لذا اطلب المساعدة، ولكن تَعَلَّم أيضاً أن تتعلّم بنفسك كيفية التعامل معها؛ حيث يمكن لحديثك مع نفسك وتصورك عنها وموقفك منها أن يغيرك أنت ومَن حولك، وهذا ما تدور حوله الإيجابية.
قالت "جيسيكا ستيلمان" (Jessica Stillman) في دراسة جديدة في جامعة ستانفورد (Stanford): "يجعل الموقف الإيجابي دماغك أفضل حرفياً"، حيث درس باحثو ستانفورد كيف يتأثر الدماغ بالإنجاز والتعلم عند الشعور بإيجابية تجاه أمرٍ ما.
نحن نبلي جيداً في الأمور التي نتحلّى بإيجابيةٍ تجاهها؛ لكن ماذا لو تمكنا من أن نكون إيجابيين في كلّ شيء؟ سيكون التغيير شاملاً حتماً؛ إذ لا تعني الإيجابية أن تكون سعيداً فحسب، بل تعني مثابرتك على استخدام استراتيجيات التفكير الإيجابي؛ فهي بمثابة غايةٍ تطلبها عند الشعور بالألم، ومجموعة متكاملة من المشاعر التي تجعلك تتقبل الأمور وتتمسك بما يجعلك سعيداً.
فيما يأتي 5 خطوات لتنمية موقف ذهني إيجابي، والتي توضح لك بالتفصيل أهمية أن تكون إيجابياً؛ حيث يساعدنا فهم ذلك في سعينا هذا بقدر ما يساعدنا تبني هذه العقلية.
1. اعلم أنَّ بإمكانك تغيير موقفك:
هناك اقتباس عن الشاعرة والكاتبة الأمريكية "مايا أنجيلو" (Maya Angelou) تقول فيه: "إذا كنت لا تحبُّ أمراً ما، فغيره؛ وإذا كنت لا تستطيع تغييره، فغير موقفك تجاهه".
عندما تختار أن يكون موقفك إيجابياً، فإنَّك تختار موقفاً من شأنه أن يجعل سلوكك أكثر مرونة من أيِّ بديلٍ آخر؛ وبالمقابل، عندما يكون موقفك سلبياً، يمنح عقلك نفسه الإذن لتطوير أنماط من التفكير السلبي، والتي تخلق بدورها مشاعر يصعب احتواؤها.
ربَّما تقضي كلَّ أيامك في التفكير أو القلق بشأن الأمر نفسه مراراً وتكراراً، معتقداً أنَّ هذا سيحلّ المشكلة؛ ولكنَّه سيؤدي إلى تفويت الحلول بدلاً من تحقيق أقصى استفادة من اللحظات التي تعيشها.
في الواقع، أوّل ما عليك فعله هو تهدئة نفسك؛ ومع أنَّ هذا يبدو مخالفاً للمنطق، لكنَّه يعني التنفيس عن عقليتك المضطربة؛ فعندما تنفِّس عمَّا يزعجك، تختار موقفاً أكثر أماناً؛ ولعلَّ أحد الأمور التي قد تساعدك على تقبل مشاعرك هي تقبل ما يحدث، وتقبل حقيقة أنَّك لا تمتلك كلَّ الحلول؛ لتصبح بذلك أقلّ خوفاً من هذه الحقيقة.
الموقف الإيجابي هو كلُّ شيء، ومن خلاله نتعامل مع أنفسنا ونبقى إيجابيين ونؤمن بالأمور، وبه ننتصر؛ ولا يمكننا المثابرة دون التحلي به.
يكمن الموقف الإيجابي في تنمية قوة الإرادة، والتي تتمحور بدورها حول تنمية الإيجابية؛ وهذا أشبه بالدوران في دائرة، حيث يكون كلٌّ منهما مرتبطاً بالآخر ارتباطاً وثيقاً.
تدل الإيجابية على قوة الإرادة، ويمكنك أن تقف في وجه العاصفة وتشعر بالهدوء التام عندما تتحلى بالإيجابية، وبالتالي ستبقى ثابتاً على الأرض ولن تسقط؛ وإن حدث وسقطت، ستقف مجدداً على قدميك.
هناك مثل ياباني يقول: "اسقط سبع مرات، وانهض في المرة الثامنة"؛ لذا لا تيأس أبداً، وتخطَّ الصعاب حتى تصل إلى مبتغاك.
يرتبط الموقف الذهني الإيجابي بإدراك قدرتك على السيطرة على مشكلاتك؛ وبمجرد أن تفهم ذلك، يمكنك تغيير موقفك؛ لذا عليك أن تختار التفكير الإيجابي أولاً، لتجني ثماره لاحقاً؛ فعندما تختار أن تكون إيجابياً، يمكنك فعل أيِّ شيءٍ يخطر في بالك.
2. ابحث عن هدفك الفريد في الحياة:
عندما تفقد السيطرة تماماً، يساعدك الموقف الإيجابي في استعادتها واستعادة قوتك؛ فهو أفضل طريقةٍ للمُضِيِّ قُدُمَاً في الحياة والتعلم منها؛ فعندما تكون إيجابياً، تكتسب قوة لا تستطيع الظروف ولا أيُّ شيءٍ آخر سلبها منك.
يستحق إدراك قوتك بذل بعض الجهد؛ فهي تمثل استمراريتك، واستغلال الظروف لصالحك عندما يدفعك كلُّ شيءٍ إلى الاستسلام.
لا يمكنك الحصول على كلِّ شيءٍ دائماً، ولكن بإمكانك أن تتحلّى بموقفٍ إيجابيٍّ يساعدك على التميز والتألق، وهذا الموقف كافٍ لينقذك وينقذ الآخرين من حولك؛ فهو تلك القوة التي تمنحك الأمان وتثبِّت قدميك على الأرض.
على سبيل المثال: لنفترض أنَّك فقدت شخصاً بسبب مرضٍ ما؛ فبدلاً من التفكير في الخسارة ورؤيتها على أنَّها النهاية، كن إيجابياً وساهم في دعم جهود التصدي لهذا المرض؛ وستكون بذلك منارة للأمل، وصوتاً يصدح بالحق؛ حيث تمنحك قدرتك على تخفيف معاناة غيرك القدرة على التغلب على مصاعب الحياة التي تواجهها بنفسك؛ فبهذه الطريقة يستمر الناس.
يمنحنا الهدف القدرة على السيطرة على مشاعرنا وخسائرنا، ويمنعها من تحديد هويتنا وإمكاناتنا؛ فوفقاً لمؤسسة مايو كلينك (Mayo Clinic) الطبية: تؤثر الإيجابية في مستويات التوتر والصحة العامة؛ وعندما تكون إيجابياً بشأن موقفٍ ما، تصبح أقلّ توتراً وهدوءاً، وتفكر بشكلٍ أفضل لحلِّ المشكلات التي تواجهك.
يمكن تنمية هذه القوة بإدراك أنَّ الشعور بالهدف والمغزى في الحياة يمكن أن يرافق جميع الظروف، حتى المآسي التي لا معنى لها؛ فغالباً ما يساهم الناس في شيءٍ أكبر منهم عندما يبحثون عن المعنى والهدف والإيجابية والقوة في حياتهم.
ليس عليك أن تعرف سبب حدوث الشيء، ولكن يمكنك توظيف كلِّ ما يحدث لتحقيق غايةٍ أكبر؛ بيد أنَّ هذا سيختلف من شخصٍ إلى آخر؛ لذلك، وبغض النظر عن مدى رغبتك في معرفة المغزى من حدث ما، لا توجد إجابات صريحة حول كيفية القيام بذلك.
ماذا تفعل إذاً؟ تأمل، واستمع، وستجد طريقك لا محالة؛ فكما يقول جلال الدين الرومي: "كل ما يجعلك نقياً هو الطريق الصحيح؛ لذا تخلَّ عن كلِّ ما يعيق ذهنك، ثمَّ تعقل، وأغلق أذنيك، واستمع".
3. عش الحاضر:
تستطيع التحكم بقدرتك على عيش اللحظة الحالية؛ حيث تخبرك الإيجابية أنَّ هذه اللحظة هي ما يهمُّ حقاً، وأن لا فائدة ترتجى من الندم على الماضي أو القلق حول المستقبل؛ فالطريقة الوحيدة كي تكون إيجابياً هي أن تعيش الحاضر بكلِّ تفاصيله.
فكر فيما تملك في هذه اللحظة، واشعر بالامتنان تجاهه؛ حيث يساعدنا الامتنان على التخلي عمَّا لا نحتاج إليه، وتمكننا معرفة ما يجعلنا سعداء من عيش اللحظة الحالية.
تكمن بعض الأساليب للوصول إلى الإيجابية وعيش اللحظة في التأمل، أو ممارسة طقوس الصفاء الذهني الأخرى؛ والتي ستطور من قدرتك على التفكير بشكل أكبر، وتدفعك إلى أن تستخدم كلَّ حكمتك وأدواتك وإيجابيتك للمثابرة وتحقيق مبتغاك؛ وهذا كلُّ ما تحتاجه.
لذا ركز على اللحظة الحالية، فقد كتبت "كورتني أكرمان" (Courtney Ackerman) في مدونة حول اليقظة الذهنية: "إنَّ أحد تمرينات تخفيف القلق هو أن تعيش اللحظة بكل تفاصيلها".
لا ضير من التفكير في الماضي والمستقبل أحياناً، لكن ركِّز على الحاضر أكثر، وفكر في ما يحدث الآن؛ وسيؤدي ذلك إلى تخفيف القلق والتوتر والمشاعر السلبية الأخرى إلى حدٍّ كبير، ويسمح لك بأن تكون إيجابياً.
شاهد بالفيديو: 5 فوائد مثبتة للشعور بالامتنان
4. مارس حب الذات:
إنَّ الحديث مع النفس أساس حب الذات وجوهر ما تدور حوله الإيجابية، وإنَّ ما نقوله لأنفسنا يمثل الطريقة التي نمارس بها الإيجابية ونضعها موضع التنفيذ.
تقول شخصية القطار في كتابٍ للأطفال يُسمَّى "المحرك الصغير الذي يستطيع" (The Little Engine That Could) للشاعر "واتي بايبر" (Watty Piper): "أعتقد أنَّني أستطيع، أعتقد أنَّني أستطيع" طوال الطريق خلال رحلته؛ وقد كانت النتيجة أنَّه استطاع فعل ذلك، لأنَّه أخبر نفسه مراراً أنَّه يستطيع.
هذا مفهوم طفوليٌّ بسيط لعالم معقد؛ ومع ذلك، فهو يعمل بشكلٍ جيد؛ فإذا علمت أنَّ ما تقوله لنفسك قوي ويترك بصمته فيك، سيزداد حبك لنفسك.
فيما يأتي أمثلة عن بعض الأمور التي يمكن أن تقولها لنفسك لممارسة الإيجابية:
- أنا جيد بما فيه الكفاية.
- أنا جدير بالاهتمام.
- يمكنني القيام بذلك، وعليَّ أن أصبر فقط.
- سوف أجتاز هذا.
- أنا قوي.
- لا يمكن إيقافي.
عندما تكتب هذه الشعارات الإيجابية، تبدأ الشعور بها؛ وإذا كتبت "أنا متفائل بشأن هذا الأمر" عدة مرات، فستبدأ الشعور بأنَّ الإيجابية تنتشر داخلك.
لن يكون حبك لنفسك أمراً سهلاً، ولن يتحقق بين عشية وضحاها، وستكون هناك فوضى من المشاعر والندم والحديث السلبي مع النفس، وقد يتعين عليك أن تتحرك بحذر وعناية حتى تصل إلى صميم مشاعرك.
نحن تحتاج إلى الحب، وغالباً ما ننكر ما نحتاج إليه فعلاً، ونسعى وراء ملذاتٍ بلا هدف؛ مثل المكافآت الخارجية بدلاً من الدوافع الداخلية لعيشٍ رغيد.
نحن نعيش من أجل ما يقوله الآخرون عنَّا؛ ولكن يمكن أن يؤدي فقدان كل شيءٍ أو المرور بالمصاعب أحياناً إلى تعليمنا ما نحتاجه حقاً، وهو أنَّنا "نحتاج أنفسنا فقط".
يجب أن يأتي حبك لنفسك من مكان موثوق، وأن يكون هذا الحب حقيقياً وشاملاً لعيوبك كلها، وأن يبدأ من داخلك، لتقوم بما يلزم لمعالجة أمورك والتمتع بصحةٍ جيدة؛ فهذا كلُّ ما يمكنك فعله لتصبح إيجابياً تجاه نفسك.
5. تجنَّب الإيجابية السامة:
تجنَّب الإيجابية المفرطة التي تمنعك من الاعتراف بمعاناتك أو ألمك، ولا تطلب من نفسك المضي قدماً فحسب، دون الالتفات إلى الألم؛ لأنَّ هذا سيشعرك بالقمع إن لم تستشر عواطفك أولاً.
إنَّ العواطف جزء من الإيجابية، إذ يجب أن تتوافق مع مشاعرك وتعترف بها وتصغي إليها، بدلاً من أن تخبر نفسك بأنَّ عليك التقدم فحسب؛ لذا دع عواطفك تتولى زمام الأمور، وتقودك إلى إنجاز عظيم يساعدك على التعامل مع التغيرات في الحياة.
إنَّ أكبر اعتقاد خاطئ حول الإيجابية هو افتراض أنَّ على المرء أن يتخلى عن مشاعره حتى يحقق التغيير المنشود؛ لكنَّ التخلص من الأذى والغضب والأسى والحزن وكلَّ تلك المشاعر المرتبطة بالسلبية، يؤدي إلى إحباط نمونا وقوتنا؛ فالإيجابية هي استخدام هذه الأمور لتحسين نفسك أو العالم من حولك؛ ذلك لأنَّك لن تستسلم لها ولن تدعها تحدد هويتك.
لذا عبر عن مشاعرك، ثمَّ استخدمها لصالحك، أو ابحث عن منفذٍ لها؛ وهذا يجعل إيجابيتك عميقة.
الإيجابية ليست قناعاً ترتديه، بل هي عكس ذلك تماماً؛ إنَّها التحرر من استراتيجيات التفكير السلبي -مثل: الاستنتاجات السريعة، والنظر إلى الأمور من منظورٍ واحد، وافتراض السيناريو الأسوأ، وغير ذلك- والإقرار بأنَّك قد تمتلك قوةً أو قدرةً أكبر ممَّا كنت تظن.
قد توحي الإيجابية السامة بأنَّ عليك أن تبتسم وتتصرف بشكلٍ جيد، وهذه ليست إيجابيةً حقيقية؛ فالإيجابية الصحية هي إظهار إرهاقك عندما تكون متعباً، والحب عندما تشعر بالخسارة، والتعافي من الآلام والجروح رغم مرارتها؛ وبما أنَّك تهتم بالنتيجة، عليك أن تستمر في ترتيب كلِّ هذه الأمور. لذا لا تتهرب، واصمد، وعش حياتك؛ فهذه إيجابية صحية.
أفكار أخيرة:
لن ترغب في أن تكون إيجابياً طوال الوقت، وسيكون هناك أوقات تريد فيها الاستسلام فحسب؛ ولكن مع ذلك، سيجعل اختيار موقفك، والاعتراف بقوة الإيجابية، والتواجد لأجل ما تسعى إليه، وممارسة حب الذات، وتجنُّب الإيجابية السامة أو غير الصحية؛ أيامك أفضل، ويساعدك خلال تجاربك.
أن تكون إيجابياً ليس بالأمر السهل، لكنَّ الأمر يستحق أن ترى ما سيحدث بعد ذلك؛ فقد يكون التغيير الذي تحتاجه قاب قوسين أو أدنى منك، لكنَّك لن تشهده ما لم تصمد وتتحلى بالصبر.
يمر كلُّ شخصٍ بلحظاتٍ مريرة، ولكن لا يوجد شيءٌ لتخجل منه؛ إذ يمكنك أن تشعر بالعواطف السلبية دون أن تخجل من نفسك، وذلك من خلال ممارسة الإيجابية الصحية.
يمكنك البدء في أيِّ وقت؛ فالإيجابية هي تبديل موقفك ونظرتك إلى ما يجري من حولك؛ وبمجرد أن ترفع معنوياتك، لن يقف أيُّ شيءٍ في طريقك؛ لذا آمن بأنَّك تستطيع، وكن إيجابياً دوماً.
أضف تعليقاً