَّ تطوير الذات أمر جيد مادام ضمن الحد المعقول، بينما قد يؤدي التحسن الذاتي المستمر أحياناً إلى تعزيز بعض الأفكار السلبية.

لا تدع مخاوفك تؤثر فيك، ولا تبدأ قول أشياء مثل: "عندما أنجز هذا، سأكون جيداً وأصبح ذا قيمة حقيقية"؛ فهذه عبارات خطيرة على صحتك النفسية.

قد يشكل هذا النوع من التقييم الذاتي الصارم والمفرط في الانتقاد الأساس للعديد من المشاعر السلبية والمشكلات الشخصية التي نحاول حلها لتحسين حياتنا؛ لذا لا تسمح لنفسك أن تجبرك على كرهها لأنَّك لا تفي بالمعايير العليا التي قد وضعتها؛ فالجزء المخيف من تطوير الذات المستمر هو أنَّ الكثير منَّا يقع في هذا الفخ في مرحلة أو أخرى.

شاهد بالفيديو: 10 أفكار مدهشة تساعدك على تطوير ذاتك

إنَّك تمتلك الإمكانات دائماً:

عندما تشعر أنَّك وقعت في فخ تطوير الذات المستمر لأنَّك لست جيداً بما يكفي، كرر العبارة الآتية: "قد لا أكون جيداً بالقدر الكافي، ولكن لدي القدرة على الوصول إلى حيث أريد أن أكون"؛ إذ لا يجب أن تشعر أبداً بأنَّك لست جديراً بالاحترام؛ فأنت ذو قيمة، وقادر دائماً على الوصول أينما تريد.

تذكر أنَّ أي تغيير تريد القيام به في حياتك هو تغيير طوعي، وليس إلزامياً؛ فأنت تتحكم بمسار حياتك، ولا يوجد سوى القليل من التغييرات الإلزامية التي يجب أن تجريها؛ لذا لا تفرط في القسوة على نفسك، وتذكر أنَّنا بشر، وأنَّ 100٪ من البشر لديهم عيوب ويرتكبون الأخطاء.

من الهام هنا التأكد من أنَّ انخراطك في تطوير الذات المستمر يجب ألا يمنعك من تقبُّل نفسك، ومن الهام أيضاً القيام بممارسات الرعاية الذاتية؛ ذلك لأنَّ تقبُّل الذات هو أحد أهم السمات الشخصية الأكثر قيمة التي يمكنك تطويرها في طريقك إلى تطوير الذات.

إقرأ أيضاً: 13 نصيحة أساسية حول الرعاية الذاتية للناس المشغولين

لا تضع أفكاراً غير واقعية:

هناك فخ آخر قد تجده في العديد من كتب التنمية البشرية، وهو تحديد أهداف ضخمة، مع بعض العبارات الخادعة مثل: "إذا لم تخيفك أحلامك، فهي ليست كبيرة بما يكفي". قد يكون هذا جيداً بالنسبة إلى بعضنا؛ ولكن إذا كنت تضع أهدافاً ضخمة على نحو مستمر، وتحاول الالتزام بمعايير غير واقعية، وتحلم بتوقعات غير قابلة للإنجاز؛ فلن تتلاشى دوافعك فحسب، بل وستتحول إلى طاقة سلبية.

لا تقع في فخ محاولة اتباع نمط حياة غير واقعي أو غير قابل للتحقق؛ ذلك لأنَّ هذا هو المكان الذي قد يصبح فيه تطوير الذات المستمر خطيراً، حيث ستنحدر هذه الحالة حتماً وتخطو للوراء بدلاً من التقدم؛ وكما يُقال: "لا تدع أي شخص يملي عليك ما هو واقعي وما هو غير واقعي".

عليك أن تأخذ الوقت الكافي للتفكير ملياً فيما تعنيه لك الحياة الإيجابية والقابلة للتحقق على أرض الواقع، وألَّا تتحمس وتحاول أن تعيش المثل العليا التي قرأتها في كتاب أو سمعتها من متحدث تحفيزي؛ فهو شخص يتقاضى مالاً لقول تلك الأشياء الشائعة؛ ذلك لأنَّ هذه هي الطريقة التي يبني بها قاعدة جماهيرية.

مارس الامتنان:

هناك شيء آخر في العديد من الأشخاص الذين لا يفهمون التطور الشخصي بشكل كامل، وهو أنَّهم عندما ينخرطون في تطوير الذات المستمر، يعتقدون أنَّ هناك شيء أفضل بانتظارهم، أو أنَّهم أفضل من غيرهم؛ فيصبحون أنانيين، وهذا ليس شيئاً جيداً بالتأكيد.

لا تدع هذه الممارسة تقلل من قيمة الأشياء الرائعة التي قمت بها في حياتك، واعلم أنَّ هنالك المزيد دائماً؛ فأنت لست الشخص الوحيد في هذا العالم.

قد تكون الشخص الأذكى والأكثر إنتاجية والأكثر كفاءة الذي شهده هذا العالم، وتعيش على هذا النحو لمدة مئة عام؛ ولكن سيبقى هناك مزيد من الناس الذين يحملون الصفات ذاتها عندما تموت في نهاية حياتك.

لا تنشغل في محاولة الحصول على المزيد لدرجة أن تنسى تقدير الأشياء التي تمتلكها بالفعل، ولا تقع في فخ أنَّ حياتك أو وضعك ليس مثالياً الآن لدرجة أنَّه لا يمكن إصلاحه أو تحسينه أبداً، وأنَّه يجب عليك التخلي عنه تماماً والقيام بشيء آخر؛ ولا تصبح كذلك مهووساً بفكرة أنَّ حياتك يجب أن تكون مثالية، وأنَّك تحتاج إلى المزيد؛ فإذا عشت بهذه الطريقة، سينتهي بك الحال إلى الإحباط وخيبة الأمل.

إنَّ فيكتور فرانكل (Victor Frankl) -الطبيب النفسي، ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً "بحث الإنسان عن المعنى" (Man’s Search For Meaning)- هو الذي عبر عن فكرة أنَّ النجاح لا ينبغي أن يكون هدفنا الوحيد: "لا تستهدف تحقيق النجاح؛ فكلَّما وضعته هدفاً نصب عينيك، فقدته أكثر؛ فالنجاح مثل السعادة، لا يمكن السعي وراءه".

إقرأ أيضاً: 6 فوائد مثبتة للشعور بالامتنان

في المحصلة:

إذا كنت ترغب في الانخراط في تطوير الذات المستمر، يجب أن تكون حذراً؛ لذا احرص على عدم التفكير في أن ترغب في إصلاح نفسك أو أنَّك محطم، وتذكر أنَّك قمت بالعديد من الأشياء الرائعة بالفعل، وتتطلع ببساطة إلى تحسين بعض الإنجازات التي حققتها.

تذكر أيضاً أن تكون واقعياً، وأنَّه مهما بلغت صعوبة محاولتك، لن تكون جيداً في كل شيء؛ ولكن لا يعني مجرد أنَّك لست جيداً في شيء ما في الوقت الحالي أنَّك لا تمتلك القدرة على إتقانه.

تذكر أنَّه ينبغي عليك قبول نفسك كما هي، ولا تدع تطوير الذات المستمر هذا يقلل من رأيك أو نظرتك إلى نفسك؛ فأنت تفعل هذا لتكون أفضل، ولكي تفهم نفسك بشكل أكبر.

المصدر




مقالات مرتبطة