تعلم الآن أنَّه يجب أن تغفو؛ ولكنَّك صاحٍ مع ذلك وتحدِّقُ في السقف، وتتصارع في عقلك كلُّ أنواع الأفكار، وتفكِّر في شيءٍ قلته، وتتساءل عمَّا إذا كانت الأمور قد ساءت، وتفكِّر في إجراءٍ سابقٍ نتجت عنه عواقب سلبية؛ ثمَّ تبدأ في الشعور بالقلق بشأن كلِّ الأشياء التي يمكن أن تفشل، وتشعر مع كلِّ فكرةٍ عابرةٍ أنَّ مزاجك يتعكَّر.
إذا كان هذا مألوفاً لك، فقد تكون تعاني من المبالغة في التفكير (Overthinking).
يمكن أن تضُرَّ المبالغة في التفكير بصحَّتك النفسية:
القلق بشأنِ حدثٍ ما أو استعادة ذكرياتٍ مؤلمةٍ ظاهرةٌ طبيعية، إذ لدينا جميعاً لحظاتٌ نعيد فيها التفكير في موقفٍ ما ونحلِّل كيف سارت الأمور؛ ولكن بعد فترة، تختفي هذه الأفكار، وننتقل إلى التفكير في شيءٍ آخر.
بالنسبة إلى المبالغة في التفكير، فإنَّ هذه الأفكار لا تتوقَّف ببساطة، بل إنَّها مثل صنبورٍ لا يمكن إغلاقه، وتنقلنا من قلقٍ إلى آخر؛ وننفق نتيجةً لها ساعاتٍ في الندم على أحداثٍ من الماضي، أو الشعور بالقلق إزاء المستقبل.
تتضمَّن بعض المؤشرات على ميلك إلى المبالغة في التفكير ما يأتي:
- تخيَّل جميع السيناريوهات المحتملة لأسوأ الحالات.
- التفكير في المحادثات السابقة، وفيما ينبغي عليك قوله أو عدم قوله.
- إعادة صياغة كلِّ ما قاله أو فعله شخصٌ آخر، والمعاني الكامنة وراء تصرفاته.
- الغرق في أفكارك لدرجة أنَّك تشرد عمَّن هم حولك.
- القسوة على نفسك بسبب أشياء حدثت في الماضي.
تستهلك هذه الأفكار حياتك، كما لو كانت سحابة سوداء تخيِّم فوق رأسك، وقد تعتقد عندما تُفرِط في التفكير أنَّ عقلك يفرز الأشياء؛ ولكن ليس هذا هو الحال ببساطة.
هناك فارقٌ واضحٌ بين المبالغة في التفكير وحلِّ المشكلات، إذ إنَّ حلَّ المشكلات عملٌ إيجابيٌّ ومُنتِج، على عكس المبالغة في التفكير.
يعني حلُّ المشكلات تحديد المعضلة والبحث عن بدائل، ومن ثمَّ إيجاد الحلِّ الأفضل، فهو يقودك إلى محاولةٍ استباقيةٍ لحلِّ المشكلة؛ في حين أنَّ المبالغة في التفكير تتعلَّق بالجمود، حيث يبقى عقلك عالقاً في الخطوة الأول لحلِّ المشكلة، وهو فعلٌ سلبيٌّ وغير مُنتِج؛ لأنَّك تركِّز فقط على المشكلة حصراً، دون محاولة إيجاد طريقةٍ لتجاوزها.
يتعلَّق حلُّ المشكلات بتحسين الموقف؛ في حين تتركِّز المبالغة في التفكير حول فكرة أنَّه لا يوجد مخرج، فأنت عالقٌ في حفرة، ولا وجود لفرصةٍ للنجاة.
يُعرَّف اجترار الأفكار (Ruminating) على أنَّه: "التفكير بعمق"، وله آثارٌ ضارةٌ على صحتنا العقلية، حيث أظهر بحثٌ أنَّ هناك صلةٌ بين اجترار الأفكار والاكتئاب والقلق، لذا تؤدِّي أحداث الحياة العصيبة إلى المزيد من اجترار الأفكار؛ ممَّا يؤدِّي إلى الاكتئاب والقلق على المدى الطويل. وفي المقابل، يؤدِّي الاكتئاب والقلق إلى مزيدٍ من الاجترار. يا لها من حلقة مفرغة يصعب الهروب منها.
الهروب من المَيْل إلى المبالغة في التفكير:
بمجرَّد أن تكون عالقاً في قطارٍ من الأفكار السامة، تشعر براحةٍ في البقاء هناك أكثر منها في المغادرة؛ لذلك تتشبَّث بعاداتك بدافعٍ من التعوُّد.
ومع ذلك، يمكنك اتخاذ خطواتٍ فعَّالةٍ لتغيير هذا السلوك، والانتقال من إجهاد نفسك بأفكارك إلى إيجاد الحلول، وإراحة بالك عند التوصُّل إلى الحل.
للقيام بذلك، إليكَ أربع طرائق للتوقُّف عن المبالغة في التفكير:
1. فكِّر في معتقداتك:
ما الشيء الذي يخلق فيك استجابةً عاطفية؟ قد تكون لحظةً محرجة، أو ضعفاً ملحوظاً في نفسك، أو قلقاً بشأنِ الدخول في موقفٍ سيئٍ محتمل، أو قد يُثار هذا الفكر دون سبب، ولا يمكنك إيقافه حالما يبدأ.
الآن، إليكَ تحدٍّ: ماذا لو حاولت التفكير في تلك الفكرة بطريقةٍ أخرى؟ على سبيل المثال: ربَّما يبدو حدثٌ ما في الماضي محرجاً جداً لك؛ ولكن إمَّا أنَّ الآخرين بالكاد يتذكَّرونه، أو لا يكترثون له على الإطلاق؛ فالمنظور إذاً هامٌّ للغاية.
ربَّما كنت تعتقد دائماً أنَّك غير قادرٍ على فعل شيءٍ ما، وترى شخصاً آخر يحقِّقه، فتقول في نفسك: "أنا لا أقدر على هذا". تقودك عملية التفكير هذه إلى بذل جهدٍ أقل، أو إلى ألا تحاول فعل أيِّ شيءٍ على الإطلاق.
إذا كنت عالقاً في فكرةٍ معينة، فاسأل نفسك لماذا تفكِّر بتلك الطريقة: هل لأنَّك حاولت ولم تحصل على النتائج التي تريدها؟ أم أنَّ خوفك يُملي عليك ذلك؟ هل تبقى معتقداتك لأنَّ التفكير بهذه الطريقة أسهل من فعل ذلك بطريقةٍ مختلفة؟
2. حوِّل أفكارك إلى أفعال:
نحن نغالي في التفكير لأنَّنا نعتقد أنَّ مجرد التفكير في شيءٍ ما سوف يوجِدُ الحل. يبدو الأمر كما لو أنَّ إعادة صياغة الحقائق والصور والكلمات نفسها سيقودنا فجأةً إلى نتيجةٍ جديدة؛ ولكن بالطبع، لا يُقدِّم اجترار الأفكار أيَّ شيءٍ لبدء التغيير الفعلي.
إذا كان لها أيُّ تأثير، فإنَّ المبالغة في التفكير تُبقينا عالقين في الدوامَّة نفسها، إذ نشعر بأنَّنا مُحاصرون أكثر وأكثر كلَّما طالت مدة بقائنا في طريقة التفكير نفسها؛ وعند التركيز على شيءٍ واحد، لا يمكنك رؤية الإمكانيات المُتاحة الأخرى.
مفتاح تجاوز مشكلةٍ ما هو تغيير طريقة تفكيرك للعثور على الحل، فأنت أكثر قوةً ممَّا تعتقد؛ وعندما تواجه مشكلة، فبدلاً من التساؤل عن سبب حدوثها أو الشكوى منها، اسأل نفسك: "ماذا يمكنني أن أفعل حيالها؟".
ركِّز على ما بوسعك عمله، واسأل نفسك كيف يمكن أن يكون أداؤك أفضل في المستقبل، وما الدروس التي تعلمتها، وما الخطوات التالية للمضي قدماً؛ لأنَّك كشخصٍ تتطورُ باستمرار، ويجب أن تعكس أفعالك هذا.
3. ركِّز على الحاضر:
عندما نفكِّر في هذا، تميل عقولنا إلى التجوُّل في جزءٍ كبيرٍ من الزمن؛ فإمَّا أن نستعيد ذاكرتنا الماضية، أو نتساءل كيف سيبدو مستقبلنا، ونادراً ما نركِّز على ما نحن فيه الآن.
إذا كان لديك ميلٌ إلى اجترار أفكارك، فتوقف لحظة، واستوعب محيطك. ما الذي أنت ممتنٌ له الآن؟ وما الشيء الجيد الذي حدث اليوم؟
حاول سرد ثلاثة أشياء إيجابيةٍ على الأقل في حياتك تكون ممتناً لها، أو حدثٍ عارضٍ أو رفاهيةٍ قد نلتها مؤخراً؛ ودوِّنها، وستكتشف أنَّ قيامك بفعلٍ بسيطٍ كتدوينها يمكن أن يغيِّر شعوركَ كثيراً.
شاهد بالفيديو: 5 فوائد مثبتة للشعور بالامتنان
4. حفِّز عقلك:
هل سبق لك أن استحضرت صورةً حيةً حاولت نسيانها؟ إذا كنت قد فعلت، فأنت تعلم أنَّ التخلُّص من الأفكار ليس بهذه البساطة، وإنَّ إخبار نفسك بالتوقُّف عن التفكير في شيءٍ ما سيجعله أكثر حضوراً فحسب.
عندما تجد نفسك عالقاً في نمط تفكيرٍ مدمِّر، فغيِّر ما تفعله. هل أنت متمدد على الأريكة؟ انهض واذهب في نزهةٍ على الأقدام، أو اقرأ كتاباً من الكتب التي في قائمتك.
اعلم متى تبدأ الدخول في دوامة الأفكار السلبية، والتي تدفعك المبالغة في التفكير إلى الانزلاق فيها عندما تكون خاملاً وليس لديك إلَّا القليل لإشغال نفسك.
غالباً ما يكون تبديل المهام كافياً لتغيير طريقة تفكيرك.
تصرَّف بطريقةٍ مختلفة، للتفكير بشكلٍ مختلف:
يمكن للقلق حيال استقرارك في العمل أو تحليل جميع أفعالك السابقة أن يكون عبئاً عاطفياً كبيراً، وقد يبدو أنَّ الحلَّ هو التفكير المتواصل بشيءٍ ما؛ لكنَّه في الحقيقة مجرَّد طريقةٍ لإعادة صياغة المشكلة نفسها، وستعود في النهاية إلى المربع الأول.
يمكن أن تكون المبالغة في التفكير عادةً يَصعب التخلُّص منها؛ ولكن يمكن استبدال المبالغة في التفكير بعاداتٍ إيجابية، مثل حلِّ المشكلات، والشعور بالامتنان، وتحدي إدراك ذاتك.
عندما تبدأ التصرُّف بشكلٍ مختلف، يعرف دماغك هذا؛ وبالتالي ستجد نفسك وأنت تفكِّر وتشعر بطريقةٍ مختلفةٍ أيضاً.
أضف تعليقاً